مختصر الطواف وبعض ما يتعلق به من أحكام

الطواف: هو عبادة لله تُظهر الافتقار والتوجه بالقلب والجوارح إليه سُبحانه يقوم فيها المُسلم بالطواف والدوران حول الكعبة سبع أشواط تعبدًا لله وتقربًا إليه بما شرع.

  • التصنيفات: فقه الحج والعمرة -

حقيقة الطواف:

الطواف: هو عبادة لله تُظهر الافتقار والتوجه بالقلب والجوارح إليه سُبحانه يقوم فيها المُسلم بالطواف والدوران حول الكعبة سبع أشواط تعبدًا لله وتقربًا إليه بما شرع.

 

وصِفته أن يبدأ كل شوط من الركن الذي فيه الحجر الأسود وينتهي إليه، ويجعل الطائف الكعبة عن يساره أثناء الطواف.

 

أنواع الطواف ووقت كل نوع وحُكمه:

1- طواف القُدوم: ويُسمى طواف التحية لأنه شرع للقادم من غير مكة ( الآفاقي ) لتحية البيت، فأشبه تحية المسجد، أما المكي ومن في حُكمه وهو الآفاقي إذا أحرم من مكة فلا يُشرع في حقه، وعِلة سُقوط طواف القُدوم عن هؤلاء؛ لأنه شُرع للقُدوم والقُدوم في حقهم غير موجود.

 

ولا يُشرع أيضًا في حق المُعتمر والمُتمتع ولو آفاقيًّا.

 

وهو مُستحب على القول الراجح في حق المُفرد والقارن ولا يلزم بتركه شيء.

 

والأصل في هذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث إنه أول شيء بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف، ومن قصد عرفة رأسًا للوقوف يسقط عنه طواف القدوم وذلك للآتي:

أولًا: أن محل طواف القُدوم المسنون قبل وقوف عرفة وقد فات.

 

ثانيًا: لأن الطواف المفروض عليه قد دخل وقته وخوطب به، فلا يصح قبل أدائه أن يتطوع بطواف قياسًا على أصل الحج والعُمرة.

 

ثالثًا: لأنه شُرع في ابتداء الحج على وجه يترتب عليه سائر الأفعال فلا يكون الإتيان به على غير ذلك الوجه سُنة.

 

2- طواف العُمرة: وهو رُكن من أركان العُمرة باتفاق العُلماء يُؤديه المُعتمر عند وصوله للبيت الحرام.

 

3- طواف الإفاضة ( الزيارة ): وهو رُكن من أركان الحج باتفاق العُلماء يُؤديه الحاج بعد إفاضته من عرفة ومُزدلفة، ولا يتحلل الحاج بدونه التحلل الأكبر ولا ينوب عنه شيء.

 

ووقته: هو يوم العيد بعد الرمي والنحر والحلق؛ لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

 

ويُشترط في هذا الطواف خاصة أن يكون مسبوقًا بالوقوف بعرفة، فلو طاف للإفاضة قبل الوقوف بعرفة لا يسقط بذلك فرض الطواف إجماعًا.

 

وليس لنهايته وقت مُحدد على القول الراجح، لكن الأولى أن يبُادر الحاج بالطواف للإفاضة قدر استطاعته، مع مُراعاة الرفق بنفسه وتحيُّن الأوقات التي يكون المطاف فيها خفيفًا من الزحام؛ حتى لا يُؤذِي ولا يُؤذَى.

 

وليس هناك ما يُوجب فعله في أيام النحر، ولا يلزمه فدية إذا أخره بعد أيام النحر؛ لأنه لا يسقط عنه أبدًا، ولا يكفي الفداء عنه؛ لأنه رُكن ويظل مُحرمًا عن النساء حتى يطوف.

 

4- طواف الوداع: وهو الطواف الذي يأتي به الحاج إذا أراد السفر من مكة بعد فراغه من أعمال الحج، وهو واجب على القول الراجح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت طواف، إلا أنه خُفف عن المرأة الحائض، فلا يلزمها البقاء حتى تطهر وتطوف للوداع، لكن يُرخَّص لها في ترك طواف الوداع والسفر إلى بلدها ولا يلزمها دم بذلك.

 

ولكن إن طهرت المرأة قبل أن تُسافر، فعليها الطواف للوداع إذا لم تكن قد خرجت من بيوت مكة، فإن طهرت وهي لا تزال في بيوت مكة لزمها أن تطوف طواف الوداع.

 

ولا يجب طواف الوداع إلا على الحاج من أهل الآفاق، فأما المكي فلا وداع عليه؛ لأن الطواف وجب توديعًا للبيت، وهذا المعنى لا يوجد في أهل مكة.

 

5- طواف النفل: وهو ما يتعبد به المُسلم إذا كان غير حاج أو مُعتمر، وهذا جائز في كل وقت.

 

شُروط الطواف:

للطواف شُروط لا يصح إلا بها وهي:

1- النية عند الشروع فيه؛ لأن الطواف عبادة مقصودة ولهذا يُتنفل به، فلا بد من اشتراط النية فيه.

 

2- ستر العورة: فلو طاف بدون ستر لها بطل طوافه لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يُنادى في الحج في العام التاسع: (لا يحج بعد العام مُشرك ولا يطوف بالبيت عُريان).

 

3- الطهارة من الحَدَث الأكبر كالجنابة والحيض والنِّفاس.

 

أما الطهارة من الحَدَث الأصغر، فالقول الراجح أنها لا تُشترط في الطواف ولا تجب فيه، لكنها بلا شك أفضل وأكمل واتباعًا للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينبغي أن يخل بها الإنسان.

 

مسألة: حُكم طواف الحائض عند الضرورة:

لا خِلاف بين العُلماء أن المرأة الحائض لا يجوز ولا يصح لها أن تطوف بالبيت إذا كانت قادرة على الطواف مع الطُهر، ويجب عليها أن تنتظر حتى تطهر ثم تطوف إن استطاعت ذلك من غير مشقة.

 

لكن إذا كانت غير قادرة على الانتظار حتى تطهر كي تطوف، لارتباطها بموعد رحلة العودة ونحو ذلك، فلا تخلو هذه المرأة من ثمانية أقسام:

الأول: أن يُقال لها: أقيمي بمكة وإن رحل الرجال حتى تطهري وتطوفي؟! وفي هذا من الفساد وتعريضها للمقام وحدها في بلد الغُربة مع لحوق غاية الضرر ما فيه.

 

الثاني: أن يُقال لها: يسقط طواف الإفاضة للعجز عن شرطه؟! وهذا لا قائل به فإنه رُكن الحج الأعظم، وهو المقصود لذاته والوقوف بعرفة وتوابعه مُقدمات له.

 

الثالث: أن يُقال لها: إذا خشيت مجيء الحيض في وقت الطواف جاز لك تقديمه على وقته؟! وهذا لا يُعلم قائل به، وهو كتقديم الوقوف بعرفة على يوم عرفة.

 

الرابع: أن يُقال: بل تتحلل حتى تطهر كما يتحلل المُحْصَر مع بقاء الحج في ذمتها، فمتى قدرت على الحج لزمها وتطوف طاهرًا؟! وهذا ضعيف لأن الإحصار أمر عارض للحاج يمنعه من الوصول إلى البيت في وقت الحج، وهذه مُتمكنة من البيت، ثم إن عُذرها لا يسقط فرض الحج عليها ابتداءً، فلا يكون عُروضه مُوجبًا للتحلل كالإحصار.

 

الخامس: أن يُقال: يجب عليها أن تستنيب من يحج عنها كالعاجز عن الحج بنفسه؟! وهذا لا قائل به؛ لأن العاجز يكون آيسًا من زوال عُذره، وهذه لا تيئَس من زوال عُذرها لجواز أن ينقطع دمها زمن اليأس أو قبله، فليست كالعاجز.

 

السادس: أن يُقال: تطوف بالبيت وهي حائض للضرورة، وهذا هو القول الراجح الموافق لروح الشريعة السمحة ولرفع الحرج عن الأُمة؛ لأن الصلاة أعظم من الطواف ولو عجز المُصلي عن شرائطها من الطهارة أو ستر العورة أو استقبال القبلة، فإنه يُصلي على حسب حاله، فالطواف أولى بذلك، فإن أصول الشريعة مبنيَّة على أن ما عجز عنه العبد من شُروط العبادات يسقط عنه، وكما لو عجز الطائف أن يطوف بنفسه راكبًا وراجلًا، فإنه يُحْمَل ويُطاف به.

 

وأما ما ورد في اشتراط طهارة المرأة من الحَدَث الأكبر في طوافها، إنما هو في حال القُدرة والسعة لا في حال الضرورة والعجز.

 

مسألة: إن استطاعت المرأة أن تتناول دواء يمنع الحيضة وقت الحج، فلها أن تفعل إن لم يكن يضرُّها.

 

مسألة: القول الراجح أن الطهارة من النجاسة ليست بشرط للطواف، فلو طاف وعليه نجاسة صح طوافه لعدم وجود الدليل على اشتراط ذلك.

 

فمن طاف بالبيت ثم علم بعد فراغه منه بأنه طاف مُتنجسًا، سواء كانت النجاسة في ثوبه أو بدنه، فطوافه صحيح ولا شيء عليه، سواء كان ناسيًا أو جاهلًا أو مُتعمدًا على القول الراجح.

 

4- أن يبدأ الطواف من خذو الحجر الأسود، وينتهي إليه، فلو بدأ من غيره فلا يُعتد بالشوط الذي بدأه بعد الحجر الأسود.

 

5- أن يجعل البيت عن يساره؛ أي لا يجوز أن يكون عن يمينه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف جاعلًا البيت عن يساره.

 

ومن الخطأ أن بعض الناس تجعل الكعبة خلف ظهره أو أمامه لبضع خُطوات من أجل الزحام وهذا خطأ.

 

6- أن يكون الطواف حول الكعبة فلو طاف داخل الحِجْر، (الموضع المُحاط بجدار مُقوس تحت ميزاب الكعبة في الجهة الشمالية منها)، لم يصح طوافه؛ لأن الحِجْر جُزء من الكعبة، فلا يصح الطواف من داخله؛ لأن الطائف مأمور أن يطوف بالبيت أي من خارجه كله.

 

وبهذه المناسبة أَوَدُّ أن أبيِّن أن كثيرًا من الناس يُطلقون على هذا الحِجْر اسم (حِجْر إسماعيل)، والحقيقة أن سيدنا إسماعيل لا يعلم به وأنه ليس حِجْرًا له، وإنما هذا الحِجْر حصل حين قصرت النفقة على قريش حين أرادوا بناء الكعبة، فلم تَكفِ النفقة لبناء الكعبة على قواعد سيدنا إبراهيم، فأخرجوا منها هذا الجانب، وسُمِّي حَطيمًا وحِجْرًا، فليس لإسماعيل فيه أي عِلم أو أي عمل.

 

فمن الخطأ العظيم جدًّا أن بعض الناس يدخل في الطواف من باب الحِجْر، ويخرج من الباب الثاني في أيام الزحام، يرى أن هذا أقرب وأسهل، وهذا خطأ عظيم؛ لأن الذي يفعل ذلك لا يُعتبر طائفًا بالبيت.

 

فيُشترط أن يكون الطواف من وراء الحِجْر، فإن لم يطُف من ورائه لم يتحقق الطواف حول الكعبة، والثابت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم هو الطواف من وراء الحِجْر.

 

7- أن يكون الطواف سبعة أشواط كاملة؛ لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم المُبيِّن للقدر الذي يحصل به الامتثال لأمر الله، فلا يصح طواف أقل من ذلك، فمن ترك خُطوة في أي شوط من الأشواط، لم يُجزئ هذا الشوط، ومن شك في عدد أشواط الطواف بنى على اليقين وهو الأقل.

 

8- المُوالاة بين أشواط الطواف على القول الراجح، بمعنى عدم الفصل الطويل بين الأشواط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم والى بين الأشواط، ولا يُؤثر الفصل اليسير بين الأشواط للحاجة، أما قطع المُوالاة من غير حاجة، وكان الفصل بين الأشواط فصلًا طويلًا، فهذا لا يصح ولابد من استئناف الطواف من أوله؛ لأن هذا أخلال بالمُوالاة من غير عُذر.

 

مسألة: حُكم قطع الطواف إذا أقيمت الصلاة:

إذا أُقيمت صلاة الفريضة أثناء الطواف، فإنه يقطع الطواف بنية الرجوع إليه بعد الصلاة، فإذا قُضيت الصلاة يرجع ويُكمل الطواف من حيث وقف؛ أي: من الموقع الذي انتهى إليه من قبل، ولا يستأنف من جديد؛ لأن ما سبق بُني على أساس صحيح وبمقتضى إذن شرعي، فلا يُمكن أن يكون باطلًا إلا بدليل شرعي.

 

وكذلك يقطع الطواف لصلاة جنازة أو ضعف في أثناء الشوط واستراح قليلًا، ثم واصل فلا حرج في ذلك للحاجة.

 

9- المشي إذا كان قادرًا عليه.

القول الراجح أن الطائف يجب عليه أن يطوف ماشيًا إذا كان قادرًا عليه؛ لأن هذا هو الأصل،

 

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ما طاف راكبًا إلا لعُذر، وهو أن يراه الناس ليتأسَّوا به.

 

أما إذا كان عاجزًا عن المشي لمرض أو كِبر سِن أو زحام شديد لا يتحمله، وطاف راكبًا أو محمولًا على الأكتاف ونحو ذلك، فلا بأس به ولا شيء عليه.

 

سُنن الطواف:

للطواف سُنن ينبغي للطائف القيام بها اقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم وهي:

1- الوضوء قبل الطواف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول شيء بدأ به حين قدم مكة توضَّأ ثم طاف بالبيت.

 

2- استلام الحجر الأسود وتقبيله في ابتداء الطواف، وفي كل شوط إن تيسر ذلك؛ لثُبوت فعل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، واستلام الحجر هو مسحه باليد.

 

وفي حالة إذا استطاع استلامه باليد وشقَّ عليه تقبيله قبَّل يده، فإن شق عليه استلامه بيده فله أن يستلمه بعصا ونحوها ويُقبِّلها، فإن عجز عن ذلك كله فإنه يُشير إليه بيده ويُكبِّر؛ ثبت ذلك كله عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 

3- قول: (بسم الله والله أكبر، اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك ووفاءً بعهدك، واتباعًا لسُنة نبيك صلى الله عليه وسلم) عند بدء الشوط الأول.

 

4- الاضطباع: ويكون في جميع الأشواط السبعة، وهو أن يجعل طرفي الرداء على كتفه الأيسر ووسطه تحت إبطه الأيمن، فيكون منكبه الأيمن مكشوفًا، وهو خاص بالرجال دون النساء، ولا يسن إلا في طواف القُدوم فقط على القول الراجح، وأما في غيره فإنه ليس بمشروع.

 

تنبيه:

الاضطباع إنما يُشرع في الطواف دون سائر المناسك لا كما يفعله كثير من الناس من الاضطباع من حين يُحْرِم، ويستمر كذلك حتى يتحلل، وهذا من الجهل بالسنة؛ حتى إنه ليُصلي وهو مكشوف العاتق.

 

وعلى هذا، فينبغي له أن يُسوِّي رداءه، فيُغطي عاتقه الأيمن كذلك بعد إنهاء طوافه؛ لأن الاضطباع محله الطواف فقط.

 

5- استلام الركن اليماني: وذلك بمسحه باليد ويُكبر عند استلامه؛ لثُبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، والركن اليماني هو الركن الواقع قبل الحجر الأسود ولا يُقبله، فإن لم يتمكن من استلامه فإنه لا يُشير إليه، وينبغي على المرأة ألا تزاحم الرجال في الطواف لاستلام الركنين أو تقبيل الحجر الأسود.

 

6- الرَّمَل في الأشواط الثلاثة الأُولى: والرَّمَل هو الإسراع في المشي مع مُقاربة الخُطَى وهو الخَبَب، ويمشي كعادته في الأربعة الباقية يبتدئ كل شوط بالحجر الأسود ويختم به.

 

وهو سُنة للرجال دون النساء مع مُراعاة ألا يُؤذي أحدًا، ولا سيما في الأوقات التي يكثر فيها الزحام، والرَّمَل لا يُشرع إلا في طواف العُمرة وطواف القُدوم للمُفرد والقارن، أما فيما عدا ذلك فلا يُشرع؛ كطواف الإفاضة أو طواف المكي أو طواف الوداع، أو طواف التطوع على القول الراجح.

 

7- الإكثار من الدعاء والذكر وقراءة القُرآن، وليس في ذلك ذكر محدود عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بأمره ولا بقوله ولا بتعليمه، بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية، ويُسن ختم كل شوط (بين الركن اليماني والركن الذي فيه الحجر الأسود) بقول: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201].

 

لَما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يختم طوافه بين الركنين اليمانيين، وهما: (الركن اليماني والذي يليه وهو الركن الذي فيه الحجر الأسود) بقوله: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201].

 

والركنان اليمانيين أُطلق عليهما ذلك؛ لأنهما من جهة اليمن كما أن الركنين الآخرين المُوازيين هما الركنان الشاميان؛ لأنهما من جهة الشام.

 

8- القُرب من البيت الحرام للرجال قدر المُستطاع لشرف البيت دون أذية الطائفين.

 

9- الذهاب إلى مقام إبراهيم بعد الطواف وقراءة: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125].

 

10- صلاة ركعتين بعد الطواف خلف مقام سيدنا إبراهيم إن أمكن، وإلا في أي مكان من المسجد.

 

ويقرأ في ركعتي الطواف بسورة الكافرون في الركعة الأولى بعد الفاتحة والإخلاص في الركعة الثانية بعد الفاتحة، وتُصلَّى ركعتا الطواف في أي وقت من غير كراهة ولو في أوقات النهي.

 

11- الشُرب من ماء زمزم بعد ركعتي الطواف والتضلع منه، وصبه على الرأس؛ لثُبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 

12- الرجوع بعد صلاة ركعتي الطواف إلى الحجر الأسود، فيستلمه إن تيسر ذلك ثم يخرج إلى الصفا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عاد إلى الحجر بعد صلاة الركعتين، فاستلمه ثم شرب من ماء زمزم، ثم عاد إلى الحجر فاستلمه ثم خرج إلى الصفا.

 

13- الإسرار بالذكر والدعاء؛ لأن الله تعالى يسمع السِر والنجوى، ولئلا يُؤذي غيره من الطائفين.

 

مسألة: حُكم الوقوف والالتزام والدعاء عند المُلتزم:

المُلتزم: هو ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة، والوقوف عنده والتزامه لم يرد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم سُنة، ولكن كان من فعل الصحابة رضي الله عنهم.

 

ومعنى التزامه أي: وضع الداعي صدره ووجهه وذراعيه وكفيه عليه، ودُعاء الله تعالى بما تيسر له مما يشاء، ولكن الأحاديث الواردة في التزام المُلتزم والدعاء عنده لا يثبت منها شيء، وإنما جاء عن الصحابة والتابعين ما يُفيد مشروعية ذلك، وبناءً على ذلك فالالتزام لا بأس به ما لم يكن فيه أذية ومشقة، وله أن يلتزمه عند دُخوله الكعبة، وله أن يفعله قبل طواف الوداع وله أن يفعله في أي وقت شاء، وليس هناك دُعاء مُعين يدعوه به المُسلم في ذلك المكان.

 

مُخالفات أثناء الطواف:

من المُخالفات التي تحدث من بعض المُسلمين أثناء الطواف ما يلي:

1- رفع الصوت بالذكر والدعاء وقراءة القُرآن بما يُشوش على الطائفين، ويُشغلهم عن الدعاء والابتهال إلى الله في هذا المكان المُقدس.

 

2- الكلام في أُمور الدنيا أثناء الطواف فيما لا حاجة إليه، وذلك أن الطائف في صلاة فينبغي أن يستفيد منه في دُعائه وتضرعه وابتهاله وقراءة القُرآن.

 

3- الطواف وهو يدافع البول أو الغائط ونحو ذلك مما يُشغله عن حُضور قلبه وخُشوعه.

 

4- تخصيص كل شوط بدُعاء أو ذكر مُعين؛ لأن هذا من البدع التي لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يخص كل شوط بدُعاء أو ذكر ولا أصحابه أيضًا، ولم يثبت في السنة إلا الدعاء بين الركنين اليَمَانيين، وهما الركن الذي به الحجر الأسود والركن الذي قبله.

 

وتزداد هذه البدع خطأً إذا حمل الطائف كتيبًا كُتب فيه لكل شوط دُعاء، وهو يقرأ هذا الكتيب ولا يدري ماذا يقول؛ إما لكونه جاهلًا باللغة العربية، ولا يدري ما المعنى وإما لكونه عربيًا ينطق باللُغة العربية، ولكنه لا يدري ما يقول.

 

5- المزاحمة والدفع والاختلاط والنظر إلى المُحرمات ونحو ذلك، وخاصة عند استلام الحجر الأسود والركن اليماني مُزاحمة يتأذى بها ويُؤذي غيره.

 

وهذه المُزاحمة الشديدة عند استلام الحجر أو الركن اليماني، ليست مشروعة بل إن تيسر ذلك بهدوء، فذلك المطلوب وإن لم يتيسر يُشار إلى الحجر الأسود.

 

6- الإشارة عند الركن اليماني؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار إليه، ولا يُمكن قياسه على الحجر الأسود؛ لأن الحجر الأسود أعظم منه، والحجر الأسود ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار إليه.

 

7- تقبيل الركن اليماني؛ لأنه لم يثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم والعبادة إذا لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي بدعة وليست بقُربة، وعلى هذا فلا يُشرع للإنسان أن يُقبل الركن اليماني؛ لأن ذلك لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما ورد فيه حديث ضعيف لا تقوم به الحُجة.

 

8- استلام الحجر الأسود وتقبيله على سبيل التبرك، فيتمسحون به تبركًا، وهذا بلا شك خِلاف ما قُصد به، فإن المقصود بالتمسح بالحجر الأسود أو بمسحه وتقبيله تعظيم الله عز وجل، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استلم الحجر قال: (الله أكبر) إشارة إلى أن المقصود بهذا تعظيم الله عز وجل، وليس المقصود التبرك بمسح هذا الحجر، ولهذا قال أمير المُؤمنين عمر رضي الله عنه عند استلامه الحجر: (والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبلك ما قبَّلتك).

 

فهذا الظن الخاطئ من بعض الناس - وهو أنهم يظنون أن المقصود بمسح الركن اليماني والحجر الأسود وتقبيله، التبرك بهما - هذا من الاعتقاد الفاسد الذي يجب أن يُنهى عنه، وأن يُبَيَّن للناس أن مثل هذه الأحجار لا تضر ولا تنفع، وأن المقصود بمسحها تعظيم الله عز وجل وإقامة ذكره، والاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم.

 

صِفة الطواف بالبيت:

صِفة الطواف المشروعة هي على النحو التالي:

1- قطع التلبية قبل أن الشروع في الطواف، ثم يقصد الطائف الحجر الأسود ويستقبله، ثم يستلمه؛ أي: يلمسه بيده اليُمنى ويُقبله إن تيسر ذلك، وإلا استلمه وقبَّل يده، فإن لم يستطع أشار إليه بيده ولا يُقبل يده، ويقول عند استلامه: (الله أكبر)، ولو قال: (بسم الله والله أكبر) فحسن، ويتجنب مُزاحمة الناس حتى لا يتأذى هو أو يُؤذي غيره.

 

2- ثم يأخذ ذات اليمين ويجعل البيت عن يساره.

 

3- يرْمَل الرجل في الثلاثة الأشواط الأُول من الحجر الأسود إلى أن يعود إليه.

 

والرَّمَل لا يُشرع إلا في طواف العُمرة وطواف القُدوم للمُفرد والقارن، أما فيما عدا ذلك فلا يُشرع كما سبق.

 

4- يضطبع الرجل في جميع الطواف من البداية إلى النهاية، والاضطباع لا يُسن إلا في طواف القُدوم فقط على القول الراجح، وأما في غيره فإنه ليس بمشروع كما سبق.

 

5- فإذا وصل وحاذى الركن اليماني وهو الركن الذي قبل الحجر الأسود استلمه بيده اليُمنى؛ أي يلمسه ويُكبر ولا يُشرع فيه التقبيل، فإن شقَّ عليه استلامه تركه، ومضى في طوافه، ولا يُشير إليه، بل يستمر في مشيه دون أن يُشير إليه، ولا يُكبر عند مُحاذاته؛ لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويفعل ذلك في كل شوط من طوافه.

 

6- يُستحب له أن يقول بين الركنين: (الركن اليماني والركن الذي فيه الحجر الأسود):

{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201]، ويدعو في بقية الطواف بما شاء.

 

فإذا بلغ الحجر الأسود، فقد أتم شوطًا ويفعل عنده ما تقدم، ثم يطوف حتى يكمل سبعة أشواط.

 

7- كلما مر بالحجر الأسود استلمه وقبَّله وقال: (الله أكبر)، فإن لم يتيسر استلامه وتقبيله، أشار إليه كلما حاذاه مرة واحدة بيده اليُمنى، وكبَّر مرة واحدة، ويُكثر في طوافه من الذِكر والدعاء والاستغفار، ويُسر بدُعائه وقراءته إن قرأ شيئًا من القُرآن ولا يُؤذي الطائفين، وليس في الطواف أدعية مُحددة، ومن خصَّص لكل شوط من الطواف أو السعي أدعية خاصة، فلا أصل له ولا يطوف من داخل الحِجْر؛ لأنه من البيت فلا بد أن يكون الطواف من ورائه.

 

8- فإذا كَمَّل سبعة أشواط وفرغ منها، غطى كتفيه بردائه وتقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ:

{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]، ثم يُصلي ركعتين خلف المقام إن تيسَّر ذلك ويجعله بينه وبين البيت ولو بَعُد عنه، وإن لم يتيسَّر ذلك لزحامٍ ونحوه، صلاهما في أي موضع من المسجد، ولا يُؤذي الناس ولا يُصلي في طريقهم.

 

ويُستحب له أن يقرأ في الركعة الأُولى بعد الفاتحة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1]، وفي الثانية بعد الفاتحة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1].

 

9- بعد انتهائه من الطواف يُستحب له أن يذهب إلى زمزم ويشرب منها، ويَصُب على رأسه لفعله صلى الله عليه وسلم.

 

10- يُستحب له بعد ذلك أن يرجع إلى الحجر الأسود فيستلمه إن تيسر.

 

أخي الحبيب، أكتفي بهذا القدر، وأسأل الله عز وجل أن يكون هذا البيان شافيًا كافيًا في توضيح المُراد، وأسأله سُبحانه أن يرزُقنا التوفيق والصواب في القول والعمل، وما كان من صوابٍ فمن الله، وما كان من خطأٍ أو زللٍ، فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان، والله الموفِّق وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

____________________________________________________
الكاتب: عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني