اعرف نفسك
سهام علي
كنت في أحد دروس التفسير أنقل معاني الآيتين الأوليين في سورة الملك، فشكت إليّ إحدى الأخوات أنها تعاني من تأنيب الضمير بشكل مَرضي يؤذيها ويؤثر على حياتها بشكل سلبي
- التصنيفات: الطريق إلى الله -
كنت في أحد دروس التفسير أنقل معاني الآيتين الأوليين في سورة الملك، فشكت إليّ إحدى الأخوات أنها تعاني من تأنيب الضمير بشكل مَرضي يؤذيها ويؤثر على حياتها بشكل سلبي، وهنا توقفت أنا عند قوله تعالى " {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} "(الملك:2 )لأبين لها أن كلمة العزيز تعني الوعيد لمن يعاني من قسوة القلب واللهفة على الدنيا والغفلة عن الآخرة، فهذا دائمًا في حاجة ليتذكر جلال الله وقدرته على المحاسبة والانتقام في الدنيا والآخرة، وأن استحقاره للذنوب صغيرها أو كبيرها إنما هو عدم إعطاء لله حق قدره والاستهانة بعقابه وهو الغالب الذي لا يُغلب، وأنه من الحماقة التطاول على أوامره أو تجاهل نواهيه .
أما كلمة الغفور فهي لمن يتمتع برهف الحس وكثرة محاسبة النفس على الصغيرة قبل الكبيرة، والحرص على الطاعة، والخشية كل الخشية من الله أن يقع في المعاصي، بل أنه يقوم بالعمل الصالح ويخشى ألا يُقبل منه، ويستحضر دومًا يوم اللقاء حيث لا ينفع إلا العمل الصالح والقلب السليم، ولذا هو دائمًا في حالة اختبار لقلبه وما يطويه من النوايا.
وهذه الصفات من صفات الله وأسمائه الحسنى كذلك تشمل الحالات المتباينة داخل نفس الشخص الواحد عندما يتعرض لزيادة الإيمان أو نقصه، فكما هو معروف أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي.
وعليه فإنه على المرء أن يعرف نفسه متى يحتاج لتذكر اسم الله العزيز ليُقَوْم نفسه ويحاول إصلاحها، ومتى يجب أن يتذكر اسم الله الغفورعندما يحاول الشيطان أن يُقنطه من رحمة الله ويصور له أنه لا سبيل للنجاة ولا طائل من العودة والإنابة إلى الله فهذه من أخبث وساوس الشيطان التي تدمر الإنسان وقد تدفعه فعلًا للوقوع في الهاوية، فتذكر المسلم لقبول التوبة فيه النجاة كل النجاة وأن الله سبحانه وتعالى يفرح بتوبة العبد كما في الحديث: «(إنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأنَّهُ قاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخافُ أنْ يَقَعَ عليه، وإنَّ الفاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبابٍ مَرَّ علَى أنْفِهِ فقالَ به هَكَذا، قالَ أبو شِهابٍ: بيَدِهِ فَوْقَ أنْفِهِ. ثُمَّ قالَ: لَلَّهُ أفْرَحُ بتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِن رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلًا وبِهِ مَهْلَكَةٌ، ومعهُ راحِلَتُهُ، عليها طَعامُهُ وشَرابُهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنامَ نَوْمَةً، فاسْتَيْقَظَ وقدْ ذَهَبَتْ راحِلَتُهُ، حتَّى إذا اشْتَدَّ عليه الحَرُّ والعَطَشُ أوْ ما شاءَ اللَّهُ، قالَ: أرْجِعُ إلى مَكانِي، فَرَجَعَ فَنامَ نَوْمَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فإذا راحِلَتُهُ عِنْدَهُ )»
الراوي : عبد الله بن مسعود(المصدر : صحيح البخاري رقم [6308])