قذافي الشام وسط جماهيره الحاشدة!!
المهم أن تركز قوى المعارضة على تفعيل الاحتجاجات وتنويعها؛ لأن ذلك هو واجب الوقت أكثر من العلاقات الخارجية والاقتتال على جلد الدب قبل صيده.
- التصنيفات: مذاهب باطلة -
وحدهم مريدو نظام الأسد هم الذين لم تتداع إلى ذاكرتهم مشاهد معمر القذافي وهو يخطب في جماهيره ويلوح لهم بقبضته بينما كانوا يشاهدون بشار الأسد وهو يكرر ذات اللعبة في ساحة الأمويين في العاصمة دمشق.
من الصعب عليهم التفكير في معالم التشابه بين الزعيمين، هم الذين لم ولن يتوقفوا عن ترويج مقولة إن نظام دمشق يختلف عن نظام ليبيا ومن قبله أنظمة تونس ومصر واليمن، والسبب بالطبع أن استدعاء معالم التشابه تلك سيصيبهم بالاكتئاب ويستثير فيه مشاعر الخوف من نجاح المؤامرة التي تستهدف نظامهم الحبيب.
الآخرون من معارضي النظام، ومعهم سائر المنحازين للإنسان وللحرية من أبناء الأمة، كانوا يرون التطابق في المشهد، ولذلك راحوا يرددون مقولات القذافي "إلى الأمام إلى الأمام"، وهم يرون بشار الأسد يتحدث عن هزيمة المؤامرة!!
لسنا نقول إن الجماهير التي احتشدت في ساحة الأمويين -قيل مئات الآلاف- هي من لون الشبيحة الذين يقتلون الناس، لكنهم في واقع الحال ينتمون إلى فئات ترى في سقوط النظام تهديداً لمكاسبها، وربما مستقبلها أيضاً، لاسيما حين تمعن في شيطنه المعارضة.
وفيما كان أنصار النظام يصورون الحشد المشار إليه بوصفه تعبيراً عن حجم التأييد الذي يحظى به النظام، فإن أحداً من المعارضين لم يقل إنه نظام معزول بالكامل ولا يحظى بأية قاعدة شعبية.
والحال أن ما ذهب إليه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله -أشرنا إليه في مقال سابق- حول وجود ستة ملايين يؤيدون النظام ليس بعيداً عن الحقيقة، إذ أن الغالبية الساحقة من العلويين لا يترددون في إعلان تأييدهم، بينما تشير المعطيات الأخرى إلى أن غالبية جيدة من الدروز والمسيحيين تقف في ذات المربع بهذا القدر أو ذاك.
نعتذر ابتداءً عن الخوض في التصنيف الطائفي، لكنها الأبعاد الإنسانية التي لا يمكن تجاهلها. وفي زمن الصراعات غالباً ما يعود الناس إلى طوائفهم وأعراقهم بحثا عن السند والحماية. وهنا ينبغي التأكيد على أن فئة محدودة من أهل السنة -أكثر من ثلاثة أرباع السكان- هي التي تقف في مربع النظام -لا يحب الرفاق اليساريون والقوميون أن يذكرهم أحد بانتماء تلك الكتلة إلى فئة البرجوازية و"الكمبرادور"!! -. وهو وضع لم تنتجه الثورة في واقع الحال، بل هو سابق عليها، ومن خالط السوريين يدرك ذلك بكل وضوح، لاسيما أن مواقف النظام الخارجية لم تكن تواسي من كانوا يعيشون القمع والفساد على يد النخبة الحاكمة.
ولكن لماذا لا يخرج الناس بهذه الأعداد الضخمة ليعلنوا تأييدهم للثورة كما خرج مئات الآلاف في ساحة الأمويين؟!
إنه سؤال لا يعدو أن يكون نوعاً من المماحكة، إذ يدرك الجميع أن محدودية أعداد المتظاهرين في المدن والأرياف لا تتعلق سوى بالخوف من القتل والاعتقال، مع العلم أن محدودية الأعداد في كل مظاهرة لا ينبغي أن يلفت الانتباه عن العدد الهائل من التظاهرات التي تخرج في نفس الوقت.
إننا نتحدى أنصار النظام أن يخرج الجيش من الشوارع ويتوقف القتل لأسبوع واحد يُسمح خلاله بالتجمع في ساحة الأمويين وساحات المدن الأخرى للمؤيدين والمعارضين -هل تذكرون تجمعات ساحة العاصي في حماة التي خرج فيها غالبية السكان؟! -.
عندها فقط سيتأكد الجميع من الفارق بين نسبة مؤيدي بشار الأسد مقابل من يعارضونه. أما إذا رأى أولئك أن تأييد 20 في المائة، بل حتى 25 في المائة من الناس يمكن أن يكون كافياً لبقاء النظام من الناحية السياسية والأخلاقية، فلهم ذلك وليبوءوا بإثمه.
عبثاً يحاول بشار الأسد السيطرة على الوضع، لكن جماهير الشعب السوري تقف له بالمرصاد، وتبدي من الشجاعة والبطولة ما يعجز القلم عن وصفه. وتبقى مهمة قوى المعارضة التي ينبغي أن تبتكر طرائق جديدة للاحتجاج ينخرط فيها قطاع أكبر من الجمهور، أعني القطاع الذي يعارض، لكنه لا يملك الشجاعة الكافية لمواجهة الرصاص والاعتقال.
هناك في فقه الاحتجاج السلمي وقواميسه عشرات الوسائل التي ينطبق عليها هذا البعد، والتي يمكن للغالبية أن تعبر من خلالها عن الرفض، وتؤدي تبعاً لذلك إلى إرباك النظام أكثر فأكثر وصولاً إلى إسقاطه.
ماذا لو أعلنت قوى المعارضة عن ساعة محددة يكتب الناس خلالها شعارات إسقاط النظام على ورق أبيض ثم يلقونها في الشوارع من خلال الأسطح والشبابيك؟! وساعة أخرى يكبِّرون خلالها..إلخ.
المهم أن تركز قوى المعارضة على تفعيل الاحتجاجات وتنويعها؛ لأن ذلك هو واجب الوقت أكثر من العلاقات الخارجية والاقتتال على جلد الدب قبل صيده.
ياسر الزعاترة