شرح دعاء (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث)

دعاء (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث) من أعظم الأدعية التي تتضمن تحقيق العبودية لله رب العالمين، وتتضمن التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته

  • التصنيفات: الذكر والدعاء -

 

دعاء (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث) من أعظم الأدعية التي تتضمن تحقيق العبودية لله رب العالمين، وتتضمن التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته، فهو سبحانه الحي القيوم، الرحمن الرحيم، والعبد يستمد العون والتأييد من قيوميته عز وجل، كما يستغيث برحمته التي وسعت كل شيء، لعله ينال منها ما يسعده في دنياه وآخرته.

درجة صحة دعاء (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث)
 

ورد هذا الدعاء في حديث صحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها:
«ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به، أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين» . (رواه النسائي في "السنن الكبرى" (6/147) وفي "عمل اليوم والليلة" (رقم/46)، والحاكم في "المستدرك" (1/730)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (112)، وغيرهم. 

 

ولفظه في بعض الروايات:  أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت.
قال المنذري في "الترغيب والترهيب" (1/313): إسناده صحيح . وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/227): إسناده حسن .
وقد ورد هذا الدعاء، بلفظ مقارب للمذكور هنا، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه، أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ»  . [(رواه أحمد (27898)، وأبو داود (5090)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3388)] .

شرح دعاء (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث)


هذا الدعاء من أعظم الأدعية التي تتضمن تحقيق العبودية لله رب العالمين، وتتضمن التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته، فهو سبحانه الحي القيوم، الرحمن الرحيم، والعبد يستمد العون والتأييد من قيوميته عز وجل، كما يستغيث برحمته التي وسعت كل شيء، لعله ينال منها ما يسعده في دنياه وآخرته.


ثم يسأل الله تعالى صلاح الأمور والأحوال، فيقول: أصلح لي شأني كله أي: جميع أمري: في بيتي، وأهلي، وجيراني، وأصحابي، وعملي، ودراستي، وفي نفسي، وقلبي، وصحتي...في كل شيء يتعلق بي، اجعل يا رب الصلاح والعافية حظي ونصيبي .


وذلك كله من فضل الله سبحانه وتعالى، وليس باستحقاق العبد ولا بجاهه، ولذلك جاء ختم الدعاء بالاعتراف بالفقر التام إليه سبحانه، والاستسلام الكامل لغناه عز وجل، فيقول: ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين: أي لا تتركني لضعفي وعجزي لحظة واحدة، بل أصحبني العافية دائما، وأعني بقوتك وقدرتك، فإن من توكل على الله كفاه، ومن استعان بالله أعانه، والعبد لا غنى به عن الله طرفة عين .


يقول ابن القيم رحمه الله:
" مِن ههنا خذل مَن خُذل، ووُفِّقَ مَن وُفق، فحجب المخذول عن حقيقته، ونسي نفسه، فنسي فقره وحاجته وضرورته إلى ربه، فطغى وعتا، فحقت عليه الشقوة، قال تعالى: كلا إن الإنسان ليطغى أن رءاه استغنى وقال: فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى 

فأكمل الخلق أكملهم عبودية، وأعظمهم شهودا لفقره وضرورته وحاجته إلى ربه، وعدم استغنائه عنه طرفة عين .
ولهذا كان من دعائه: أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا إلى أحد من خلقك، وكان يدعو: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك .
يعلم أن قلبه بيد الرحمن عز وجل، لا يملك منه شيئا، وأن الله سبحانه يصرفه كما يشاء، كيف وهو يتلو قوله تعالى: ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا

فضرورته إلى ربه وفاقته إليه بحسب معرفته به، وحسب قربه منه، ومنزلته عنده " انتهى. "طريق الهجرتين" (25-26) .

وقال المناوي رحمه الله، في شرح الرواية الثانية، دعاء المكروب: "ومن شهد لله بالتوحيد والجلال مع جمع الهمة وحضور البال فهو حري بزوال الكرب في الدنيا والرحمة ورفع الدرجات في العقبى. " "فيض القدير" (3/526) .

 

والله أعلم .