داعيات الشاشات إلى أين؟!

ظاهرة انتشار (الداعيات)، فهل عدمت الأُمَّةُ الرجالَ حتى تخرجي بحجة الدعوة، فتَعْرِضي نفسكِ للناس كل الناس، برهم وفاجرهم، تُزيِّنين كلامك وتُرقِّقينه، وتتمايلين يمنة ويسرة، وتناقشين وتحاورين، أم أنها انعدمت الغَيرة، وفُقِدَ الحياء؟

  • التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة - أحكام النساء -

ظاهرة انتشار (الداعيات) عبر الفضائيات، أو على برامج التواصل الاجتماعي من أغرب الظواهر والمخالفات، التي تجرأت فيها بعض المتصدِّرات على قواعد الشريعة ونصوصها الثابتة، بل على أعراف الأمة وفِطْرَةِ البشر، ولو سألنا من تتصدر للدعوة أو لتعليم الناس دينهم عبر هذه البرامج المصوَّرة، ممن تخرج بنقابها أحيانًا، أو بزينتها أحيانًا أخرى، أو سافرةً عن وجهها ومتأنقةً في لباسها:

ألم تأتِكِ النصوص الصريحة التي تأمر المرأة - حتى لو كانت أم المؤمنين - بالتحفُّظ، والتحجُّب، والتستر عن الرجال، حتى لو كانوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53]، {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 32]، هل عدمت الأُمَّةُ الرجالَ حتى تخرجي بحجة الدعوة، فتَعْرِضي نفسكِ للناس كل الناس، برهم وفاجرهم، تُزيِّنين كلامك وتُرقِّقينه، وتتمايلين يمنة ويسرة، وتناقشين وتحاورين، أم أنها انعدمت الغَيرة، وفُقِدَ الحياء؟ والأنبياء عليهم السلام كانوا يقولون: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت.

 

سقى الله أيامَ كانت المرأة حين تسمع قرع باب بيتها، تأتي وتقرع الباب من الخلف، أو تضع على فمها طرف ثوبها لتسأل عن الطارق بصوت خشن، لا يفتن الرجال، ولا يحرك قلوبهم، وهذه فاطمة بنت الإمام مالك كانت تحفظ علمه - يعني الموطأ - وكانت إذا قُرِئَ على أبيها تقف خلف الباب، فإذا غلط القارئ، نقرت بالباب، فيفطن مالك، فيرد عليه، فسبحان الله، عالمة تدق الباب، وجاهلة تفتح قناةً على اليوتيوب والانستغرام، وتظهر على الناس بزينتها، وتُفتي للناس بجهلها، وتُسمِّي نفسها داعية، وهي بذاتها بحاجة إلى من يدعوها إلى تقوى الله وتَرْكِ هذا المنكر! أغرتها كثرة المشاهدات، وفتنتها الإعجابات والمشاركات؛ {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ} [الأعراف: 202]، لقد كانت أمُّنا عائشة رضي الله عنها عالمةَ زمانها، يأتي الصحابة إليها لأخذ العلم منها، فتكلمهم من وراء حجاب، وهم صحابة رضوان الله عليهم، ألم تكن قادرة على أن تلبس نقابًا وتقابلهم؟

سقى الله أيامًا كانت فيها المرأة بحيائها ووقارها وحشمتها دعوة صامتة، وقدوة صالحة، حتى صرنا إلى يوم تأتيك من تغرد أمام الناس بكلام منمق، وتعلمهم بأسلوب مُفَزلك، بل ربما تخطب بهم الجمعة، وتنشد الأناشيد، وتغني الأغاني الدينية، تحت شعار: صوت المرأة ليس بعورة، إن العورة كل العورة أن تنسلخ المرأة من أنوثتها، وتفتن الرجال بأي نوع من أنواع الفتن، حتى لو قرأت أمامهم القرآن، أو أذَّنت للصلاة، والأذن تعشق قبل العين أحيانًا، فكيف لو اجتمعت الأذن والعين؟!

ما بالأنوثة من عارٍ لتنسلخـــي  **  منها وتسعي وراء الوهم في سربِ 

ولستِ قادرة أن تصبحي رجلًا  **  ففطرة الله أولى منك بالغلــــــــبِ 

 

أمَا ذكرتِ أيتها الداعية، وأنت تتزينين أمام المرآة قبل التصوير قول الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان»، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: «ما تركت بعدي فتنةً أضر على الرجال من النساء»؛ (متفق عليه).

وفي مسلم: {فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء}، فاتقين الله يا معشر النساء؛ {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]، لقد حدَّد الشارع الحكيم مكانكِ أيتها المرأة، وصانكِ، وحافظ عليكِ، وعظَّم مكانتكِ، ورفع قدركِ، وأوجب على الرجل رعايتكِ والإنفاق عليكِ؛ من أجل أن يطهركِ تطهيرًا، فإياكِ أن تقعي في حبائل الشيطان، وأن تخدعكِ شعارات أهل الفتن والهوى الذين يعبثون بكِ، ويخططون لإفساد المجتمعات من خلالكِ، فمكانكِ ومملكتكِ بيتُكِ؛ «والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها»، أكْثِري فيه من ذكر الله وتلاوة القرآن: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب: 34].

اعرِفي حق زوجكِ، يأنس بكِ، ويسعد بصحبتكِ، كوني له أرضًا يكن لكِ سماءً، وكوني مهادًا يكن عمادًا، وأَمَةً يكن عبدًا، وفراشًا يكن معاشًا، حافظي على شؤون بيتكِ، وقومي على رعاية أسرتكِ، وتربية أولادكِ، فهذا شرف لا يناله إلا من وفَّقه الله لذلك، وتلك سعادة في الدنيا غامرة، لا يشعر بها إلا من استسلم لأمر ربِّه، واتبع هدي نبيه، والنبي صلى الله عليه وسلم عندئذٍ يُبشِّرك في أخراكِ؛ بقوله: «إذا صلَّتِ المرأة خمسها، وحصَّنت فَرْجَها، وأطاعت بَعْلَها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت»، فماذا تريدين أكثر من ذلك؟

________________________________________________
الكاتب: محمد بديع موسى