حديث: لا تغضب
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً قال للنبي - ﷺ -: أوصني، قال: «لا تغضب»، فردد مرارًا، قال: «لا تغضب»؛
- التصنيفات: شرح الأحاديث وبيان فقهها -
- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أوصني، قال: «لا تغضب»، فردد مرارًا، قال: «لا تغضب»؛ (رواه البخاري).
شرح الحديث:
هذا من أحاديث الآداب العظيمة؛ حيث قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لرجل سأله: أوصني، قال: «لا تَغضب».
والسؤال بالوصية حصل مرارًا من عدد من الصحابة - رضوان الله عليهم - يسألون المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فمرة قال مثل ما هنا: «لا تغضب»، ورجل قال له: أوصني، قال: «لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله».
وتكرَّر السؤال واختلفت الإجابة؛ قال العلماء:
اختلاف الإجابة يُحمل على أحد تفسيرين:
الأول: أنه - عليه الصلاة والسلام - نوَّع الإجابة بحسب ما يعلمه عن السائل؛ فالسائل الذي يحتاج إلى الذكر، أرشده للذكر، والذي يحتاج إلى ألا يغضب، أرشده إلى عدم الغضب.
والقول الثاني: أنه نوَّع الإجابة؛ لتتنوَّع خصال الخير في الوصايا للأمة؛ لأن كل واحد سينقل ما أوصى به النبي - عليه الصلاة والسلام - فتتنوع الإجابة، وكل مَن قال: أوصني محتاج لكل جواب.
لكن لم يكثر النبي - عليه الصلاة والسلام - الوصايا بأن قال: لا تغضب، ولا يزال لسانك رطبًا بذكر الله، وكذا وكذا؛ حتى لا تَكثُر عليه المسائل، فإفادة من طلب الوصية بشيء واحد، أدعى للاهتمام، ولتطبيقه لتلك الوصية، وقوله - عليه الصلاة والسلام -: «لا تغضب»، هذا أيضًا له مرتبتان: المرتبة الأولى: لا تغضب وإذا أتت دواعي الغضب، فاكظِم غضبك، واكظم غيظك، وهذا جاءت فيه آيات، ومنها قول الله - جل وعلا -: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: 134].
وكظمُ الغيظ من صفات عباد الله المؤمنين المحسنين، الذين يكظمون الغضب عند ثورته.
وجاء أيضًا في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن كظم غيظًا، وهو يقدر على إنفاذه، دُعي يوم القيامة على رؤوس الخلائق إلى الجنة»، أو كما قال - عليه الصلاة والسلام - والحديث في السنن، وهو حديث صحيح.
فكظم الغيظ وإمساكُ الغضب، هذا هو الحالة الأولى التي دل عليها قوله: «لا تغضب»، وكظم الغيظ وإمساك الغضب هذا من الصفات المحمودة، ويأتي تفصيل الكلام على كونه من الصفات المحمودة.
الثاني - التفسير الثاني -: لا تَسْعَ فيما يغضبك؛ لأنه من المتقرر أن الوسائل تؤدي إلى الغايات، فإذا كنت تعلم أن هذا الشيء يؤدي بك إلى غاية تغضبك، فلا تَسْعَ إلى وسائلها؛ ولهذا كان كثير من السلف يمدحون التغافل، وقال رجل للإمام أحمد: كان وكيع يقول، أو أحد الأئمة غير وكيع - النسيان مني -: الخير تسعة أعشاره في التغافل، وقال الإمام أحمد: أخطأ، الخير كله في التغافل؛ يعني: أن إحقاق الأمور إلى آخرها في كل شيء هذا غير ممكن؛ لأن النفوس مطبوعة على التساهل ومطبوعة على التوسع، وعندها ما عندها، فتغافل المرء عما يحدث له الغضب، ويحدث له ما لا يرضيه، تغافله عن ذلك من أبواب الخير العظيمة، بل قال: الخير كله في التغافل، التغافل عن الإساءة، التغافل عن الكلام فيما لا يُحمَد.
التغافل أيضًا عن بعض التصرفات بعدم متابعتها ولحوقها إلى آخرها، إلى آخر ذلك، فالتغافل أمر محمود، وهذا مبني أيضًا على النهي عن التحسس والتجسس، وكثير من حوادث القتل والاعتداءات كانت من نتائج الغضب، كثير من الكلام السيئ الذي ربما لو أراد الإنسان أن يرجع فيه، لرجع، لكنه أنفَذه من جراء الغضب، كثير من العلاقات السيئة بين الرجل وبين أهله، وحوادث الطلاق، وأشباه ذلك - كان منشؤها الغضب، وكثير من قطْع صلة الرحم، وتقطيع الأواصر التي أمر الله - جل وعلا - بوصْلها، كان سبب القطيعة الغضب، ومجاراة الكلام، وتبادل الكلام، والغضب إلى أن يخرجه عما يعقل، ثم بعد ذلك يريد أن يصلح، و "لات ساعةَ إصلاح".
وهكذا في أشياء كثيرة، فالغضب بغير حقٍّ مذموم، وهو من الشيطان، ومن وسائل الشيطان لإحداث الفرقة بين المؤمنين، وإشاعة الفحشاء والمحرَّمات فيما بينهم.
علاج الغضب:
جاء في السنة أحاديث كثيرة في علاج الغضب، نجملها في الآتي:
• أن الغضب يعالَج بالوضوء؛ لأنه فيه ثورة، والوضوء فيه تبريد، ولأن الغضب من الشيطان، والوضوء فيه استكانة لله - جل وعلا - وتعبُّد لله، فهو يُسكن الغضب، فمن غضب، فيُشرع له الوضوء.
• كذلك مما جاء في السنة: أنه إذا غضب وكان قائمًا أن يقعد، وهذا من علاج آثار الغضب؛ لأنه يسكن نفسه، ومن علاج الغضب أيضًا أن يسعى في كونه وإبداله بالكلام الحسن لمن قدر على ذلك.
ومن المعلوم أن الإنسان يبتلى، وابتلاؤه يكون مع درجاته وأجره وثوابه، فإذا ابتُلي بما يُغضبه، فكظم ذلك وامتثَل أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وما حث الله - جل وعلا - عليه بقوله: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران: 134]، وكظم غيظه وهو يَقدِر على إنفاذه؛ كان حريًّا بكل فضل مما جاء في الأحاديث، بأن يُدعى على رؤوس الخلائق إلى الجنة، وأشباه ذلك؛ "شرح الأربعين"؛ للشيخ صالح عبدالعزيز آل الشيخ.