معالجة الأخطاء
هذه الحياة إذًا مليئة بالأخطاء والزلات، والسقطات والخطيئات، وإذا كان صدور الخطأ من العباد أمر قدري فإن علاج الخطأ وإصلاح حال المخطئين واجب شرعي..
- التصنيفات: تزكية النفس - مجتمع وإصلاح -
معاشر المسلمين:
الخطأ والخطيئة، والإفراط والتفريط أمر حتمي لا ينفك عن النفس البشرية وهو جزء من الضعف الذي غرسه الله عز وجل في الإنسان: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}.
ومهما بلغ العبد من مقامات العبودية ودرجات التقوى فلن يسلم من الذنب أو المعصية. «كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون»؛ (أخرجه الترمذي بسند قوى) .
والله عز وجل قدر لعباده أن يذنبوا لكي يتوبوا ويستغفروا ففي الحديث الصحيح عند مسلم: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم».
فهذه الحياة إذًا مليئة بالأخطاء والزلات، والسقطات والخطيئات، وإذا كان صدور الخطأ من العباد أمر قدري فإن علاج الخطأ وإصلاح حال المخطئين واجب شرعي، فليس من الشرع والدين أن يترك الخطأ والمخطئون دون تصويب أو إصلاح، أو يعتذر عن أرباب الكبائر بأنهم بشر، أو أنهم مراهقون، أو أن عصرهم ملئ بالفتن والمغريات.
إخوة الإيمان:
إن فقه علاج الخطأ بالطريقة الشرعية مؤذن بتقليل تلك الأخطاء وعدم تكرارها، وفي المقابل فإن الخطأ في علاج الخطأ ربما أدى إلى نهايات مؤسفة بين المخطئ ومن يعالج الخطأ، أو كان الخطأ في التوجيه سببًا في إصرار المخطئ على ذلكم الذنب.
إن معالجة الأخطاء منهج رباني مقرر في كتاب الله عز وجل وسنة المصطفي صلى الله عليه وسلم، فكتاب ربنا عز وجل ملئ بالأوامر الربانية المصححة لأخطاء البشر حتى ولو كان ذلكم الخطأ صادر من سيد البشر صلى الله عليه وسلم، لقد عاتب الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى ﴾، وفي قوله: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ}.
ونزلت آيات من السماء تبين أخطاء أفراد من صحابه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحينما تنازع الصحابة بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتفعت أصواتهم، أنزل الله عز وجل منبهًا خطأهم قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}.
ولما أفشى حاطب بن أبي بلتعة سر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قريش، أنزل الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ}.
ولما جاءت قافلة تجارة والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب بالناس أنفض بعض الصحابة إليها وتركوا الخطبة فأنزل الله عز وجل: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ}، إلى غير ذلك من الآيات التي تعالج أخطاء بعض العباد.
فلنعش أيها المسلمون مع طرف من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في علاجه وتصويبه لأخطاء الآخرين وهديه صلى الله عليه وسلم خير الهدى وأكمله لأنه مؤيد بخبر السماء، وأفعاله وأقواله رافقها الوحي إقرارًا وتصحيحًا، فإتباع طريقته في إصلاح الأخطاء يبعث في النفس الطمأنينة أنها تسير في الطريق الصحيح السديد، ناهيكم عن أنَّ إتباعه في هذا المجال هو جزء من التأسي والطاعة، المؤذن بالأجر والهداية . {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}، {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا....}.
أيها المؤمنون:
من المعالم البارزة في هدي النبي صلي الله عليه وسلم عند تصحيح الخطأ:
ترفقه بالمخطئ ورفقه عليه في إصلاح خطئه:
لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم رفيقًا بأصحابه رحيمًا بهم، رؤوفًا عليهم، يعالج زلاتهم وهفواتهم بالعبارة اللينة، والكلمة الطيبة، فملك القلوب وأسر الألباب بهذا اللين وتلك السهولة، {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، ولا غرو في ذلك فهو عليه الصلاة والسلام الذي شيد للبشرية صرح الرفق وقوى دعائمة بقوله وفعله، فهو القائل: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه»، والقائل: «من حرم الرفق حرم الخير كله»، ها هو أحد الأعراب يقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعلم منه أمور الإسلام، فكان مما تعلم: التحميد عند العطاس وتشميت العاطس، فدخل ذلك الرجل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى الصولات، فعطس رجل من القوم فحمد الله، فسارع ذلك الرجل بتشميته رافعًا بها صوته، فرماه الناس بأبصارهم، فجعل يتكلم في الصلاة ويقول: واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلى ! فجعل الناس يضربون بأيديهم على أفخاذهم ليسكت، فسكت، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة دعاه فقال له عبارات حانيات ملؤها الرفق والعطف، فأثر هذا التوجيه النبوي بهذا الرجل فقال: بأبي هو وأمي ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا مناله، فوالله ما كهرني، ولا ضربني، ولا شتمني إنما قال: ((إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن.
أيها المؤمنون:
إن الغلظة في تصحيح الخطأ قد تعكس أثرًا سيئًا في نفس المخطئ فتكون سببًا في إصراره على خطئه. فطبيعة النفس البشرية تأنف الحدة في التوجيه وتذكر أخي المبارك إن الكلمة القاسية في العتاب لها كلمة طيبة مرادفة تؤدي المعنى نفسه ولذا كانت الكلمة الطيبة صدقة: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}، {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.
ومن الهدي النبوي في تصويب الأخطاء استخدام أسلوب الإقناع في تبيين الأخطاء:
والإقناع موهبة وفن بحد ذاته وفي الحديث: «إن من البيان لسحرًا».
ولا شك أن اقتناع المخطئ بخطئه وتركه له عن قناعه من أفضل السبل في علاج الخطأ واجتثاثه من جذوره.
يأتي شاب قد امتلأ نشاطًا وحيوية إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، فقال: يا رسول الله ائذن لي في الزنا فصاح به الناس، وهموا أن يبطشوا به، ولكن ماذا فعل صلى الله عليه وسلم هل شتمه ووبخه ؟ هل بكته وعنفه ؟ هل أمر به ليؤخذ قبل أن يفر ؟ كلا، لقد أسكت النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة وقال: مه دعوه ثم أشار إليه بيده وقال: ادن، فدنا الرجل حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال «يا هذا أتحبه لأمك» ؟ فقال الرجل: لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وكذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم» ثم قال له: «أتحبه لابنتك» ؟ قال: لا، قال: «فكذلك الناس لا يحبونه لبناتهم أتحبه لأختك» ؟ قال: لا قال: «فكذلك الناس لا يحبونه لأخواتهم» ، ثم وضع يده صلى الله عليه وسلم على صدر الرجل، ودعا له بدعوات ملؤها الرفق والعطف والرحمة فقال: «اللهم كفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه».
ومن صور الإقناع في تصحيح الأخطاء: قصة ذلك الأعرابي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد امتلأ صدره شكًا واتهاما لزوجته، فصاح بالنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلامًا أسودًا، وهو يعرض بأن ينفيه ويتبرأ منه فقال له عليه الصلاة والسلام مقنعًا ومزيلاً عنه هذه الشكوك التي كادت أن تهدم كيان أسرته: «هل لك من أبل» ؟ قال: نعم، قال: «ما ألوانها» ؟ قال: حمر، قال «هل فيها من أورق» ؟ قال:نعم قال «فأني ذلك» ؟ قال: لعل نزعه عرق قال: «ولعل ابنك هذا نزعه عرق» .
ومن هدي النبي صلي الله عليه وسلم في علاج الخطأ: مراعاته لنفسية المخطئ، وعدم مواجهته بالتخطئة، والإكتفاء بأسلوب التعريض، فالإنسان بطبعه يصاب بشيء من الحرج عندما يواجه بتخطئته على أفعاله، ولذا كثيرًا ما كان صلى الله عليه وسلم يستخدم شعار " «ما بال أقوام» " للتنبيه على بعض الأخطاء. فهذا الأسلوب أكثر تأثيرًا في النفس وقبولاً للعلاج مع ستره للمخطئ وعدم فضحه أمام الملأ.
وقد جاءت الأحاديث النبوية مراعية نفسيات المخطئين وحاثة على الستر عليهم، وفي الحديث: ( «(من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة»؛ (رواه مسلم وغيره) .
ومن الأمثلة على استخدام أسلوب التعريض مراعاة لنفسية المخطئ: قصة الرجلين اللذين استبا في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحمر وجه أحدهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لمن حوله والرجل يسمع: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
ومن معالم الهدي النبوي مع الأخطاء أنه ربما سكت عن الخطأ درءًا ودفعًا لما هو أكبر منه، ومن قواعد الشريعة الإسلامية: تحمل أدنى المفسدتين لدرة أعلاهما، فالنبي صلى الله عليه وسلم سكت عن المنافقين وصبر على أذاهم ولم يقتلهم مع ثبوت كفرهم وخيانتهم درءًا لمفسدة أعظم هي: «حتي لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه».
ومن الوقائع المؤكدة لهذه القاعدة الشرعية: قصة ذاك الأعرابي الذي جاء إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة جلوس حول الرسول صلى الله عليه وسلم، فقام ذاك الأعرابي إلى ناحية المسجد، فجعل يبول فيها، فقام إليه الناس وزجروه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعوه، اتركوه، لا تزموه»، حتى قضى الرجل حاجته، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه، ثم قال للرجل: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن». فنلحظ من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الصحابة عن الإنكار على الأعرابي مع أن فعله خطأ وتدنيس للمسجد، كل ذلك درءًا لمفسدة تحرك الأعرابي أثناء بوله وتنجيسه لأماكن أخرى من المسجد.
ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تصويب الأخطاء: تذكير المخطئ بمراقبة الله تعالى له، رأى النبي صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه يضرب غلامًا له فناداه: «اعلم أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام». فقال الصحابي متذكرًا عظمة الله وعقوبته: والله لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا. وفي رواية أنه قال: هو حر لوجه الله يا رسول الله؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما لو لم تفعل للفحتك النار».
أيها المؤمنون:
إن التذكير بعقوبة الله تعالى من أقوى وانفع الأسباب في علاج الأخطاء، فإن القلب الحي إذا ذكر أو تذكر عند الخطأ شدة عقوبة الله تعالى ندم وتاب واستغفر، والله عز وجل قد ربط بين أفعال المخطئين وتذكرهم لعظمة الله عز وجل {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفرو}.
ومن الأساليب النبوية في علاج الأخطاء: هجر المخطئ، وترك الكلام معه، وإظهار عدم الرضا عليه: وهذا الهجران أسلوب تربوي مفيد، وذلك لما يحدثه من الأثر البالغ في نفس المخطئ، ويتأكد الهجران إذا عظم الخطأ، فقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة من أصحابه خمسين ليلة، لأنهم تخلفوا عن غزوة تبوك بلا عذر شرعي، فكان ذلك الهجران سببًا في زيادة ندمهم وصدق توبتهم، وعند الإمام أحمد في مسنده: أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا اطلع على أحد من أهل بيته يكذب كذبه لم يزل معرضًا عنه حتى يعلم انه أحدث منها توبة.
والهجران يختلف بحسب حال المخطئ ومكانة الهاجر في نفسه وقربن منه، فإن كان الهجران يترتب عليه ندم المخطئ وزجره عن فعله فهذا أسلوب نافع، وعلاج صحيح، أما إن كان الهجران لا يزيد المخطئ إلا بعدًا وإصرارا على الخطأ، فإن هذا الهجران حينئذ ليس بأسلوب في العلاج.
أيها المؤمنون:
تنبيه المخطئ على خطئه وإدراكه له أمر مهم، ولكن الأهم أن يرشد ويوجه للفعل الصحيح في المستقبل.
ها هو الصحابي أبو بكرة الثقفي يسعى إلى المسجد ليدرك الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف، ثم مشى إلى الصف فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة بقوله: «زادك الله حرصًا، ولا تَعُدْ».
ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في علاج الأخطاء: مراعاة ما هو مغروس في طبيعة المخطئ فمثلاً الغيرة عند المرآة خلق مركوز في نفسيتها، فالواجب التسامح مع أخطاء المرأة الناتج من غيرتها بشيء من التسامح وغض الطرف.
أرسلت أم سلمه رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بطعام في صحفه في يوم عائشة، فضربت عائشة رضي الله عنه تلك الصحفة ففلقتها نصفين، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين فلقتي الصحفة، وجعل الطعام فيه وهو يقول: «كلوا غارت أمكم»، تم أخذ صحفه عائشة فبعث بها إلى أم سلمه، وأعطى عائشة الصحفة التي كسرتها.
أما بعد فيا إخوة الإيمان:
ومن الإشارات في تصحيح الأخطاء وعلاجها: أن يوضع الخطأ في مكانه الطبيعي، فلا يضخم ولا يهون، فاللمم والصغائر لا ينبغي أن تجعل في التصحيح والعلاج في مصاف الموبقات والكبائر، وكذلك الأخطاء المتعلقة بالحدود أو الاعتداء على الآخرين لا يجوز تهوينها أو التسامح فيها، وفي الحديث الصحيح الذي خرجه أحمد وغيره يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم، إلا الحدود».
أيضًا: عند تزاحم أخطاء الناس يقدم في العلاج الأهم فالمهم فأخطاء البشر في الاعتقاد أو الفرائض الواجبة ينبغي أن تقدم في الإصلاح على أخطاء السلوك والآداب، وقضية التدرج في الدعوة والإصلاح سنة نبوية ثبتت في غير ما حديثٍ صحيح.
ومن الإشارات في جانب إصلاح الأخطاء: النظر في حالة المخطئ، والتفريق بين المخطئ الجاهل والمخطئ عن علم، والخطأ الناتج عن غفلة أو الخطأ الناتج عن شبهه، ولكل صنف نوع إصلاح فالجاهل يصوب بالتعليم، والغافل بالتذكير، والعالم بالموعظة الحسنة، والمتعلق بشبهة يعالج بالحكمة والحوار وتجلية الشبهة عنه.
ومن الإشارات أيضًا: التفريق بين الخطأ الطارئ والخطأ المتجذر، فالمخطئ الحديث عهد بخطئه والذي لم يفعل الخطأ إلا قليلاً فهذا يسهل علاج خطئه بالتذكير والترهيب لأن خطئه لا يزال رطبًا، والإحساس بألم الخطأ وعدم ألفته له موجود عنده، بخلاف الأخطاء المتجذرة المتراكمة فهذا النوع من المخطئين لا تكفيه الموعظة أو الموعظات، وإنما يحتاج إلى جهد من التوجيه وصبر على التذكير.
ومن الإشارات أيضًا: مراعاة البيئة التي حصل فيها الخطأ، فربما كان في بيئة يفتى فيها بجواز هذا الخطأ، وإذا كان المصلح يرى ديانة أن هذا من الخطأ فغيره أيضًا باجتهاد لا هوى يرى أنه ليس بخطأ.
أيها المؤمنون:
ومن الأمور المهمة عند الحديث عن علاج الأخطاء إيجاد البدائل الصحيحة المبعدة عن هذا الأخطاء فالشرع المطهر لما منع المحرمات شرع المباحات التي يستغنى بها عن هذا الحرام، فلما حرمت الشريعة الزنا أباحت النكاح ولما حرمت الربا أباحت البيع، ولما حرمت لحم الخنزير والكلب والميتة وكل ذي ناب ومخلب، في المقابل أباحت الذبائح من بهيمة الأنعام وغيرها.
فالواجب على أهل التربية والإصلاح إيجاد البدائل المباحة التي يستغني بها الناس عن المحرمات خصوصًا في هذا العصر الذي كثر فيه فراغ الناس وتفنن أهل الباطل في تزيين المنكرات، وفتن العباد بالمحرمات.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من عباده المستغفرين عند الأخطاء هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية وأزكى البشرية.