المسلمون بالهند يخشون المجاهرة بإسلامهم

لقد ترددت في كتابة هذه المقالة. فلا يفترض بي أن أحتج، أو أعترض. وحينما أفعل ذلك أحيانًا، فأنشر على الإنترنت شيئًا، يكون رد الفعل النمطي هو «اذهب إلى باكستان». ولكن لماذا أرحل؟ أنا هندي. ولدت هنا، شأن أسلافي

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة - أحداث عالمية وقضايا سياسية -
المسلمون بالهند يخشون المجاهرة بإسلامهم

فيما عدا اسمي، ليس ثمة الكثير الذي يكشف أنني مسلم. فأنا لا أرتدي قلنسوة، وأجتنب ارتداء زي قبيلة الباثان المسلمة بالأماكن العامة، أو أن أمزج حديثي بكلمات باللغة الأردية فهذه جميعًا علامات هوية المسلمين الهنود. ففي الهند في عهد رئيس الوزراء ناريندرا مودي لا يمكنك المجازفة بالتعبير عن هويتك الإسلامية في بلدك.

فحكومة مودي الهندوسية القومية المتطرفة تقوم ومنذ وصولها للحكم قبل عشر سنوات بتشويه أمة من مئتي مليون مسلم باعتبارهم خطرين وغير مرغوب فيهم. وفي الآونة الأخيرة وخلال فترة الانتخابات البرلمانية التي تمتد لستة أسابيع بلغ الخطاب إلى أعلى مستوياته، حيث من المتوقع بشكل كبير أن تظفر حكومة مودي بفترة حكم من خمس سنوات هي فترته الثالثة على التوالي، وتقوم الدعاية الحزبية لحزب بهاراتيا جانتا الذي يتزعمه مودي على وصف المسلمين مباشرة بأنهم «عملاء» والسعي لتحويل الهند إلى دولة هندوسية خالصة.

فللأسف بات مألوفًا الآن لدى المسلمين الهنود من أمثالي ممن يعيشون - بعد عقد من التشهير والعنف والقتل- أن يشعروا بالخوف يوميًا من تحديد هوياتهم فيضطرون في أغلب أحوالهم إلى إنكار إسلامهم حماية لأنفسهم.

الهند هي موطن أضخم شعب مسلم في العالم. وقد جاءنا الإسلام قبل قرابة ألف وثلاثمائة سنة، وينحدر المسلمون من أسلاف ينتمون إلى هذه الأرض اعتنقوا الإسلام قبل قرون. وكثير من المسلمين الهنود ناضلوا ضد الاستعمار البريطاني، ورفض الملايين قرار تقسيم البلد سنة 1947 إلى الهند ذات الغالبية الهندوسية وباكستان ذات الأغلبية المسلمة. فالهند وطننا، وأمثالي من الناس وطنيون فخورون.

 

كان رد فعل المسلمين على قهرهم هو الصمت المطبق إلى حد كبير. فالكثيرون منا عازفون ببساطة عن الاعتراض على الصفقة المريرة التي أقرتها حكومة مودي، وهي أننا لكي نوجد بوصفنا مواطنين هنودا، فلا بد أن نقبل في خنوع

لكن قومية مودي الهندوسية جعلتنا أهدافا فيما قد يكون أضخم حملة في الكوكب لغرس التطرف في شعب. غرست بذورها مع تأسيس منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانج عام 1925، وهي منظمة هندوسية يمينية سعت إلى إقامة دولة هندوسية كاملة في الهند مستلهمة الفاشية الأوروبية التي سادت ذلك العصر. وحينما فاز حزب بهاراتيا جاناتا التابع لمودي -والمتفرع عن منظمة راشتريا سوايامسيفاك- بانتخابات عام 2014 وأصبح مودي رئيسًا للوزراء، رأى هو وأتباعه في ذلك لحظة حضارية ظل الهندوس ينتظرونها. إذ بدا مودي هو الملك الإلهي القادر على تحرير الحضارة الهندوسية بعد قرون من السيطرة، سيطرة سلسلة من الحكام المسلمين في أول الأمر وصلوا إلى الذروة مع الإمبراطورية المغولية التي حكمت الهند لقرابة ثلاثة قرون ثم سيطرة المستعمرين البريطانيين الذي أعقبوهم.

الإسلاموفوبيا ليس بالجديد على الهند، فقد سبق أن واجه المسلمون تمييزًا وعنفًا متواترًا على مدى أجيال هيمنت فيها نخب هندوسية ليبرالية من الطبقة العليا على السياسة الديمقراطية العلمانية في الهند. لكن في ظل قيادة مودي اليمينية الأمر صار مختلفا فقد أصبحت كراهية المسلمين فعليًا سياسة دولة. الهند الآن بلد صارت فيه الشرطة تتواطأ بشكل صريح عندما يهاجم الهندوس المسلمين، وينجو فيه قتلة الأقليات الدينية من العقاب ويدعو المتطرفون الهندوس جهارًا إلى إبادة جماعية للمسلمين.

ومن يفكر في الاحتجاج يجازف بإطلاق الغوغاء الهندوس عليه. وذلك ما جرى بعد إقرار حكومة مودي سنة 2019 لقانون الجنسية الذي يحتوي على تمييز واضح ضد المسلمين ووعد حزبه بطرد «العملاء» من البلد. ولما احتج المسلمون الهنود، رد أحد أنصار مودي بخطاب إثاري مما أدى إلى اندلاع اشتباكات دموية بين الهندوس والمسلمين في دلهي في فبراير 2020. وقامت فيه الشرطة بغض البصر عن تدمير محال للمسلمين.

وصارت الجرافات تنتشر في مسيرات اليمين، ويرسمها أنصار مودي وشما على أذرعهم وتتردد في أغنيات الوطنية الهندوسية، وذلك بسبب استعمالها في مناطق خاضعة لحكم حزب بهارتيا جاناتا في الهدم غير الشرعي لبيوت ومحال المسلمين ممن يتجاسرون على الاعتراض. قررت بعض الولايات عدم قانونية العلاقات بين المسلمين والهندوس، بناء على نظرية مؤامرة هندوسية عبثية ترى أن رجال المسلمين يغوون الهندوسيات في سياق خطة بعيدة المدة لتحويل الهند إلى أمة مسلمة.

 

اليوم يكرر الآباء المسلمون على أسماع أبنائهم سلسلة محظورات: لا تظهر إسلامك في العلن، لا تعلن اسمك، لا تدخل مناطق الهندوس، ولا تسافر منفردا، ولا تدخل في مواجهات محتملة.

وبدلا من أن تعترف النخبة الهندوسية الليبرالية بدورها في ترسيخ المشاعر التي استثمرها مودي، نرى أنها لم تبذل جهدًا يذكر للمساعدة فيما عدا التعبير غير المجدي عن الحنين إلى التسامح الهندوسي الضائع. وليس بيد مسلمي الهند ما يمكن أن يفعلوه من داخل النظام السياسي، برغم أن نسبة المسلمين من شعب الهند قد ازدادت 14%، فإن نسبة أعضاء البرلمان المسلمين تراجعت إلى أقل من 5% اليوم، مقارنة بـ9% في أوائل الثمانينيات.

كان رد فعل المسلمين على قهرهم هو الصمت المطبق إلى حد كبير. فالكثيرون منا عازفون ببساطة عن الاعتراض على الصفقة المريرة التي أقرتها حكومة مودي، وهي أننا لكي نوجد بوصفنا مواطنين هنودا، فلا بد أن نقبل في خنوع تحريف التاريخ ونزع الإنسانية والشيطنة.

ثمة ما يموت داخل المرء بسبب هذا الامتهان، وبسبب معرفته أنه فعليا خارج نطاق حماية القانون. لم تعد والدتي تزودني بلحم الضأن وأنا راجع إلى دلهي بعد زيارتها كما اعتادت. إذ تخشى أن يخطئ البعض ويظنونه لحمًا بقريًا، وقد تردد أن عشرات المسلمين تعرضوا للقتل أو الاعتداء من غوغاء هندوس لشكهم في قتلهم البقر -وهو مقدس لدى الهندوس- أو لأكلهم لحم البقر أو حيازته. واليوم يكرر الآباء المسلمون على أسماع أبنائهم سلسلة محظورات: لا تظهر إسلامك في العلن، لا تعلن اسمك، لا تدخل مناطق الهندوس، ولا تسافر منفردا، ولا تدخل في مواجهات محتملة.

وفي حين أننا نحذر بعضنا بعضا من الاندماج، يصعب أن نتصالح مع الأمر كله. لقد تأصل في إحساس بالألم يصعب محوه. والعلامات المادية التي نحاول إخفاءها ليست خاصة بالمسلمين في الهند كلية. فقد يروق لقريبي أن يرتدي الباثناي كورنا، لكن كثيرا من الهندوس مثله أيضا. وأختي الصغرى تفضل تغطية رأسها، وكذلك كثير من نساء الهندوس، وإن لم يكن بحجابً وأنا مرتبط باستعمال كلمات معينة من الأردو ظلت طويلا من سمات الثقافة الشائعة في الهند أيضا بين الهندوس.

يفضي إنكار الهوية إلى إحباط عميق. بتنا الآن خلال التجمعات مع الأصدقاء والأهل نجتنب السياسة، فمناقشة فيل الغرفة لا تفيد إلا في تذكرتنا بقلة حيلتنا. والثقل التراكمي لكل هذا أنشأ فينا أزمة صحة ذهنية، هي أزمة خوف واكتئاب بين المسلمين. غير أنه بسبب نقص فادح في أطباء الصحة الذهنية في الهند وبسبب الفهم المحدود لواقعنا الجديد لدى كثير من المعالجين النفسيين الهنود غير المسلمين، يظل على كثير من المسلمين أن يتكيفوا بأنفسهم.

لقد ترددت في كتابة هذه المقالة. فلا يفترض بي أن أحتج، أو أعترض. وحينما أفعل ذلك أحيانًا، فأنشر على الإنترنت شيئًا، يكون رد الفعل النمطي هو «اذهب إلى باكستان». ولكن لماذا أرحل؟ أنا هندي. ولدت هنا، شأن أسلافي ممن عارضوا الأساس الديني للتقسيم مع باكستان وآمنوا بمثل الديمقراطية العلمانية الهندية.

لكن كثيرًا من المسلمين هربوا على مدار السنين، مهاجرين إلى أستراليا، وكندا وبريطانيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة وماليزيا وأماكن أخرى بسبب سوء المناخ السياسي. وكثير ممن لا يملكون الهجرة ينتقلون من الأحياء ذات الأغلبية الهندوسية أو الأحياء المختلطة التي عاشوا فيها لعقود، إلى مناطق إسلامية أكثر فقرًا طلبًا للأمن. لقد كنت أنا واثنان من أصدقائي المسلمين نمتلك شققا في ضاحية قرب نيودلهي يعيش فيها كثير من الهندوس المنتمين إلى الطبقة العليا. لكن في 2020، بعد إجازة قانون المواطنة التمييزي، اجتاح غوغاء هندوس الحي مطالبين بدماء المسلمين. سرعان من انتقل صديقاي المسلمان من الحي. واحتفظت أنا بشقتي، ولكني سمعت في المصعد ذات مساء سنة 2022 حوارًا بين رجلين يتناقشان في أن كثيرًا للغاية من الكاتوا (وهو اصطلاح ازدرائي يعني المسلمين وهو مشتق من الختان) يعيشون في المنطقة. في اليوم التالي تركت المنطقة. والمؤسف أن أصدقاء وزملاء من الهندوس باتوا أكثر فتورًا وبعدًا وآل التواصل إلى الانقطاع.

في الأول من يونيو، تنتهي فترة الانتخاب الهندية. وهي تطل علينا بوصفها يوم الرعب للمسلمين من أمثالي. إذ تذهب أغلب التوقعات إلى أن مودي سوف يحقق نصرًا آخر، وأن حكم الغوغاء سوف يترسخ بشكل أكبر وبالتالي تتوالى عمليات الاحتقار لمائتي مليون مسلم من الأغلبية الهندوسية.


 


[1] محمد علي صحفي مستقل يعيش بين نيويورك والهند، ويؤلف حاليًا كتابًا عن النشأة في الهند في ظل سعي مودي وحكومته إلى تحويل الهند إلى بلد هندوسي.