من سنن الصلاة (سنن المواقيت)

حظ المسلم من الإسلام على قدر حظه من الصلاة، ورغبته في الإسلام على قدر رغبته في الصلاة، وقدر الإسلام في قلبه على قدر الصلاة في قلبه، فالصلاة عمود الإسلام

  • التصنيفات: فقه الصلاة -

أولا: تمهيد:

حظ المسلم من الإسلام على قدر حظه من الصلاة، ورغبته في الإسلام على قدر رغبته في الصلاة، وقدر الإسلام في قلبه على قدر الصلاة في قلبه، فالصلاة عمود الإسلام، والفسطاط إذا سقط عموده سقط الفسطاط، ولم ينتفع بالطّنب ولا بالأوتاد؟ وإذا قام عمود الفسطاط انتفعت بالطنب والأوتاد. فكذلك الصلاة من الإسلام.

 

فصلاتنا آخر ديننا، وهي أوَّل ما نسأل عنه غدًا من أعمالنا، فليس بعد ذهاب الصَّلاة إسلام ولا دين، فإذا صارت الصَّلاة آخر ما يذهب من الإسلام، فكل شيء يذهب آخره فقد ذهب جميعه، فتمسَّكوا رحمكم اللَّه بآخر دينكم[1]، وقد مدح الله جل جلاله الذين يحافظون عليها في مواقيتها، وأخبر أن جزاءهم الجنة يكرمون فيها، فقال: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} [المعارج: 34، 35].

 

ثانيا: تعريف الصلاة:

أ‌- الصلاة لغة:

الصلاة لغة: الدُّعاء. ومنه قول الله عز وجل: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103]، أي: ادْعُ لَهُم.

وصَلَواتُ اليَهود: كنائِسهُم واحدُها صلاة.

وصَلَواتُ الرسول للمسلمين: دُعاؤه لهم وذكرهم.

وصَلَواتُ اللهِ على أنبيائه والصالحين من خلقه: حُسنُ ثَنائه عليهم وحُسن ذكره لهم. وقيل: مَغفرتُه لهم.

وصَلاةُ الناسِ على المَيِّتِ: الدُّعاء.

وصلاة الملائكةِ: الاستِغفارُ، فهي إذن: الدعاء والرحمة والاستغفار وحسن الثناء[2]

 

ب‌- الصلاة اصطلاحا:

الصلاة في الاصطلاح عبارة عن: "الأفعال المعلومة مِنْ القِيَام، والقُعُود، والرُّكُوع، والسُّجُود، والقِرَاءَةِ، والذِكْر وغيرِ ذلك، المفتَتَحَةٌ بالتكبير والمُخْتتمةٌ بالتسليمِ"[3].

 

ثالثا: السنن في المواقيت

الصلاة في أول وقت دخولها:

وهذه السنة قد يتركها من لا يجب عليه صلاة الجماعة؛ كالنساء، أو من يُشغَل عن حضور الجماعة لعذر فيتساهل في الصلاة أول الوقت، ويؤخرها إلى آخر الوقت.

 

ويدل على فضيلة الصلاة أول وقتها: حديث ابن مسعود رضي الله عنه: «أَنَّ رَجُلًا سَألَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا...»[4].

 

التغليس بصلاة الفجر:

عن عائشة رضي الله عنها: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغَلَسٍ، فَيَنْصَرِفْنَ نِسَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لَا يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَسِ، أَوْ لَا يَعْرِفُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا»[5].

 

وفي البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: «وَالصُّبْحَ كَانُوا، أَوْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ»[6].

 

والغَلَس: اختلاط ضياء الصبح بظلمة الليل، وقد كان صلى الله عليه وسلم ‌يصليها ‌بغلس ولم ينتظرهم بها، ولا يبالي إن فاتتهم الجماعة، بخلاف العشاء[7].

 

والتغليس بالفجر داخل في المبادرة بالصلاة لأول وقتها، وقد خص بالذكر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أسفر بها في بعض أيامه، ثم ترك الإسفار ولم يعد إليه، وكانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات صلى الله عليه وسلم[8].

 

الإبراد في صلاة الظهر:

ويدل على هذه السنة قوله صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ؛ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ»[9].

 

ومعنى الإبراد: انكسار وهَج الشمس بعد الزوال حتى ينكسر الحر، ويتسع فيء الحيطان. وسُمِّي ذَلِكَ إبرادًا؛ لأنه بالإضافة إلى حَرِّ الهاجرة بَرْدٌ[10]

 

وقد ذكر بعضهم للإبراد شروطًا لا دليل عليها، والأخذ بظاهر الخبر أولى[11].

 

تأخير العشاء:

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: «أَعْتَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْعِشَاءِ، فَخَرَجَ عُمَرُ فَقَالَ: الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللهِ، رَقَدَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ يَقُولُ:  «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالصَّلَاةِ هَذِهِ السَّاعَة»[12].

 

وهذا التأخير لمن يصليها منفردًا، أو في جماعة بحيث لا يشق ذلك على المأمومين، فإذا كان يشق عليهم قدمها لأول الوقت[13].

 


[1] انظر: الجامع لعلوم الإمام أحمد (5/ 491)، الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م، الناشر: دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث، الفيوم - جمهورية مصر العربية.

[2] انظر: الخليل بن أحمد، العين (7/ 154)، بدون طبعة، بدون تاريخ، ابن دريد، جمهرة اللغة (2/ 1077)، الطبعة: الأولى، 1987م، الناشر: دار العلم للملايين – بيروت، ابن الأنباري، الزاهر في معاني كلمات الناس (1/ 45)، الطبعة: الأولى، 1412 هـ -1992، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت.

[3] انظر: عبد الغني المقدسي، عمدة الأحكام من كلام خير الأنام (ص53)، الطبعة: الثانية، 1408 هـ - 1988 م، الناشر: دار الثقافة العربية، دمشق - بيروت، ابن عادل، اللباب في علوم الكتاب (1/ 290)، الطبعة: الأولى، 1419 هـ -1998م، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان.

[4] هو بهذا اللفظ في: سنن أبي داود (1/ 163) حديث رقم (426)، كتاب الصلاة، باب في المحافظة على وقت الصلوات، سنن الترمذي (1/ 319) حديث رقم (170)، كتاب الصلاة، باب ما جاء في الوقت الأول من الفضل، من حديث أم فروة رضي الله عنها، وأصله في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: صحيح البخاري (9/ 156) حديث رقم (7534)، كتاب التوحيد، باب: وسمى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عملا، وقال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، صحيح مسلم (1/ 62) حديث رقم (85) كتاب الإيمان، ‌‌باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال.

[5] صحيح البخاري (1/ 173) حديث رقم (872)، كتاب الصلاة، باب استئذان المرأة زوجها بالخروج إلى المسجد، صحيح مسلم (2/ 119) حديث رقم (645) كتاب المساجد، باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها، وهو التغليس. وبيان قدر القراءة فيها.

[6] صحيح البخاري (1/ 205) حديث رقم (535)، كتاب مواقيت الصلاة، باب: وقت المغرب، صحيح مسلم (1/ 446) حديث رقم (645)، كتاب المساجد، باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها، وهو التغليس. وبيان قدر القراءة فيها.

[7] انظر: ابن بطال، شرح صحيح البخاري لابن بطال (2/ 187) الطبعة: الثانية، 1423 هـ - 2003 م، الناشر: مكتبة الرشد - السعودية، الرياض.

[8] انظر: أبو العباس القرطبي، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (2/ 270)، الطبعة: الأولى، 1417 هـ - 1996 م، الناشر: دار ابن كثير، دمشق – بيروت، ابن دقيق العيد، إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/ 165) بدون طبعة، الناشر: دار عالم الكتب بيروت.

[9] صحيح البخاري (1/ 199) حديث رقم (512)، كتاب مواقيت الصلاة، باب: الإبراد بالظهر في شدة الحر، صحيح مسلم (2/ 430) حديث رقم (615) كتاب المساجد، باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر لمن يمضي إلى جماعة ويناله الحر في طريقه.

[10] انظر: الخطابي، غريب الحديث (1/ 186)، بدون طبعة، الناشر: دار الفكر - عام النشر: 1402 هـ - 1982 م، ابن قدامة، المغني (2/ 37) الطبعة: الثالثة، 1417 هـ - 1997 م، الناشر: دار عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع، الرياض - المملكة العربية السعودية.

[11] انظر: ابن قدامة، المغني (2/ 37) الطبعة: الثالثة، 1417 هـ - 1997 م، الناشر: دار عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع، الرياض - المملكة العربية السعودية.

[12] صحيح البخاري (9/ 85) حديث رقم (7239)، كتاب التمني، باب: ما يجوز من اللو، صحيح مسلم (2/ 117)، حديث رقم (642)، كتاب المساجد، باب وقت العشاء وتأخيرها.

[13] انظر: ابن هبيرة، الإفصاح عن معاني الصحاح (3/ 45) بدون طبعة، بدون تاريخ.

_____________________________________________________
الكاتب: مشاري بن عبدالرحمن بن سعد العثمان