أدمغة صغيرة تفكر بعمق: كيف تُنمي مهارات التفكير النقدي لدى أطفالك بطرق ممتعة؟

محمد سلامة الغنيمي

النقد الذي أقصده هنا ليس الذي يقوم إلى إبراز السلبيات فحسب لكنه هو الذي يحدد الإيجابيات فيدعمها والسلبيات فيعالجها

  • التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -

أدمغة صغيرة تفكر بعمق: كيف تُنمي مهارات التفكير النقدي لدى أطفالك بطرق ممتعة؟
تحدثت إليكم سابقًا عن الجانب النظري للنقد، واليوم استعرض معكم الجانب التطبيقي للنقد، وكيف نربي أبنائنا عليه.
من الثابت الذي لا مراء فيه أن كل ما سوى الوحي الصحيح في هذه الحياة نسبي فيه الخير وفيه الشر حتى فهمنا للوحي نفسه نسبي في الخطأ وفيه الصواب، ومن هنا تتضح أهمية التفكير النقدي الذي هو مرادف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة .
ما النقد
النقد الذي أقصده هنا ليس الذي يقوم إلى إبراز السلبيات فحسب لكنه هو الذي يحدد الإيجابيات فيدعمها والسلبيات فيعالجها
طالما فينا عرق ينبض بالحياة فإننا معرضون للإنحراف عن الجادة بفعل الأهواء والشهوات وحرصنا على مصالحنا الأنانية والنقد هنا ضروري للتصويب.
كيف يتم النقد
الناقد يستخدم ما لديه من قيم ومعايير وأفكار ومعلومات ليعبر بها عن فهمه لما ينبغي أن تكون عليه الأشياء وما هي عليه الآن، ودوره توضيح الفارق وتشريحه وبيان خطورته، ويعبر في سبيل ذلك عن الإيجابيات والسلبيات.
لماذا ننمي مهارات التفكير النقدي
عندما نعلم أبنائنا أصول النقد وآدابه نكون قد قدمنا لهم الحماية من التقليد الأعمى ومن مخاطر الاستسلام للأوضاع السيئة ونكون قد هيئناهم للقيام بدور إصلاحي في مجتمعهم.
يُعدّ النقد البناء مهارة أساسية لنجاح الطفل في حياته الشخصية والمهنية. فهو يساعد الطفل على:
تقييم نفسه وأعماله بشكل موضوعي. 
وتحديد نقاط قوته ونقاط ضعفه. 
وتحسين أدائه وتطوير مهاراته. 
وتقبل وجهات نظر الآخرين واحترام آرائهم. 
والتعامل مع الفشل بشكل إيجابي.
ومن المهم جدا أن يؤمن الناقد أنه يعبر عن وجهة نظر شخصية قد يوافقه عليها غيره أو لا يوافقه، ومن هنا يجب أن نعلم أبنائنا أنه:
- ليس عليهم أن يتقبلوا كل نقد يوجه إليهم لأنه قد يكون صواب وقد يكون خطأ.
- وعليهم أيضا أن يتقنوا فن الإصغاء لوجهات النظر المخالفة.
- والحكم على صحتها أو عدمه يعود بعرض وجهة النظر على الثوابت والمعايير أولا ثم الحكم بالقبول أو الرفض.
- وعليهم أن يؤمنوا بفضل المنتقد على الناقد وفضل الناقد على المنتقد، فإنه لو لم يكن هناك عمل جيد لما كان هناك نقد. والمنتقد ينتفع بتصويب عمله والناقد ينتفع بالعمل الجيد الذي قام به المنتقد.
ومن المهم في تربية الأطفال على التفكير النقدي أن يؤمن الكبار أنفسهم بأحقية وقدرة الطفل على تعلم النقد وإصدار الأحكام وحقهم في إصدار الأحكام.
ويجب علينا نحن الكبار أن ننتقد الموروث التربوي الذي يفضل الطفل الصامت المطيع على الطفل الناقد المعترض، فكثيرا منا ينظر إلى الطفل المعترض على أنه وقح وغير مؤدب، رغم أن في شرعنا ما يناقض هذا الموروث كما في حديث ابن عمر ولغز النخلة.
ومع ذلك فهناك عقبات تواجه الأطفال في ممارسة التفكير النقدي مثل:
١- المحيط الثقافي الذي يغلف عقولنا ومشاعرنا ويمدها بالأفكار والرموز والمفاهيم الثابتة التي يمنعهم من مخالفتها.
٢- الخوف؛ لأن كثير من الناس يعدون أنفسهم حراس على الثقافة السائدة ويهاجمون كل من ينتقدها
٣- القصور الذاتي للناقد وعدم تأهيله بشكل جيد لممارسة النقد.
ومن هنا يجب علينا التغلب على هذا العقبات حتى يتمكن أبنائنا من ممارسة التفكير النقدي
خطوات عريضة في تنمية التفكير النقدي عند الأطفال:
- التشجيع على طرح الأسئلة وهي فطرة مركوزة في الطفل علينا نحن الكبار أن نتلقاها بصدر رحب وأن نشجع الأطفال عليها ونعلمهم صياغة الأسئلة
- تعليمهم أن إبراز الإيجابيات لدعمها مقدم على تحديد السلبيات لتقويضها، حتى لا ينتشر اليأس والقنوط بيننا، وعلينا أيضا أن نعلمهم أن الهدف من التفكير النقدي هو الإصلاح والارتقاء وليس التشهير والتشويش. وأن الهدف منه هو الانتقال من حال إلى حال أفضل وتطوير عمل أو منتج.
- علينا أن نعلمهم الفرق بين النقد البناء وبين الثرثرة والغيبة والنميمة.
وعلينا أن نعلمهم أن النقد ليس ترفا فكريا إنما هو واجب ديني وأخلاقي وضروري لاستقامة الحياة؛ لأن الحياة لا تخلو من الانحرافات وتقويضها واجب.
أما بالنسبة لاستراتيجيات تربية أطفالنا على النقد البناء:
1. خلق بيئة آمنة: من خلال
تشجيع التعبير عن الرأي: بتوفير مساحة آمنة للأطفال للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم دون خوف من اللوم أو العقاب.
الاستماع النشط: بإظهار الاهتمام الحقيقي بما يقوله الأطفال، وطرح أسئلة مفتوحة تُحفّز التفكير.
تقبل الاختلافات: باحترام وجهات نظر الأطفال المختلفة، حتى لو لم نتفق معها.
2. تقديم قدوة حسنة:
ممارسة النقد البناء مع النفس:  من خلال التعبير عن أخطائنا بصراحة، ومناقشة كيفية تحسينها.
تقديم ملاحظات بناءة للآخرين: من خلال التركيز على السلوكيات المحددة، و تقديم حلول واقعية.
تقبل النقد البناء من الآخرين: وذلك بالاستماع بانتباه، وشكرهم على ملاحظاتهم، ومناقشة كيفية الاستفادة منها.
3. تعليم مهارات التفكير النقدي:
مواجهة مشكلات بسيطة مع الأطفال، وشجّعهم على تحليلها و اقتراح حلول مختلفة.
مناقشة الأخبار والأحداث الجارية: لمساعدة الأطفال على تحليل المعلومات وتكوين آرائهم الخاصة.
طرح الأسئلة المفتوحة التي تحفز النقاش
4. التركيز على الإيجابيات:
مدح الأطفال على سلوكياتهم الإيجابية: تعزيز ثقتهم بأنفسهم وتحفيزهم على الاستمرار في السلوكيات الجيدة.
التركيز على الجهود وليس النتائج: تقدير جهود الأطفال حتى لو لم ينجحوا في تحقيق أهدافهم.
مساعدتهم على رؤية نقاط قوتهم: تعليمهم كيفية تقدير مهاراتهم ومواهبهم الفريدة.
5. التعلم من الأخطاء:
خلق بيئة آمنة للفشل: شجّع الأطفال على تجربة أشياء جديدة، حتى لو فشلوا.
تعليمهم أنّ الأخطاء هي فرص للتعلم: مساعدتهم على تحليل أخطائهم واستخلاص الدروس منها.
عدم الاستسلام: تشجيعهم على المثابرة والمحاولة مرة أخرى بعد الفشل.
أدوات تكميلية:
الألعاب والأنشطة: استخدام الألعاب والأنشطة التي تُحفّز التفكير النقدي والتواصل الفعال.
الكتب والقصص: قراءة كتب قصص تُعلّم الأطفال قيمة النقد البناء.
المحادثات المفتوحة: مناقشة مواقف حقيقية تتطلب ممارسة النقد البناء.
ملاحظات مهمة انتبه لها:
- من المهم أن تتذكر أن كل طفل ينمو ويتعلم بمعدله الخاص.
- لا تقارن طفلك بالآخرين.
- كن صبوراً وداعماً لطفلك.
مع مرور الوقت، سيتعلم طفلك كيفية أداء النقد البناء وتقبله من الآخرين. وستساعده هذه المهارات على أن يصبح شخصًا ناجحًا وسعيدًا.
أخيرا:
تربية النشء على ممارسة النقد البناء وتقبّله مسؤوليةٌ مشتركة بين الأسرة والمدرسة والمجتمع. من خلال العمل معًا، يمكننا مساعدة أطفالنا على تطوير مهارات ضرورية لنجاحهم في الحياة.