شرح حديث: إذا صليتم فأقيموا صفوفكم

عبد الله بن حمود الفريح

الحديث دليل على الأمر بإقامة الصفوف لقوله" إِذَا صَلَّيْتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ" وذلك بتسويتها والاعتدال والتراص فيها، وتتميم الأول فالأول

  • التصنيفات: الحديث وعلومه -

 

عَنْ حِطَّانَ الرَّقَاشِيِّ رضي الله عنه قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ صَلاَةً، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أُقِرَّتِ الصَّلاَةُ بِالبِرِّ وَالزَّكَاةِ؟ قَالَ فَلَمَّا قَضَى أَبُو مُوسَى الصَّلاَةَ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ فَقَالَ: أَيُّكُمُ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: فَأَرَمَّ الْقَوْمُ. ثُمَّ قَالَ: أَيُّكُمُ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟ فَأَرَمَّ الْقَوْمُ. فَقَالَ: لَعَلَّكَ يَا حِطَّانُ قُلْتَهَا؟ قَالَ: مَا قُلْتُهَا. وَلَقَدْ رَهِبْتُ أَنْ تَبْكَعَنِي بِهَا. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا قُلْتُهَا. وَلَمْ أُرِدْ بِهَا إِلاَّ الْخَيْرَ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أَمَا تَعْلَمُونَ كَيْفَ تَقُولُونَ فِي صَلاَتِكُمْ؟ إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَنَا فَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا وَعَلَّمَنَا صَلاَتَنَا. فَقَالَ: «إِذَا صَلَّيْتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، ثُمَّ لْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» ».

«وفي رواية: «وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا». وَإِذَا قَالَ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ. فَقُولُوا: آمِينَ. يُجِبْكُمُ الله. فَإِذَا كَبَّرَ وَرَكَعَ فَكَبِّرُوا وَارْكَعُوا. فَإِنَّ الإِمَامَ يَرْكَعُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ» فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَتِلْكَ بِتِلْكَ. وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. يَسْمَعُ الله لَكُمْ. فَإِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ : سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ، وَإِذَا كَبَّرَ وَسَجَدَ فَكَبِّرُوا وَاسْجُدُوا، فَإِنَّ الإِمَامَ يَسْجُدُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ». فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَتِلْكَ بِتِلْكَ. وَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ فَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلِ قَوْلِ أَحَدِكُمُ: التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لله، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ الله الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلٰهَ إِلاَّ الله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»» [رواه مسلم] .

 

تخريج الحديث:

الحديث أخرجه مسلم (404)، وانفرد به عن البخاري، وأخرجه أبو داود في "كتاب الصلاة" "باب التشهد" (972)، وأخرجه النسائي في "كتاب التطبيق" "باب قوله ربنا ولك الحمد" (1063)، وأخرجه ابن ماجه في "كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها" "باب إذا قرأ الإمام فأنصتوا" (847).

 

شرح ألفاظ الحديث:

" حِطَّانَ الرَّقَاشِيِّ ": حطان عبد الله الرقاشي تابعي روى عن عمر وعلي، وتوفي في خلافة عبد الملك بن مروان، ثقة، قليل الحديث. [الطبقات الكبرى لابن سعد 7 /128].

 

" فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ ": أي فلما كان عند التشهد.

 

" أُقِرَّتِ الصَّلاَةُ بِالبِرِّ وَالزَّكَاةِ": أي قرنت الصلاة بالبر والزكاة، وصار الجميع مأمورا به.

 

" أَيُّكُمُ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا": أي أيكم القائل كلمة أقرت الصلاة بالبر والزكاة؟

 

" فَأَرَمَّ الْقَوْمُ ": بفتح الراء وتشديد الميم أي سكتوا.

 

" لَعَلَّكَ يَا حِطَّانُ قُلْتَهَا ": تخصيص حطان بالاتهام لعله لشبه الصوت بصوته، أو لصدوره من جهته، أو لدفع الفاعل الحقيقي إلى الاعتراف.

 

" وَلَقَدْ رَهِبْتُ أَنْ تَبْكَعَنِي بِهَا ": أي ولقد خشيت وخفت أن تتهمني وتوبخني بهذه الكلمة، " تبكعني ": بفتح التاء وسكون الباء وفتح الكاف أي تستقبلني بالتوبيخ، من بكعت الرجل إذا استقبلته بما يكره.

 

" آمِينَ ": معناها اللهم استجب، وسيأتي قريباً في حديث التأمين.

 

" يُجِبْكُمُ الله ": أي يستجب لكم دعائكم.

 

" فَتِلْكَ بِتِلْكَ ": قال النووي " معناه اجعلوا تكبيركم للركوع وركوعكم بعد تكبيره وركوعه، وكذلك رفعكم من الركوع يكون بعد رفعه، ومعنى تلك بتلك أن اللحظة التي سبقكم الإمام بها في تقدمه إلى الركوع تنجبر لكم بتأخيركم في الركوع بعد رفعه لحظة، فتلك اللحظة بتلك اللحظة، وصار قدر ركوعكم كقدر ركوعه، وقال مثله في السجود" [شرح مسلم 4 /342].

 

" فَإِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ ": أي أن الله وعد على لسان نبيه أن يسمع ويستجيب لمن حمده.

 

من فوائد الحديث:

الفائدة الأولى: الحديث دليل على الأمر بإقامة الصفوف لقوله" إِذَا صَلَّيْتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ" وذلك بتسويتها والاعتدال والتراص فيها، وتتميم الأول فالأول، وسيأتي مزيد كلام على تسوية الصفوف عند أحاديثها.

 

قال النووي:" «(أَقِيمُوا صُفُوفَكُم)»  أمر بإقامة الصفوف، وهو مأمور به بإجماع الأمة" [شرح مسلم 4 /341].

 

الفائدة الثانية: الحديث دليل على الأمر بصلاة الجماعة للصلاة المفروضة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :" ثُمَّ لْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ" واللام لام الأمر؛ والأمر يقتضي الوجوب.

 

الفائدة الثالثة: الحديث دليل على مشروعية متابعة المأموم لإمامه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :" فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا" وقوله صلى الله عليه وسلم: "وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا" سائر ألفاظ المتابعة في الحديث جاءت بحرف العطف الفاء الذي يدل على الترتيب والتعقيب، مما يدل على أن السنة في الائتمام أن يتابع المأموم إمامه عقبه مباشرة فلا يتقدم عليه ولا يتخلف عنه، وللمأموم مع إمامه حالات أربع: المسابقة، والموافقة، والمتابعة، والمخالفة، والسنة المتابعة، وسيأتي مزيد بسط لهذه الحالات والكلام على الائتمام بعد خمسة أحاديث بإذن الله تعالى .

 

الفائدة الرابعة: استدل بالحديث من قال أن المأموم لا يقرأ الفاتحة بعد إمامه في الصلاة الجهرية؛ لأن الواجب عليه الإنصات لقراءة الإمام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :"وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا" وتقدم التفصيل في المسألة قريبا عند شرح حديث عبادة :"لا صلاة لمن لم يقرأ فاتحة الكتاب" وهو يخصص عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم :"وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا" على أن الحفاظ ضعفوا هذه الرواية عند مسلم، قال البيهقي: قال أبو علي الحافظ :هذه اللفظة غير محفوظه قد خالف سليمان التميمي فيها جميع أصحاب قتادة واجتماع هؤلاء الحفاظ على تضعيفها مقدم على تصحيح مسلم لاسيما ولم يروها مسندة في صحيحه " [انظر مزيداً من شرح النووي لمسلم 4 /342-344].

 

الفائدة الخامسة: قول النبي صلى الله عليه وسلم :" وَإِذَا قَالَ: ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 7]. فَقُولُوا: آمِينَ" دليل على أن تأمين المأموم يكون موافقاً لتأمين الإمام معه لا بعده وهذه الحالة مستثناة من كراهة موافقة الإمام فلا يتابعه بالـتأمين بل يوافقه، وهذه الرواية فسرت المراد بالحديث المتفق عليه: "إذا أمن الإمام فأمنوا" إذ المراد الموافقة وبه قال الجمهور لا المتابعة، وسيأتي مزيد بيان بعد أربعة أحاديث.

 

الفائدة السادسة: قول النبي صلى الله عليه وسلم :" وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. يَسْمَعُ الله لَكُمْ" دليل على أن المأموم لا يقول التسميع وإنما التحميد، وتقدم قريبا صيغ التحميد الأربع والسنة التنويع فيها في حديث أبي هريرة" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم... الحديث"، وقولهصلى الله عليه وسلم " يَسْمَعُ الله لَكُمْ" فيه فضل الله تعالى ووعده بالسماع والاستجابة لمن حمده.

 

الفائدة السابعة: الحديث فيه إيراد التشهد وصيغة من صيغ التشهد، وتقدم الكلام على معانيه في الحديث السابق، وقولهصلى الله عليه وسلم " وَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ فَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلِ قَوْلِ أَحَدِكُمُ: التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لله..." فيه دليل على الشروع بقراءة التحيات أول ما يجلس المصلي للتشهد.

 

الفائدة الثامنة: في الحديث بيان ما عليه الصحابة من حرصهم على التعليم والتنبيه على الأخطاء ونشر العلم ومن ذلك تنبيه أبي موسي وتعليمه للرجل ومن معه الصلاة الصحيحة.