البشارات النبوية

فسماع المبشِّرات يزيد من الاجتهاد والحرص على الطاعات؛وقد دعا النبي ﷺ إلى التبشير، ونهى عن التنفير؛ فقال: «بشِّروا ولا تنفِّروا، ويسِّروا ولا تعسِّروا»

  • التصنيفات: وصايا نبوية -

معاشر المؤمنين:

مقالنا هذا نتحدث عن البشارات النبوية للنبي صلى الله عليه وسلم، الذي أرسله ربه جل وعلا هاديًا ومبشِّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا؛ قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الإسراء: 105].

 

وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى التبشير، ونهى عن التنفير؛ فقال: «بشِّروا ولا تنفِّروا، ويسِّروا ولا تعسِّروا»، فسماع المبشِّرات يزيد من الاجتهاد والحرص على الطاعات؛ فقد بشَّر النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه بقوله: ((ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم))، وما زاده ذلك إلا خيرًا وبرًّا وطاعة رضي الله عنه.

 

والتبشير دعم معنويٌّ، وتثبيت لا غنى عنه، يتجلى هذا في موقف خديجة رضي الله عنها؛ حين قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: «أبْشِرْ، فوالله لا يخزيك الله أبدًا».

 

وأعظم البشارات هي آيات القرآن التي تنزَّلت على قلب النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم: «هذا باب من السماء فُتِحَ اليوم، لم يُفتَح قط إلا اليوم، فنزل منه مَلَكٌ، فقال: هذا مَلَكٌ نزل إلى الأرض، لم ينزل قط إلا اليوم، فسلَّم، وقال: أبْشِرْ بنورين أُوتيتَهما، لم يُؤتَهما نبيٌّ قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أُعطيتَه»؛ (أخرجه مسلم).

 

ومن أعظم البشارات - عباد الله - ما بُشِّر به أهل التوحيد والإيمان الصادق؛ فعن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم كلمةً لا يقولها عبدٌ حقًّا من قلبه، فيموت على ذلك، إلا حرَّمه الله على النار: لا إله إلا الله»؛ (حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه).

 

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم ومعي نفر من قومي فقال: «أبْشِروا وبشِّروا مَن وراءكم، أنه من شهِد أن لا إله إلا الله صادقًا بها، دخل الجنة»؛  (صحيح مسند الإمام أحمد (211/4)).

 

ومن البشارات النبوية الرؤيا الصالحة يراها المرءُ الصالح أو تُرى له؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم يَبْقَ من النبوة إلا الْمُبشِّرات، قالوا: وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: الرؤيا الصالحة»؛ (رواه البخاري ومسلم).

 

ومن البشارات النبوية ما بشَّر به المرضى مخفِّفًا عن آلامهم، ومُعينًا لهم على صبرهم واحتسابهم؛ دخل صلى الله عليه وسلم على أم العلاء في مرضها قال لها: «أبشري يا أم العلاء؛ فإن مرض المسلم يُذهِب الله به الخطايا، كما تُذهِب النارَ خَبَثَ الذهب والفضة»؛ (رواه أبو داود (3092)، حديث صحيح).

 

ومن ابتُلِيَ بمصيبة فَقْدِ الولد، فله بشارة عظيمة كريمة؛ فعن ابن سنان قال: دفنت ابني سنانًا، وأبو طلحة الخولاني جالس على شفير القبر، فلما أردت الخروج أخذ بيدي، فقال: ألَا أُبشرك يا أبا سنان؟ قلت: بلى، فقال: حدثني الضحاك بن عبدالرحمن عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات وَلَدُ العبد، قال الله لملائكته: قبضتُم وَلَدَ عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمِدك واسترجع، فيقول الله: ابنُوا لعبدي بيتًا في الجنة، وسَمُّوه بيت الحمد»؛ (رواه الترمذي (1021)، حديث حسن).

 

فطوبى لكل من فقد ولدًا واحتسبه عند الله، طوبى له بهذه البشارة النبوية، وهذا الكرم الرباني، جزاءَ صبره واحتسابه.

 

معاشر المؤمنين:

من يحافظ على الطاعات في أوقات المشقة، فله بشارات وعطايا كريمة، فلرُوَّاد المساجد لصلاة الفجر بشارة خاصة؛ ففي الحديث: «بشِّر المشَّائين في الظُّلَمِ إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة»؛ (رواه أبو داود، وهو صحيح)، والمشَّاء هو كثير المشي، الذي اعتاد المحافظة على صلاة الفجر جماعة، بشارته النور التام الذي يحيط به من جميع جهاته على الصراط المظلم يوم القيامة، جزاء ما عانى من مشقة المشي في الظلمة.

 

جعلنا الله وإياكم من أهل البشارات الموعودة، والكرامات المأمولة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

معاشر المؤمنين:

لقد بشَّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن المستقبل لهذا الدين؛ مصداقًا لبشارة ربنا جل وعلا: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33]، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله زوى -يعني جمع- لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أُمَّتي سيبلغ ملكها ما زُوِيَ لي منها»؛ (رواه مسلم (2889)).

 

وبشارة أخرى تستروح لها قلوب المسلمين في عهود الاستضعاف؛ قال صلى الله عليه وسلم: «بشِّر هذه الأُمَّة بالسَّناء والرِّفعة والدين، والنصر والتمكين في الأرض»؛ (رواه أحمد (20715)، صحيح)، نقول هذا، ونحن نشهد منذ تسعة أشهر الحرب الظالمة للصهاينة وأعوانهم، على غزة والضفة، وانتهاكاتهم الغاشمة لحرمة المسجد الأقصى ضمن مخططهم الآثم لهدمه وبناء هيكلهم المزعوم، والأمة بقادتها تشاهد ذلك وتعاينه، وتكتفي بالخطب والمؤتمرات والإدانات، بل وللأسف يتودد بعضهم للصهاينة سرًّا وعلانيةً، وقوعًا في مكيدة التطبيع الخبيثة، وقادة الكيان الصهيوني يعلنون، وعلى رؤوس الأشهاد، أن حدود كيانهم الذي يطمحون له أوسع مما هي عليه الآن، وأنهم لا يعترفون ولا يقبلون بدولة للفلسطينيين، غدرًا ونكوصًا عن أوهام السلام والتطبيع التي سقط فيها البعض منذ أكثر من ثلاثين عامًا؛ وربنا جل وعلا يحذر الأمة بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51].

 

ولكن البشارة النبوية بالانتصار عليهم قادمة بإذن الله، فطوبى لمن حدث نفسه ليكون ممن تشرف بحمل لوائها ودعم جهادها؛ فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تقاتلكم اليهودُ، فتُسلَّطون عليهم، ثم يقول الحجر: يا مسلمُ، هذا يهوديٌّ ورائي فاقتله»؛ [رواه البخاري].

 

بلَّغنا الله وإياكم هذا النصر والفتح المبين، وجعلنا من حَمَلَةِ لوائه وداعمي جهاده.

________________________________________________
الكاتب: يحيى سليمان العقيلي