الافتقار إلى الله

فالافتقار إلى الله هو مقام عالٍ يصل إليه العبد من طرق كثيرة؛ لعل أبرزها: العبودية، والدعاء، والاستعانة والتوكل.

  • التصنيفات: الزهد والرقائق -

معنى الافتقار:

افتقر التاجر: صار فقيرًا قليل المال، افتقر بعد غِنًى، افتقرت الدولة، افتقر إلى الشيء: افتقده، احتاج إليه، لم يتوافر لديه.

 

أما معنى الافتقار إلى الله: فالافتقار إلى الله هو مقام عالٍ يصل إليه العبد من طرق كثيرة؛ لعل أبرزها: العبودية، والدعاء، والاستعانة والتوكل، فإذا تحصَّل العبد على مقام الذُّلِّ لربِّه تعالى، ظهر مقام الافتقار، وعلِم أنه لا غِنى له عن ربِّه تعالى، بل صار مستغنيًا بربه عن غيره، فكمال الذل، وكمال الافتقار يَظْهران في تحقيق كمال العبودية للرب تعالى.

 

يقول ابن تيمية رحمه الله: "فعقيدة أهل السنة والجماعة في افتقار العبد، خلاصتها: أن العبد مفتقر إلى الله عز وجل افتقارًا ذاتيًّا؛ من حيث إن الله عز وجل هو محبوبه بالقصد الأول، ومن حيث إنه لا رغبة ولا إنابة ولا خوف إلا من الله سبحانه وتعالى، وإن هذه المحبة موجودة في طبيعة الإنسان، وإنها موجودة في أساسه.

 

فالافتقار عند أهل السُّنَّة يسمى: الافتقار الذاتي؛ أي: إن العبد مفتقر من حيث ذاته إلى الله سبحانه وتعالى من جهة وجوده، ومن جهة حاجته إليه في العبودية والاستعانة".

 

ويقول‎ ابن القيم رحمه الله تعالى: "سئل محمد بن عبدالله الفرغاني عن الافتقار إلى الله سبحانه، والاستغناء به، فقال: إذا صحَّ الافتقار إلى الله تعالى، صحَّ الاستغناء به، وإذا صحَّ الاستغناء به، صح الافتقار إليه، فلا يُقال أيهما أكمل؛ لأنه لا يتم أحدهما إلا بالآخر".

 

قال السعدي: "الموفَّق منهم - أي من العباد - الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه، ويتضرع له، ويسأله ألَّا يَكِلَه إلى نفسه طرفة عين، وأن يُعينه على جميع أموره، ويستصحب هذا المعنى في كل وقت، فهذا أحرى بالإعانة التامة من ربه وإلهه".

 

وباب الافتقار هو أقصر طريق موصِّل إلى الله؛ وقد نقل ابن تيمية في مجموع الفتاوى عن سهل التستري قوله: "ليس بين العبد وبين ربه طريق أقرب إليه من الافتقار".

 

ومما يظهر فيه مقام الافتقار إلى الله تعالى: الدعاء، وخاصة بوصف حال الداعي؛ كما قال موسى عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24]، وكما قال تعالى عن أيوب عليه السلام: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83]، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم رحمتَك أرجو، فلا تكِلْني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت»؛ (رواه أبو داود، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود).

 

‏‎قال ابن القيم: "وشهِدت شيخ الإسلام إذا أعيته المسائل واستصعبت عليه، فرَّ منها إلى التوبة والاستغفار، والاستغاثة بالله، واللجوء إليه، واستنزال الصواب من عنده، والاستفتاح من خزائن رحمته، فقلما يلبث المدد الإلهي أن يتتابع عليه مدًّا، وتزدلف الفتوحات الإلهية إليه بأيتهن يبدأ".

 

علامات الافتقار إلى الله:

1- غاية الذل لله تعالى مع غاية الحب.

2- التعلق بالله تعالى وبمحبوباته.

3- مداومة الذكر والاستغفار في كل الأوقات، وعلى جميع الأحوال.

4- الخوف من عدم قبول الأعمال الصالحة.

5- خشية الله في السر والعلن.

6- تعظيم أوامر الله ونواهيه.

 

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

_________________________________________________________
الكاتب: نورة سليمان عبدالله