طيب الكسب
"ويلٌ للذين يتغذَّون بالحرام، ويربُّون أولادهم وأهليهم على الحرام، إنهم كشارب ماء البحر كلما ازدادوا شربًا ازدادوا عطشًا"
- التصنيفات: مساوئ الأخلاق - نصائح ومواعظ -
عباد الله، يقول الله جل جلاله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 56 - 58]، فأخبرَنا تعالى أنه الرزاق لعباده، المتكفِّل برزقهم، فرزقُ العباد جميعًا بيدِ ربِّهم تعالى وتقدَّس، لا بحَولِهم ولا بقوتهم، فهو جل وعلا خَلَقَ الخَلْقَ وتكفَّل بأرزاقهم: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود: 6]، {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} [العنكبوت: 60].
وقد أمرنا تعالى أن نطلب الرزق منه: {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ} [العنكبوت: 17].
والعبد يعلِّق بالله أمله، وثقته فيما عند الله أعظم من ثقته فيما بيده، فهو لا يؤمِّل في المخلوق، مهما عَلَتْ منزلته وعظُمت قدرته، لا يعلق أمله بأحد من الخلق، وإنما يعلق أمله بربه، ويعلم أنه لا مانع لِما أعطى الله، ولا معطيَ لِما منع الله؛ ولذا جاء في الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما: "إن من ضعف اليقين أن تُرضِيَ الناس بسخط الله، وأن تحمَدَهم على رزق الله، وأن تذُمَّهم على ما لم يؤتِك الله، إن رزقَ الله لا يجرُّه حِرْصُ حريص، ولا يردُّه كراهية كارهٍ".
فما قدَّر الله لك من الرزق فإنه حاصل لك، وما صرفه عنك فلن تناله، والخَلْقُ لو اجتمعوا على أن يوصلوا إليك نفعًا ما أراد الله حصوله لك، لم يمكن ذلك، ولو أرادوا أن يضروك بشيء ما قدر الله ذلك، فلن يستطيعوا إلى ذلك سبيلًا.
أيها المسلم، تفكَّر في حكمة الله أنْ جَعَلَ البعض أغنياء والبعض فقراء وما بين ذلك: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} [النحل: 71]، {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [سبأ: 36].
وهذا من كمال حكمته جل وعلا، فهو العليم بمصالح عباده، المقدِّر لهم كيفما شاء بكمال حكمته، وكمال رحمته، وكمال عدله، فأي أمر صُرِفَ عنك، فاعلم أن لله حكمةً في ذلك، وأي شيء قُدِّر لك، فاعلم أن لله حكمة في ذلك، فكن راضيًا بما قسم الله لك، ولا تكُنْ جَزِعًا، ولا تكن طامعًا فيما بأيدي الناس، وإنما تكون ثقتك بربك جل وعلا، وقناعتك بما أعطاك الله.
أيها المسلم، والله حكيم عليم في توسيع الرزق وتضييقه على بعض العباد؛ وفي الأثر: ((إن من عبادي من لو أغنيتُه لأفسدتُ عليه دينه، وإن من عبادي من لو أفقرتُه لأفسدتُ عليه دينه))؛ قال جل وعلا: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} [الشورى: 27].
أيها المسلم، ليس المهم أن يكثُرَ المال ويتَّسع الغنى، المهم أن يجعل الله في قلبك قناعةً ورضًا بقسم الله، وأن تطمئن نفسك بذلك، فكم من مال أشغل أهله عما يجب عليهم، وصدَّهم حتى عن مصالح أنفسهم ومصالح أولادهم! وكم من مال أشقى أهله، فحملهم على الطغيان والأشَر والبَطَرِ، وأفقدهم قوة الإيمان، وجعلهم يشتغلون بالحُطام الفاني عما فيه خيرهم وصلاحهم في دينهم ودنياهم!
أيها المسلم، تأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس الغِنى عن كثرة العَرَضِ، إنما الغِنى غِنى النفس»؛ (متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)، فمن أغنى الله قلبه، ورزقه الطمأنينة والرضا بما قسم الله له، وبَذَلَ الأسباب النافعة، فإنه يعيش مطمئنًّا قرير العين مرتاح البال، ومن فَقَدَ ذلك عاش في همٍّ وغمٍّ، ولو اجتمعت له الدنيا بأسرها.
أيها المسلم: لا تُلهِينَّك الدنيا بزخارفها، ولا تشغلنَّك ملذاتها، وكُنْ متبصرًا في أمرك، ناظرًا إلى من هو دونك في الرزق والعافية، فإنَّ نَظَرَك إلى من هو دونك يعطيك قناعةً بقسم الله، وإنْ نَظَرْتَ إلى من هو أعلى منك ازْدَرَيْتَ نعمة الله عليك؛ كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
أيها المسلم، ليكن عندك ميزانُ صدقٍ تعرف به الحلال من الحرام، وتُميِّز به الخبيث من الطيب، فلا يَهُولَنَّك الحرام وإن كثر: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} [المائدة: 100].
أيها المسلم، الله جل وعلا أمرك بطلب الرزق، وأمرك بالأخذ بالأسباب التي تحصل لك المقصود: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15]، فطَلَبُ الرزق وابتغاؤه والأخذ بالأسباب أمر مطلوب شرعًا، ولكن أسباب طلب الرزق عند المسلم تكون بالطرق التي أباحها الشرع له، أما الأسباب المحرمة فإنه يبتعد كل البعد عنها.
المسلم يطلب الرزق لكن بالطرق المأذونة شرعًا، ويبتعد عن الطرق المحرمة شرعًا.
عباد الله، كَسْبُ الرزق وطلب العيش شيء مأمور به شرعًا، مُندفعة إليه النفوس طبعًا، فالله قد جعل النهار معاشًا، وجعل للناس فيه سبحًا طويلًا، أمرهم بالمشي في مناكب الأرض ليأكلوا من رزقه؛ وقرن في كتابه بين المجاهدين في سبيله والذين يضربون في الأرض يبتغون من فضله: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [المزمل: 20]، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه «ما أكل أحدٌ طعامًا خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده»؛ (رواه البخاري).
ولقد قال بعض السلف: "إن من الذنوب ذنوبًا لا يكفِّرها إلا الهمُّ في طلب المعيشة".
وفي أخبار عيسى عليه السلام أنه رأى رجلًا فقال: ما تصنع؟ قال: أتعبَّد، قال: ومن يعولك؟ قال: أخي، قال: وأين أخوك؟ قال: في مزرعة، قال: أخوك أعْبَدُ لله منك.
وعندنا – أهل الإسلام - ليست العبادة أن تصُفَّ قدميك، وغيرك يسعى في قوتك، ولكن ابدأ برغيفيك فأحْرِزْهما ثم تعبَّد.
والاستغناء عن الناس بالكسب الحلال شرفٌ عالٍ، وعزٌّ مُنيف؛ حتى قال الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ما من موضع يأتيني الموت فيه أحب إليَّ من موطن أتسوَّق فيه لأهلي؛ أبيع وأشتري".
ومن مأثور حكم لقمان: "يا بني، استغْنِ بالكسب الحلال عن الفقر، فإنه ما افتقر أحدٌ قط إلا أصابه ثلاث خِصال: رِقَّة في دينه، وضعف في عقله، وذهاب مروءته".
إن في طيب المكاسب وصلاح الأموال سلامةَ الدين، وصَونَ العِرْضِ، وجمال الوجه، ومقام العز.
ومن المعلوم - أيها المسلمون - أن المقصود من كل ذلك الكسبُ الطيب، فالله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وقد أمر الله به المؤمنين كما أمر به المرسلين؛ فقال عز من قائل: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: 51]، وقال عز شأنه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172].
ومن أعظم ثمار الإيمان طِيبُ القلب، ونزاهة اليد، وسلامة اللسان، والطيبون للطيبات، والطيبات للطيبين، ومن أسمى غايات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أنه يُحِلُّ الطيبات، ويحرِّم الخبائث.
وفي القيامة يكون حسن العاقبة للطيبين: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32].
إن طلب الحلال وتحرِّيه أمرٌ واجب وحَتْمٌ لازم، فلن تزولَ قدما عبدٍ يومَ القيامة حتى يُسأل عن ماله؛ من أين اكتسبه؟ وفِيمَ أنفقه؟
إن حقًّا على كل مسلم ومسلمة أن يتحرى الطيِّبَ من الكسب، والنَّزيه من العمل؛ ليأكل حلالًا وينفق في حلال.
• وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يجيئه غلامه بشيء فيأكله فيقول الغلام: أتدري ما هو؟ تكهَّنت في الجاهلية لإنسان وما أُحْسِنُ الكهانة، ولكني خدعته، فلقيني فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت، فأدخل أبو بكر يده في فمه فَقَاءَ كلَّ شيء في بطنه؛ (أخرجه البخاري).
وفي رواية أنه قال: "لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتُها، اللهم إني أعتذر إليك مما حَمَلَتِ العروق وخالطه الأمعاء".
• وشرب عمر لبنًا فأعجبه، فقال للذي سقاه: من أين لك هذا؟ قال: مررت بإبل الصدقة وهم على ماء، فأخذت من ألبانها، فأدخل عمر يده فاستقاء.
• وتُوصِي بعض الصالحات زوجها وتقول: يا هذا، اتَّقِ الله في رزقنا؛ فإننا نصبر على الجوع، ولا نصبر على النار.
أولئك هم الصالحون يُخْرِجون الحرام والمشتبه من أجوافهم، وقد دخل عليهم من غير علمهم، وخَلَفَتْ من بعدهم خُلُوف يعمِدون إلى الحرام ليملؤوا به بطونهم وبطون أهليهم، نعوذ بالله من ذلك.
أيها المسلمون، أرأيتم الرجل الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم: «يطيل السفر، أشْعَثَ أغْبَرَ يمُدُّ يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّي بالحرام، فأنَّى يستجاب لذلك» ؟؛ (أخرجه مسلم).
لقد استجمع هذا الرجل من صفات الذل والمسكنة، والحاجة والفاقة ما يدعو إلى رِثاء حاله، ويؤكد شدة افتقاره، تقطَّعت به السبل، وطال عليه المسير، وتغرَّبت به الديار، وتَرِبت يداه، وشعِثَ رأسه، واغبرَّت قدماه، ولكنه قد قطع صلته بربه، وحرم نفسه من مَدَدِ مولاه، فحِيل بين دعائه والقبول، أكَلَ من حرام، واكتسى من حرام، ونبت لحمه من حرام، فرُدَّت يداه خائبتين.
بربكم ماذا يبقى للعبد إذا انقطعت صلته بربه، وحُجِب دعاؤه، وحِيل بينه وبين الرحمة؟! لمثل هذا قال بعض السلف: "لو قمت في العبادة قيام السارية ما نفعك، حتى تنظر ما يدخل بطنك".
وإن العَجَبَ كل العجب - أيها المسلمون - ممن يحتمي من الحلال مخافة المرض، ولا يحتمي من الحرام مخافة النار.
عباد الله، إن أكل الحرام يُعمي البصيرة، ويُوهِن الدِّين، ويُقسِّي القلب، ويُظلِم الفِكْرَ، ويُقْعِد الجوارح عن الطاعات، ويُوقِع في حبائل الدنيا وغوائلها، ويحجب الدعاء، ولا يتقبل الله إلا من المتقين.
إن للمكاسب المحرمة آثارًا سيئة على الفرد والجماعة؛ تنزع البركات، وتفشو العاهات، وتحل الكوارث، أزمات مالية مستحكمة، وبَطالة متفشية، وتظالم وشحناء.
أيها المسلمون، ويلٌ للذين يتغذَّون بالحرام، ويربُّون أولادهم وأهليهم على الحرام، إنهم كشارب ماء البحر كلما ازدادوا شربًا ازدادوا عطشًا، شاربون شرب الهِيمِ، لا يقنعون بقليل، ولا يغنيهم كثير، يستمرئون الحرام، ويسلكون المسالك المعوجة؛ ربًا وقمارًا، وغصبًا وسرقةً، تطفيفًا في الكيل والوزن، كتمًا للعيوب، سحرًا وتنجيمًا وشعوذة، أكلًا لأموال اليتامى والقاصرين، أيمانًا فاجرة، لهوًا وملاهيَ، مكرًا وخديعةً، زورًا وخيانة، مسالك معوجة، وطرقًا مظلمة؛ وفي الحديث: «يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخَذَ منه، أمن الحلال أم من الحرام»؛ (أخرجه مسلم) زاد رزين: «فإن ذلك لا تُجاب لهم دعوة».
فإن بركة الرزق ليست في كثرته، ولكن بركة الرزق أمر يجعله الله في قلب العبد، فيرضى بما قسم الله له؛ «قد أفلح من أسلم، ورُزِقَ كفافًا وقنَّعه الله بما آتاه»؛ (رواه مسلم من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما).
أيها المسلم، جاء في الكتاب والسنة بيان أسباب بركة الرزق، فالرزق قد يُبارَك للعبد فيه، وقد لا يبارك للعبد فيه، قد يُعطى مالًا كثيرًا، ولكن ينزِع الله البركة منه، فلا ينفعه ولا يفيده: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276].
أيها المسلم، إن من أسباب بركة الرزق تقوى الله جل وعلا في كل الأحوال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3]، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 96].
ويقول موسى عليه السلام في دعائه: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24].
ومن أسباب بركة الرزق صلةُ الرحم؛ ففي الحديث: «من أحبَّ أن يُنسَأ في أثَرِهِ، ويُبسَطَ له في رزقه، فَلْيَصِلْ ذا رحِمه»؛ (متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه).
ومن أسباب بركة الرزق الإنفاقُ في وجوه الخير والصدقة على المساكين والمعوزين؛ قال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39].
وأحْسِنْ إلى عباد الله يُحْسِنِ الله إليك؛ قال تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]، وقال صلى الله عليه وسلم: «ومن فرَّج عن مسلم كُرْبةً من كُرَبِ الدنيا، فرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على مُعْسِرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة»؛ (أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).
فبركة الرزق في الدنيا أن يُخلِف الله عليك عِوَضَه، وبركته في الآخرة ما ينالك من الثواب العظيم، في يوم أنت أحوج فيه إلى مثقال ذرة من خير: «فمن اتَّقى الشُّبُهات استبرأ لدينه وعِرْضِهِ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام»؛ (متفق عليه من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه).
ولقد قال الحسن البصري رحمه الله: "ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرًا من الحلال مخافة الحرام".
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: "تمام التقوى أن يتقي العبد ربه؛ حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حرامًا؛ حجابًا بينه وبين الحرام".
ولْتَعْلَموا رحِمكم الله أن الْمُشتبهات يحصل للقلوب عندها القلق والاضطراب الموجِب للشكِّ، والوَرِعُ هو الوقَّاف عند المشتبهات يَدَعُ ما يَرِيبه إلى ما لا يريبه.
فاتقوا الله رحمكم الله، وأطِيبوا مطاعمكم ومشاربكم، واتقوا الله في أنفسكم وأهليكم، اتقوا نارًا وقودها الناس والحجارة، عليها ملائكة غلاظ شداد، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.
____________________________________________________
الكاتب: د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي