رسالة عاجلة جدًا للإسلاميين
محمد بن شاكر الشريف
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
لست مع الذين يرون أن الثورات العربية في العديد من الدول الإسلامية والعربية صناعة أمريكية، بل الأكثر توقعًا عندي أن الأمريكان فوجئوا بذلك مثلما فوجئ الحكام أنفسهم بتلك الثورات، لكن هذا لا يمنع من محاولتهم الاستفادة القصوى من ذلك لتحقيق أهدافهم، وخاصة أن لديهم من الوسائل والإمكانات ما يساعد على ذلك.
وعند تقليب الأمر وقراءته على عدة أنحاء مع بعض التخيل المتعقل القائم على وقائع سبقت، لا التخيل المنفلت الذي يسبح في فراغ الأوهام، قد يقود إلى استنتاج أن أمريكا والدول الغربية أيقنت من إفلاس النظم الطاغوتية التي تؤيدها حتى على المستوى الشعبي، وهذا الإفلاس قد يساعد أو يسرع من وصول حركات إسلامية نقية إلى الحكم، وهذا معناه أفول نجم أمريكا والدول الغربية في المنطقة العربية، فيكون فيه الموت الزؤام لهم، وبإزاء ذلك فليس هناك ما يمنع أن تكون هذه الدول قد قررت فض الشراكة مع تلك النظم وترك الدفاع عنها أمام أية هبة شعبية قوية أو ثورة أو حركة تمرد، في الوقت الذي أوعزت فيه لمن خلف تلك الأنظمة البائدة -وفي الغالب فإن للدول الغربية وعلى رأسها أمريكا أذناب في كل نظام- بإفساح المجال قليلًا للقوى الإسلامية الراغبة في التغيير بالمشاركة السياسية المحسوبة التي توازن بين أمور:
1- امتصاص النقمة والغضبة من الشعوب تجاه الأنظمة.
2- أن تتاح للاتجاهات العلمانية والليبرالية مزاحمة الإسلاميين ولو بمساعدة النظم التي خلفت الأنظمة الطاغوتية، وبمساعدة الإعلام الذي يمثل سحرة فرعون.
3- السماح للإسلاميين بتحقيق بعض المكاسب التي تقنعهم بجدوى المشاركة وتجعلهم حريصين على إنجاح المسيرة، لكن دون السماح أن تكون المكاسب حاسمة تحسم نتيجة الصراع لصالح الإسلاميين.
4- الضغط في الوقت نفسه لزحزحة مواقف الإسلاميين -ولو بعضهم- والحصول على بعض التنازلات التي يقبلها بعض الشيوخ تحت دعوى بعض القواعد الفقهية كاحتمال أخف الضررين لدفع أعلاهما، أو تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما، والتي قد تؤدي مع مرور الأيام إلى تعميق الشرخ في المنظومة العقدية الإسلامية، التي تتعصي دومًا على التغيير، لأن ثبات الإسلاميين على مواقفهم المستمسكة بالأحكام الشرعية سيساعد في تلك الأحوال على وصفهم بالمتشددين والمتزمتين، وأنهم قبضوا أيديهم في مقابلة الأيدي الممدودة لهم بالمصالحة والمصافحة مما قد يضعف الدعم الذي يحظون به من شعوبهم.
وفيما نلمسه من تصرفات الأنظمة البديلة ما يسمح بقبول هذا التصور، وما نلحظه من بطء في التغيير في بعض الدول، فلعل ذلك لإتاحة الفرصة لترتيب البيت من الداخل حتى لا يكون وصول الإسلاميين للحكم يمثل مشكلة للأمريكان والدول الغربية، ومع تقديري أن التصور المذكور واقعي جدًا وله سوابق حيث تهادن الشعوب الثائرة ريثما يتمكنون من الالتفاف عليها وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه، أو ربما أسوأ تحت شعارات براقة خادعة ظاهرها الاستجابة لتطلعات الشعوب وباطنها المحافظة على مسلمات الأنظمة البائدة.
إن دول الغرب وأمريكا التي أدمنت معاداة الإسلام والمسلمين والعدوان على دولهم وامتصاص خيرات بلادهم، لن تسلم للشعوب بامتلاك أمرها إلا راغمة مضطرة.
لكن إذا كانت تلك إراداتهم وهذه أهدافهم وخططهم وهم يسعون بكل سبيل لتحقيق ذلك، وخاصة عن طريق وسائل الإعلام التي لا تنفك عن تزيين الباطل وتشويه الحقائق، وعمل اللقاءات مع بعض الرموز من غير أن يكون لبعضهم دراية تامة بأساليبهم الملتوية، التي يضعون المتحدث فيها بين أمرين أحلاهما أشد مرارة من الآخر.
فإن لنا إرادتنا وأهدافنا ومن ثم فلا يجوز التخاذل أمامهم في مواطن النزال، والإسلاميون الآن في مواجهة كبرى ومهمة من أعظم المهمات الصعبة وهي حراسة البلد من أن يسطو عليها سراق الثورات في الوقت الذي يحافظون فيه على دينهم وشريعتهم من التبديل والتغيير، ولا يصلح أبداً أن تكون حراسة البلد من السراق مسوغاً للتنازلات التي تفضي إلى إفساد الدين كما فعل أهل الكتاب من قبلنا، فعلينا أن نحافظ على ديننا ونحافظ على بلدنا، والحمد لله تحقيق واحد منهما لا يعارض تحقيق الآخر.
من الأمور المحزنة أن نرى ونسمع من يقول أقوالًا ليست عليها نور الشريعة ولا بهجة الإيمان، يدفع قائلها إلى ذلك وهْم ألا يتهم بتشدد وحتى لا يستثير عامة الناس، وقد يقع في بعضها أحيانًا لقلة العلم، وقد أدرك الإعلاميون هذا الأمر، فأصبحت كل أو أغلب برامجهم مع الإسلاميين تركز على هذا الجانب، فإما أن يقدم الإسلامي تنازلًا يقع في خانة التحريف وإما أن يواجه الناس بما لا يطيقون فينفرون عن الإسلام فعلى أي نحو كان الجواب فالمستفيد من ذلك من يحارب الإسلاميين ويسعى في إسقاطهم.
منذ أن بدأ الإعلاميون في استضافة الإسلاميين وعمل الحوارات معهم وظهور منهجهم في ذلك، كان ينبغي الالتفات إلى مسلكهم حتى لا يكون الإسلاميون ضحية استدراجهم، والأمر يسير كان ينبغي ألا يسمح الإسلامي حتى يستدرج من قبل الإعلامي، فيدخل في مناطق لم يكن دارسًا لها دراسة جيدة، وكان ينبغي أن تكون هناك أجوبة جاهزة على الأسئلة المحتملة يتوفر في الأجوبة أمرين:
1- الحفاظ على الأحكام الشرعية على ما دلت عليه الأدلة الصحيحة بكل الصدق والوضوح من غير مداهنة ولا التفاف.
2- مراعاة حال المتلقين الحال الإيمانية والحال العلمية، وهذه المراعاة تفرض على النابه اختيار ألفاظه وتعبيراته بعناية، حتى تحقق المأمول من الظهور الإعلامي.
أما أن يتمخض الظهور الإعلامي عن أحد أمرين: إما عن إحداث قطيعة بين الإسلاميين وبين جمهور الشعب، وإما عن تقديم تنازلات تصب في خانة التحريف، فذلك أمر لا يجوز ولا يمكن قبوله.
لقد بدا من بعض الإسلاميين محاولة الظهور بما يسمون الاعتدال أو الوسطية، حتى على حساب الأحكام المعلومة أو على حساب الإسلاميين الآخرين، ظهر الاعتدال المخادع والوسطية التحريفية في عدة ملفات: (في ملف النصارى، في ملف السلوكيات، في ملف المرأة، وفي ملف تطبيق الشريعة) بحيث صرنا لا نسمع من بعض أصحاب الظهور الإعلامي في أي ملف من هذه الملفات إلا ما يكدر عيش المسلم الحريص على دينه وعلى علوه على الدين كله : (فالإسلام يعلو ولا يعلى) فمن المهم جدًا أن يعود الإسلاميون إلى قواعدهم سالمين من تحريف الدين أو تزييفه، فلا يخالفوا ما جاءت به أحكام الشريعة ولا ما أثر عن سلفنا الصالح، وقد يكون من المناسب ومن باب التعاون على البر والتقوى بإعانة الإسلاميين وإمدادهم بالمادة العلمية المجهزة بالصياغات المعاصرة، حتى يمكنهم مواجهة الهجمة المضادة بثبات وحكمة، والتزام النصوص ولعل ما يمكن أن يساعد في تحقيق ذلك على الوجه المرضي: أن يتنادى من يهمهم الأمر إلى إنشاء مركز أبحاث متخصص لدراسة مسألة المشاركة السياسية، وما يترتب عليها من أسئلة، والملفات ذات الصلة التي يواجه بها الإسلاميون في كل مشاركة أو ظهور إعلامي لعل في ذلك إيقاف النزيف الذي يكاد يعصف بكثير من الثوابت.