رقية التعطيل....ورقية الحياة
"الاعتقاد أن رقية واحدة تصلح حياة الإنسان، اجتزاء للشرع واختلال في فهمه، الرقى سبب من أسباب الشفاء ضمن حزمة الشريعة الكاملة.."
- التصنيفات: - آفاق الشريعة -
حين يسأل العلماء عن رقية التعطيل المنتشرة في زماننا يجيبون جوابا عاما عن أحكام الرقى وجوازها بضوابطها الشرعية وحين تطبق هذه الضوابط على ما يسمى برقية التعطيل تكون في نصوصها ولفظها موافقة لضوابط الشرع.
فلماذا الجدل الواسع حول هذه الرقية. مع العلم السابق بوجود السحر والحسد والعين وتأثيرها والرقية منها؟
لماذا الاحتفاء بهذه الرقية والجدال حولها مع أن الرقى بضوابطها الشرعية تجارب والناس يرقون ويسترقون من العهد النبوي إلى عصرنا الحاضر؟
ما الجديد إذا؟
الذي يظهر والعلم عند الله تعالى
أن سبب المشكلة (مع الأخذ في الاعتبار عالم مواقع التواصل )
ليست في الراقي ولا الرقية بل تعود لأسباب منها:
السبب الأول:
عموم كلمة التعطيل في هذا السياق إذ يمكن فهمها على أنها كل مشكلة يعاني الإنسان منها. فلم تعد رقية التعطيل بل رقية الحياة.
لم تعد رقية لسحر ظهرت علاماته أو عين أو حمة؛ بل أصبحت رقية للوظائف والفقر والتعب والمشاكل كلها.
وبناء على الشواهد المصاحبة التي يذكرونها؛ حصل فهم بأنها تسبب تحولا جذريا في حياة الإنسان، وحلا شاملا لمعاناته.
وهذا خلل كلي في مفهوم الرقية نفسها ؛فالدين كله هو الذي جعله الله حلا لمشاكل الإنسان، والتقوى بمفهومها الجامع هي من يخرج بها الناس من مضائقهم قال تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا}، وقال تعالى:
{من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة}.
هكذا تعالج الكروب وتصلح الحياة بالتوحيد بالدعاء بالتوبة بالعمل الصالح بالصبر بالرقى بالرضا بالإيمان بالآخرة
بالدخول في الإسلام كافة، رقية الحياة تحقيق العبودية لله تعالى بتوحيده ومحبته وتعظيمه والانقياد له والطاعة لله ولرسوله .
الاعتقاد أن رقية واحدة تصلح حياة الإنسان، اجتزاء للشرع واختلال في فهمه، الرقى سبب من أسباب الشفاء ضمن حزمة الشريعة الكاملة والمؤمن يؤمن بالكتاب كله اعتقادا وقولا وعملا ومن ظن ان رقية تصلح حاله كله مع الإخلال بأوامر الشريعة ونواهيها فقد عطل الشريعة.
السبب الثاني في تصورنا عن الحياة وفهمنا لها:
فالرخاء وطول العافية وتيسر أسباب الحياة على الإنسان يربي في نفسه شعورا خفيا بالاستحقاق واختلالا في فهم الحياة وطبيعتها، ويجعل الأصل في تصور الإنسان أن تسير حياته على وفق هواه ومراده وينمو فيه شعور بالقدرة بالمطلقة والاستحقاق الكامل وموافقة توقعاته في كل شيء، لما مكن الله لقارون ووسع عليه في دنياه، قال تعالى عنه: ( {إنما أوتيته على علم عندي}
ولما مهد الله للوليد بن المغيرة. {ومهدت له تمهيدا}، عظمت أطماعه في الزيادة فقال تعالى: {ثم يطمع أن أزيد}
هذه المشاعر المتعاظمة المصادمة لواقع الحياة وسنة الله فيها بحتمية البلاء والكبد والشقاء والتعب والمرض والحرمان تصيب الإنسان بالدهشة فيقول لا بد أن حياتي فيها شيئا غريبا، تأخر زواجي، تعطل مشروعي، خسرت في بيعتي، عندي مشاكل في وظيفتي، تتكرر أمراضي.
كل هذه الأشياء تبدو في النظرة المتوازنة جزءا من المعنى الكلي للحياة تتكرر كل يوم هي الحياة نفسها مثل:
(العسر واليسر، المرض والشفاء، الحزن والفرح، الحرمان والتيسير)
لكن عدسة الإنسان ترتكز على التعب (والتعطيل) وتتخطى مشاهد التيسير والتسهيل.
فهي عدسة ذكية (أو غبية في الحقيقة) قادرة على تجميع المتاعب والتقاط الآلام وحذف النعم، والتيسير، والرحمة والخير.
قال تعالى:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}.
قال الطبري رحمه الله يقول تعالى ذكره: ونختبركم أيها الناس بالشر وهو الشدة نبتليكم بها، وبالخير وهو الرخاء والسعة العافية فنفتنكم.
هكذا تبدو الحياة في تصور المؤمنين منقسمة إلى نصفين تعب وراحة مرض وعافية، عسر ويسر، ظفر وحرمان.
في مشهد اختبار وابتلاء.
وعبودية لله بالصبر والشكر
في الألم سجدة وفي العافية سجدة
في المرض خفقة رضا وصبر
وفي الصحة بسمة ثناء وشكر
في الفقر والدين صلاة للقلب بالصبر والتسليم
وفي الغنى والسعة صلاة بالشكر والتعظيم
في التعطيل عبودية وفي التسهيل عبودية
تحتدم مشاعر التعطيل في نفوس تضخمت فيها الدنيا وملأت المشاعر حتى توارت الآخرة فغابت عن التفكير أو ضعفت.
حين يظن الإنسان أن كل شيء ينتهي هنا في هذه الدار، حينها تظلم عليه الحياة، يرى أن الحياة قصيرة
كل لحظة تعب أو مرض أو حرمان أو تأخر فهي في نظره خسارة محضة.
لكن المؤمن بالآخرة يصنف كل ذلك في قائمة الأرباح، حيث تتدفق المكاسب من كل الصفقات، الألم صفقة رابحة الحزن بيعة رابحة، فقدان الأحبة تعطل الأعمال خيبة الأمل الدموع، المشاكل في البيوت في الوظائف في السفر في التجارة كلها أصول للاستثمار في الحياة الباقية في المستقبل الحتمي القادم.
لا شيء في قائمة الخسائر إلا الذنوب.
____________________________________________________
الكاتب: عبدالله بن بلقاسم