ولله على الناس حج البيت ..

محمد سيد حسين عبد الواحد

موعدنا بعون الله تعالى لنتحدث عن فريضة الحج إلى بيت الله الحرام سائلين الله العظيم رب العرش الكريم أن يكتبها لنا ولكل مشتاق

  • التصنيفات: ملفات الحج وعيد الأضحي -

 

أما بعد فيقول رب العالمين سبحانه {{ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ }}

وعند أصحاب السنن من حديث عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ وغيره قَالَ لَمَّا أنْزَلَ الله قوله {(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )} أذَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فقال يا قوم كُتِبَ عليكُم الحجُّ ، فقام رجل فقال يا رسول الله أفي كلِّ عامٍ ؟ فأُغْضِبَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً ثم قال والذي نفسي بيده لو قلت نعم لوجَبَت ولو وجبت ما استطعتم وإذن لكفرتُم فاتركُونِي ما تركتُكم فإذا أمرتكم بشيءٍ فافعلوا منه ما استطعتم وإذا نهيتُكم عن شيءٍ فانتهوا عنه وأنزل الله {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }}

أيها الإخوة المؤمنون أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن لكل وقت أذان ولأن لكل مقام مقال ولأن لكل حادث حديث اليوم موعدنا بعون الله تعالى لنتحدث عن فريضة الحج إلى بيت الله الحرام سائلين الله العظيم رب العرش الكريم أن يكتبها لنا ولكل مشتاق

{{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }}

نتحدث عن الحج كركن من أركان الإسلام نتحدث عن الحج كعمل من أفضل أعمال المؤمن بعد قول لا إله إلا الله محمد رسول الله وقد سُئِلَ النبى صلى الله عليه وسلم أَىُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ « إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ . فقِيلَ ثُمَّ مَاذَا يا نبى الله قَالَ « الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ » . قِيلَ ثُمَّ مَاذَا فقَالَ صلى الله عليه وسلم حَجٌّ مَبْرُورٌ »»

من بين سائر الفرائض :

ومن بين كل العبادات والطاعات يأتى حج البيت الحرام كمسك الختام الذى ختم الله به فرائضه على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى الذين آمنوا ..

نبشر مَنْ خرج لحج البيت الحرام هذا العام أو فيما سبق من الأعوام أنه إن حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من حجه مغفوراً له قال النبي عليه الصلاة والسلام «{ مَنْ حَجَّ هذا البيتَ ، فلم يَرفُثْ ، ولم يَفسُقْ ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمُّهُ }»

أيها الإخوة الكرام:الحج فريضة العمر :

الحج أمنية المسلم هو فى شبابه وفى كهولته وفى شيخوخته يرجو ويأمل أن يرزقه الله تعالى متعة النظر إلى البيت الحرام ولو مرة واحدة فى حياته من فرط اشتياق المؤمن لزيارة البيت الحرام يخرج المؤمن من أهله ووطنه وماله عن طيب نفس منه وفرح ثم يشد الرحال ويقطع الفيافى والقفار حتى يأتى البيت الحرام رجاء مغفرة الذنوب وستر العيوب ورضا علام الغيوب قال الحبيب صلى الله عليه وسلم « « الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ تُكَفِّرُ مَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ »»

فى هذه النصوص تحبيب وترغيب لكل مسلم ومسلمة أن يجهز نفسه وأن يعد العدة لزيارة البيت الحرام إن لم يكن هذا العام ففيما نستقبل من الأعوام فالحج حق لله تعالى علينا فى أبداننا وفى أموالنا ..

{{ وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }}

أفرد الله تعالى للحج سورة من سور القرآن فسماها بسورة الحج ، في سابقة لم تكن للصيام ولا للصلاة ولا للصدقة ، وكانت للحج سورة باسمه ..

ورد فى هذه سورة الحج الحديث عن بناء الكعبة وعن كونها رمزاً لكلمة لا إله إلا الله وورد الحديث عن حج البيت الحرام وعن مناسك الحج وأيامه وأحواله بكل تفصيل وورد فى نفس السورة تسلية لأمة محمد صلى الله عليه وسلم يوم أكدت آيات الله أن الحج لم يفرض علينا وحدنا ولكن الله تعالى فرضه علينا وعلى الشعوب والأمم من قبلنا ..

{{ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ }}

ورد فى تفسير هذه الآيات أن الخليل ابراهيم عليه السلام لما فرغ من رفع قواعد البيت هو وجدنا إسماعيل أمره ربه تبارك وتعالى أنْ يُؤذِّن في الناس بالحج ويقول يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه .

لماذا أيها المؤمنون ؟ لأن البيت الحرام بيت الله عز وجل والخَلْق جميعاً خَلْق الله تعالى ، ولا يتميز منهم أبيض على أسود ولا عربى على أعجمى إلا بتقوى الله ولهذا أراد ربك سبحانه ألا تقتصر رؤية البيت الحرام على أهل مكة وحدهم أراد الحق سبحانه وتعالى أنْ يرى البيت الحرام أهل مصر وأهل العراق وأهل الشام وأهل اليمن وأهل الشرق والغرب فخاطب خليله وقال { وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}

ورد فى الخبر أن ابراهيم عليه السلام لما فرغ من بناء البيت ورفع قواعده قال له ربه سبحانه :

{{ وَأَذّن فِى الناس بالحج }} فقال الخليل يا رب عبد ضعيف وصوتى ضعيف فكيف يبلغهم ؟ فقال الله يا ابراهيم عليك النداء وعلى البلاغ . قالوا فصعد إبراهيم عليه السلام جبل أبى قبيس فلما بلغ أعلاه قال ماذا أقول يا رب ؟ فقال جبريل عليه السلام يا ابراهيم قل لبيك اللهم لبيك فلبى الخليل فهو أول من لبى وفي رواية أنه قال يا أيها الناس إن الله كتب عليكم حج البيت العتيق فسمعه ما بين السماء والأرض وتواضعت له الجبال وارتفعت له القرى ، وما بقي شيء سمع صوته إلا أقبل يلبي معه ويقول لبيك اللهم لبيك وأجابه يومئذ من كان في أصلاب الرجال ومن كان فى أرحام النساء ، وأجابه من سمع صوته من حجر أو شجر ومدر ، فمن أجابه مرة حج مرة ، ومن أجابه مرتين أو أكثر حج مرتين أو أكثر قال ابن عباس أول من أجاب الخليل ولبى خلفه أهل اليمن ولهذا هم أكثر الناس حجاً {{ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ }} .

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يبارك في أبداننا وأن يوسع أرزاقنا وأن ييسر أحوالنا حتى نأت البيت الحرام حجاجاً ومعتمرين إنه ولي ذلك والقادر عليه..

الخطبة الثانية:

بقى لنا في ختام الحديث أن نقول :

إن لحج البيت الحرام آثار مباركة على كل من أتاه حاجاً أو معتمراً :

ومن تلك الآثار :-

حضور ذكر الآخرة فإذا رأينا تزاحم الناس، ووقوفهم فى مكان واحد بلباس واحد ، على اختلاف الألوان وتباين اللهجات ذكرنا الوقوف يوم القيامة بين يدى الله سبحانه وتعالى وهذا يدعونا الى الزهد فى الدنيا والعمل للآخرة ..

ومن آثار الحج على زوار البيت الحرام طهارة نفوسهم ونقاء قلوبهم فيرجع المؤمن بعد الحج وقد تغير سلوكه وتغيرت ألفاظه وتغير فى معاملاته من السييء إلى الحسن ومن الحسن إلى الأحسن يرجع وقد تدرب على ضبط النفس وكظم الغيظ والعفو والتغاضي عن سفاهات الناس ..

ومن آثار الحج على زوار البيت الحرام تهييج الذكريات الجميلة فى نفوس المؤمنين : وهذا سر بديع من أسرار الحج العزيزة على كل قلب مسلم ..

فمع الحج نتذكر إبراهيم الخليل عليه السلام نتذكر توحيده لربه، نتذكر أنه هاجر في سبيل الله وأنه عاش عبداً لله كامل العبودية ، عاش حياته كلها يقدم مراد الله تعالى على مراد نفسه ..

ونتذكر مع السعى بين الصفا والمروة ما كان من أمنا هاجر عليها السلام نتذكر سعيها بين الصفا والمروة ونتذكر ثقتها بربها وحسن توكلها عليه ونتذكر سعيها وأخذها بالأسباب مع علمها بأن الأسباب لا تجلب خيراً ولا تدفع شراً إلا بأمر الله ..

ونتذكر مع الشرب من ماء زمزم جدنا إسماعيل عليه السلام الذى حفظه ربه ورعاه وأطعمه وسقاه من غير حول منه ولا قوة فى إشارة إلى أن الله لا تضيع عنده الودائع ..

ونتذكر مع السعى فى طرقات مكة وأوديتها تلك البقاع الطاهرة التى ولد عليها ونشأ فيها وسعى رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فهنا نزل الوحى وهنا لقى رسول الله الناس وهنا التقى رسول الله بالجن وهنا صلى رسول الله وهنا وقف يقول يا قوم قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وهنا كذبوه وهنا عذبوه وهنا حبسوه وهنا قاطعوه ومن هذا الطريق هَجّرُوهُ وأبعدوه ..

ذكريات تحدثنا عن ضرورة الاعتزاز بهذا الدين ..

ذكريات تؤكد لنا أن الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر وأن الكيد والمكر الذي يحاك بالمسلمين سينتهي يوماً ما فدوام الحال من المحال وتلك الأيام نداولها بين الناس..

مشاهد الحج ومناسكه ومواقفه تبشرينا بأن الله ناصر دينه وناصر المؤمنين مهما أحكمت عليهم المكائد ومهما واجهتهم المصاعب .. {﴿ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِـُٔوا۟ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَيَأْبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ ﴾﴿ هُوَ ٱلَّذِىٓ أَرْسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ ﴾}