كيف يتجلى اسم ربنا "السلام" في أجسامنا؟

خُذْ - عزيزي القارئ - هذه الأمثلةَ والشواهد الدالة على عظمة ربنا السلام سبحانه في خلق أجسامنا وأعضائنا، وكيف جعلها سالمة نافعةً لنا:

  • التصنيفات: الدعوة إلى الله -

هل طرق سمعَك كلمةُ (سلامات)؟ هل دعا لك أحدهم قائلًا: (سلمك الله وعافاك)؟ هل دقَّقت يومًا في تحية أهل الإسلام (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)؟ وأظنك لا يخفى على كريم علمِك قول الحق سبحانه مخبرًا عن تحية أهل الجنة: ﴿ {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ} [يونس: 10]، إن لفظ "السلام" يشيع في النفس السَّكِينةُ والطمأنينة، والأمن والحصانة والسلامة؛ ومن هنا يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "والله سبحانه هو أولى باسم السلام من كل مسمًّى به؛ لسلامته سبحانه من كل عيب ونقص من كل وجه، فهو السلام الحقُّ بكل اعتبار، فهو سبحانه سلامٌ في ذاته، وسلام في صفاته، وسلام في أفعاله، من كل عيب ونقص، وشرٍّ وظلم، وفعلٍ واقع على غير وجه الحكمة".

 

وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «فإن الله هو السلام»؛ (رواه البخاري)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته قال:  «اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام»؛ (رواه مسلم)، ومعنى (أنت السلام): المراد بالسلام هنا اسم الله تعالى، (ومنك السلام): المراد بالسلام هنا السلامة؛ أي: منك نطلب السلامة من شرور الدنيا والآخرة، (ذا الجلال والإكرام)؛ أي: يا ذا الغِنى المطلق، والفضل التام.

 

ومن معاني اسم الله (السلام): أي: ذو السلامة لعباده، فليس في الوجود كله سلامة إلا معزوَّة إليه سبحانه، خُذْ - عزيزي القارئ - هذه الأمثلةَ والشواهد الدالة على عظمة ربنا السلام سبحانه في خلق أجسامنا وأعضائنا، وكيف جعلها سالمة نافعةً لنا:

 

تأمَّل في عمل كُليتك؛ هذه الكُلْية التي يمر بها الدم في اليوم خمس مرات، ويقطع فيها طريقًا طوله مائة كيلومترٍ، والكلية الواحدة فيها طاقة لتصفية الدم تعادل عشرة أمثال حاجة الجسم، فأنت مزوَّد بكُليتين، فيهما طاقة لتصفية البول تعادل عشرين ضعفًا من حاجتك، هذا من اسم "السلام"، وأنت لا تدري، وكل عشرين ثانية تنزل نقطة بول من الكُلية إلى مستودع، لو أنه لا يوجد مستودع أي: إلى الخارج مباشرة، لكان الإنسان يحتاج إلى فوط، فهناك مستودع، وعضلات قابضة، لو لم يكن هناك عضلات قابضة لاحتجنا إلى تنفيس للهواء، وإلا فلا ينزل البول، فكِّر، عندما كان يقضي النبي الكريم حاجته كان يقول:  «الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني»؛ (أخرجه ابن ماجه).

 

مستودع يكفيك ثماني ساعات وربما أكثر، تأمل لو كنت مسافرًا لاجتماع مهمٍّ، وسوف تُلقي خلاله خطابًا، تخيَّل لو خرج البول مباشرة، وفاجأك وسط الاجتماع، لوقعتَ في حرج عظيم أمام الجمهور، ولكن الله برحمته وفضله هيَّأ لك طريقةً تحفظ بولك داخل جسمك لتُفرِّغه في الوقت الذي تريد، وحين يتيسر لك مكان قضاء الحاجة.

 

حينما يُولَد الإنسان ينمو عَظْمُه، فإذا وصل إلى حدٍّ معين توقَّف النمو، مَنِ الذي أوقف هذا النمو؟ هو القابض الباسط سبحانه، ولو استمرَّ النمو لحَدَثَ مرضٌ خطير، يسمى "العملقة"؛ الذي تنمو فيه العظام بلا توقف، ماذا يحدث حين يُكسر العظم، يقول العلماء: هذه الخلية العظمية تهجع وتنام، وقد يمضي على نومها أربعون عامًا، فإذا كُسِر عظم في الإنسان، استيقظت هذه الخلايا، وأعادت بناء ذاتها، والتأمت مع أخواتها، ونحن لا ندري، والسؤال: لو أن العظم لا يلتئم، فماذا نفعل؟ فالتئام العظم ذاتيًّا يجسِّد اسم الله "السلام"، فسبحان من خلق في طبيعة جسم الإنسان إمكانية الترميم والالتئام والشفاء.

 

جَعَلَ الله في الأسنان أعصابًا للحِسِّ؛ من أجل أن تُبادِرَ إلى طبيب الأسنان، فتعالج أسنانك قبل أن تفقدها كلها، فهذا العصب الحسيُّ البالغ الحساسية في أسنان الإنسان من أجل سلامة الأسنان، وهو تجسيد لاسم الله "السلام".

 

أنت السلام منك السلام   ***   أنْعِمْ علينا بالســـــــلام 

أنت الكريم أنت العظيم   ***   يا ذا العُلى يا ذا المقـام 

أشرق لنا شمس السـلام   ***   وطمْئِنِ القلب المضــام 

وارفق بنا وارحم بنـــــا   ***   وامنن علينا بالوئــــــام 

 

من أجل سلامتك، أودع الله في جسمك جهازًا للمناعة، فكريات الدم البيضاء بعضها لاستطلاع بنية العدو، ومراكز ضعفه، وبعضها لتصنيع المصول، وبعضها لمحاربة الجرثوم إذا دخل معتديًا على جسم الإنسان، جهاز المناعة خلقه الله في جسمك من أجل سلامتك، إذًا هذا يجسد اسم الله "السلام".

 

كل عضلات الجسم تتحرك بأمر الدماغ، فالشلل يحدث إذا تضيَّق شريان في الدماغ في منطقة الحركة، فيُصاب الإنسان بالشلل، إلا عضلة القلب، فقد زودها الله جل جلاله بمركز توليد كهربائي خاص بالقلب؛ لأن القلب خطر جدًّا، وفي القلب ثلاثة مراكز خاصة لتوليد الكهرباء، إذا تعطل الأول يعمل الثاني، وإذا تعطل الثاني يعمل الثالث، لماذا خلق الله سبحانه هذه الاحتياطات الخاصة في القلب؟ من أجل سلامتك.

 

هذه بعض الأمثلة والشواهد من عمل بعض خلايا وأجهزة أجسامنا، ذكرت أقل من القليل، وهنالك آلاف الأمثلة في كل جهاز يتجلى فيه اسم الله "السلام"، فكيف لو نظرنا في السماوات السبع وأفلاكها، وفضاءاتها ونجومها، والأرضين السبع وطبقاتها وأعماقها ومكنوناتها، وعوالم الحيوانات والطيور، والنباتات والجبال، وغيرها، لَأَخَذَتْنا الدهشة كل مأخذ، ولَرَدَّدْنا: سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك.

 

ومن معاني اسم الله "السلام" أن ذِكْرَ الله عز وجل يُورث الأمن والطمأنينة والسلامة؛ كما قال تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]، فإذا ذكرت الله تعالى، شعرت بالسلام، وذهب عنك الخوف والقلق، والهواجس والوحشة، والأفكار السلبية.

 

تذكر كم سلَّمك الله من حوادثَ ومُلمَّاتٍ، كادت أن تُودي بك في مهاوي الرَّدى، فأنجاك الله "السلام" وسلَّمك منها! كم من محن مرَّت عليك فخرجت منها سالمًا غانمًا! وكم من أمراض وأوبئة انتشرت وحصدت أرواح الملايين من البشر، ولكن "السلام" بمنِّه وكرمه عافاك ونجاك! فقل دومًا: اللهم أنت السلام ومنك السلام، اهدنا سبل السلام، وسلمنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، واجعل مثوانا دار السلام.

 

- هذه الدنيا جعلها الله مليئة بالمصائب والأمراض، والآفات والمكدِّرات، ولكن للمؤمنين دار أخرى تسمى (دار السلام)؛ إنها الجنة، وما أدراك ما الجنة؟ إنها بلاد الأفراح؛ حيث السرور الدائم، والسعادة المتواصلة، والهناء الذي لا يشوبه حزن ولا كَدَرٍ: {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 126، 127]، سمَّاها الله دار السلام؛ لأن فيها السلامةَ الحقيقية من كل ما يخيفك، ومن كل ما يؤذيك ويؤلمك، فهي دار السلامة من الموت والمرض، ومن الفقر والهَرَمِ، ومن الهموم والمنغِّصات، والسعادة في الجنة مقرونة بالسلام؛ فهي سعادة دائمة بلا أحزان، والصحة فيها ظاهرة بلا سقم، وهي دار سالمة من الفناء؛ لأن الله تعالى خلقها للبقاء، فإذا تألمت في مرضك، أو توجَّست من مخاوفك، أو انهالت عليك سهام السقم، تذكَّر دار السلام، وطِرْ بأشواقك نحوها، شاهد كيف يصفها ربنا سبحانه: {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ} [الزخرف: 68 - 73]، إن كنت تشكو في هذه الدنيا من الأمراض والآلام، فتذكَّر ما أعدَّه الله للمؤمنين الصابرين في الجنة من النعيم المقيم، والقصور والغلمان، والحور العين، وألوان المآكل والمشارب والملذات، تَهُنْ عليك مصيبتك.

 

عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: ((ألَا أُريك امرأة من أهل الجنة؟ فقلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتَتِ النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني أُصرع، وإني أتكشَّف، فادعُ الله تعالى لي، قال: «إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئتِ دعوتُ الله تعالى أن يعافيَكِ، فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشَّف، فادعُ الله ألَّا أتكشَّف، فدعا لها»؛ (متفق عليه).

 

هي جنة طابت وطاب نعيمها   ***   فنعيمها باقٍ وليس بفــــــــانِ 

دار السلام وجنة المأوى ومن   ***   زلُ عسكر الإيمان والقـــــرآنِ 

فالدار دار سلامة وخطابهـــم   ***   فيها سلامٌ واسم ذي الغفرانِ 

_____________________________________________________
الكاتب: د. صلاح عبدالشكور