السلفيون والصوفيون في مصر

ملفات متنوعة

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -



أصدر مركز "كارنغي" للشرق الأوسط الذي يتبع مؤسسة "كارنغي" للسلام تقريراً في أواخر ديسمبر 2011، تحدث فيه عن صعود الإسلاميين بقوة إلى المشهد السياسي المصري، ويرى جوناتان براون معد التقرير أن أول انتخابات برلمانية تنظم في مصر منذ الإطاحة بالرئيس المصري "ذي الحكم المديد" حسني مبارك أظهرت قوة كانت خفية في المجتمع المصري، وتمثل ذلك من خلال حصول حزب الحرية والعدالة الذي يمثل الإخوان المسلمين وهي القوة المعروفة منذ عقود كغريم للنظام المصري على 77 من أصل 156 مقعداً كان يجري التنافس عليها في المرحلة الأولى من انتخابات مجلس الشعب، الأمر الأخر الذي أدهش خبراء السياسة المهتمين في الجانب المصري هو القوة التي تظهر بها الجانب الأخر من الإسلاميين وهو التيار السلفي الذي كان واجهته في الانتخابات "حزب النور" وحل بالمرتبة الثانية بعد حزب الحرية والعدالة.

وفي ظل الصعود القوي لهاتين القوتين، فإن الأحزاب الصوفية التي كانت تناصر النظام السابق ودائماً عُرف عنها ولائها للدولة فقد سعت مؤخراً إلى الاصطفاف بجانب الأحزاب العلمانية أفرع المؤسسات السياسية التي بقيت على قيد الحياة، لكن ذلك المشهد الأخذ في التشكل في مصر لم يعجب الولايات المتحدة ولا حتى القيادة العسكرية الحاكمة في مصر وظهرت علامات لإحباط أي مشروع إسلامي في مصر من قبل المجلس العسكري حينما أعلن بعد فوز الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية بأن البرلمان ليس له صلاحيات حجب الثقة عن الحكومة أو تعيينها، وبالرغم من تراجع العسكر عن هذه التصريحات إلا أن الكثيرين يرون أن العلاقة ملتبسة بين الطرفين والثقة غير موجودة.

ويرى معد التقرير أن أي قرار لإفشال العملية الديمقراطية في مصر لن يكون حكيما؛ لأنه سيحبط التوجه العام من قبل الإسلاميين نحو "الاعتدال" بحسب الكاتب.

ويتحدث براون عن مخاوف أوروبية وأمريكية من صعود مفاجئ للقوة السلفية في مصر، كونها تمثل تيار ديني يدعو إلى "استعادة الإيمان وممارسة الإسلام الذي كان سائداً في عصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم والصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم من بعده، باعتبار ذلك العصر كان عصراً ذهبياً بالنسبة للإسلام والمسلمين ويجب الاحتذاء به".

وتحدث التقرير عن نشأة التيار السلفي وأسباب ذلك، كما أشار إلى الموقف السياسي الغامض لهذا التيار خلال فترة زمنية معينة، كما يرى الكاتب أن السلفية لا يمكن أن تقبل تولي شؤون البلاد من قبل حكومة علمانية، وبمقتضى المفاهيم التي تسعى إلى نشرها التيارات السلفية وتستمدها من مصادر تشريع قرآنية فإن الحكم السليم مصدره الإسلام.

ومن المعلوم عن السلفية أيضاً بحسب التقرير أنها لا تؤيد المشاركة في "الديمقراطية" بالمفهوم الغربي، ويحظر فقهاء هذا التيار الانخراط في هذه العملية، كونها مخالفة لقواعد الشورى التي أمر بها القرآن الكريم.
ويضيف التقرير أن السلفية تطرح ضرورة عودة المجتمعات الإسلامية إلى تعاليم الإسلام الصحيحة وتتفاعل معها وبعد ذلك سيتم تغيير المجتمعات إلى الأصلح والأفضل.

لكن الشيخ "أحمد الصويان" رئيس تحرير مجلة البيان الإسلامية يقول: "إن السلفيين حينما كانوا يعيشون في كنف نظام قمعي كانت نظرتهم بأن المناخ السياسي غير مناسب للمشاركة السياسية، لكن بعد سقوط نظام الرئيس مبارك حسم التيار السلفي خيارته بضرورة المشاركة في المشهد السياسي الراهن، كونه يمثل مرحلة بناء جديدة لمستقبل مصر".

وبالعودة إلى مصر فإن السلفية هناك دخلت في القرن العشرين في منعطف تاريخي وكان يمثلها في ذلك الوقت "أنصار السنة" وهي منظمة تأسست في القاهرة، وبحسب الكاتب فإن تواصلها مع المملكة العربية السعودية منحها القوة وعزز نفوذها، سواء كان ذلك فكريا من خلال العلماء والفقهاء السعوديين أو الدعم المادي، وكذلك العمالة المصرية المهاجرة.

ويضيف جوناتان براون قائلا: "كانت مراكز "أنصار السنة" قد افتتحت وازدهرت في ظل توجهات محلية في المدن الكبرى مثل دمنهور والإسكندرية.. إلخ"، لكنها حصلت على شعبية كبرى في صفوف الطبقة المتوسطة في المجتمع المصري، حيث انتشرت محال لبيع الكتب الدينية وبعض الرموز التي يصنفها الكاتب على أنها دينية مثل الألبسة، لكن مصر العليا (مدن الصعيد) كانت تهيمن عليها مقامات الشعائر الصوفية، لكنها كانت مقرا في السابق للجماعة الإسلامية التي تتطابق في أفكارها مع التيار السلفي، ولم تكن السلفية لا مركزية ولا هرمية على المستويين المحلي والوطني في مصر بحسب براون، وتمحورت في الفترة السابقة حول دروس وعظات علماء ودعاة ومفكرين بارزين في الدلتا، لكن الواقع الذي أفرز قوة هذا التيار يؤكد أن حالة تنظيمية مكنته من النجاح في الانتخابات، وإلا فإن تسائلا يراود العديدين حول كيفية حصول "حزب النور" الذي يمثل التيار السلفي في مصر على نتائج قوية في الانتخابات الماضية في ظل عدم توفر خبرة سياسة كما يدعي البعض.

ويضيف التقرير إن السلفية حركة مناوئة للمؤسسات التقليدية، لذلك فهي تفقد السيطرة على العلماء المتجولين، وذكر التقرير سردا لبعض الوقائع التي تسببت بها بعض الآراء لرموز في التيار السلفي المصري، لكنها كانت أزمات عابرة كان يستغلها بعض رموز التيار العلماني ضد التيار السلفي من أجل التقليل من شأنه أمام عامة الناس.

ومن الصعب رسم خط واضح بين السلفيين والمسلمين المصريين العاديين؛ لأنهم يستمعون على عظات علماء السلفية في سياراتهم أو من خلال البرامج التلفزيونية، كل هذه الأمور تبين أن ما يحدث في إطار مزاج ديني يقود الناس إلى تعلم التدين واتباع التيار السلفي دون توجيه من أحد.

وكذلك حينما يقارن الكاتب براون بين الإخوان المسلمين والسلفيين فإنهما يتشاطران نفس التعاليم الدينية، ولدى الطرفان قوة كبيرة في الشارع، لكن الكاتب يقول بأن هذا التوافق في كثير من الأمور لا يعني عدم وجود خلافات أو تباين في المواقف، ففي الانتخابات الأخيرة كان تداخل كبير بين الطرفين، لكن هذه الخلافات لم تظهر مع الفرحة الكبرى بالفوز كون أن الإسلام السياسي هزم النظريات الليبرالية والعلمانية في مصر في أول انتخابات حقيقية.

السلفية منذ اندلاع الانتفاضة:
في بداية الثورة كان الموقف السلفي متباين ولم يخرج موقف موحد فبينما خرج البعض ليدعو المحتجين إلى العودة إلى منازلهم تمهل آخرين والتزموا الصمت، لكن زيادة إراقة الدماء من قبل النظام دفعتهم للخروج بصوت واحد ورفض المجزرة التي ارتكبت بحق الشعب المصري، ويعتقد كاتب التقرير أن سبب التردد في الخطاب السياسي مع بداية الثورة كان نتيجة طبيعية لغياب المركزية والخبرة السياسية، لكن البعض عزوا ذلك لغياب التنسيق بين علماء التيار السلفي، لكن بعد أن زاد حجم الثورة استفاد التيار السلفي بتشكيل قيادة مركزية تبعها كذلك التحضير للانتخابات والتطور في الخطاب الإعلامي والسياسي.

وأشار التقرير كذلك إلى دور السلفيين في أحداث كنيسة القديسين والوقوف في وجه الكنيسة التي قامت باختطاف قبطيتين أعلنتا إسلامهما، ونظموا احتجاجات كبيرة في الإسكندرية لمناصرة الفتاتين، ويقول براون: "إن شائعات انتشرت في شوارع الإسكندرية قبل أشهر تفيد بقيام شبان سلفيين بالاعتداء على إمام مسجد النور في الإسكندرية كونه ينتمي إلى التيار الصوفي لكن سرعان ما تبين أن هذا الأمر لم يحدث قط، لأن الصراع بالأساس وبحسب ما نقل الكاتب عن شهود عيان في المسجد نفسه كان يدور بين وزارة الأوقاف التي توزع الخطباء المناصر للنظام ورواد هذا المسجد".

جمع التيار السلفي نفسه تحت لواء حزب "النور" وحزب أخر يسمى "الفضيلة والأصالة" وكان كذلك تأييد لحزب البناء والتنمية الذي أطلقته الجماعة الإسلامية وبعد ذلك تشكل تحالف ديمقراطي مصري يجمع بعض الأحزاب الغير إسلامية لكن مع قرب الانتخابات وزيادة قوة التنافس تفرق الجميع، ويستعرض الكاتب أيضا تقييما عمليا للخطاب الموجهة لمتصفحي حزب النور قائلا: "يمثل الموقع نموذجا للبراغماتية، فهو يخلو بشكل ملحوظ وغريب في الواقع من اللغة الإسلامية، ويقبل بصورة فعالة الهيكل الحالي للدولة والقانون المصريين".

ويرى حزب النور أن أولوياته في الملف الخارجي التركيز على إفريقيا ودول حوض النيل فضلا عن العالمين الإسلامي والعربي وكذلك الانتباه لما وصفه بعدم السماح بدولة صغيرة بأن تمس مصالح مصر مشيرا إلى "إسرائيل".

لا أحد يشك بأن برنامج حزب النور لا يزال إسلامياً ويريد أن تقوم المؤسسات المصرية الحكومية بتعزيز دور الثقافة الإسلامية واللغة العربية، وكذلك دور الشريعة التي تمثل دين الأغلبية في مصر، كما يركز الحزب في خطابه على أن الشريعة الإسلامية تنص على حماية الأقليات الدينية مثل الأقباط، كما اعترف الحزب بدور المرأة في الحياة السياسية، وتنص القوانين المصرية الانتخابية على ضرورة ترشيح نساء في القوائم الحزبية.

الأحزاب السياسية الصوفية:
حظيت الأحزاب السياسية الصوفية في الانتخابات الأخيرة بمصر باهتمام ضئيل من قبل أوروبا وأمريكا؛ وذلك لأن تلك الدول تعتبرهم من المسلمين "المعتدلين" بحسب التقرير؛ لأنهم يركزون على شعائر روحية، وموقفهم كان قريبا من النظام السابق لذلك لم يحظوا بنتائج عالية في الانتخابات.

والصوفية في تعريف جوناثان براون معد التقرير ليست طائفة دينية إسلامية مستقلة ولا مدرسة فقهية، لكنها طريقة مختلفة لممارسة الشعائر الدينية الموجودة بين السنة و"الشيعة" وتنتشر في بلدان العالم الإسلامي، وبحسب زعيم صوفي مصري فإن عدد الصوفيين يمثل 20 بالمئة من سكان مصر، يقول التقرير: "لكن هذه الإحصائيات يتم التشكيك بها لأنه لا يوجد إحصائيات دقيقة حولهم، لأن الكثيرين من الذين يمارسون شعائر الصوفيين لا يعتبرون أنفسهم منهم".

ويعرف الكاتب أيضا بالطرق الصوفية في مصر ويقول: "إن من أشهرها الشاذلية بفروعها البرهمية والرفاعية والأحمدية، وتجتمع في مساجد محلية ومنازل الأتباع أو في محافل خاصة بالصوفيين تعرف بأسم الزوايا، وكذلك المساجد الذي يتم بناؤها في بعض الأحيان في مجمعات كبيرة حيث قبور "الأولياء" الذين يتباركون بهم".

وتتمحور الزعامة في الطرق الصوفية حول الفردية وفي شخص الشيخ نفسه أو المعلم الصوفي الذي يحدد إرشاده الروحي وبركاته وجوهر نشاطه الديني، ويتنقل هذا الأمر بين الأب والأبن، ما يعني بحسب الكاتب أن مشايخ الطرق الصوفية غالبا ليسوا علماء دين محترفين بل من الأطباء والمهندسين ورجال الأعمال.

المؤسسة الدينية في مصر صوفية بحكم طبيعتها، فقد كان الولاء للطريقة الصوفية منذ وقت طويل معيارا لكل من الأساتذة والطلاب في جامع الأزهر، شيخ الأزهر الحالي أحمد الطيب هو شيخ صوفي بالوراقة من صعيد مصر، ودعا مؤخرا لتشكيل رابطة صوفية عالمية، وعلي جمعة كذلك معلم الطريقة الصوفية.

وبالإضافة إلى صلتها القوية بالأزهر فإن الطريقة الصوفية مسجلة رسميا في الدولة وتختار أعضاء المجلس الأعلى للطرق الصوفية وهو أشبه بمؤسسة رسمية تدير الشؤون الصوفية على المستوى القومي، مثل تنظيم المهرجانات الخاصة بهم والمواسم والحفلات التي يقيمونها ودعم الرئيس المصري السابق الطرق الصوفية كثيرا لأنها كانت تؤيده.

وبعد الثورة أصبح الصوفيون أكثر حلفاء التيارات الليبرالية ومتماهيا مع الدولة ومؤسساتها الدينية، ويخيفهم الصعود الكبير للإخوان والسلفيين.

وأطلق حزب التحرير المصري كأول حزب سياسي صوفي، وتظاهر أتباعه مع الليبراليين المشاركين في الثورة، مشيرين إلى خوفهم العميق من صعود الإسلاميين، والتسلسل الهرمي لهذا التيار يبدوا متماسكا كما يقول التقرير، ويملك التأثير على أتباعه وبقى يحتفظ بولاءه للحكومة والأزهر، وبالرغم من مطالبة جبهة الإصلاح الصوفي بإصلاح المجلس الأعلى للصوفية، إلا أنهم يكنون احتراما للأزهر، ولوحظ أيضاً استقطاب أحزاب صوفية للعديد من منتسبي الحزب الوطني السابق.

وبحسب التقرير فإن الإسلام يلعب دورا هاما في حياة المصريين، لذلك صوت الغالبية العظمى منهم في استطلاع رأي لمؤسسة "غالوب"، أن الشريعة الإسلامية ينبغي أن تكون مصدرا للدستور، بينما يرى الغرب الصوفية كإسلام "معتدل"، لكن المجتمع المصري يراها مرتبطة بالمهرجانات الشعبية ومناصرة للأحزاب الليبرالية، ولا يتوقع التقرير أي نفوذ سياسي للصوفية في المرحلة القادمة؛ لأنها تابعة للمؤسسة الدينية التابعة للدولة ومرتبطة بعناصر النظام السابق، وبالمعنى الأكثر وضوحا لا ترتقي لطموحات المصريين.

المصدر: أحمد أبو دقة-مجلة البيان