المطر وجمع الصلاة

علي بن عبد العزيز الشبل

«قال الله عَزَّ وَجَلَّ: أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافر، فأما من قال: مُطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب، وأما من قال: مُطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب».

  • التصنيفات: الذكر والدعاء -

ثبت في الحديث الصحيح[1] عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:  «إن الله عَزَّ وَجَلَّ لا يزال يطلع على عباده فيضحك إليهم أزلين قنطين وإلى قرب غِيَره»، أي: تغيير حالهم من حالٍ إلى حال.

 

♦ ومن أحكام المطر يا عباد الله حكمٌ يتعلق بالعقيدة والإيمان؛ ألا وهو نسبة إنزال المطر إلى الله سبحانه وتعالى، لا إلى الأبراج، ولا إلى النجوم، ولا إلى الفصول، ولا إلى المنخفضات والمرتفعات الجوية؛ ففي الصحيحين من حديث زيد بن خالد الجهني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: صلى بنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الغداة بالحديبية على إثر سماءٍ كانت من الليل، فلما انصرف أقبل علينا بوجهه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «قال الله عَزَّ وَجَلَّ: أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافر، فأما من قال: مُطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب، وأما من قال: مُطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب».

 

♦ ومن أعمال الجاهلية واعتقاداتها الباطلة نسبة نزول المطر إلى النجوم والأنواء والمنازل والأبراج، ففي صحيح مسلم من حديث أبي مالكٍ الأشعري رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  «أربعٌ من أمور الجاهلية في أمتي لا يتركونهن؛ الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالأنواء»، أي: نسبة المطر إلى النوء، وإلى النجم وإلى المنزل وإلى القمر، «والاستسقاء بالأنواء، والنياحة على الموتى، والنائحة إذا لم تتب تقام يوم القيامة وعليها سربالٌ من قطران ودرعٌ من جرب».

 

♦ فأعظم ما يكون يا عباد الله أن تعتقدوا بقلوبكم وتصرحوا بها بألسنتكم وجوارحكم أن منزل المطر وطارح بركته هو الله سبحانه وتعالى، القائل: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى: 28].

 

♦ إن من أحكام المطر أيضًا ما يتعلق بالجمع بين الصلاتين جمعًا من غير قصر؛ فتُصلى الصلاة تامةً ثم تُجمع معها أختها، إذا كان في هذا حاجةٌ ماسة كمطرٍ غزيرٍ ينزل يبل الثياب، أو يخوض الناس في الأرض في المياه، فيُجمع بين الصلاتين من تشوف هذه الشريعة لأداء العبادة جماعةً، ومن تعميم الرخصة على العباد بنزول المطر.

 

♦ وذلك يا عباد الله بأن يصلي مثلًا المغرب ثلاث ركعات ثم يقيموا الصلاة ويصلون العشاء بعدها أربع ركعات، فلا تُقصر الصلاة عند نزول المطر، وإنما قصر الرباعية في السفر خاصةً، لا يكون ذلك لا في المطر ولا في الجمع لأجل المرض، ولا لأجل الخوف ونحو ذلك.

 

♦ ومن أحكام المطر يا عباد الله أنه إذا اشتد نزوله وخيف معه الضرر شُرع للمؤذن أن يؤذن فيقول عند الهيعلة أو بعدها، أو بعد فراغه من الأذان: (صلوا في رحالكم)  أي: صلوا في بيوتكم، لأن الشريعة الغراء دافعةٌ للضرر، ودافعةٌ للمشقة عن عباد الله، وذلك بما جاءت به قواعدها، ومن قواعد الشريعة التيسير في كل أمرٍ نابه تعسير، وهذا يُرد إلى أصول الشريعة وإلى أدلتها، لا إلى ما يهواه الناس ويشتهونه.

 

ثُمَّ اعلموا عباد الله! أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَىٰ الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

♦ ثم اعلموا -عباد الله- أن الله جَلَّ وَعَلا أمرنا بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته المسبحة بقدسه، وأيه بالمؤمنين من جنه وإنسه، فقال سبحانه في آخر الأحزاب: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].