(الهلالي وعمرو) ومشكلة الخمر
عبد المنعم الشحات
يعتبر الإعلامي "عمرو أديب" أحد أبرز أصحاب نظرية "الخمر - البكيني" التي تبناها عدد كبير مِن وسائل الإعلام؛ بغرض تشويه الإسلاميين في الانتخابات...
- التصنيفات: مذاهب باطلة -
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فيعتبر الإعلامي "عمرو أديب" أحد أبرز أصحاب نظرية "الخمر - البكيني" التي تبناها عدد كبير مِن وسائل الإعلام؛ بغرض تشويه الإسلاميين في الانتخابات، وتقوم النظرية حول سؤال الإسلاميين عن "الخمر والبكيني" باعتبارهما محرمات مجمع على تحريمها، وباعتبار أن الشعب المصري بطبيعته يأنف مِن مثل هذه المنكرات؛ حتى إن الممثلات اللاتي يرتدين "البكيني" كنوع من الترويج لأفلامهن لدى المراهقين يضطرون إلى الادعاء بأنه موظف دراميًّا "وللضرورة أحكامها!"، ومِن ثَمَّ يجيب الإسلاميون بحرمته ووجوب منعه؛ لينطلق الإعلام بعدها ليتكلم عن ذعر بعض المصريين، ويتكلم عن ذعر السياح وعن.. وعن..
وبعد مضي جولتين من الجولات الانتخابية الثلاث اعترف حزب "الخمر - البكيني" بأنهم أخطأوا، وأنهم جعلوا الناس تنحاز إلى الإسلاميين أكثر، وتنفر من أقوام لا يهمهم إلا "البكيني والخمر"، كما اعترف "عمرو أديب" نفسه؛ فخرجت "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في محاولة لتشويه هذه الشعيرة الإسلامية، وتنفير الناس منها بشتى السبل، ولكن جرعة الاختلاق فيها جعلتها تنافس أفلام ومسلسلات "وحيد حامد"!
ومِن ثَمَّ فلم يصدقها أحد؛ لذلك قرر "عمرو أديب" أن يعود بسرعة إلى حانة الخمر عملاً بشعار: "اللي نعرفه أحسن مِن اللي منعرفوش"، واستضاف الأستاذ "سعد الدين الهلالي"، وقدَّم له مقدمة مفادها أن هذه الحلقة - أقل من نصف ساعة - سوف تساعد المشاهِد على تقييم فتاوى العلماء، وربما الاستغناء عنها نهائيًّا، كما كان المسافرون قديمًا ينقطعون عن مراكز الفتوى؛ بحيث كانت الفتوى تحتاج ثلاثة أشهر حتى تصل إليهم "الظاهر أن الإنترنت كان بطيء شوية"!
المهم التقط الأستاذ "الهلالي" زمام الكلام، وأثنى على مقدمة الأستاذ "عمرو أديب"، وقال: إن الأحكام الشرعية خمسة: "الواجب - المستحب - المباح - المكروه - الحرام"، وإن معظم ما نتعاطاه في حياتنا هو من المباح، وإلى هنا الكلام صحيح.
ثم أضاف: إن الأقسام الأربعة الأخرى لا يفتي فيها إلا أهل العلم، وهم حاملو درجة دكتوراه في الشريعة، وعددهم كما ذكر 500!
وعلى طريقته فقد خرج منهم شيخ الأزهر الحالي دكتوراه في الفلسفة، والسابق دكتوراه في التفسير، بالإضافة إلى حاملي الماجستير والليسانس في الشريعة، هذا فضلاً عن الإسلاميين الدارسين للشريعة على كتب الأئمة قبل وجود الجامعات، وهذا كما ترى تعسير على الناس وتضييق لم يقل به أحدٌ غير الدكتور "الهلالي" فيما نعلم، والأخطر أنه ضم إلى هذا التضييق توسعًا لم يقل به أيضًا أحد قبله، عندما أعطى لكل فرد ما أسماه حق الاجتهاد في شئون المباح، ولعل الدكتور يعلم أن تعريف المباح ما لا يتعلق به أمر ولا نهي لذاته، ومِن ثَمَّ فإن الحكم على شيء بالإباحة يحتاج إلى حصر الأقسام الأخرى، فإعطاء مَن لا يُحسن معرفة أحكام الشريعة حقَّ الاجتهاد في المباح تضييع لمعالم الحلال والحرام.
ثم استطرد الشيخ الدكتور في اعتراضه على الأصوليين الفقهاء عندما ذكروا أن المباح لا ثواب فيه ولا عقاب، وقد فاته أنهم قالوا في تعريفهم له: "هو ما لا يتعلق به أمر ولا نهي لذاته"، ذكروا كالتتميم لهذا قاعدة: "الوسائل لها أحكام المقاصد"، وهو ما رام الدكتور قوله فلم تسعفه "ذاكرته الأصولية"، ثم إنه تفرع مرة أخرى لمسألة: هل لولي الأمر أن يقيد المباح أم لا؟ في مثال الأب الذي سيجبر الابن على دخول كلية الطب رغم أنه يحب مجالاً آخر، والأهم أن المجال الذي قفز إلى ذهن الشيخ الدكتور هو النحت والرسم "واضح أن اهتمامات المذيع انتقلت بالإشعاع إلى الدكتور"!
وبينما الشيخ يجول في أمثلة المباح الذي يمكن للرجل العادي الذي لم يعرف الحلال والحرام أن يفتي نفسه فيه إذا به يتكلم عن عمليات التجميل، فيتعامل معها على أنها مباحة في الأصل شريطة وجود الطبيب الثقة، وأمن الآثار الجانبية؛ ليفتح شهية الأستاذ "عمرو أديب" أن يلج عالَم اجتهاد المباحات ليقول شارحًا بأنه إذا كانت امرأة تشعر أن منظر أنفها مُنفـِّر لزوجها فأرادت تصغيره؛ فهذا مباح في حقها؛ ليؤكد الشيخ اجتهاد تلميذه، ولسان حال التلميذ يقول: "وعرفنا سر المهنة في عشر دقائق مع الإسلاميين!".
ولا عتب على الأستاذ "أديب" في أنه طبَّق القواعد التي تعلمها من أستاذه واجتهد فيما يعرض عليه على اعتبار أنه من المباحات دون أن يراجع قائمة المحرمات أولاً، ولكن العتب على الدكتور: كيف يتسنى له أن يُدخِل هذا في المباحات؟ وفيه الوعيد الشديد لما يعد أيسر من عمليات التجميل مِن قوله صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ» [رواه البخاري ومسلم].
ويبدو أن كرم الشيخ "الهلالي" قد فتح شهية التلميذ ليقترب مرة أخرى من ثنائية "الخمر - البكيني"، ولكن الأستاذ "عمرو أديب" في الواقع بدأ متحفظًا سائلاً عن استعمال الكحول في التطهير، ولكن نوبة كرم الشيخ أبت إلا أن يذكر قولاً مهجورًا لأبي حنيفة في التفريق بين خمر العنب وبين سائر أنواع الخمور، وهو قول قاله الإمام أبي حنيفة فحرَّم القليل والكثير من خمر العنب ولو قطرة واحدة، بينما لم يحرِّم مما صنع من غيرها سوى القدر المسكر وهو المسمى عنده بـ "النبيذ"، وهذا القول من أبي حنيفة -رحمه الله- قد وقع فيه لعدة أمور -لما تبيَّنت لأقرب الناس إليه، لصاحبيه "أبي يوسف ومحمد بن الحسن"؛ لم يتابعاه على قوله، بل أفتيا أن كل مسكر خمر، وتابعهما على ذلك علماء الأحناف حتى يومنا هذا، فعد هذا القول من الأقوال المهجورة-.
وهذه الأمور هي:
1- ظنه أن "الخمر" لغة هي: عصير العنب إذا قذف بالزبد، وهو خلاف قول عامة أهل اللغة: إن الخمر هي ما خمرت العقل، ومِن ثَمَّ يكون الخمر المحرم في القرآن يتضمن نصًّا كل شراب مُسكر، بل وكل جامد مُسكر كالحشيش وغيره.
2- إن تفسير القرآن يكون بالقرآن ثم بالسنة ثم باللغة، والقرآن يقول": {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91]، وهذه العلة موجودة في كل شراب مُسكر، وأوضح منه في الدلالة قوله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» [متفق عليه]، وقوله: {مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ} [رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني].
وهي النصوص التي فاتت أبا حنيفة وأدركها صاحباه فرجعا إلى الحق، ولم يبقَ على قول أبي حنيفة إلا متعصب للإمام يخالف نصيحته في عرض قوله على نصوص الوحي، وتقديم الوحي عليه متى خالفته، أو مُتَّبعٍ لهواه يُمنِّي نفسه بقول العامة: "اجعلها في رقبة عالم تصبح سالم متناسيًا قوله تعالى: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: 95]، ليس معك "الهلالي"، ولا "أديب"، ولا "الإمام أبو حنيفة".
3- ومما ذهل عنه الإمام "أبو حنيفة" أن الشرع بالغ في سد الذرائع في باب المُسكرات حتى نهى عن أنواع من الأنبذة: كوضع ثمرتين مختلفتين في إناء واحد حتى لا يسرع إليه التغير، وكوضع الفاكهة في الماء كالخشاف في زماننا، والعجيب أن الدكتور "الهلالي" كان مستحضرًا للمثال، ولكن بدلاً مِن أن يورده على سبيل النهي؛ أورده للدلالة على أننا جميعًا نشرب الخُشاف المُسكر، ولا داعي للتشدد! ثم إن الذي استقر عليه الشرع في هذا الباب جواز الانتباذ بشرط واحد، وهو المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم: {وَلا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا} [رواه مسلم].
4- ومع ما ذكرناه عن الإمام أبي حنيفة، وعن تراجع أصحابه عن قوله، ولكن دعنا نفترض أن أبا حنيفة رحمه الله قد عاش إلى زماننا وأدرك ما أدركه المعاصرون، ومنهم: "الهلالي" مِن أن المادة المسكرة في كل هذه السوائل هي "الكحول"، وأن "الكحول" لا يختلف في خواصه باختلاف الفاكهة التي صُنع من عصيرها، فالذي نجزم به من تخريجنا على مذهب أبي حنيفة رحمه الله أنه كان سيعتبر هذه المعرفة الإضافية دليلاً على صحة اجتهاد عامة علماء الأمة، ثم إذا عرف توسع الناس اليوم في صناعة الخمر من غير العنب: كالويسكي، والشمبانيا، وغيرها التي صارت هي الأكثر أثرًا في إفساد العقول؛ فلا شك أنه كان سيقول بحرمة كل صور الشراب المُسكر؛ حِفظًا للعقل الذي هو أحد الضرورات عنده، وعند غيره من العلماء.
الحاصل: أن "عمرو أديب" خرج مِن السؤال عن استعمال الكحول في التطهير إلى جواز شرب البيرة على اعتبار أنها مصنوعة مِن ماء الشعير، وتباع مخففة بطبيعة الحال، وإن كان لم يَفته أن يؤكد على جواز شرب كأس أو نحوه مِن أنواع الخمور المصنوعة مِن غير العنب!
وبقي أن يعرف حد السُّكر الذي بعده تُحرم تلك المشروبات، فأجابه الشيخ بأشد أنواع السُّكر إذا لم يميز ولده من غيره متغاضيًا عن أول أحوال السُّكر من النشوة، والتي تحدث حتى مع الخمر المخففة: كالبيرة.
ثم إن "عمرو أديب" سأل "الهلالي": هل يمكنه أن يواجه مَن ينادون بتطبيق الشريعة بهذه الأقوال؟!
ثم أضاف مازحًا: "أنا حاخد لي مطواة أنا عارف"!
والعجيب: أن الشيخ لم ينفر من الكلام عن الشريعة بهذا الأسلوب، ولا السخرية مِن أتباعها ودعاتها!
والجواب "يا أخ عمرو": أن "المطواة" موجودة مع مَن يرتادون مواخير شرب الخمر والبيرة، والمُسكرات والمخدرات؛ فلا تخف على نفسك منها إلا إذا كنت تريد أن تذهب هذه الأماكن؛ لتنهاهم عن خمر العنب!
ولم يبقَ أمام "عمرو" لكي ينتصر في "موقعة الخمر"؛ إلا أن يحصل على اعتراف من الدكتور أنه يشرب البيرة طالما أنها حلال؛ فتلعثم "الشيخ" إلى أن انتهى إلى الإجابة بمساعدة المذيع أنها حلال، ولكنه لا يحبها تمامًا: كالينسون!
يعني الدكتور لم يحالفه التوفيق فيدعى على الأقل، أنه يتركها من باب اتقاء الشبهات الذي تردد على لسان الرجلين عدة مرات في أثناء الحلقة، بل ختمها بتلك الفاجعة: "البيرة كالينسون"، وهذا لا علاقة له بالإمام "أبي حنيفة"، ولا بفقهه، ولا بالفقه الإسلامي برمته، بل هو "فقه جديد" لا يمكن أن تراه إلا في "القاهرة اليوم" وأخواتها!
خرج "عمرو" مِن الموقعة، وقد استخرج "رخصة" لكل الخمور إلا النزر اليسير، وألحقها بالينسون!
وأخشى في المرة القادمة أن يأتينا بمن يلحق "البكيني بالعباءة" ليبقى أنصار "الخمر - البكيني" في المربع صفر، ويبقى المجتمع المسلم المحافظ يمتنع أفراده عن بيع وشرب البيرة؛ فضلاً عن الخمر، ومَن يشربها منهم ينتظر اليوم الذي يتوب الله عليه فيه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نشرت بجريدة الفتح بتاريخ الجمعة 12 صفر 1433هـ - 6 يناير 2012م.