الحر والسموم

علي بن عبد العزيز الشبل

يا عباد الله! فاتقوا حر الآخرة بما تتقون به حر الدنيا وأعظم، واتقوا زمهرير جهنم بما تتقون بها بردكم في الدنيا وأشد.

  • التصنيفات: نصائح ومواعظ -

أَيُّهَا المؤمنون! هبَّة عَلَىٰ النَّاس هبائب الصيف الحارَّة، ثُمَّ حصل معها ما حصل من هٰذَا السَّموم، وما حصل معها من الحرِّ الشديد، ليلًا ونهارًا، فتفازع النَّاس إِلَىٰ المبردات، وَإِلَىٰ الثياب الخفيفة، وَإِلَىٰ ملطفات الجو، وَإِلَىٰ المصائف يهربون من هٰذَا الحر العارض عليهم، والله جَلَّ وَعَلَا يقول: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55]، ويقول جَلَّ وَعَلَا: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 17].

 

• حرٌّ في أيامٍ معدودات، تلاه هٰذَا الهواء المنعش المذهب لشدة الحر، فالمؤمن يعتبر من هٰذَا ليوم حارٍّ عظيم، ليومٍ شديد، تدنو فيه الشَّمْس من رؤوس الخلائق عَلَىٰ قدر ثلاثة أميال، فيعرقون عرقًا شديدًا، يسيخ في الأرض سبعين ذراعًا.

 

• ثُمَّ منهم بعد ذلك من يبلغ عرقه إِلَىٰ كعبيه، ومنهم من يبلغ إِلَىٰ ركبتيه، ومنهم من يبلغ إِلَىٰ حقوه وَإِلَىٰ ثدييه، ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا، وفي هٰذَا المقام العصيب، وذلك اليوم الرهيب، ثَمَّة من عباد الله من هو مُظَلٌّ في ظل عرش الرحمن، ومن هو مُظَلٌّ في ظل صدقته الَّتِي طابت بها نفسه في الدنيا؛ ليتقي حر يوم القيامة؛ لأنه لم يستطع أن يتحمل حر الدنيا.

 

• قَالَ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث أبي هريرة الَّذِي خرجه الشيخان: «سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إِلَّا ظله: إمامٌ عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجلٌ قلبه معلّقٌ في المساجد، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حَتَّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجلٌ دعته امرأة ذات منصب وجمال، فتقهره بمنصبها، وتغريه بجمالها، فَقَالَ: إني أخاف الله، ورجلان تحابَّا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه، ورجلٌ ذَكَرَ الله خاليًا ففاضت عيناه»[1]، ذَكَرَ الله؛ ففاضت عيناه خشية منه وخوفًا، وفرقًا من ربي جَلَّ وَعَلَا، ذَكَرَ ما أعد الله لأهل الجنان، ورأى حاله من التقصير؛ ففاضت عيناه رجاء لرحمة الله وثوابه، فهؤلاء يا عباد الله يُظلون في ظل عرش الرحمن لما تزودوا من الدنيا بعملٍ صالحٍ، واتقوا حر الآخرة بما بذلوه من حر الدنيا.

 

يا عباد الله! فاتقوا حر الآخرة بما تتقون به حر الدنيا وأعظم، واتقوا زمهرير جهنم بما تتقون بها بردكم في الدنيا وأشد.

 

ففي الصحيحين[2] من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اشتكت النَّار إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ ما تجده من شدة حرها، وما تجده من شدة بردها، فأذن الله عَزَّ وَجَلَّ لجهنم بنفسين: نفس في الصيف، وهو ما تجدونه من شدة الحر، فإنه من فيح جهنم، فأبردوا فيه بِالصَّلَاةِ، ونفس في الشتاء، وهو ما تجدونه من شدة البرد، فإنه من زمهرير جهنَّم».

 

{رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا 65 إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان: 65، 66].