من محاسن الإسلام في الأبواب التي يلج منها المشككون فيه

سالم محمد

هذه فقرات من كتاب: محاسن الاسلام .. نظرات وقضايا منهجية متعلقة بمحاسن الإسلام، لمؤلفه الشيخ: د.أحمد يوسف السيد، وفي هذا الكتاب ركز المؤلف (على الأصول والكليات التي يُنطلق منها إلى الحديث عن محاسن الإسلام)

  • التصنيفات: قضايا إسلامية -

 

هذه فقرات من كتاب: محاسن الاسلام .. نظرات وقضايا منهجية متعلقة بمحاسن الإسلام، لمؤلفه الشيخ: د.أحمد يوسف السيد، وفي هذا الكتاب ركز المؤلف (على الأصول والكليات التي يُنطلق منها إلى الحديث عن محاسن الإسلام) وهذا باب عظيم يجمع بين تثبيت المسلم ودعوة غير المسلم والرد على الشبهات، والآن مع المادة المستخرجة بتصرف يسير:

إذا تأملنا في الشبهات المثارة ضد تشريعات الإسلام وأحكامه (العملية) فإننا نجد أنها تمر - في الغالب ـ من ثلاثة أبواب : وهي الجهاد والمرأة والحدود، وإذا أمعنا النظر في كل باب من هذا الأبواب من جهة مقاصدها التشريعية وتفصيلات الأحكام المتعلقة بها فسنجد فيها من الحكمة والحسن والجمال لنا ما يصح أن نفخر به لا أن نواريه ونخجل منه .

ولنأخذ على سبيل المثال ما يتعلق بالجهاد والقتال في الإسلام، فمن المعلوم أنّ أبرز ما يُتهم به الدين الإسلامي في هذا العصر أنه دين وحشيّ، وأنه دين عنف وسفك للدماء، لا دين رحمةٍ ورفق وعدل وأنه لا قوانين تضبط مُحاربيه وتدفعهم إلى التعامل الأخلاقي.

وفي الحقيقة فهذه نظرة ظالمة منقوصة منقوضة، لا ترتبط بتعاليم الإسلام الأصلية ولا بالنموذج العملي الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن أصحاب هذه الدعاوى يقعون في أحد إشكالين رئيسين:

الأول : تحميل الإسلام وزر بعض المنتسبين إليه المخالفين لتعليماته .

الثاني: الاختزال والانتقاء غير الموضوعي من نصوص الوحيين ومن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم المتعلقة بالجهاد.

وهؤلاء الطاعنون يؤسسون نظرتهم التشكيكية - في الغالب - على بعض الممارسات القتالية المعاصرة التي يقوم بها أناس من المنتسبين إلى الإسلام فيطعنون في الإسلام بناء على هذه الأفعال، بينما إذا أردت أن تُحاكم هؤلاء الطاعنين إلى ممارسات قتاليّةٍ أخرى متعلقة بالجانب الإلحادي أو العلماني أو النصراني أو اليهودي فإنهم يرفضون تحميل الإلحاد أو العلمانية أو النصرانية أو اليهودية وزر الجرائم الحربية التي تصدر من بعض المنتسبين إلى هذه الأفكار والديانات بحجّة أنّ هذه نماذج لا تمثِّلُ الثقافة العلمانية، ولا الفكر الإلحادي، ولا تسامح أديان الكتابيين !

ونحن نقول : ليس كل من قاتل باسم الإسلام يمثل الإسلام، وليس كل من رفع سلاحه منتسباً إلى الشريعة فإنه يمثلها حقاً، غير أن الفارق بين المسلمين وبين غيرهم في هذه القضية هو أن أول من يُنكر على من يخالف تعاليم الإسلام في القتال هم المسلمون أنفسهم، وأما المخالفات القتالية التي تقع من المنتسبين إلى الثقافات والأديان والأفكار الأخرى فإنك لا تجد من الإنكار والتشنيع وتبرئة تلك الأفكار من الممارسات الخاطئة التي يقوم بها بعض المنتسبين إليها بالقدر الذي نجده عند المسلمين، وإن كان فيهم من يُنصف فينتقد .

ولا شك أن التقييم الحقيقي لقضية الجهاد في الإسلام إنما يكون عبر دراسة أصوله (الكتاب والسنة) والنظر في الممارسة الجهادية العملية التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذا هو المعيار التام الكامل لتقييم قضية الجهاد في الإسلام، ثم تأتي التجارب القريبة من الزمن النبوي في العهد الراشدي لتمثل أكمل صور الاقتداء بالرسول  صلى الله عليه وسلم من دون ادعاء العصمة فيها .

وقد أفرِدتْ دراسات في ذكر محاسن الإسلام في الحرب وأخلاق الحرب منها كتاب (أخلاق الحرب في السيرة النبوية) لحسن الطيلوش، ومنها كتاب: (أخلاقيات الحرب في السيرة النبوية) لناصر محمدي محمد جاد وكلا الكتابين فيهما استعراض لأخلاقيات الحرب في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والقوانين الضابطة للمسلم .

وإذا أردنا أن نضرب بعض الأمثلة على هذه القوانين الضابطة لأخلاقيات الحرب في الإسلام فلننظر فيما جاء في احترام العهد مع الكفار والتغليظ في الاعتداء على المعاهَد بما لا نظير له .

فمع أن منع قتل المعاهد موجود في كثير من الثقافات والأديان والقوانين، لكن العجب أن يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين في هذا الباب بأغلى وأعلى ما يطمحون إليه وهو الجنة، فيقول لهم: « «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة»» [1]، يالله ما هذا التغليظ الشديد والوعيد المخيف على قتل كافر؟! نعم إنه العهد واحترام المواثيق في الإسلام حرباً وسلماً .

ومن أعجب ما جاء في احترام المواثيق في الحرب الإسلامية : ما جاء في صحيح مسلم أن حذيفة رضي الله عنه وهو في طريقه إلى المدينة تعرّض له ولأبيه المشركون وحبسوهم ثم أطلقوهم شريطة ألا يُشاركوا في الحرب مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فوافقوا؛ لينجوا من الأسر، وهم في حال أشبه ما تكون بالإكراه، فلما رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجداه في التجهيز لمعركة بدر، فلما أرادا أن يخرجا معه وأخبراه الخبر قال عليه الصلاة والسلام: «(انصرفا، نفي بعهدهم ونستعين الله عليهم)» [2] ولم يُخرجهما معه؛ فهذا كان سبب عدم حضور حذيفة لمعركة بدر وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المقدمين، فالمحافظة على العهد مع كل هذه المعطيات لا تجدها إلا في الإسلام.

وهكذا الحال إذا نظرنا في البابين الآخرين (المرأة والحدود) فإننا نجد فيهما من المحاسن والحكم ما يغفل عنه الطاعنون أو يكتمونه.

 

[1] أخرجه البخاري (٣١٦٦).

[2] أخرجه مسلم (1787)