ما الذي يجري إعداده لغـــزة؟
تتعدد وتتنوع الرؤى الصادرة عن الطبقة السياسية في دولة الكيان وفق المواقف والتنافس الحزبي والأيديولوجي، من تجويع وإبادة سكان غزة؛ عقابًا لهم على ما ارتكبوه من مهاجمة مستوطنات الغلاف، مرورًا بترحيلهم إلى الخارج، وانتهاءً إلى إيجاد بديل لحماس ليحكم القطاع.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة - أحداث عالمية وقضايا سياسية -
«سنحدّد بديلًا لحماس؛ حتى يتمكّن الجيش الإسرائيلي من إكمال مهمته».
هذا ما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في مقطع مصور بثّه من واشنطن بعد وقت قصير من تبني مجلس الأمن الدولي قرارًا بوقف فوري لإطلاق النار بقطاع غزة خلال شهر رمضان، دون أن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو).
ما قاله غالانت عن البديل لحماس -وهو لم يحدّده-؛ يدفع المرء للتساؤل عن السيناريوهات التي تفكّر بها دولة الكيان الصهيوني، لتحقيق أهدافها في حربها على غزة، خاصةً مع تعثُّر حملتها العسكرية في غزة، بعد اعتراف الخبراء الصهاينة أنفسهم بذلك.
ولكن هل ما تفكر فيه المنظومة السياسية لدولة الكيان الصهيوني يتوافق مع الرؤية الأمريكية لنهايات تلك الحرب؟
هل هناك خطط أمريكية بديلة لرسم سيناريوهات جديدة لغزة، وإنهاء تلك الحرب؟
للإجابة عن هذه الأسئلة يجب علينا في البداية أن نعود إلى الماضي القريب.
فعند تتبُّع الهجمات الغربية على العالم الإسلامي منذ أكثر من قرنين من الزمان؛ نجد أنها لا تترك أُمتنا للمجهول، بل دائمًا يرسم لها الغرب الإستراتيجيات التي تضمن له الهيمنة على تلك المنطقة الأكثر أهمية في العالم (سواء عقائديًّا أو إستراتيجيًّا).
وحين تتعثر إستراتيجية ما للغرب، وتتحطم أمام صمود قوى التحرر الشعبي الإسلامي؛ فإنه سرعان ما يجري تعديل تلك الإستراتيجية والالتفاف حولها لبقاء تلك الأمة دائرة في الفلك الغربي.
فحين نجحت الهجمات الغربية في اجتياح المنطقة، أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، سارع الغرب إلى رسم إستراتيجية تضمن بقاء هيمنته على المسلمين تتمثل في ثلاثة محاور رئيسية: تجزئة المنطقة إلى دويلات، وإيجاد أو استمالة أنظمة موالية، وزرع الكيان الصهيوني في قلب المنطقة.
وكما يرى البعض أن الربيع العربي كان بمثابة تهديد لعنصر من عناصر تلك الإستراتيجية، وهي الأنظمة، ثم جاء اجتياح المقاومة الفلسطينية لمنطقة غلاف غزة في هجوم طوفان الأقصى تهديدًا لعنصر آخر، وهو بقاء الكيان الصهيوني.
وإذا كانت الخطط المضادة التي رسمها الغرب للقضاء على الربيع العربي قد نجحت في وَأْده؛ فإنه قد شرع لتغيير خططه تجاه طوفان الأقصى؛ لتلاشي تأثيراته ونتائجه التي يمكن أن تُقوِّض إستراتيجيته تجاه المنطقة.
في البداية كانت الخطة هي التدمير الممنهج لغزة، فاندفعت آلة الحرب الصهيونية بدعم أمريكي بريطاني أوروبي، والتي حاصرت أساطيلهم القطاع، وفرضت حصارًا مطبقًا عليه، وعبر الجسر القوي، تم إمداد الصهاينة بمختلف أنواع الأسلحة والقذائف الفتّاكة، وطيلة ستة أشهر تم إلقاء ما يعادل عدة قنابل نووية على القطاع؛ أملًا في هزيمة المقاومة، وتهجير الأهالي منه، بعد محاصرتهم بالقتل والتجويع بمنع إدخال المساعدات.
ولكنّ صمود المقاومة الفلسطينية، وتمسك الفلسطينيين بأرضهم وبمقاومتهم قلبت المعادلات والخطط المرسومة.
في استطلاعٍ أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في شهر مارس، وعند سؤالهم عن السيطرة التي يفضلونها، نجد ارتفاعًا في نسبة تأييد سكان غزة لاستمرار حكم حماس بزيادة قدرها 14 نقطة مئوية عن استطلاع سابق تم إجراؤه منذ ثلاثة شهور، ويتعجب المركز في تقويمه لتلك النتيجة، فيقول في تقريره: نظرًا لحجم المعاناة في قطاع غزة، تبدو هذه النتيجة هي الأكثر صعوبة على الفهم في هذا الاستطلاع.
لم تكن تلك الحيرة لدى المركز الفلسطيني لوحده، بل امتدت تلك البلبلة وذلك الارتباك إلى دوائر السياسة لدى الكيان الصهيوني وفي الغرب؛ بسبب ذلك التعاطف والمؤازرة الشعبية في غزة مع مقاومتها، لذلك شرعوا في إيجاد البدائل وتغيير الخطط المستخدمة.
والمتتبع لما يجري تداوله في الصحف والإعلام الغربي والصهيوني هذه الأيام من مخططات موجهة لبقاء الهيمنة والسيطرة الغربية؛ يلاحظ أن هناك مؤشرات عديدة على أن هناك مخططًا يجري العمل فيه الآن بالنسبة لحرب غزة ومستقبل القضية الفلسطينية كلها.
أُولَى هذه المؤشرات هو تعثر المفاوضات الجارية في القاهرة بين حماس والصهاينة، ويبدو السبب المعلن لهذا التعثر هو تعنُّت رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتانياهو في القبول بصفقة، والإصرار على إكمال الحرب على غزة، ولكن ما يجري استنباطه وفهمه أن الرجل لا يعرقل تلك الصفقة فحسب، بل ربما يعرقل خططًا جديدة لغزة ربما لا تأتي مناسبة للرجل أو وفق هواه ومصالحه الشخصية، فقد يرى أن الوضع الحالي يُبقيه فترة أطول في الحكم، وهو الوضع القائم على مبدأ إدارة الصراع دون حلّه على الإطلاق.
ثاني هذه المؤشرات يتمثل في الزيارات المتتابعة واللقاءات العديدة التي يجريها رئيس المخابرات الأمريكية في المنطقة، والوفود الأوروبية التي تتقاطر على العواصم العربية المعنية بالأزمة، ثم لقاءات عربية منفردة، ولم يصدر عن هذه الاجتماعات إلا كلام دبلوماسي منمَّق، دون الكشف عن فحوى تلك المباحثات أو ما جرى الاتفاق عليه.
ثالث المؤشرات تزامن الانتقاد الأمريكي لسياسات نتانياهو مع دعم أمريكي علني لتفكيك المقاومة، وعلى رأسها حماس، ولكن ليست بتلك الطريقة التي يمارسها الجيش الصهيوني، ولكن بآليات أخرى، تتراوح بين ضربات جوية خاطفة تطال قادة المقاومة، وخيارات غامضة أخرى لم يُعلَن عنها.
رابع المؤشرات على المخطط الذي يُعدّ لغزة، هو ما تناقلته الأنباء وما أظهرته الصور عن ما تقوم به أمريكا من تشييد ميناء على شاطئ غزة، وبمشاركة أطراف عربية، وبحراسة من الجيش الصهيوني، تحت دعوى إيصال المساعدات، حتى إن سفينة قبرصية قد رست بالفعل محملة بتلك المساعدات، فهل إنشاء هذا الميناء لهدف إنساني فقط، وهو إيصال المساعدات لأهل غزة؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟
هذه المؤشرات تدفع بالمرء للتساؤل عما يجري حقيقة، وما الذي يتم إعداده لغزة بالفعل؟
سنحاول تجميع المعلومات المتناثرة عن تلك الخطط، ومِن ثَم تقويمها، وفي النهاية سنعرض لأهم العوامل التي تؤدي إلى نجاحها أو فشلها.
الرؤية الصهيونية:
تتعدد وتتنوع الرؤى الصادرة عن الطبقة السياسية في دولة الكيان وفق المواقف والتنافس الحزبي والأيديولوجي، من تجويع وإبادة سكان غزة؛ عقابًا لهم على ما ارتكبوه من مهاجمة مستوطنات الغلاف، مرورًا بترحيلهم إلى الخارج، وانتهاءً إلى إيجاد بديل لحماس ليحكم القطاع.
ولكن لعل أكثر الخطط الصهيونية المطروحة تماسكًا، وتبدو في صورة مشروع، هي ما يُطْلَق عليها خطة غالانت.
تقوم الخطة التي طرحها وزير الدفاع الصهيوني غالانت في شهر يناير الماضي، على عدة مبادئ أهمها: أن حماس لن تعود لحكم قطاع غزة أبدًا، كما أن سكان القطاع سيديرون أمورهم بأنفسهم، ولكن من خلال إنشاء آلية متعددة الأقطاب للحكم المدني في القطاع، والتي تضم: قوة متعددة الجنسيات، وآلية إدارة فلسطينية، ومصر، ودولة الكيان؛ وفقًا لصحيفة هآرتس.
كما تشمل الخطة تعزيز الحدود بين القطاع ومصر بوسائل إلكترونية بدعم من واشنطن؛ حيث تظل مصر هي بوابة القطاع، وستواصل دولة الكيان الصهيوني نشاطها العسكري شمالي القطاع وخان يونس، وسترد على أيّ تهديد، كما ستقوم بتفتيش كل البضائع الداخلة إلى القطاع.
وبعدها بشهر طرح رئيس وزراء دولة الكيان نتنياهو تفصيلًا أكثر لتلك الخطة، من خلال وثيقة عرضها على مجلس الحرب، منها أن شرط الفلسطينيين الذين سيتولون الإدارة المحلية ألا يكونوا مرتبطين بدول أو كيانات تدعم الإرهاب، أو يتلقوا أموالًا منها. مع إعداد خطة شاملة لمكافحة ما أطلق عليه مصطلح «التطرف» في المؤسسات الدينية، والتعليمية، والرعاية الاجتماعية، بمساعدة دول عربية لها خبرة في هذا المجال.
وخلاصة الرؤية الصهيونية أنها تريد لغزة وضعًا أشبه بوضع الضفة الغربية، تقسيمه لكانتونات يتجمع فيها الفلسطينيون يسهل من خلالها للجيش الصهيوني التدخل عسكريًّا في أيّ وقت، مع تولي إدارة فلسطينية محلية إدارة الأمور الحياتية، وفي نفس الوقت لا يقتصر التدخل في حياة غزة على الجانب الأمني، بل يشمل أيضًا الجوانب الثقافية والتعليمية.
ولا يتم تطبيق هذه الخطة إلا بعد تدمير القدرات العسكرية والبنية التحتية السلطوية لحركة حماس، وحركة الجهاد الإسلامي، وإطلاق كافة الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية.
ولكن تلك الخطة لم يحدث عليها إجماع داخل الكيان الصهيوني، فقد رفضتها الأحزاب الصهيونية الدينية؛ لأنها تريد ترحيل الفلسطينيين، كما التزم غانتس ولابيد السكوت حيالها.
الخطة العربية الأمريكية:
يقول يوفال بيتون وهو ضابط مخابرات سابق في الجيش الصهيوني في حديث مع قناة (12) الصهيونية: «إن هناك مخططًا قدّمته ثلاث دول عربية معتدلة (مصر والأردن والمغرب)، وتبنّته الإدارة الأمريكية لحكم غزة في مرحلة ما بعد حماس، ولكن نتانياهو يرفضه بالرغم من أن مثل هذا الاقتراح هو الذي سيرغم السنوار على تقديم تنازلات في المفاوضات؛ بحسب تقديرات ضابط الاستخبارات الصهيوني.
ولكن ما هي هذه الخطة العربية؟
في فيديو مترجم، يشرح باروخ يديد بعضًا من تفاصيل تلك الخطة، وهو صحفي صهيوني رئيس قسم الشؤون العربية في قناة (14) الصهيونية، وله علاقات جيدة مع المخابرات المصرية؛ فيقول: إن جهات دبلوماسية عربية كشفت له عن خطة تمت تسميتها مؤقتًا باسم المبادرة العربية لحماية غزة 2024م؛ حيث هناك عدة مراحل لتلك الخطة، وستتم تحت إشراف محمد دحلان رئيس جهاز الأمن الوقائي في غزة السابق، والذي اختلف مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، ويقيم الآن بدولة الإمارات.
ووفق ما أعلنه الصحفي الصهيوني؛ فإن المرحلة الأولى من هذه الخطة تتضمن وصول قوات عربية لغزة، وبالتحديد قوات مصرية ومغربية وأردنية، وسيعملون داخل القطاع بدعم مالي من أطراف إقليمية، وبدعم دولي على رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن بريطانيا مُطّلعة على هذه الخطة.
وبحسب هذا الصحفي؛ فإن هذه القوات العربية ستنطلق من رفح، وليس من شمال غزة، ولهذا نقلت تلك المصادر العربية للصحفي الصهيوني، أنه لا معنى إذن لدخول قوات الجيش الصهيوني لرفح.
وفي بقية مراحل الخطة، كما هي في رواية الصحفي الصهيوني، ستتشكل حكومة تكنوقراط مدنية داخل قطاع غزة؛ حيث سيجري تقسيمه إلى أقسام، وسوف تُوقَّع اتفاقية ضخمة حول إعادة تأهيل غزة، وسيتم رصد ميزانية لهذا الإعمار تُقدّر بـ90 مليار دولار.
ويضيف الصحفي أنه في المرحلة النهائية، وفي حال نجاح حكومة التكنوقراط تلك، ستتدخل دول المنطقة لتفكيك السلطة الفلسطينية في رام الله، ومِن ثَمَّ الإعلان عن نهاية الصراع العربي الصهيوني.
وبالنسبة لحماس؛ فإن دحلان يعتبرها قوة لا يستطيع أحد تجاهلها، وهو يراها كحزب سينضم للسلطة الجديدة، وليس واضحًا ماذا سيكون مصيرها مستقبلًا؛ كما يزعم الصحفي الصهيوني.
وفي تفسير إضافي للخطة؛ نقلت هيئة إذاعة الاحتلال عن مصادر، أن الإدارة الأمريكية أبلغت إسرائيل بأن دولًا عربية تُعِدّ مبادرة بشأن ما يسمى «اليوم التالي للحرب في غزة»، مشيرةً إلى أن هذه الخطة العربية تتضمن بندًا يقضي بدمج حركة حماس في منظمة التحرير الفلسطينية.
وتتحدث صحيفة واشنطن بوست عن الدور الأمريكي في تلك الخطة فتقول: «إن إدارة الرئيس الأمريكي ومجموعة من الشركاء في الشرق الأوسط، يعملون على استكمال خطة مفصلة وشاملة لتحقيق سلام طويل الأمد بين إسرائيل والفلسطينيين، يتضمن جدولًا زمنيًّا ثابتًا لإقامة دولة فلسطينية»، وأشارت الصحيفة إلى أنه من الممكن أن يتم الإعلان عن هذه الخطة خلال الأسابيع المقبلة.
وتُورد الصحيفة الأمريكية تفاصيل أكثر عن مهمة حكومة التكنوقراط الفلسطينية، والتي سيكون تركيزها على تعزيز الاقتصاد الفلسطيني، وتحسين الوضع الأمني، وإعادة إعمار غزة، ثم إجراء انتخابات، كما أن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، وافق من حيث المبدأ على الخطة، وربما يحتفظ بمنصبه كرئيس في دور يشبه الدور الذي يقوم به الرئيس الصهيوني؛ أي منصب شرفي.
وتنقل الصحيفة عن مسؤول عربي قوله: «لو كان هناك عامان من الازدهار والاستقرار في ظل حكومة جديدة، لن يختار أحد حماس في صناديق الاقتراع».
وتزامن الإعلان عن هذه الخطة مع نشاط سياسي وإعلامي ملحوظ لمحمد دحلان، وتأكيد على الخطة العربية، والتي يبدو أن الرجل أشرف شخصيًّا على صياغتها.
وفي نفس التوقيت، كشف القيادي في حماس محمد نزال لصحيفة العربي الجديد، عن حدوث لقاء بين إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس مع محمد دحلان، وأضاف نزال لسنا بصدد الكشف عن تفاصيل المحادثات.
بينما في حديث معه لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية قال دحلان: «يجب تسليم السلطة إلى زعيم فلسطيني جديد ومستقلّ يمكنه إعادة بناء غزة تحت حماية قوة حفظ سلام عربية، لا عباس ولا حماس، بل أشخاص جدد يقودون السلطة الفلسطينية الجديدة، والتي يمكن لها أن تدعو الدول العربية الصديقة لإرسال قوات للمساعدة في حفظ النظام في غزة، وهناك دول ستكون مستعدة للمساعدة وتمويل إعادة الإعمار».
باختصار هناك خطة معروضة وراءها دحلان، والذي تقف خلفه الإمارات بالطبع، تقوم هذه الخطة على إدخال قوات عربية بدعم أمريكي لإعادة السيطرة على القطاع، وتسليم إدارته لحكومة تكنوقراط فلسطينية تشارك فيها حماس، ومِن ثَم إعادة إعماره بأموال خليجية، وبذلك ينتهي خطره على الكيان الصهيوني كما يريد الكيان، وفي نفس الوقت تظهر للفلسطينيين في غزة فرص لمعيشة أفضل حياتيًّا واقتصاديًّا.
ولم يتحدث أحد عن جزء الخطة الأهم، وهو كيفية تفكيك كتائب المقاومة العسكرية، وهل ستدخل القوات العربية في صدام معها؟
ميناء غزة بين الرؤية الصهيونية والخطة العربية الأمريكية
فُوجئ الناس في شهر مارس أثناء إلقاء خطاب حالة الاتحاد أمام الكونغرس، بإعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن، أنه أصدر تعليماته للجيش بإنشاء ميناء مؤقت على ساحل غزة يمكنه استقبال شحنات من الغذاء والماء والدواء التي يحتاجها القطاع المُحاصَر بشدة، وفي تصريحات للمتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الأمريكية أعلن عن تفاصيل الميناء، الذي سيبلغ طوله 500 متر، ويستغرق بناؤه حوالي الشهرين، وأن أولى السفن اللوجستية التابعة للبحرية قد انطلقت باتجاه سواحل غزة للبدء بتنفيذ المشروع.
وفي أعقاب تلك التصريحات مباشرة أعلن وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، أن بلاده ستتعاون مع الولايات المتحدة لفتح ممر بحري لتوصيل المساعدات مباشرة إلى غزة.
وسرعان ما أعلنت المفوضية الأوروبية وألمانيا واليونان وإيطاليا وهولندا وقبرص والإمارات، عن مشاركتهم ودعمهم للمشروع.
طبعًا لم يُصدّق أحد أن إقامة الميناء لإدخال المساعدات، فدخول المساعدات عن طريق معبر رفح أسهل وأسرع، خاصةً أن مئات الشاحنات تتكدس عنده.
لذلك فإن التفسير المقبول لفكرة إنشاء هذا الميناء، هي إيجاد بؤرة في غزة بعيدًا عن حكم حماس وسلطة «أبو مازن»، كوسيلة لتفكيك سلطة حماس، فعن طريق ذلك الميناء سيتم توزيع المساعدات وإدارة الأمور تدريجيًّا في غزة عن طريق فلسطينيين سيمثلون إما حكومة تكنوقراط أو آخرين يريدهم الكيان الصهيوني، والفكرة ضمنيًّا تعني إبعاد مصر عن ملف غزة، فهناك اعتقاد سائد أن الحكومة المصرية تمارس سياسة ذات وجهين؛ فمن ناحية لا تفتح المعبر إلا بإذن صهيوني، ومن ناحية أخرى لا تمنع مرور سلاح لحماس عن طريق الأنفاق.
وقد تبدو فكرة الميناء تلك كعامل مشترك بين خطة حكومة الاحتلال والخطة العربية برعاية أمريكية، ولكن واقع الحال يقول: إن هناك اختلافًا في الدوافع بين الطرفين.
فبينما يصر نتنياهو على أن فكرة الميناء هي أصلًا فكرته، وترمي بالأساس إلى تفكيك سلطة حماس وإدارتها للقطاع، وربما إيجاد ممر لترحيل الفلسطينيين من غزة إلى أيّ مكان آخر، طالما تُصِرّ الحكومة المصرية على إغلاق معبر رفح في وجه خطط الترحيل، وهذا ما نقلته قناة كان العبرية عن نتنياهو، بقوله: «إن الميناء يمكن أن يُسهّل إخراج الفلسطينيين من غزة».
وفي المقابل، فإن الخطة العربية الأمريكية للميناء هدفها كما يعتقده الكثيرون يتمثل في محاولة لإحياء مشروع الممر الهندي، والذي كان سيتم تدشينه لنقل البضائع القادمة من شرق آسيا إلى أوروبا عن طريق الخليج والأردن، ثم إلى دولة الكيان، ومنه بحريًّا إلى أوروبا، ولكن جاء طوفان الأقصى ليتم تأجيل المشروع، فالميناء هو فرصة لإحياء ذلك الخط مرة أخرى.
وهناك مَن يتحدث عن أن هدف الميناء هو الاستيلاء على حقلي الغاز الموجودين قبالة شاطئ غزة، وهما ما يُعرَف بحقلي غزة مارين، واللذان يحويان ثروة طاقة هائلة من الغاز الطبيعي، تُقدَّر قيمتها بمليارات الدولارات.
وبالرغم من تضرُّر مصر إستراتيجيًّا من وجود مثل هذا الميناء؛ حيث كانت مصر تستخدم دائمًا معبر رفح كأداة إستراتيجية ربما تكون وحيدة في تثبيت دورها في المنطقة، بعد تراجع دورها الإقليمي في شتى المجالات، ولكن يبدو الموقف المصري الصامت غامضًا، وتفسيره الوحيد هو تراجع الاقتصاد المصري بشدة؛ حيث تربط الجهات المانحة والمشاركة في مشروع ميناء غزة دعمها للاقتصاد بالموقف المصري من الميناء.
نجاح المخططات:
من الذي يحدد فرص نجاح تلك المشاريع تجاه غزة؟
يقول عضو الكنيست زئيف ألكين: «لا نزال حتى اليوم بنفس المكان أمام أضعف أعدائنا، فبهذه الطريقة التي ندير فيها الحرب، لم نصل حتى الآن إلى الحسم أمام حماس، والصواريخ لا تزال تتساقط على البلاد من غزة، كما أن حماس تدير المفاوضات معنا حول صفقة التبادل من منطق قوة وغير مستعدة لتليين مواقفها».
لا شك أن المقاومة الفلسطينية، ومن خلفها الشعب الغزي، هم القادرون على قلب طاولات ذلك التآمر، وذلك بصمودهم وتحملهم واستلهامهم مواقف المسلمين والصحابة في حصار الشِّعْب في مكة قبل الهجرة، أو حصارهم في غزوة الخندق، فهم على الأرض يُسطّرون صفحة جديدة من تاريخ المسلمين ستُكتب بلا شك بأحرف من نور؛ لأنهم يدركون أن الأمر بيد الله، إذا شاء تعالى تمكينهم على عدوهم، وإن شاء غير ذلك، ولكن في الحالتين هم منتصرون؛ سواء في الدنيا أو الآخرة.
______________________________________________________
الكاتب: حسن الرشيدي