(كارثة) استراتيجية للكيان الصهيوني
وضع تقرير استراتيجي صهيوني إصبعه على ثلاثة عوامل هامة وحاسمة ستؤدي في حال تضافرها إلى حالة من الفراغ الخطير في منطقة وإقليم الشرق الأوسط، وستترك آثارها الخطيرة على إسرائيل..
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
وضع تقرير استراتيجي صهيوني إصبعه على ثلاثة عوامل هامة وحاسمة ستؤدي في حال تضافرها إلى حالة من الفراغ الخطير في منطقة وإقليم الشرق الأوسط، وستترك آثارها الخطيرة على إسرائيل، وهي: (الحَراك العربي، وانهيار عملية السلام، والضعف الكبير الذي أصاب مكانة وقوة تأثير الولايات المتحدة الأمريكية)، متوقعاً كارثة لإسرائيل في حال تشابكت هذه العوامل.
وانتقد التقرير حكومة إسرائيل لغياب مفهوم إستراتيجي يقوم على تهدئة بؤر التوتر التي فاقمت التحديات التي تواجهها، مقابل تصعيد دبلوماسي فلسطيني يحظى بتأييد ودعم كبيرين، ويزيد من عزلتها وانعزالها، وتواصُل حملة نزع الشرعية التي تؤدي لإضعاف دورها السياسي، والحد من حرية العمل الميداني المتوفرة للجيش.
كما أن الضعف الذي اعترى الولايات المتحدة، والعلاقات المتوترة القائمة بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو أفقدت إسرائيل مكوِّناً هاماً من مكونات قوَّتها الردعية، وهو ما سمح لأطراف أخرى محاولة لعب دور في الشرق الأوسط لا يخدم مصالحها.
وفي ما يتعلق بالعالم العربي، فإن العرب سينشغلون خلال السنوات القادمة بأنفسهم ومشاكلهم الخاصة ولن يتفرغوا لإسرائيل، محذراً من أنها قد تجد نفسها عنواناً للغضب العربي في حال تصاعدت الأوضاع في قطاع غزة وتفجرت أعمال عنف في الضفة الغربية، وهو ما يعني أنها تعاني وضعاً صعباً على كافة الجبهات.
التشاؤم والخوف:
وقال التقرير: إن حالة الأمن القومي الصهيوني تشير إلى تدهور حادٍّ إضافي، وهو مـا سـيترك آثاره علـى الوضـع الإســتراتيجي لإسرائيل، وهو ما يجعله التقرير الأكثر إخافة وتشاؤماً؛ لأنه رسم صورة تشير إلى فقدان ركائز مهمة في نظرية الأمن الصهيونية التي قامت لسنوات طويلة على وجود حلفاء إقليميين على درجة عالية من الأهمية الإستراتيجية كتركيا ومصر، إضافة للأوضاع غير المستقرة في سورية (الدولة صاحبة المطالبة التاريخية بهضبة الجولان)، ويرى أن تحسين العلاقات الصهيونية مع روسيا ودول في أمريكا اللاتينية أو الصين، لن يعوض إسرائيل عما ستخسر إذا ساءت علاقتها مع الولايات المتحدة.
من جهة أخرى قال المحلل العسكري (رون بن يشاي): إن التقرير يُلزِم إسرائيل بدراسة خطواتها بكل حذر وجدية؛ خاصة في ما يتعلق بالتعامل مع السلطة الفلسطينية إذا أرادت أن تَعْبُر مرحلة عدم الاستقرار الخطرة التي نتجت عن فعاليات الحَراك العربي وما قد يحمله من تبعات متوقعة: كعملية فدائية قادمة من سيناء أو غزة أو لبنان، مع ضرورة الحفاظ على قوة الردع التي منحتها فترة طويلة من الهدوء، ووفرت عليها كثيراً من الخسائر الاقتصادية.
لذا يجب عليها أن تعرف بالضبط متى عليها العمل بانضباط وتوازن حتى لا تشعل الشارع الإسلامي الذي يعيش حالة من الغليان، وكذلك معرفة متى وأين لا يوجد لها خيار سوى العمل بكل حسم وقوة لإحباط خطر كبير قد يتبلور، أو أخذ بالتبلور ضدها.
وأضاف: هناك نتيجة ثانية يجب استخلاصها من التقرير، والعمل بموجبها لضمان عبور إسرائيل الربيعَ العربي بهدوء، وهي ضرورة الحفاظ على استقرار السلطة بقيادة أبي مازن، رغم أنه خصم سياسي قاسٍ ورافضٌ منتظمٌ للمفاوضات، لكن البديل أسوأ.
لكن الخبير الأمني (د. رونين بيرغمان) رأى في التقرير الصورة الأكثر قتامة وتهديداً، ويوجه انتقاداً للحكومة وأذرعها التنفيذية، مع خلاصة قاطعة لا لَبْس فيها، وهي: أن الحكومة تحتاج للبتِّ بين الانتظار وعدم الحسم وعدم المبادرة، وبين السعي للتأثير في محيطها الإستراتيجي، صحيح أن مبادرتها لمصالحة لن تحل كل مصادر الصراع، لكنَّ إجراءً محدداً نحو تسوية قد يُفتِّر من شدة هذه التحديات، ويحسِّن مكانتها التي أخذت تضعف، والتقرير يوجه دعوة للحكومة، ويطلب منها أن تفعل فعلاً.
الطريق المسدود:
إن التقرير الذي أعده معهد أبحاث الأمن القومي، والذي حرره (د. عنات كورتس) وعميد الاحتياط (شلومو بروم)، يتنبأ بأن إسرائيل في السنين القريبة ستجابه الحاجة لاتخاذ قرارات في شؤون الأمن القومي المركزية، في واقع سيكون تركيبه أكبر كثيراً؛ لأنها ستكون المتضررة المباشرة لمحاولة تعليق جميع المشكلات في مشجب عدو خارجي، وكل هذا يحدث في واقع تضعف فيه القوة العظمى (الولايات المتحدة الأمريكية) ولا توجد أية جهة خارجية تستطيع مساعدة دول المنطقة على التغلُّب على الأزمة (الاجتماعية - الاقتصادية) الشديدة، وفي ظل قناعات تشير إلى أن سياسة إسرائيل الرافضة مسؤولة بقدر حاسم عن الطريق المسدود.
لكن رئيس المعهد (د. عوديد عيران) يرى أن التقرير سجل في السنتين الأخيرتين في العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين تدهوراً شديداً قياساً لتمهيد الطريق مطلع التسعينيات من القرن الماضي، ولا يمكن أن يتم اليوم حوار مباشر بسبب عدم الثقة المتبادل العميق؛ لأن رؤية العلاقات بأنها "لعبة حاصلها صفر" عادت لتهيمن على كل شيء، في حين أن القصد عند الطرفين أن يمنع كل واحد منهما الطرف الثاني الأرباحَ، حتى لو سبب لهم ذلك ضرراً في نهاية الأمر.
بينما قالت (كورتس): إنه حتى لو كانت توجد قيمة عسكرية للعمق الإستراتيجي؛ ففي الواقع الجغرافي لإسرائيل تبلغ الصواريخ التي تطلقها حماس كلَّ هدف فيها تقريباً، وهو ما يعني أن تحديها المركزي هو تثبيت مكانها في المنطقة التي هي في أساسها عربية ومسلمة، مع الحفاظ على مساعدة الجماعة الدولية لها.
الخطر المستقبلي:
وقد أفرد التقرير فصلاً عن نزع الشرعية عن إسرائيل، ووصل إلى استنتاج نهائي بائس من خلال عرضه على أنها دولة تُخِل على الدوام بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، وتستعمل الفصل العنصري، وتتحمل تبعة جرائم حرب بصورة واسعة وجرائم ضد الإنسانية، وهدف الحملة الدعائية أن تصبح دولة مُقصَاة، وهو ما يفضي لعزلتها المطلَقَة في مجالات الدبلوماسية والاقتصاد والثقافة والأكاديمية والفن.
وعلى هامش التقرير حذَّر وزير الحرب (إيهود باراك) من التداعيات الخطيرة التي تترتب على التغييرات الحقيقية التي خرجت بها ثورات الربيع العربي، بما فيها تعاظم قوة التيارات الإسلامية في المنطقة العربية قائلاً: الحراك العربي أسقط أنظمة مستبدة، ويفتح الباب أمام تحقيق تطلعات شعوب المنطقة، لكنه في الوقت نفسه يفتح الباب واسعاً لدخول جهات إسلامية في عالم القوة السياسية وميادين مختلفة، زاعماً أن تعاظم قوة التيارات الإسلامية يجسِّد "خطراً مستقبلياً ومحورياً على استقرار المنطقة بأكملها".
كما حذَّر رئيس هيئة أركان الجيش (بيني غانتس) من التهديدات التي أوجدها الربيع العربي على إسرائيل قائلاً: "إن التحولات في الشرق الأوسط تُعيد رسم خطوط التهديدات ضد إسرائيل من جديد، علاوة على المحاولات المستمرة من قِبَل المنظمات المعادية للإضرار بها وبمواطنيها، وهو ما يحتم عليها وعلى جيشها إنشاء الاستعدادات والقدرات".
27/12/32
د. عدنان أبوعامر
مجلة البيان - العدد: 293