رجل تصدق بصدقة

إذا استعصى عليك مرض فيك او في اهلك عليك بالصدق، وإذا كنت تشكو قسوة في قلبك فعليك بالصدقة، أغضبت ربك بالذنوب والمعاصي الصدقة تطفئ غضبَ الله..."

  • التصنيفات: فقه الزكاة - نصائح ومواعظ -
رجل تصدق بصدقة

أوصيكم ونفسي بتقوى الله وأن نُقدّم لأنفسنا أعمالاً صالحة مباركة تُبيّض وجوهنا يوم نلقاه عزوجل. {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89] {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 30]

وبعد..

اليوم نخط رحالنا بعد سبع جمع مع حديث النبي المصطفى والرسول المجتبى ذاك الحديث العظيم الذي خص فيه النبي المصطفى سبعة أصناف بظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله.

 

خصهم لأنهم خالفوا أهواءهم واخلصوا نياتهم وراقبوا مولاهم وخالقهم في السر والعلن.

 

إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله فاجتمعا على ذلك وافترقا عليه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين،

 

وقفتنا هذا اليوم المبارك مع الصنف السابع:  «رجلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه».

 

إنها الصدقة:

من أعظم القربات والطاعات التي ترفع منزلة العبد عند رب الأرض والسماوات ويقتحم بها العبد العقبات ليفوز بالجنات.

 

إنها الصدقات وما أحلاها وأعلاها اذا كانت في الخفيات.

 

{فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 11 - 16].

 

إنها الصدقة:

كم جلبت من نعمة ودفعت من نقمة إنها الصدقة كم أزالت من عداوة وكم زادت من محبة، وكم رفعت من ضيق وكربة. وكم تسببت في إجابة دعوة.

 

إنها الصدقة:

برهان على صدق الإيمان في قلب العبد كما قال الحبيب المصطفى والصدقة برهان.

 

إنها الصدقة الطيبة الخالصة لوجه الله

روى أبو هريرة -ا- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:  «إن الله طيّب لا يقبل إلا طيبا» (أخرجه مسلم والترمذي وأحمد).

 

إنها الصدقة الخفية:

شأنها عظيم عند الله عن أنس بن مالك -ا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما خلق الله الأرض جعلت تميد وتكفا، فأرساها بالجبال، فاستقرت فتعجبت الملائكة من شدة الجبال، فقالت: يا ربنا، هل خلقت خلقًا أشد من الجبال، قال: نعم الحديد، قالوا: يا رب فهل خلقت خلقًا أشد من الحديد، قال: نعم النار، قالوا: يا رب هل خلقت خلقًا أشد من النار، قال: نعم الماء، قالوا: يا رب هل خلقت خلقًا أشد من الماء، قال: نعم الريح، قالوا: يا رب فهل خلقت خلقًا أشد من الريح، قال: نعم ابن آدم إذا تصدق بصدقة بيمينه فأخفاها عن شماله»؛ (حديث حسن رواه أحمد والترمذي).

 

رجل تصدق بصدقة

عباد الله:

المال مال الله أعطاه عبده ليرى كيف يعمل فيه، والذي أغنى الغني وأفقر الفقير قادر في طرفة عين أن يقلب الحال فيعود الغني فقيرًا.

 

وقال: «يقول ابن آدم مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت» (رواه مسلم).

 

فطوبى لنفس طابت ببذل المال وهو للنفس محبوب، فأرخصته في سبيل نيل رضا علام الغيوب، والاستظلال بظل العرش في يوم الكروب.

 

كان يحيي بن معاذ الرازي يقول: «عجبت ممن معه مال ولا ينفق وهو يسمع قوله تعالى: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} [التغابن: 17].

 

عباد الله:

مجرد تصور المسلم انه هو الفقير الضئيل يقرض ربه الغني كفيل بان يطير به الى البذل طيرانا.

 

قال يحيى بن معاذ – رحمه الله -: «ما أعرف حبةً تزن جبال الدنيا إلا الحبة من الصدقة».

 

رجل تصدق بصدقة فأخفاها:

الصدقة إذا أخرجها المسلم مرضاةً لله قُبِلت منه، وإن أخرجها رياءً وسمعة أو لغرض دنيوي فهي مردودة عليه يقول تعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 272]

 

{وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ} فلأنفسكم بركة وتوفيق و صلاح و رزق وعافية و نجاة.

 

{وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} صلى أبو بكرٍ -رضي الله عنه- الفجر فخرج للصحراء سراً، فتبعه عمرُ يومًا خفيةً، فإذا به يأتي خيمةً قديمةً يلبث فيها يسيراً ثم يخرج، فدخل عمر فإذا امرأةٌ ضعيفةٌ عمياء وصبيةٌ صغار، فسألها من هذا؟ فقالت: لا أعرفه، رجل من المسلمين، يأتينا كل صباح منذ كذا وكذا يكنس بيتنا، ويعجن ويحلب لنا ثم يخرج، فقال عمر: لقد أتعبت الخلفاء بعدك يا أبا بكر.

 

ذكرت كتب التراجم أن علي بن الحسين رضي الله عنه كان من أغنياء الناس، ولكن الناس لم يكونوا يرون منه إنفاقًا وصدقاتٍ، وكان بعضهم ربما عتب عليه ولمزه بالبخل، ولكنه كان له مع البذل شأن آخر، لقد كان إذا ما نامت العيون وأظلم الليل حمل الأطعمة والمؤن على ظهره، ومضى متنقلاً بين بيوت فقراء المدينة، فيعطي كل محتاج ولا يعلم به أحد من الناس، وحتى من يعطيهم من الفقراء لم يعرفوه يومًا من الأيام، ومضى على هذا الشأن حتى توفاه الله.

 

وفي أثناء غسله رأى مغسلوه أثر سواد على ظهره، وظلوا يتساءلون عن أثر هذا الحمل، حتى فقده بوفاته مائة عائلة من الفقراء ممن يعولهم ومن يحمل لهم الطعام في الليل، فعرف الجميع أن الحامل والمنفق لم يكن إلا علي بن الحسين، لا اله إلا الله تصدق بصدقة فأخفاها.

 

فقد ابن المبارك طالباً عنده ثم علم أنه محبوس على عشرة الآف، فسدّد لغريمه الدَّيْن، وحلّفه ألا يخبر أحدًا ما عاش، فأفرج عن الشاب المحبوس، فأتى لابن المبارك فقال له: أين كنت؟! فقال: كنت محبوسًا بدَيْن، فجاء رجل لم أدر من هو فقضى ديني، فقال ابن المبارك: فاحمد الله.

 

أيها الأحباب:

هل منا من خرج في الساعة المتأخرة من الليل، أو خرج في غفلة الناس في الضحى مستخفياً متخفياً لا يريد أن يُعرف، وأخذ معه طعاما أو أكلا فقصد بيتاً من بيوت الفقراء، فطرق الباب وتصدق وذهب؟ ليكون ممن يظلهم الله في ظله؟

 

أخي الكريم: هل تريد النجاة من النار والفوز بالجنة عليك بالصدقة، ثبت في الصحيحين عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر النار فتعوذ منها ثم قال:  «اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة».

 

ولا أنسى قصة ذلك الرجل الذي رأى في المنام ثلاث مرات "بشّر فلان بن فلان بالجنة "وهو لا يعرفه، فلما سأل عنه وبشّره عرف أنه كان له جارة أرملة ليس لها معيل قسم راتبه نصفين بين البيتين ولا يعلم أحد.

 

أخي الحبيب:

إذا استعصى عليك مرض فيك او في اهلك عليك بالصدقة فان فيها دواءً للأمراض كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «داووا مرضاكم بالصدقة»؛ يقول ابن شقيق: "سمعت ابن المبارك سأله رجل عن قرحةٍ خرجت في ركبته منذ سبع سنين، وقد عالجها بأنواع العلاج، وسأل الأطباء فلم ينتفع به، فقال: اذهب فاحفر بئرًا في مكان حاجةٍ إلى الماء، فإني أرجو أن ينبع هناك عين ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرئ".

 

وكم سمعنا ممن أصيب بأمراض خطيرة فيه أو في أهله فطاف المشرق والمغرب، فلم يجد علاجا فوفقه الله لكفالة أسرة فقيرة فشفاه الله.

 

اذا كنت تشكو قسوة في قلبك فعليك بالصدقة، كما في قوله صلى الله عليه وسلم لمن شكا إليه قسوة قلبه: «إذا أردت إن يلين قلبك فأطعم المسكين، وامسح على رأس اليتيم» (رواه أحمد).

 

يا من أغضبت ربك بالذنوب والمعاصي الصدقة تطفئ غضبَ الله قال صلى الله عليه وسلم: «إن صدقة السّرّ تطفئ غضب الربّ تبارك وتعالى» (صححه الألباني في صحيح الترغيب).

 

إن الصدقة يا عباد الله تُطفئ لهب المعصية فإن لكل معصية لهبًا. فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا أُدلك على أبواب الخير» ؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: «الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار» (خرجه أحمد (5/ 231) وانظر: السلسلة الصحيحة (1122).

 

عباد الله:

إن الناس يوم القيامة في زحامهم وشدة الحر ودنو الشمس منهم وتضايق الأنفاس، لكنّ المتصدق لا يمسه من حر الشمس شيءٌ؛ لأنه في ظل صدقته يوم القيامة. كما صح عن عقبة بن عامر -ا- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يقول:  «كل امرئ في ظِل صدقته حتى يقضى بين الناس» (صحيح، أخرجه الإمام أحمد بسند رجاله ثقات (4/ 147).

 

أيها المبارك:

إذا أردت أن يدفع الله عنك البلايا والمحن عليك بالصدقة قال صلى الله عليه وسلم: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء»

 

أخي الكريم:

هل تحب أن يدعو لك ملك في كل يوم ودعاء الملك مستجاب عليك بالصدقة.

 

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من يوم يُصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً» (رواه البخاري ومسلم).

 

عبدالله:

لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو كسرة خبز أو كأس ماءٍ أو لقمة طعام. نعم لا تحقرن من المعروف شيئًا، فرُب مَبْلغ قليل تنفقه في سبيل الله مع إخلاصك لله يتقبله الله عنده فتأتي يوم القيامة وإذا هذه الصدقة مثل جبل أُحد. فعن أبي هريرة -ا- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من تصدّق بعدل تمرةٍ من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمنه ثم يربيها لصاحبها، كما يُربي أحدكم مُهره حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد» (البخاري ومسلم).

 

وليس ذلك فحسب؛ بل إن الصدقة يؤجر عليها كل من ساهم في توزيعها أو إصلاحها، حتى تصل إلى الفقير.

 

عِبَادَ اللهِ:

تَصَدَّقُوا قَبْلَ أَنْ يَتَحَسَّرُ أَحَدُنَا عَلَى الصَّدَقَةِ، حَيْثُ لَا تَنْفَعُ الحَسْرَةُ، واحْفَظُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون: 10، 11].

 

رجل تصدق بصدقة فأخفاها

أيها التاجر:

قد يأتيك من يظهر عليه علامة الفقر والمسكنة فتربح القليل وتتجاوز عنه وتقول يارب هذه صدقة بيني وبينك فانت من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

 

حينما تعرف رجلاً فقيراً أو مسكيناً ويبيع سلعة من السلع بعشرين، فتشتري منه واحدة بثلاثين ًوتذهب، أنت بهذا تعينه على الاستمرار في الكسب، وما زاد عن قيمة السلعة هو صدقة، وهذا من أفضل أنواع الصدقة.

 

حينما يأتيك المعسر من لا يستطيع قضاء ما عليه فتتجاوز عنه وتقول في نفسك يارب اجعلها لي صدقة. فأنت من السبعة.

 

وعن أبي اليسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أنظر معسراً أو وضع عنه، أظله الله في ظله» (أخرجه مسلم).

 

اذهب إلى تاجر أو صاحب بقالة يداين الناس واسأل عن مساكين لا يقدرون على دفع ما عليهم وسدد عليهم تكون صدقة خفية لتكون من السبعة.

 

اذهب إلى السجن قد تجد معسرا في مبلغِ بسيط محبوس محروم من أهله وولده فاقض عنه؟

 

عباد الله:

مفهوم الصدقة في الإسلام مفهوم واسع فليست مقصورة على المال فقط فالكلمة الطيبة صدقة والابتسامة في وجه أخيك صدقة، وإعانة المسلم باي شيء صدقة، والشفاعة صدقة، والمصافحة وعيادة المريض صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق، فيا أيها المسلمون دونكم الصدقات فاغتنموها قبل الموت والفوات.

 

هذا وصلوا -عباد الله-: على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين.

________________________________________________________
الكاتب: د. أمير بن محمد المدري