خريف الحوثيين في اليمن
هناك قوى تؤمن في هذا التيار الشيعي بإقصاء الناس وتقدس الصنمية والسلالية، لتجعل فئة من الناس قادة مقدسون وآخرون توابع ليس لهم مقام أو قامة
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
الكـاتب : موقع مارب برس
المختار الإسلامي
في حين يشهد الوطن العربي زخماً ثورياً واسعاً ضد الأنظمة الاستبدادية القمعية والحاكمة على رؤوس الشعوب بقوة الحديد والنار،، تنبري في الوقت الحالي جماعة الحوثي في اليمن؛ لتفرض نفسها على أرض الواقع تحت لغة الحديد والنار.
وفي والوقت الذي تثور فيه هذه الشعوب ضد تلك الأنظمة التي عصفت بعدد من زعماء الظلام والرجعة التي سعت أن تظل الشعوب تركع أمامها وتقبل أياديها، نجد تصدر الحوثيين في أكثر من جبهة تسعى لإخضاع الناس بقوة الحديد والنار وقوة السلاح، وتسعى أن تقدم نفسها مدنياً في الساحات وصفحات الفيس بوك وتويتر في حين تنعكس الصورة بشكل مخيف جداً لذلك التناقض الذي يبدو أنه مغطى بشموع التقية.
فمع بزوغ الربيع العربي في القرن الحادي والعشرين نجد أن هناك قوى تؤمن في هذا التيار الشيعي بإقصاء الناس وتقدس الصنمية والسلالية، لتجعل فئة من الناس قادة مقدسون وآخرون توابع ليس لهم مقام أو قامة.
الحوثيون -وفي قلب الربيع العربي- دخلوا في لحظة من الزمن وبعيداً عن كل تداعيات المنطقة، ليختطفوا لأنفسهم مساحات من أرض لا تدين لهم ولا تعتقد معتقدهم بقوة السلاح، مستغلين انشغال ثوار اليمن وأحرارها في ترحيل رابع صنم عربي.
الحوثيون يعيشون في وهم وانتصارات خارج إطار المعادلة التوازنية لتركيبة المجتمع اليمني، انتصارات بنت مشهدها النفسي والإعلامي على نتائج قتال الجيش اليمني أو السعودي.
تحركات الحوثيين في محافظة حجة وعمران بتلك الطريقة التي بمكن أن نطلق عليها "استعمار" مناطق ما في داخل الوطن الأم "اليمن" في حين يتم التهامس فيما بينهم على أنهم فاتحين لتلك المناطق.
في هذه الحلقة التي ينشرها "مأرب برس" نستعرض لحقيقة الحوثي، وكيف وقع الكثير من أبناء اليمن خديعة هذه الحركة التي استغلت تعاطف الشارع اليمني مع ماضيهم مع النظام في صناعة مشهد مغاير للحقيقة والواقع، على أنهم قوة قادمة تقبل بالأخر وتسعى إلى بناء يمن متحضر قائم على المدنية والقبول بالأخر، لكن يبدو أن ثورة الشباب في اليمن قد أسقطتهم، وسيكون الحديث في هذه الحلقة الأولى عن محور محافظة الجوف لنرصد نتائج أولى تجارب الحوثيين في الحرب مع أبناء القبائل.
الزحف نحو محافظة الجوف:
حاول الحوثيون في الأشهر الأولى للثورة الشبابية في اليمن إلى إسقاط محافظة الجوف، لتكون امتداداً إلى محافظة صعدة، إضافة إلى إسقاط محافظة مأرب في محاولة إلى تكوين مكون جغرافي واسع خاصة في المحافظات التي ترتبط حدودها مع المملكة العربية السعودية.
حيث فوجئ أبناء محافظة الجوف بتدفق المئات من "حوثة صعدة وحرف سفيان ولفيف من مناطق أخرى" إلى مناطقهم وقراهم وبدأت تلك العناصر الزاحفة إلى محافظة الجوف في خوض مواجهات مسلحة مع أبناء الأرض بقوة الحديد والنار، مصحوبة بتطلعات الزحف صوب محافظة مأرب، وبدأت تلك الخطوة فعلاً، حيث تجاوزا جغرافيا مديرية الغيل، إضافة إلى غراسهم السلالي والطائفي في بعض مناطق مديرية مدغل وبدبدة في مأرب، وكانت آمالهم تتجه صوب محافظة مأرب، كونها العصب النفطي لليمن، وشريان تغذية العاصمة صنعاء بالنفط والكهرباء والغاز.
الجوف محرقة الحوثيين في اليمن:
لقد مثلت المواجهات التي جرت منذ بدايات الأشهر الأربعة الأولى من عمر الثورة اليمنية في محافظة الجوف درساً مهماً لهم، خاصة وأن عامة الناس اكتشفوا حقيقتهم القتالية، وهشاشة قدرتهم في المواجهات مع رجال القبائل، إضافة إلى تعلقهم بالطلاسم والخزعبلات.
لقد كانت محافظة الجوف أحد المناطق التي ظن الحوثي أنه "أغلقها على نفسه" بعد توسعه في عدد من مديراتها الشمالية، لكن يبدو أن المواجهات المسلحة التي دامت قرابة ثلاثة أشهر مع رجال القبائل جعلت الحوثيين يولوا "فرارا" من تلك المحافظة تحت صمود أبناء القبائل الرافض لأي تمدد تحت لغة الحديد والنار أو فرض أي عقيدة دينية جديدة مخالفة لعقيدة الآباء والأجداد.
تعد المواجهات المسلحة التي دارت في محافظة الجوف وفي لحظة عابرة من الثورة اليمنية، محور هام الأحرى بالحوثي وأنصاره أن يغيروا من خلالها المضي تحركاتهم القمعية، ضد أبناء اليمن كما يمارس حاليا في محافظة حجة.
كما كشفت تلك المواجهات عن تلون الحوثيين بأكثر من قناع، ففي حين كان من يطلقون على أنفسهم أنهم "ثوار في ساحة التغيير" كان أتباعهم القادمين من صعدة ومن حرف سفيان يتدفقون إلى محافظة الجوف بأسلحتهم الثقيلة والمتوسطة كان من بينها الدبابات والمدفعية وهمرات الجيش السعودي وراجمات الصواريخ "الكاتيوشا" التي تم الاستيلاء عليها في المواجهات السابقة في محافظة صعدة أو تم منحها لهم من قبل جهات مرتبطة بصالح، لقتال أنصار المشترك وقبائل الجوف، وسفك دماء الناس تحت مبررات التوسع وقتال من يخالفهم في عقيدتهم رغم أدعائهم المعتاد أن تلك المواجهات كانت لدفاع عن النفس.
كما مارس الحوثيون مفارقات في غاية الغرابة في حين كان بعضهم يتمايلون طربا في ساحة التغيير بصنعاء على النغمات الثورية كان عناصرهم توغل في اعتدائها ضد أنصار المشترك من أبناء الجوف، وظلت كتائب الحوثيين "الغزاة" كما أطلق عليهم أبناء القبائل، تتدفق كتيبة تلو الأخرى لقتال أهل الأرض من أبناء المحافظة دون أن تحقق تلك الكتائب أي تقدم سوى الموت بعد أن تعلو حناجر مقاتليهم بصارخات "الموت لأمريكا الموت لإسرائيل".
خيار المواجهات المسلحة:
ظل الحوثيون يرسلون رسلهم ومبشريهم طيلة أكثر من عشرة أعوام إلى محافظة الجوف، وبدأ تأثيرهم يظهر في بعض مناطق المحافظة خاصة الشمالية التي لها اتصال جغرافي مع محافظة صعدة، نظراً لاستفحال ظاهرة الأمية والفقر والجهل في المجتمع، وبدأ عبد الملك الحوثي يرسل "السادة والإشراف" على أساس أنهم "يمثلون أهل البيت" لقيادة القبائل "الطبقة المقاتلة".
وقد نجح الحوثيون في تكوين شعبية في المحافظة خلال تلك السنوات الماضية التي لوحظ أن هناك تقارب بينهم وبين النظام خاصة في تسهيل مهام التبشير والدعم المالي وتقريب بعض الواجهات الموالية للحوثي من صناعة القرار داخل المحافظة على شكل وكلاء ومدراء عموم.
كما مثلت الحملة الإعلامية التي قادها الحوثيون خلال تلك الفترة معتمدين على توعية مظللة مستغلين جهل الناس وفقرهم، إضافة إلى التركيز على أخطاء النظام في تقديم أنفسهم على أنهم "المنقذون" لهذا البلد ولمحافظة الجوف أولاً.
تنامى ذلك النفوذ وبدأت نعراته في إقصاء الآخر وعدم الاعتراف به كشريك وطني في الحياة، وهو الأمر الذي سرع إلى تفجير الوضع بين أبناء المحافظة فيما بينهم في بداية الأمر.
وقد برزت مرارة ما يفسده الحوثي في المجتمع في الجوف أن من يعتنق فكر الحوثي لا يجد أي محاذير قتال قبيلته وأبناء عمومته بل وفي مواجهات ذوات الرحم من الأسرة الواحدة "الولد يقف في وجه أبية أو أخيه" وهي سابقة لم تشهدها أعراف القبيلة أو ثقافة المجتمع أو مبادئ الإسلام.
وقد تخلل تلك الفترة مواجهات مسلحة من وقت لآخر في أكثر من جبهة ومديرية بين الحوثيين والقبائل لكنها كانت متقطعة وسريعة، لأنه كان يتم احتوائها من قبل مشائخ ووجهاء المنطقة، خوفاً من توسع رقعتها وخطورة آثارها، إضافة إلى أنها كانت أحياناً تقابل بروح "اكتفاء الشر" وعدم رغبة القبائل في الدخول في مواجهات مسلحة مع عناصر الحوثي، خاصة وأنه لم يكن هناك أي داعي "ثأر" أو خلاف على "حد قبيلة" أو خلاف شخصي.
وكانت القبائل تحاول تجنب شر ذلك التوغل، وهو الأمر الذي ساعد الحوثيين في الوصول إلى عدد من مديريات المحافظة في وقت قياسي رغم وجود استياء واسع من تتلك الطريقة التي كان يمارسها الحوثيين.
لكن الأمر لم يدم طويلاً حتى اضطر أبناء الجوف من أنصار المشترك إلى حمل السلاح في مواجهة "الغزاة" من خارج المحافظة، حيث جرت مواجهات عنيفة بعد أن شعر رجال القبائل أن هناك مخطط يهدف إلى إسقاط المحافظة بقوة الحديد والنار وضرب كل من يحاول أن يرفع رأسه ضد تلك التحركات، فاندلعت مواجهات مسلحة بين الطرفين، حيث تكبد الحوثيون فيها خسائر فادحة، مما اضطر عبد الملك الحوثي إلى أن يرسل الكتيبة تلو الأخرى في محاولة للحفاظ على الصورة الذهنية لدى العامة عن "الحوثيين التي بدأت ترتسم بأنهم جماعة لا تهزم"، وفي كل مرة كان يتم إرسال التعزيزات إلى الجوف، كانت قياداتهم تتوقع أن النصر سيكون حليفهم في المعركة القادمة، لكن صمود رجال القبائل كسرت تلك الطموحات، وتحطمت أمامه آمال التوسع، مما تسبب في حصول انقسام داخلي في جبهة الحوثيين أنفسهم خاصة بعد أن قرر عبد الملك الحوثي بوقف الدعم عن إرسال أي دعم من الحوثة إلى الجوف، بحجة أن "حوثيي محافظة الجوف كان غالبيتهم لا يشاركون في القتال، لأن الغالبية كانوا من الأشراف وهم يمثلون طبقة لا يمكن أن تقاتل، وإنما القتال على طبقة أخرى في المجتمع هم أبناء القبائل، لأنهم في نظرهم أشراف لهم قداستهم والجميع يطلق عليهم لقب "سيدي".
تصدع جبهة الحوثيين وقتال داخلي:
اضطرت عدد من القيادات الحوثية القادمة من صعدة إلى اتخاذ قرار الانسحاب من الجوف بعد تكبدهم خسائر فادحة في صفوف مقاتليهم بل بالغ البعض من الحوثة أن قالوا لقد خسرنا في ثلاثة أشهر من قيادتنا في الجوف ما لم نخسره في حروبنا الستة مع الدولة، سقط اثنين من أسرة الحوثي بينهم شقيق عبد الملك الحوثي في تلك المواجهات، ونجل يحي بدر الدين الحوثي.
كما كشفت المواجهات التي جرت خلال تلك الأشهر عن هشاشة التكوين العسكري للحوثيين، واعتمادهم على مقاتلين "لا يعرفوا سوى الهجوم" وهم يصرخون بالصرخة، وقتل العشرات منهم في عمليات هجوم بطرق غريبة، حيث عثر رجال القبائل أن بنادق أولئك المهاجمين كانت مؤمنة ودون أن يتم شحنها بالذخيرة قبيل أي هجوم، وكان يشعرون أنهم إذا شنوا أي هجوم وهم يهتفون بصرختهم-الموت لأمريكا الموت لإسرائيل- أنهم سينتصروا، إضافة إلى مشاركة أطفال بأعداد كبيرة في تلك المواجهات، إضافة إلى اعتقادهم في "الطلاسم" التي كان يروج لها فيما بينهم على أنها طلاسم تقي من الرصاص وهي من قبل سيدهم "عبد الملك" حيث عثر في ثياب كل قتلى الحوثيين في الجوف على طلاسم سحرية، كما كشف عدد من الأسرى الذين وقعوا في يد رجال القبائل المواليين للمشترك عن اعتقاد كبير للحوثيين في تلك الطلاسم.
قيادة الحوثي توجه مقاتليها بالرحيل:
غادر الحوثيون الجوف تحت قوة السلاح ومحملين بتجارب وطأة الهزيمة النفسية والعسكرية؛ نتيجة لتكبدهم خسائر فادحة في العدة والعتاد، حتى تلاحقت هزائمهم لتصل تداعياتها إلى ضرب العمق الجغرافي لأنصار الحوثيين في منطقة الزاهر شمال المحافظة -مما تسبب تراجع نفوذهم في المحافظة بشكل كبير وبعد انكسار الوهم حول حقيقة الحوثيين في نفوس العامة من الناس.
كما كشفت مواجهات الجوف عن عدم احترام الحوثيين العهود والمواثيق، وأكدت تلك المواجهات التي تخللها عشرات الاتفاقيات من "صلح أو هدنة" على أنهم يعشقون الغدر بخصومهم، حيث سقط غالبية قتلى رجال القبائل أثناء صلح أو هدنة، برصاص الحوثيين وهم يهتفون "الموت لأمريكا الموت إسرائيل"، دون أي مراعاة لتلك العهود التي كانت تستباح تحت فتاوى اثني عشرية قادمة على المجتمع اليمني تستند إلى التقية.
محرقة الحوثيين في الجوف:
مثلت المواجهات التي خاضها الحوثيون في الجوف ضربة موجعة لطموحات الحوثيين في التمدد الجغرافي شرقاً وتحديداً في المحافظات التي ترتبط بالجارة السعودية، حيث قوبل ذلك الزحف برد عنيف ومنظم من قبل رجال القبائل، ولم تجدي عشرات المعارك الضارية التي خاضوها مستخدمين الأسلحة الثقيلة بكل أنواعها، في إحداث أي تغيير لكفة المواجهات سوى الهزيمة والتآكل الداخلي لهم.
إضافة إلى هبوب عاصفة أنباء الهزائم التي كانت تلحق بهم في أرجاء المحافظات الشرقية في اليمن وغيرها من المناطق وهو ما كان يعد لدى "مرجعياتهم الدينية" انهيار مبكر لطموحاتهم وخوفهم من اكتشاف أن الحوثيين ظاهرة صوتية.
يمكن أن نقرأ أن ثمة خريف قادم تتساقط أوراقة قادماً من بلاد الشام ومروراً بجبال اليمن.
يمكن القول أن الثورة اليمنية وساحاتها أعطت التيار الحوثي الفرصة في تقديم نفسه بطريقة أكثر عصرية من الصورة المعهودة لدى المواطن اليمني والتي شكلتها آلة الإعلام الرسمية المختلطة بلهيب الحرب وأزيز الرصاص.
وقد سعى ذلك التيار إلى ركوب الموجة الثورية والدعوة إلى إسقاط النظام في اليمن، رغم أن عددا من مساجدهم جاهرت بالدعاء والثناء لعلي صالح حسب حديث أبناء مدينة صعدة، لكن التوجيهات التي صدرت لاحقا في أوائل الثورة نصت على الالتحاق بركب الثورة.
وعمد التيار الحوثي إلى رفد ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء بمجموعات من أنصاره، وقد نجحت تلك المجموعات في صناعة علاقات مباشرة مع "شباب الثورة في الساحة رغم التوجس منهم في بداية الأمر"، واستطاعوا جذب عدد من التيارات المستقلة و قوى الحداثة والتيارات الليبرالية في الساحة وقدموا أنفسهم عبر اللقاءات العامة والخاصة ومقايل القات، إضافة إلى قيامهم بالعمل بطرق منظمة في صفوف المستقلين من شباب الساحة، حيث أحدثوا خلال تلك الفترة نجاحات ملموسة في مقدمتها كسر الصورة النمطية للحوثيين وحاولوا خلال هذه الفترة أن يقدموا أنفسهم بصورة متحضرة ومتمدنة تقبل بالأخر وتدعو إلى الانفتاح وتدعو إلى الحرية والديمقراطية.
لكن ثمة تطورات جرت على الصعيد الميداني وخاصة على الساحة الثورية، تسببت في إحداث صورة مغايرة للتي كانت تطرح "في ساحة التغيير".
الثورة وتغيراتها كشفت أيضا عن حقيقة أخرى لهذا التيار الذي خاض العديد من المغامرات على ظهر الثورة دون حساب أي عواقب لتلك التصرفات.
يمكن القول أن الزج بأعداد من ممثلي الحوثي في ساحة التغيير يأتي في سياق التسويق الإعلامي لتحسين الصورة النمطية لا غير، كون رئاسة الحركة في صعدة هي التي تقوم بإقرار كل التحركات الميدانية بعيدا عن أي حسابات لأي طرف.
إضافة إلى ذلك يمكن القول أن هذه الثورة التي تعد ربيعاً يمنياً يانعاً في الربيع العربي الأم لكل التيارات المتحررة من ماضي الأنظمة العربية يعد في ذات الوقت "هو خريف الحوثيين" الذي تساقطت أوراق حججهم وظهرت حقيقة أطماعهم التوسعية القائمة على لغة الحديد والنار.
وفي الحلقة الثانية التي يفردها "مأرب برس" لنقاش "التحركات الحوثية التي تأتي في سياق غير متوائم مع مسار الثورة وتمردها على خيارات التوافق والوحدة الوطنية للوقوف صفا واحد ضد نظام صالح أمر يحتاج الوقوف أمام هذا التناقض.
الحوثيون غادروا الساحات مبكراً:
لم يدم صبر الحوثيين طويلاً في ساحة التغيير بصنعاء، لذا لاحظ الثوار أن هناك عمليات انسحاب "وتهرب" كبيرة حتى باتت خيام "تيار الصمود" الذي يقوده الحوثيين -محل سخرية- من قبل العديد من الائتلافات الثورية في ساحة التغيير، نظرا للغياب الملحوظ في أعدادهم.
ولقد مثل عيد الفطر الماضي "أحد الأدلة الميدانية عن حقيقة ثباتهم في الساحات، حيث فوجئ العديد من شباب الثورة في تلك الفترة من غياب ملحوظ لهم والإبقاء فقط على المنابر الإعلامية والثقافية، إضافة إلى مشاهد تمزق خيامهم وخلوها من مرتاديها، إضافة إلى أخرى جرفتها مياه السيول وعدم وجود أي فرد ينتشل مأساة تلك الخيام خلال فترة الصيف.
لقد مثل طول الفترة الزمنية من عمر الثورة اليمنية أحد عوامل الملل للتيار الحوثي مما أدى إلى انسحاب مجاميع كبيرة منهم ولم يتبقى منهم سوى تمثيل بسيط تثمل في الصوت الإعلامي.
الحوثيون لديهم مقتنع فكري وفهم استنباطي في فقههم وهو عدم "القبول بمواجهة الآخر عن طريق السلمية، ودائماً يلجئون إلى العنف والسيف قديماً وحديثاً".
وهم يراهنون على القوة في رسم مستقبلهم المذهبي ونشرة بين الناس وليس عن طريق خيارات السلام أو الدعوة بالتي هي أحسن.
لقد كشفت ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء حقيقة هذا التيار بأنه يمثل "ظاهرة صوتية" أكثر مما هو حقيقة على ألأرض الواقع، ولقد شاهد ثوار ساحة التغيير بصنعاء هروب أنصارهم بعد أن طال أمد الثورة كما تبين إحصائيات شهداء الثورة، أنهم أقل تيار قدم تضحيات في الساحات.
الحوثيون ثوار في الظاهر وحلفاء للنظام:
كشفت العديد من التحركات الميدانية عن حقيقة واقعية وهي أن هناك تحالفا وثيقا بين الحوثيين والنظام في اليمن منذ وقت مبكر، وقد تحدثت المصادر من أوائل الثورة اليمنية عن لقاءات جمعت بين عدد من قياداتهم مع نجل الرئيس صالح في العاصمة صنعاء "حيث تم الاتفاق في حينها" على تمكين الحوثيين من خمس محافظات صعدة، الجوف، مأرب، عمران، حجة "مقابل أن يتم طعن الثورة من الداخل، وفتح عدد من جبهات القتال، حتى يتشتت جهد الثوار في حروب جانبية بهدف إضعاف الثورة ووأدها من الداخل" لكن الحوثيين فضلوا أن يمضوا في سياق الثورة عدة أشهر قبل البدء في ذلك الاتفاق، من ثم يمكن المضي في ذلك المخطط وهو ما تم في وقت لاحق وفي وقت مبكر من عمر الثورة، حيث تم تفجير الوضع عسكريا في كل من الجوف وحجة وعمران ووضعوا لتلك التدخلات المسلحة في تلك المحافظات العديد من المبررات وإن كان مجملها يأتي في سياق الدفاع عن أنفسهم.
وتتحدث يوميات الثورة وشهودها في محافظة الجوف أن الحوثيين قاموا بتفجير الوضع عسكرياً منذ الشهر الثالث للثورة، وتفجير الوضع حالياً في محافظة حجة، ومحاولة الزحف والسيطرة على مناطق واسعة في محافظة الحديدة.
وعلى صعيد الرصد الميداني للزحف الحوثي المسلح في محافظة حجة، توضح الحقائق عن دموية هذه الحركة التي حتى اللحظة ترفض الانخراط في سياق العمل السياسي أو تكوين حزب سياسي سلمي، معتمدين على قوة الساعد والسلاح فقط.
ويرى بعض المراقبين في اليمن أن هذا الفهم المغلوط لنشر مذهبهم سيكون قاصمة الظهر بالنسبة لهم، فإذا كانوا يعتقدون أنهم قوة عسكرية لا تقهر ولديهم القدرة في فرض هيبتهم ونفوذهم في مناطق اليمن تحت "لهيب النار" فهي نظرة خاطئة، يمكن أن تقابل بمواجهات مسلحة من قبل تيارات مماثلة في الساحات اليمنية وقد كشفت المواجهات المسلحة التي خاضها رجال القبائل في حجة عن إلحاق ضربات موجعة للحوثيين فهناك عشرات القتلى والأسرى وهناك سيطرة على عتاد عسكري كبير.
وتهالك متسارع في جبهتهم لولا إيقاف تلك القبائل المواجهات المسلحة لتفرغهم للعمل الثوري، إضافة إلى عدم وجود أي رغبة في فتح جبهات صراع مع إخوانهم الحوثيين بتلك الطرق المسلحة.
قيادات عسكرية تتحدث عن تحالفات بين الحوثيين ونجل صالح:
كشفت مصادر عسكرية عليا أن لقاءً جمع بين الحوثيين والرئيس صالح في عام 2005، أي عقب مقتل حسين بدر الدين الحوثي بعام، "هناك قيادات عسكرية لديها شهادات أن حسين بدر الحوثي قال قبيل مقتلة بدقائق على يد عناصر الجيش قولة "لدي أمان من الرئيس علي عبد الله صالح" وهذا ما يشكك كثيرا في حقيقة الحروب التي خاضها الطرفان والتي كان أخرها الحرب التي توقفت بمكالمة هاتفية بين صالح وعبد الملك الحوثي.
وفي ذلك اللقاء تم الاتفاق بين الطرفين على دعم كل طرف للأخر، ففي حين يقوم صالح ونظامه بتقديم الدعم المالي والعسكري للحوثيين، يتكفل الحوثيون بدك القوى العسكرية الموالية لتجمع اليمني للإصلاح التي تمثل العقبة أمام صالح وأمام الحوثيين مستقبلاً، وتحديداً الفرقة الأولى مدرع والتي كان في أول مهمات تلك الحرب تكفل الحوثيين بتصفية اللواء علي محسن الأحمر، وقد أكد الناطق الرسمي للحوثيين في الخارج "يحيى بدر الدين الحوثي" المتواجد في ألمانيا حاليا في أحد المقابلات التلفزيونية مع احد القنوات الفضائية في حينها أن مصدر التسليح العسكري يأتي لهم من مخازن وزارة الدفاع اليمنية.
كما جرى الحديث في ذلك اللقاء التوافقي في حينها عن السماح لهم بالتبشير بمذهبهم وفكرهم في عموم مناطق اليمن مقابل أن تقديم ولاء الطاعة والوفاء للرئيس صالح ومن بعدة نجله أحمد، عقبها يسمح للحوثيين في صناعة المشهد السياسي لليمن بقدر حجمهم وقوتهم.
صالح يسعى لمنح ميناء للحوثيين:
يري العديد من المراقبين أن التحركات الحوثية على الصعيد الميداني المدعوم حاليا بقوة الدولة، في أكثر من جبهة وتحديدا محافظة حجة هو سعى النظام إلى إسقاط عدد من المحافظات الشمالية لتقع في يد الحوثيين.
وقد كشفت مواجهات محافظة حجة ونقلاً عن شهود من شباب الثورة عن روايات متواترة تؤكد أن الحوثيين في صعده فجروا عدداً من الجبهات وهم على عربات مدرعة تابعة لقوات الحرس الجمهوري.
وكان صالح يسعى من ذلك المسعى إلى تحقيق أكثر من هدف: أولها: إدخال اليمن في أتون حروب وصراعات داخلية وسعيه إلى الدفع بتشظي مناطق الشمال وخروجها عن سيطرة الدولة إضافة إلى ظنه أن ذلك "سيعزز موقفة حيال الموقف السعودي الذي تغير بصورة كبيرة لصالح شباب الثورة خاصة بعد مطالبة مجلس الأمن التوقيع من صالح فورا على المبادرة الخليجية في 22- 10-2011م، إضافة إلى تحرك سعودي في دعم جهود المعارضة، وكان يسعى صالح إيصال رسالة مفادها أن الثورة وسعت مد الحوثيين في الشمال والقاعدة في الجنوب وهو المؤهل لحرب ذلك كله.
كما كان صالح يهدف أيضاً من إسقاط للمحافظات الشمالية في يد الحوثيين هو الانتقام من المملكة العربية السعودية عن طريق إباحة المناطق الحدودية مع السعودية؛ لتسقط في يد الحوثيين كونهم ألد أعداء المملكة السعودية.
كما سعى صالح في أواخر أيامه قبيل التوقيع على المبادرة الخليجية إلى التسريع بالتداعيات على الصعيد الميداني وخلخة الصفوف بحيث تسمح تلك التداعيات إلى تسريع وصول الحوثيين إلى ميناء ميدى الذي يعد أحد أحلامهم منذ سنوات وذلك لسهولة تمرير السلاح الإيراني إلى مخازن صعدة التي تبعد عشرات الكيلومترات فقط.
وعلى صعيد جبهة الحوثيين الموالية لصالح "سرا" يرى الحوثيون أن الفرصة التي يمنحها لهم صالح بالتوغل في محافظة حجة وصولاً إلى ميدي تعد ليلة القدر التي نزلت عليهم، حيث سيتم السيطرة على ميناء ميدي إضافة إلى إسقاط محافظة حجة وتوسيع الجبهات في عمران والجوف للحصول على اكبر قدر من المساحة الجغرافية لليمن، وهي طموحات يسعى الحوثيون في تحقيقها خاصة بعد أن خسروا مكانهم في المجلس الوطني لقوى الثورة الذي أصبح ممثلاً شرعياً للثورة اليمنية، بسبب انسحابهم منه بحجة المطالبة بحم أكبر لما مٌنح لهم في حينها من قبل "قوى الثورة السلمية".
ويعتقد التيار الحوثي أن إخضاع تلك المناطق وإن كان بقوة الحديد والنار يمكن أن يمنحهم ثقل سياسي في المرحلة القادمة خاصة فيما يتعلق بعدد الدوائر الانتخابية والمجالس المحلية التي تعكس ثقلهم في مجلس النواب مستقبلاً.
مقربو صالح أدوات التقريب والدفع:
وتتحدث المصادر القريبة من النظام عن قيام أحد أصهار صالح الذي له علاقة وثيقة بالحوثيين ويشغل حتى الآن مناصب قيادية عليا في نظام صالح، وقام بزيارة إيران أكثر من مرة في وقت سابق بالتنسيق بين الحوثيين وصالح في سرعة الدفع بالقوى الحوثية؛ لإسقاط ما يمكن إسقاطه من المحافظات الشمالية مدعومين بقوة المال والسلاح، حيث أكدت تلك المصادر أن هناك رغبة صادقة من صالح في منح الحوثيين كل المساحات الشمالية لهم.
وربط عدد من المراقبين العديد من تصريحات المقربين من صالح في وسائل الإعلام المحلية والعربية عن ثناء كبير لقوة الحوثيين وتحديداً في الإشادة بهم خلال الشهرين الماضيين يعد تأكيداً لما تم طرحة حول ذلك التنسيق، ومن تلك الإشارات ما قاله الناطق الرسمي "عبده الجندي" أن الحوثيين "هم أعقل من الإصلاحيين" وأمتدحهم بالقول "أنهم يمثلون قوة صاعدة، إضافة إلى إشادة سلطان البركاني بهم في أكثر من محفل ولقاء، تكشف أن عين الرضا عنهم تمت من قبل صالح.
الحوثيون يرسمون نهايتهم:
يرى ثوار التغيير والمتعاطفون معهم التحركات الحوثية القائمة على العنف وإقصاء الآخر في أكثر من محور وجبهة في التوقيت الحالي بمثابة طعنة غادرة في ظهر الثورة اليمنية، كما أن الطرق التي ينتهجونها في التمدد الجغرافي عن طريق المواجهات المسلحة لا شك أنها ستقابل بمواجهات مسلحة مماثلة من الطرف الأخر الذي يحمل "مسلحوها" عقيدة قتالية دينية.
وتعد المرحلة التي خاضها التيار الحوثي في مواجهاته سواء في الجوف أو حجة أحد المحاذير التي تنبأ بها المنظر الروحي لهم " حسين بدر الحوثي " حيث حذرهم مبكرا و مرارا بعدم الاشتباك أو فتح أي جبهات صراع مع أي تيارات عقائدية في اليمن وكان يشير في حديثة تحديداً إلى " التجمع اليمني للإصلاح "، لكن يبدو أن المواجهات التي خاضها الحوثيون في حروب ستة مع قوات النظام والنجاحات التي حققوها في مواجهتهم مع الجيش السعودي قد جعلهم يعيشون في وهم "النصر الذي لا يتوقف".
وختاما يرى بعض المطلعين انه من المهم على "مرجعيات الحوثي المتحدثة في حوزاتهم المختلفة" الكف عن النفخ في صدور الحوثيين بأنهم أمه لا تقهر، والأحرى على قياداتهم بدلا من تبرير القتل وسفك الدماء لإخوانهم اليمنيين، إضافة إلى بث روح العظمة فيما يصنعون، ومنه ما قاله ناطقهم الرسمي قبل أيام حين بارك سفكهم للدماء في حجة حيث وصفهم بالقول بأنهم "أمه لها ثقلها".
وعلى كل فالعقلاء من أبناء هذا الوطن يعتقدون أن أي موجهات مستقبلية للحوثيين ومع أي طرف ستكون مواجهات من نوع آخر ولن تكون الطرق مفروشة لهم بالزهور والرياحين ليعبروا فيها وهم يصرخون "الموت لأمريكا الموت لإسرائيل"، اذ ربما سيجدون في هذه المواجهات نهاية "تراجيدية".