تهديد الذكاء الاصطناعي والهجمات السيبرانية للأمن القومي الأمريكي

عبد المنعم منيب

يتوقع أن تبلغ خسائر الهجمات السيبرانية 10.5 تريليون دولار سنويا بدءا من عام 2025 ببرامج الفدية -أو غيرها-

  • التصنيفات: وسائل التكنولوجيا الحديثة -

 

تصاعدت التهديدات السيبرانية في العالم كله لكنها شديدة التصاعد في العالم المتقدم بشكل خاص والولايات المتحدة الأمريكية بشكل أخص، ويتوقع أن تبلغ خسائر الهجمات السيبرانية 10.5 تريليون دولار سنويا بدءا من عام 2025 ببرامج الفدية -أو غيرها- وذلك مقارنة بـ 3 تريليونات فقط في عام 2015، و هذا الرقم أكبر من أضرار الكوارث الطبيعية السنوية كما أنه أكبر من أرباح تجارة المخدرات في العالم([1]).

وقد شهدت الانتخابات الرئاسية الأمريكية عامي 2016 و 2020 ما قيل أنه تأثير على العملية الانتخابية من قبل روسيا عبر استخدام مزيج من الأنشطة على الانترنت وفي الاعلام التقليدي والسوشيال ميديا، وترددت معلومات عن تدخل روسي مماثل أثناء استفتاء انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي Brexit عام 2016.

ومنذ أيام أعلن مسؤولون أمريكيون إنهم اتخذوا إجراءات ضد عملية معلوماتية مدعومة بالذكاء الاصطناعي يتم تشغيلها من روسيا، بما في ذلك ما يقرب من 1000 حساب يتظاهرون بأنهم أمريكيون، وتم تصميم الحسابات على موقع X لنشر قصص مؤيدة لروسيا ولكنها كانت عبارة عن "روبوتات" آلية وليست أشخاصًا حقيقيين، وتم استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء الحسابات، التي نشرت بعد ذلك قصصا مؤيدة لروسيا، وخاصة حول الحرب في أوكرانيا([2]).

ومن هنا صار من المهم فهم أثر هذه التهديدات على الأمن القومي الامريكي وكيف تتصرف أمريكا إزاء هذا الخطر وكذلك فهم ماهية تأثير هذه التهديدات على مكانة الولايات المتحدة دوليا خاصة وأن العالم بصدد تشكل نظام دولي جديد مختلف عن ذي قبل.

وبداية نلاحظ أن الأمن القومي الأميركي)[3]( هو قدرة الولايات المتحدة على حماية وتعزيز مصالحها الحيوية، بما في ذلك سلامتها واستقرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ضد التهديدات الداخلية والخارجية.

وتشمل العناصر الأساسية للأمن القومي الأمريكي:

  • الأمن العسكري: قدرة الولايات المتحدة على الدفاع عن نفسها ضد العدوان الخارجي، وردع التهديدات لسيادتها وسلامتها الإقليمية.
  • الأمن الاقتصادي: قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على اقتصاد قوي ومزدهر، وتوفير فرص العمل لمواطنيها، وضمان أمنها المالي.
  • الأمن الاجتماعي:  قدرة الولايات المتحدة على توفير بيئة آمنة ومستقرة لمواطنيها، وضمان احترام حقوقهم وحرياتهم.
  • الأمن السياسي: قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على استقرارها السياسي ونظامها الحاكم، وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان.
  • الأمن البيئي: قدرة الولايات المتحدة على حماية بيئتها من التلوث والدمار، وضمان استدامة مواردها الطبيعية.
  • الأمن السيبراني: حماية البنية التحتية الحيوية والمعلومات من الهجمات الإلكترونية.

وبالتالي فمن أهم التهديدات للأمن القومي للولايات المتحدة الهجمات السيبرانية حيث تمثل الهجمات السيبرانية والجرائم الالكترونية تهديدا متزايدا للأمن القومي الأمريكي، حيث يمكنها تعطيل البنية التحتية الحيوية الرقمية للولايات المتحدة وسرقة البيانات الحساسة.

و الهجمات السيبرانية والجرائم الالكترونية ليست تهديدا أمنيا بحت فقط (التجسس وسرقة المعلومات) بل أيضا هو تهديد اقتصادي بضرب البنى التحتية او سرقة الأموال، وكذلك صار النشاط السيبراني المعادي خطرا على الأمن السياسي عبر التلاعب بالرأي العام وتوجيهه والتأثير في الانتخابات، ولقد تعرضت الولايات المتحدة ومازالت تتعرض لكل هذه التهديدات السيبرانية وقد عزز هذه التهديدات وجعلها أكثر خطورة حالة التقدم النسبي التي وصل إليها الذكاء الاصطناعي AI ، حيث باتت أغلب الهجمات تعتمد على الـAI  بقدراته الواسعة والتي تتطور من يوم لآخر.

ولقد شهدت الولايات المتحدة الآمريكية في الفترة 2016-2024 العديد من الهجمات السيبرانية الخطيرة، وسوف نعرض هنا أبزرهذه العمليات السيبرانية ونتائجها كي نتمكن من رسم أهم معالم صورة هذا الخطر السيبراني.

الهجمات السيبرانية بغرض التأثير على الرأي العام ونتائج الانتخابات

  • التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية لعام 2016: استخدمت روسيا حملة واسعة من الدعاية عبر الإنترنت والتلاعب بالمعلومات على منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر لنشر معلومات مضللة وتقسيم المجتمع الأمريكي خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2016 وما بعدها ، ومن أهدافها التأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية لصالح دونالد ترامب، تشمل الأدوات المستخدمة نشر أخبار وهمية، وإنشاء حسابات مزيفة، واستهداف الناخبين الأمريكيين بإعلانات مدفوعة، والمتهم بتنفيذ هذا كله هو وكالة الاستخبارات الروسية([4])، وشمل ذلك اختراق خوادم الحزب الديمقراطي الأمريكي فقامت مجموعة APT29، المعروفة أيضًا باسم Fancy Bear أو Coswik، باختراق خوادم الحزب الديمقراطي الأمريكي وسرقة رسائل البريد الإلكتروني لبعض كبار أعضاء الحزب، بما في ذلك هيلاري كلينتون، وتم استخدام هذه الرسائل الإلكترونية بعد ذلك لنشر معلومات مضللة والتأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016.
  • فضيحة Cambridge Analytica: في عام 2018 تم الكشف عن أن شركة Cambridge Analytica، وهي شركة تحليل بيانات، قد جمعت بيانات شخصية لملايين المستخدمين على فيسبوك دون موافقتهم، ثم تم استخدام هذه البيانات بعد ذلك لإنشاء استهداف إعلاني مخصص لدعم حملة دونالد ترامب الرئاسية لعام 2016)[5](.
  • هجمات DDoS على مواقع الويب الحكومية: تعرضت العديد من مواقع الويب الحكومية الأمريكية لهجمات حرمان من الخدمة (DDoS) في الأشهر التي سبقت الانتخابات الرئاسية لعام 2016، و تم ربط هذه الهجمات بروسيا.
  • التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية لعام 2020: واصلت روسيا استخدام أساليب مشابهة للتدخل في الانتخابات الأمريكية لعام 2020، مع التركيز على نشر معلومات مضللة حول جائحة COVID-19، وشرعية الانتخابات، والمرشح الديمقراطي جو بايدن([6]) ([7]).
  • كما أشارت العديد من الجهات إلى تدخل سيبراني وكذلك تدخل عبر السوشيل ميديا للتأثير على الانتخابت الرئاسية الأمريكية 2020 من قبل الصين  وإيران([8]).
  • حملة QAnon: حيث QAnon هي نظرية مؤامرة عبر الإنترنت بدأت في عام 2017، تزعم النظرية وجود شبكة سرية من الشيطانيين المتحرشين بالأطفال الذين تسللوا إلى الحكومة الأمريكية والمؤسسات الأخرى، تم استخدام QAnon لنشر معلومات مضللة وتشويه سمعة السياسيين والصحفيين، وتجنيد أشخاص في جماعات متطرفة، كما ساندت الرئيس الأمريكي ترامب في حين ذكرت تقارير إعلامية ان ترامب احتفى دائما بهذه الجماعة)[9](.
  • وهناك العديد من المخاوف الحالية بشأن الانتخابات الرئاسية الامريكية الجارية بمراحلها الأولى الآن في الولايات الأمريكية المختلفة ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر ما حدث من مكالمة آلية استخدمت الذكاء الاصطناعي لتقليد صوت الرئيس جو بايدن حيث قام الصوت بتثبيط الناخبين في نيو هامبشاير عن القدوم إلى صناديق الاقتراع خلال الانتخابات التمهيدية في يناير 2024([10]).
  • وقد ذكرت العديد من الدراسات الاستراتيجية العلمية المهمة سواء الحكومية أو  غير الحكومية تفاصيل استراتيجيات الصين وغيرها من القوى في استخدام الحرب السيبرانية والذكاء الاصطناعي لاضعاف قوة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوربيين ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر ما كتبه " Jack Kiesler" بعنوان: " A Next Generation National Information Operations Strategy and Architecture"([11])

وبجانب هذا كله فهناك الهجمات السيبرانية بغرض التجسس([12]) وكذلك الهجمات السيبرانية بغرض التخريب تارة أو الابتزاز المالي تارة أخرى([13]) )[14]( )[15]( )[16](

([17]) )[18]( ([19]).

المواجهة الأمريكية للتحديات السيبرانية

 

وبسبب تهديدات الذكاء الاصطناعي والأنشطة العدوانية السيبرانية فقد برز مفهوم وواقع جديد بات يعرف بـ "الجيش السيبراني" ويعبر عنه بعض الباحثين بـ"القوة الرابعة" وفي الولايات المتحدة نجد أن وزارة الدفاع مسؤولة عن الدفاع والهجوم السيبراني في المجال العسكري وعلى تقديم المساعدة للجهات المدنية في نفس المجال، ولهذا الغرض أنشئت القيادة السيبرانية للولايات المتحدة (United States Cyber Command)‏ بوصفها جزءا من القيادة الاستراتيجية في وزارة الدفاع([20]).

لقد تبنت وزارة الدفاع في عام 2018 إستراتيجية الدفاع للأمام (Defense Forward)، وهي إستراتيجية استباقية هجومية جاءت في 10 صفحات، وتشير الإستراتيجية إلى أن القيادة السيبرانية الأميركية التابعة لوزارة الدفاع ستحافظ على تفوقها العالمي، واعتُبرت إستراتيجية "الدفاع للأمام" ناجحة، فقد منعت التدخل في انتخابات الكونغرس 2018 وانتخابات 2020، لكنها فشلت تماما حتى في الكشف عن العديد من الاختراقات الخطيرة مؤخرا، والذي تعتقد أغلب التقديرات الاستخباراتية بوقوف روسيا وراءها.

واعتمدت الإستراتيجية تأكيد ارتفاع تكلفة قيام خصوم الولايات المتحدة بسلوك خبيث أو مضر في مجال التجسس الإلكتروني([21]).

وعلى كل حال فقد اتخذت الولايات المتحدة الامريكية العديد من التدابير والإجراءات والقرارات لمواجهة مخاطر الهجمات السيبرانية أيا كانت أهدافها وجاء من أبرزها التالي:

  1. تعزيز القدرات الدفاعية السيبرانية

أنشأت الحكومة وكالة الأمن السيبراني والبنيات التحتية الأمنية (CISA) في عام 2018 لتنسيق الجهود الفيدرالية لحماية البنية التحتية الأمريكية من الهجمات السيبرانية([22]).

  1. محاسبة الجهات الفاعلة المعادية

فرضت الولايات المتحدة عقوبات على دول وأفراد مسؤولين عن الهجمات السيبرانية([23]).

وجهت الولايات المتحدة اتهامات جنائية إلى أفراد مسؤولين عن الهجمات السيبرانية.

طردت الولايات المتحدة عددا من الدبلوماسيين التابعين للدول المسؤولة عن الهجمات السيبرانية([24]).

  1. مكافحة التضليل الإعلامي ورفع مستوى الوعي العام
  1. تعزيز التعاون الدولي للتصدي للأنشطة السيبرانية المعادية

 


([1])انظر تقريرا على الرابط التالي: https://cutt.us/fNxyx.

([2])انظر: Mike Wendling, US officials uncover alleged Russian ‘bot farm’, BBC News, on this link: https://www.bbc.com/news/articles/c4ng24pxkelo 

 ([3])Anthony H. Cordesman, Further Definitions of the Biden Administration’s National Security Strategy,  https://www.csis.org/analysis/further-definitions-biden-administrations-national-security-strategy .

HEATHER COX RICHARDSON, October 15, 2022, https://heathercoxrichardson.substack.com/p/october-15-2022 .

([4]( David E. Sanger and Nick Corasaniti, D.N.C. Says Russian Hackers Penetrated Its Files, Including Dossier on Donald Trump, https://www.nytimes.com/2016/06/15/us/politics/russian-hackers-dnc-trump.html.

THE MUELLER REPORT, https://www.washingtonpost.com/mueller-report/.

([5])كامبريدج أناليتيكا.. طريقة غير مشروعة للحصول على معطيات شخصية لـ 87 مليون شخص، على الرابط التالي: https://www.accessnow.org/%D9%83%D8%A7%D9%85%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%AF%D8%AC-%D8%A3%D9%86%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%AA%D9%8A%D9%83%D8%A7-%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D8%BA%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%D8%A9-%D9%84/

([6]( Russian Interference in 2020 Included Influencing Trump Associates, Report Says, https://www.nytimes.com/2021/03/16/us/politics/election-interference-russia-2020-assessment.html.

([7])تقرير اخباري بعنوان "تقرير للاستخبارات الأمريكية: روسيا وإيران تدخلتا في الانتخابات الرئاسية 2020"، بتاريخ 16 مارس 2021، على الرابط التالي: https://cutt.us/b20Z3  

([8])MAGGIE MILLER, DOJ charges two Iranians with interference in 2020 election, https://thehill.com/policy/cybersecurity/582189-justice-department-indicts-two-iranian-individuals-for-interfering-in/

([9])Trump ally running for Congress believes in baseless QAnon sex-trafficking conspiracy, https://www.theguardian.com/us-news/2020/oct/15/angela-stanton-king-qanon-conspiracy-theory.

([10]( ZACH WAMP AND TIM ROEMER, A unique set of challenges could cause turmoil in 2024 — but here’s why we can trust the vote, https://thehill.com/opinion/4477472-a-unique-set-of-challenges-could-cause-turmoil-in-2024-but-heres-why-we-can-trust-the-vote/

([11])https://www.belfercenter.org/publication/next-generation-national-information-operations-strategy-and-architecture

([12])سرقة كل من الصين وروسيا الاتحادية وكوريا الشمالية المعلومات عبر تجسس سيبراني من كل من الولايات المتحدة وأوروبا، وكذلك التجسس السيبراني من قبل الولايات المتحدة على العالم كله أمر مشهور ومنتشر جدا في سائر مصادر الأخبار، وانظر على سبيل المثال لا الحصر: https://cutt.us/tyv36  حول التجسس الصيني على الولايات المتحدة، وأيضا: https://cutt.us/4XbA4 ، وحول التجسس السيبراني الأمريكي على كبار قادة الدول الأوروبية انظر تقريرا على الرابط التالي: https://cutt.us/dPeZ3.

([13]( What is WannaCry ransomware?, https://www.kaspersky.com/resource-center/threats/ransomware-wannacry

([14]) Ransomware Attack Takes 100 Hospitals Offline, https://www.forbes.com/sites/daveywinder/2024/02/13/ransomware-attack-takes-100-hospitals-offline/?sh=32ce5e4a12c5 

([15]) Iran says it foiled cyberattack on central bank, https://www.reuters.com/world/middle-east/iran-says-it-foiled-cyberattack-central-bank-2023-01-06/

([16])How an Online Attack Brought Twitter to Its Knees, https://www.nytimes.com/article/the-teenager-who-hacked-twitter.html

([17]) Why Was SolarWinds So Vulnerable to a Hack? , https://www.nytimes.com/2021/02/23/opinion/solarwinds-hack.html .

([18])Cybercriminals Take Down a Pipeline, https://www.nytimes.com/2021/05/10/business/dealbook/ransomware-pipeline-colonial.html .

([19])انظر الخبر على الرابط التالي: https://2u.pw/i6tAm.

([20])حول مزيد من التفاصيل عن إدارات الحرب السيبرانية في الدول الكبرى في العالم راجع: بدون مؤلف، حرب التحكم الآلي سلاح الحرب الخامس، دار الجليل ، الطبعة الأولى، عَمَّان 2013 ، ص 65 وما بعدها.   

([21])محمد المنشاوي، كيف فشلت إستراتيجية "الدفاع للأمام" في حماية أميركا من الهجمات السيبرانية؟، تقرير على موقع الجزيرة نت بتاريخ 19 ديسمبر 2019، على الرابط التالي: https://2u.pw/7gh8Cbeg

([22]) https://www.cisa.gov/about

([23]) على سبيل المثال لا الحصر انظر: "استهدفت بنى تحتية حيوية".. عقوبات أميركية على منظمة سيبرانية إيرانية، تقرير إخباري بتاريخ 23 فبراير 2024 على الرابط التالي:  

https://2u.pw/wI39H8dw

([24])شادي عبد الوهاب، تأثيرات "الهجمات السيبرانية" تقترب من التحول إلى حرب شاملة، تقرير اخباري بتاريخ10 يناير 2022، على الرابط التالي: https://2u.pw/6K8rUJEC