الإسراف والتقتير من موانع محبة الله للعبد
الإسراف الذي يمنع من محبة الله تعالى عبدَه المسرف يكون بمعانٍ منها: الإسراف في الصدقة - الإسراف في المأكل والمشرب والزينة - الإسراف في الذنوب - تحريم الحلال - لإنفاق من حرام - التقتير.
- التصنيفات: تزكية النفس -
معنى الإسراف:
الإسراف - في اللغة -: الخطأ، وقال أعرابي أراد قومًا: طلبتُكم فسرفتُكم؛ أي أخطأتُ موضعَكم، وقال الشاعر:
وقال قائلهم والخيل تخبطهم *** أسرفتُمُ فأجبنا أنّنا سرفُ
والإسراف في النفقة: التبذير.. والمعنى المقصود من قوله تعالى: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141]: لا تأخذوا الشيء بغير حقه ثم تضعوه في غير حقه.. قاله أصبغ بن الفرج، ونحوه قول إياس بن معاوية: ما جاوزتَ به أمر الله فهو سرَف وإسراف، وقال ابن زيد: هو خطاب للولاة يقول: لا تأخذوا فوق حقِّكم وما لا يجب على الناس... وقال مجاهد: لو كان أبو قبيس[1] ذهبًا لرجل فأنفقه في طاعة الله لم يكن مسرِفًا، ولو أنفق درهمًا أو مُدًّا في معصية الله كان مسرفًا، وفي هذا المعنى قيل لحاتم: لا خير في السرف، فقال: لا سرف في الخير.
قلت - أي الإمام القرطبي -: وهذا ضعيف يرده ما روى ابن عباس أن ثابت بن قيس بن شماس عمد إلى خمسمائة نخلة فجذها ثم قسمها في يوم واحد ولم يترك لأهله شيئا فنـزلت {وَلا تُسْرِفُوا}؛ أي لا تعطوا كلَّه. وروى عبد الرازق عن ابن جريج قال: جذ معاذ بن جبل نخله فلم يزل يتصدق حتى لم يبق منه شيء؛ فنـزل {وَلا تُسْرِفُوا}، قال السدي: ولا تسرفوا؛ أي لا تعطوا أموالكم فتقعدوا فقراء، وروي عن معاوية بن أبي سفيان أنه سئل عن قوله تعالى {وَلا تُسْرِفُوا} قال: الإسراف ما قصّرتَ عن حق الله تعالى.
قلت -أي القرطبي-: فعلى هذا تكون الصدقة بجميع المال، ومنع إخراج حق المساكين، داخلَين في حكم السرف. والعدل خلاف هذا، فيتصدق ويبقي كما قال - عليه السلام -: «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى» [2]؛ إلا أن يكون قويّ النفس غنيًّا بالله متوكلاً عليه منفردًا لا عيالَ له؛ فله أن يتصدق بجميع ماله، وكذلك يخرج الحق الواجب عليه من زكاة وما يعنّ في بعض الأحوال من الحقوق المتعيِّنة في المال، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الإسراف ما لم يقدِر على ردّه إلى الصلاح، والسرف يقدر على رده إلى الصلاح، وقال النضر بن شميل: الإسراف التبذير والإفراط، والسرف الغفلة والجهل، قال جرير:
أعطوا هنيدةَ يحدوها ثمانية ** ما في عطائهمُ منٌّ ولا سرَفُ
أي إغفال، ويقال: خطأ، ورجل سرف الفؤاد أي مخطئ الفؤاد غافلُه، قال طرفة:
إن امرأً سرف الفؤاد يرى ** عسلاً بماءِ سحابةٍ شتمي[3]
أولاً: الإسراف في الإنفاق:
قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141].
فالجنات: البساتين، والمعروشات: ما عرش الناس من الكروم، وغير المعروشات: غير المرفوعات المبنيّات لا ينبتُه الناس ولا يرفعونه، ولكن اللهَ يرفعُه وينبته وينميه. وعن ابن عباس أن المعروشات: ما عرش الناس، وغير المعروشات: ما خرج في البر والجبال من الثمرات.
والأُكُل: الثمر، وفي المتشابه وغير المتشابه قال البعض: في الطعم؛ حيث منه الحُلو والحامض والمز، وعن ابن جريج: المتشابه في المنظر وغير المتشابه في الطعم.
و {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} أي من رطبه، وعن محمد بن كعب: من رطبه وعنبه.
واختلف في تفسير قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} على نحو اثني عشر قولا هي:
الأول: أنه أمرٌ من الله بإيتاء الصدقة المفروضة من الثمر والحب.
الثاني: أنه الزكاة، وهو قول أنس بن مالك وابن عباس وطاوس والحسن وابن زيد وابن الحنفية والضحاك وسعيد بن المسيب، وهو قول مالك وبعض أصحاب الشافعي.
الثالث: أنه العشر ونصف العشر. وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم- سن فيما سقت السماء أو العين السائحة أو سقاه الطل [الندى] أو كان بعلاً[4]، العشرَ كاملاً، وإن سقي برشاء نصف العشر. وهذا فيما يكال من الثمر، وكان هذا إذا بلغت الثمرة خمسة أوسق وذلك ثلثمائة صاع فقد حق فيها الزكاة، وكانوا يستحبون أن يُعطوا مما لا يكال من الثمر على قدر ذلك.
الرابع: هو الصدقة.
الخامس: هو الصدقة من الحب والثمار.
السادس: الصدقة المفروضة [الزكاة].
السابع: يعني بحقّه زكاتَه المفروضة يوم يُكال أو يعلم كيله. وذلك أن الرجل كان إذا زرع فكان يوم حصاده، وهو أن يعلم ما كيله وحقه، فيخرج من كل عشرة واحدا، وما يلقط الناس من سنبله.
الثامن: حق أوجبه الله في أموال أهل الأموال غير الصدقة المفروضة، وهو قول عليّ بن الحسن وعطاء والحكم وحماد وسعيد بن جبير ومجاهد، هو حق في المال سوى الزكاة أمر الله به ندبًا، وروي عن ابن عمر ومحمد بن الحنفية أيضًا، ورواه أبو سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم.
التاسع: القبضة من الطعام.
العاشر: ليس بالزكاة، ولكن يطعم من حضره ساعة حصيده؛ أي إذا حضرك المساكين طرحت لهم منه، وإذا أنقيته وأخذت في كيله حثوت لهم منه، وإذا علمت كيله عزلت زكاته، وإذا أخذت في جداد[5] النخل طرحت لهم من الثفاريق[6]، وإذا أخذت في كيله حثوت لهم منه، وإذا علمت كيله عزلت زكاته.
الحادي عشر: نسخت الزكاة هذه الآية؛ لأن هذه السورة مكيّة وآية الزكاة لم تنـزل إلا بالمدينة: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]، و {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43].. رُوِي عن ابن عباس وابن الحنفية والحسن وعطية العوفي والنخعي وسعيد بن جبير.
الثاني عشر: نسخها العشرُ ونصفُ العشر.. قال سفيان: سألتُ السدي عن هذه الآية فقال: نسخها العشر ونصف العشر؛ فقلت عمّن؟ فقال عن العلماء[7].
وقال الإمام الطبري: اختلف أهل التأويل في الإسراف الذي نهى الله عنه بهذه الآية، ومَن المنهيُّ عنه؛ فقال بعضهم: المنهي عنه رب النخل والزرع والثمر، والسرَف الذي نهى الله عنه في هذه الآية مجاوزةُ القدر في العطيّة إلى ما يجحف بربّ المال، وقال آخرون: الإسراف الذي نهى الله عنه في هذا الموضع منعُ الصدقة، والحق الذي أمر اللهُ ربَّ المال بإيتائه أهلَه بقوله ﴿ {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}، وقال آخرون: إنما خوطب بهذا السلطانُ.. نُهِي أن يأخذ من ربّ المال فوق الذي ألزم اللهُ مالَه. قال: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهى بقوله {وَلا تُسْرِفُوا} عن جميع معاني الإسراف، ولم يخصص منها معنىً دون معنى[8].
وقال القرطبي: قوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}؛ فهذان بناءان جاءا بصيغة أفعل أحدهما مباح كقوله: {فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: 10]، والثاني واجب، وليس يمتنع في الشريعةِ اقترانُ المباح والواجب، وبدأ بذكر نعمة الأكل قبل الأمر بإيتاء الحقّ ليبين أن الابتداء بالنعمة كان من فضله قبل التكليف[9].
وقال الحافظ: إن التصدّق بجميع المال يختلف باختلاف الأحوال؛ فمن كان قويًّا على ذلك يعلم من نفسه الصبر لم يُمنع، وعليه يتنـزل فعل أبي بكر الصديق وإيثار الأنصار على أنفسهم المهاجرين ولو كان بهم خصاصةٌ، ومن لم يكن كذلك فلا، وعليه يتنـزل «لا صدقة إلا عن ظهر غنى» [10]، وفي لفظ «أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى» [11].
وقال: وجزم الباجي من المالكية بمنع استيعاب جميع المال بالصدقة، قال: ويُكره كثرة إنفاقه في مصالح الدنيا، ولا بأس به إذا وقع نادرًا لحادث يحدث كضيف أو عيدٍ أو وليمة، ومما لا خلاف في كراهته مجاوزةُ الحد في الإنفاق على البناء زيادة على قدر الحاجة، ولاسيما إن أضاف إلى ذلك المبالغة في الزخرفة، ومنه احتمال الغبن الفاحش في البياعات بغير سبب، وأما إضاعة المال في المعصية فلا يختص بارتكاب الفواحش؛ بل يدخل فيها سوء القيام على الرقيق والبهائم حتى يهلكوا، ودفع مال من لم يؤنس منه الرشد إليه، وقسمه مالا أن لا يكون لغرض ديني ولا دنيوي؛ فإن انتفيا حرم قطعًا، وإن وجد أحدهما وجودًا له بال وكان الإنفاق لائقًا بالحال ولا معصية فيه جاز قطعًا، وبين الرتبتين وسائط كثيرة لا تدخل تحت ضابطٍ، فعلى المفتي أن يرى فيما تيسَّر منها رأيَه، وأما ما لا يتيسر فقد تعرض له؛ فالإنفاق في المعصية حرامٌ كله ولا نظر إلى ما يحصل في مطلوبه من قضاء شهوة ولذة حسنة، وأما إنفاقه في الملاذّ المباحة فهو موضع الاختلاف، فظاهر قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان: 67] أن الزائد الذي لا يليق بحال المنفق إسرافٌ، ثم قال: ومن بذل مالا كثيرًا في غرض يسير تافهٍ عده العقلاء مضيّعًا بخلاف عكسِه، والله أعلم[12].
• قوله تعالى: {وَلا تُسْرِفُوا}.. هل هو معطوف على الواجب {وَآتُوا حَقَّهُ} أم على المباح {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ} ؟ بعبارة أخرى: هل المنهيّ عنه هو الإسراف في الإنفاق أم الإسراف في الأكل؟
الجواب: أنه قد تظاهرت النصوص على كليهما؛ لكنّ لكل منهما حدًّا إذا تجاوزه عُدّ إسرافًا، وذلك على النحو التالي..
أ- حد الإسراف في الأكل: قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]، وسنتكلم عن هذه الآية وعن الإسراف في الزينة والمأكل والمشرب بالتفصيل فيما بعد، وقال: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} [طه: 81]، كما وصف سبحانه فرعون وقومه وقوم لوط وغيرهم من الأمم الهالكة بالمسرفين؛ وإسرافهم يعني الإسراف في المُتَع حتى خرجوا بها عن حد الاعتدال إلى البطر والجحود، والإسراف في المعاصي حيث لم تركوا ذنبًا إلا ارتكبوه، وكثير من هذه الأمة في هذه الأزمان يرتكبون مثل هذه المعاصي وأكثر، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
أما عن حد الإسراف في المأكل فتُبيّنه نصوص السنة وحال الصالحين على النحو التالي:
سئل سهل بن سعد الساعدي -رضى الله عنه-: هل أكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النَّقِيَّ؟ فقال سهل: ما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النقيّ من حين ابتعثه الله حتى قبضه، فقيل: هل كانت لكم مناخل في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: ما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منخلاً من حين ابتعثه الله حتى قبضه، قيل: فكيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: نعم، كنا ننفخه فيطير ما طار منه وما بقي ثريناه فأكلناه[13]. والمعلوم من حال الصالحين من النبيين وأتباعهم أنهم -على الأغلب - كانوا زهادا متقشفين؛ لكن من دون أن يحرموا الحلال، وكانوا يشبعون ويأكلون ما يشتهون لكن من الحلال الطيب؛ ولا يصح حديث «إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت» [14]، وكذلك قول عمر بن الخطاب لجابر بن عبد الله -رضي الله عنهما - لما رآه يحمل لحمًا لأهله: أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه عن جاره أو ابن عمه؟ أين تذهب عنكم هذه الآية {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف: 20] لا يصح[15].
أما أن الغالب على الصالحين الزهد، فقد كانت تلك حال سائر الأنبياء وخاتمهم محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ لكن كان من الأنبياء ملوكٌ أمثال داود وسليمان - عليهما السلام - وأما الصحابة -رضوان الله عليهم - فقد كانت حالهم قريبةً من ذلك.. كانوا في عمومهم زاهدين كأبي بكر وعمر وعليّ وأبي عبيدة؛ ولكن كان منهم عثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأنس ممن سكنوا القصور؛ لكنهم لم يجاوزوا حد الاعتدال؛ من حيث لم يتطاولوا في البنيان، ولا أخذوا مالا بغير وجه حق، ولا منعوا عباد الله صدقاتهم، ولا جحدوا نعمة الله عليهم؛ بل كانوا متواضعين أسخياء أتقياء مقرّين بفضل الله عليهم.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في داود - عليه السلام - خاصة، وهو النبي الملك الغنيّ: «ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود - عليه السلام - كان يأكل من عمل يده» [16]، وقال الله تعالى في سليمان - عليه السلام -: {وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19]، وقال: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} [البقرة: 102]، وقال تعالى - في أنصار رسوله - صلى الله عليه وسلم -: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9].
وإذًا فحد الاعتدال في الأكل أن يكون حلالاً طيّبًا، وألا يزيد فيه عن حاجته فيضر نفسه، وأن يدعو إليه إذا حضره أحدٌ وهو يأكل، وأن يكون بآدابه كما في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا غلام! سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك» [17]. وليس من حدّه منع صنف بعينه ما دام حلالا في ذاته وفي الوجه الذي جاء منه، وغير مضرّ على متناوله، وإن كان التقليل من المتع الحلال - ومنها الأكل - لتأديب النفس أو طلب ما عند الله مشروعًا.
ب- حد الإسراف في الإنفاق: قال تعالى -في صفات عباد الرحمن-: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان: 67]، وقال: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً} [الإسراء: 29]، وعن عامر بن سعد عن أبيه قال: عادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجّة الوداع من وجعٍ أشفيتُ منه على الموت فقلت: يا رسول الله بلغني ما ترى من الوجع، وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنةٌ لي واحدة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: «لا»، قلت أفأتصدق بشطره؟ قال: «لا، الثلث والثلث كثير، إنّك إن تذر ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالة يتكفَّفون الناس، ولست تنفق نفقةً تبتغي بها وجهَ الله إلا أُجِرت بها حتى اللقمة تجعلها في فِي امرأتك» [18]. كما أنه لما تاب الله على الثلاثة الذين خُلّفوا يوم تبوك قال كعب بن مالك -رضى الله عنه -: قلت يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله وإلى رسول الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أمسك عليك بعض مالك فهو خيرٌ لك»، قلتُ: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر[19]. وقال القرطبي -في تفسيره-: روى ابن عباس أن ثابت بن قيس بن شماس عمَد إلى خمسمائة نخلةٍ فجذّها ثم قسمها في يوم واحد ولم يترك لأهله شيئًا فنـزلت {وَلا تُسْرِفُوا}؛ أي لا تعطوا كلّه. وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: جذّ معاذ بن جبل نخلَه فلم يزل يتصدق حتى لم يبق منه شيء فنـزل {وَلا تُسْرِفُوا}.. قال السدي: ولا تسرفوا أي لا تعطوا أموالكم فتقعدوا فقراء[20].
ومعلوم أن الإنفاق منه ما هو فريضةٌ؛ كإخراج الزكاة والإنفاق في الجهاد والإنفاق على العيال وغير ذلك، وما هو تطوّع؛ كالصدقات في وجوه الخير المندوبة.. أما عن الفريضة فإن أخرج زيادةً عنها كان أحبّ إلى الله ما لم يظلم نفسه وعيالَه وورثته، وأما في التطوّع فالظاهر فيه الثلث كما تؤكد النصوص.
وأما الإنفاقُ استدانةً فليس من الحكمة إن لم يترك ما يسدّ عنه؛ لأن الدَّين لا يسقُط، وما روي مغلَّظا فيه قد لا تجبره الصدقة، فمن أنفق دينًا فليترك ما يسدّه، وليُوص بذلك ورثته.
تنبيه:
حمل البعض حديث سعد بن أبي وقاص -رضى الله عنه - السابق على الوصيّة، وهو صريحٌ في رواية البخاري في الوصيّة، ومعلومٌ أن الوصية لا تزيد عن الثلث، ولكن في رواية مسلم[21]-كما نقلنا - قال: «أفأتصدق».
ومن مجموع الأدلة السابقة يتضح أن حد الاعتدال في الإنفاق هو الثلث؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يأذن في أكثر من ذلك لسعد وهو من العشرة المبشرين - رضي الله عنه - ولا لمعاذ وهو أعلم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحلال والحرام، ولا لثابت بن قيس -رضى الله عنه- خطيبه - صلى الله عليه وسلم -، ولا لكعب بن مالك -رضى الله عنه - وقد يكون نذر التصدق بكل ماله إن تاب الله عليه، مع أن النذر واجب الأداء. كما رُوي أن رجلاً أعتق ستةَ أعبد له عند الموت لا مال له غيرهم فأقرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة[22].
وقال الإمام الطحاوي: تكلّم الناس بعد هذا في هبات المريض وصدقاته إذا مات في مرضِه ذلك؛ فقال قوم -وهم أكثر العلماء- هي من الثلُث كسائر الوصايا، وممن ذهب إلى ذلك أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد -رحمهم الله تعالى - وقالت فرقة: هو من جميع المال كأفعاله وهو صحيح، وهذا قول لم نعلم أحدا من المتقدمين قاله[23].
ولا يحتج بأن أبا بكر أنفق ماله كلّه في سبيل الله حتى قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما تركت لأهلك» ؟ قال: تركت لهم الله ورسوله، ولم يعطه النبي - صلى الله عليه وسلم- درهمًا واحدًا يخصّه به، ولا بإنفاق عمر نصف ماله[24]، وذلك لسببين:
الأول: لضعف الحديث إذ هو مرسل[25]، والأخذ بالصحيح أولى حتى في فضائل الأعمال. ونحن نتحدث عن صفةٍ يكرهها الله تعالى وهي الإسراف، وتتنافى آيتا الإسراء والفرقان مع إنفاق كلّ المال، وكذلك ما نقلنا سلفًا من أحاديث صحيحة.
الثاني: أنه حتى لو فُرِض صحة الرواية في حق أبي بكر وعمر، وهي ليست بعيدةً عنهما؛ خاصة وأن الثابت أن أبا بكر أنفق ماله على النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الفتح ومات ولم يترك شيئًا، فلها توجيهٌ؛ إذ أبو بكر وعمر خير الناس بعد النبيين، ولا يخشى عليهما السخط على الله لفقرِهما، أما غيرهما فيخشى عليه ما لا يخشى عليهما.
وهذا إثبات آخر لفضل أبي بكر وعمر على سائر الأمة، ولله الفضل والمنة.
والإنفاق إمّا على النفس والعيال، أو على من تجب أو تجوز عليهم الصدقة؛ فإن كان الأول فالإكثار منه بعد الاعتدال يعدّ إسرافًا، وإن كان الثاني ما لم يظلم نفسه وعياله وورثته فيعدّ سخاء، والأول مذمومٌ والثاني محمود؛ لكن يحسن بالمنفق على من تجب له أو تجوز الصدقة أن يقسِم ولا يعطي كلّه لواحدٍ لفوائد يطول ذكرها.
وللعلماء فيما يكون إسرافًا وما لا يكون:
قال يزيد بن أبي حبيب -في تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا} الآية -: هم الذين لا يلبسون الثياب لجمال ولا يأكلون طعامًا للذة.
ولعله يعني للجمال واللذة فقط، وإلا فهما غير محرّمتين تحريم الإسراف إذا أدى المرء حق النعمة المذكور سابقًا.
وقال عمر بن عبد العزيز لعمه عبد الملك لما زوّجه ابنته وسأله ما نفقتك؟: قال: الحسنة بين سيئتين، وتلا آية الفرقان السابقة.
وقال إبراهيم النخعي: هو الذي -أي عدم الإسراف- لا يجيع ولا يعري ولا ينفق نفقة يقول الناس قد أسرف.
يعني الإسراف ما تعارف الناس على أنه إسرافٌ، وهنا كل إنسانٍ بحسب ما يطيق وبحسب زمانه وبيئته، إلا إن اضطر إلى محرم فعليه أن يمتنع إن كان في زمان أو مكان يختال الناس فيه بالثياب أو يشربون الخمر.. إلخ، فلتكن حالُه كحال عثمان وعبد الرحمن وسعد - رضي الله عنه - إذا لم تكن كحال أبي بكر وعمر وعلي وأبي عبيدة - رضي الله عنه - أجمعين.
ثانيًا: الإسراف في المباح [من المأكل والمشرب واللباس]:
قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31].
اختلف المفسرون في معنى الزينة في هذه الآية، وتدور أقوالهم حول مطلق اللباس؛ خاصةً مع اقترانها بالأكل والشرب، وهي ثلاثة لا يستغنى إنسانٌ عنها، أو أفخر الثياب وأحسنها في الصلاة كلها فرضًا ونفلاً، أو ملابس الإحرام في الحج والعمرة؛ إذ كان الكفار يطوفون بالبيت عراة وتقول نساؤهم:
اليوم يبدو بعضُه أو كلُّهْ *** وما بدا منه فلا أحلُّهْ[26]
والظاهر من أقوال العلماء في الزينة أنها اللباس الساتر النظيف وليس المحلّى بوشي ونحوه، ومما يدل لذلك كون الآية في ملابس الإحرام وليس فيها تحلية، وكره النبي - صلى الله عليه وسلم- اللون الأحمر للرجال[27] وزينة النساء حرام إلا لمحارمهن.
إلا أن تحلية الثياب في غير الإحرام ليست حرامًا بشروط:
1- ألا تشبه ثياب الرجال ثياب النساء، والعكس بالعكس.
2- ألا تكشف عورة بوصفٍ أو شفٍّ، وعورة الرجال من السرة إلى الركبة، وعورة النساء سائر الجسد.
3- ألا يكون فيها شيءٌ من الذهب أو الحرير للرجال، وبالنسبة للنساء إلا لمحارمهنّ.
4- ألا تكون للمباهاة والعجب والخيلاء، ولا تحمل على شيء من ذلك بعد لبسها، فإن أحسّ شيئًا من ذلك نزعها.
5- ألا يكون ثمنُها مما لا يطاق.. إلى آخر الشروط.
وفي قوله تعالى: {وَلا تُسْرِفُوا} في هذه الآية قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ولا تأكلوا حرامًا[28].
وقال الإمام القرطبي: أي لا تسرفوا في تحريم ما لم يحرّم عليكم[29]. ويؤيد ذلك قوله تعالى -في الآية التي بعدها-: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 32].
وقال العلامة السعدي: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا}؛ أي مما رزقكم الله من الطيبات، {وَلا تُسْرِفُوا} في ذلك.. والإسراف إما أن يكون بالزيادة على القدر الكافي، ولشرَهٍ في المأكولات التي تضر بالجسم، وإما أن يكون بزيادة الترفّه والتنوّق في المآكل والمشارب واللباس، وإما بتجاوز الحلال إلى الحرام[30]. وقال الشيخ محمد علي الصابوني: أي لا تسرفوا في الزينة والأكل والشرب بما يضر بالنفس والمال[31].
أما قوله تعالى: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} فمما قيل في تفسيره: أي المتعدين حدود الله فيما أحلّ وحرم[32]، وخصه البعض بالطعام والشراب[33]، فإن السرَف يبغضه الله، ويضر بدن الإنسان ومعيشته، حتى أنه ربما أدت به الحال إلى أن يعجز عما يجب عليه من النفقات؛ ففي هذه الآية الكريمة الأمر بتناول الأكل والشرب، والنهي عن تركِهما، وعن الإسراف فيهما[34].
ثالثًا: التقتير في مقابل الإسراف:
فقد جاء التقتير ملازمًا للإسراف في كثير من نصوص الشرع، وكلاهما منافٍ للاعتدال الذي هو من روح الشريعة المحمديّة وأحد مبادئها السامية؛ غير أن أحاديث بغض الله تعالى للإقتار وللمقترين ليست بالقويّة؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم - لعمران بن حصين -رضى الله عنه -: «يا عمران! إن الله يحب الإنفاق، ويبغض الإقتار، أنفق وأطعم ولا تصر صرّا فيعسر عليك الطلب» [35]، وقال السيوطي: وأخرج الحكيم الترمذي عن الزبير بن العوام - رضى الله عنه - قال: جئت حتى جلست بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ بطرف عمامتي من ورائي، ثم قال: «يا زبير إني رسول الله إليك خاصة وإلى الناس عامّة، أتدرون ماذا قال ربكم» ؟ قلت: الله ورسوله أعلم، «قال ربكم حين استوى على عرشه فنظر خلقه: عبادي أنتم خلقي وأنا ربكم، أرزاقكم بيدي، فلا تتعبوا فيما تكفّلت لكم فاطلبوا مني أرزاقكم» .. أتدرون ماذا قال ربكم؟ قال الله تبارك وتعالى: «أنفق أنفق عليك، وأوسع أوسع عليك، ولا تضيّق أضيق عليك...» الحديث وهو طويل[36].
وليس معنى ضعف أحاديث بغض اللهِ المقترين أن الإقتار يحبّه الله، ولا أن المقترين لا يبغضُهم الله، وإنما الواجبُ الاحتراز منه؛ كونه مما لا خلاف على حُرمته، ثم إنه لا يبعد أن يكون مانعًا من محبته تعالى عبدَه المقتِر لهذه الأحاديث أو لغيرها مما يؤخذ من روح الشريعة.. نقل لا يبعد أن يكون، ولا نقول إنه مانعٌ من محبته تعالى.
• خلاصة هذا المانع:
وإذًا فالإسراف الذي يمنع من محبة الله تعالى عبدَه المسرف يكون بمعانٍ منها:
1- الإسراف في الصدقة، وترك العيال عالة يتكففون الناس أعطوهم أو منعوهم، وحدها المنضبط الثلُث قياسًا على الوصية، أو طبقًا لرواية مسلم حديثَ سعد - رضى الله عنه -[37].
2- الإسراف في المأكل والمشرب والزينة، وحدها المنضبط الاستمتاع بها بشروطها وآدابها المفصلة في السنة المشرفة.
3- الإسراف في الذنوب، وهذا بارتكاب الكبائر من أنواع ذنوب فرعون وآله وقوم لوط، والتمادي في الصغائر والإصرار عليها. وقد تظاهرت على ذلك آياتُ الكتاب الحكيم. وتناول الحرام من هذا القبيل.
4- تحريم الحلال، وهو منافٍ لحدّ الزهد المعلوم من حال الأنبياء والصالحين؛ كتحريم صنفٍ بعينه قياسًا على فعل يعقوب - عليه السلام - ولا يجوز في شريعتنا، أو تحريم الشبع، أو تحريم أكل كل ما يُشتهى بناءً على أحاديث واهية، أو فهمًا لأحاديث ثابتة فهمًا واهيًا. وإذا ترك بعض ما يشتهي -لا كلّه- طلبًا لما عند الله أو تأديبًا لنفسه فلا أرى بذلك بأسًا، ولو أكل وشكر كان أفضل أو مساويًا له، والله أعلم.
5- الإنفاق من حرام؛ فإن الله طيّب لا يقبل إلا طيبًا[38]، وفاعل ذلك موزورٌ بكسبِه من حرام وغير مأجورٍ على إنفاقه.
6- التقتير، احترازًا من أمر محرم ومناف لصفات عباد الرحمن.
[1] هو جبل مشهور بمكة شرفها الله.
[2] أخرجه البخاري في الزكاة (ح1426) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[3] انظر: تفسير القرطبي (ج9 ص71-73) مختصرا.
[4] ما شرب من النخيل بعروقه من الأرض من غير سقي سماء ولا غيرها، راجع : النهاية (ب ع ل).
[5] الجداد - بالفتح والكسر-: صرام النخل؛ وهو قطع ثمرتها. يقال: جد الثمرة يجُدها جدا، النهاية (ج د د).
[6] قال ابن الأثير: الأصل في الثفاريق: الأقماع التي تلزق في البسر، واحدها ثفروق، ولم يردها هاهنا، وإنما كنى بها عن شيء من البس يعطونه، قال القتيبي: كأن الثفاريق على معنى - هذا الحديث - شعبة من شمراخ العذق. النهاية (ث ف ر ق).
[7] راجع : تفسير الطبري (ج9 ص595) وما بعدها، وتفسير القرطبي (ج7 ص86).
[8] راجع : تفسير الطبري (ج9 ص614-617).
[9] انظر: تفسير القرطبي (ج9 ص52-53)، وأحكام القرآن لابن العربي (ج2 ص748).
[10][صحيح] أخرجه أحمد بهذا اللفظ (ح7115) من حديث أبي هريرة، وهو في الصحيحين بلفظ نحوه، وقد علقه البخاري في صحيحه في كتاب الزكاة باب/ لا صدقة إلا عن ظهر غنًى، قال الحافظ - في الفتح (ج11 ص574)-: هو مشعر بأن النفي في اللفظ الأول للكمال لا للحقيقة؛ فالحقيقة لا صدقة كاملة إلا عن ظهر غنًى، وقد أورده أحمد من طريق أبي صالح بلفظ إنما الصدقة ما كان عن ظهر غنًى، وهو أقرب إلى لفظ الترجمة. وأخرجه أيضًا من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاءٍ عن أبي هريرة بلفظ الترجمة قال: لا صدقة إلا عن ظهر غنًى الحديث. وكذا ذكره المصنف تعليقًا في الوصايا، وساقه مغلطاي بإسنادٍ له إلى أبي هريرة بلفظه، وليس هو باللفظ المذكور في الكتاب الذي ساقه منه، فلا يغتر به ولا بمن تبعه على ذلك، ومعنى عن ظهر غنى؛ أي بعد أن يبقى عنده مال يكفيه لنفسه وعياله.
[11] أخرجه مسلم (ح1034)، النسائي (ح2543) من حديث حكيم بن حزام - رضى الله عنه - بهذا اللفظ، وانظر: فتح الباري (ج11 ص574).
[12] انظر: فتح الباري (ج10 ص408-409).
[13] أخرجه البخاري في الأطعمة (ح5413) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
• والنقي: الخبز الحوَّارَى؛ أي المنقى دقيقه المنخول بالمنخل، والمُنْخَل - بضم فسكون ففتح - آلة نخل الدقيق؛ أي تنقيته بإخراج القشر والتبن وغيرهما منه. راجع النهاية في غريب الحديث والأثر (ج5 ص233)، واللسان (ج11 ص651) مادة (ن خ ل).
[14] [ضعيف] أخرجه ابن ماجه (ح3352)، وأبو يعلى في مسنده (ح2765)، وابن حبان في المجروحين في ترجمة نوح بن ذكوان (3/47 ح1102)، والمزي في تهذيب الكمال (30/50) جميعًا من طريق: بقية بن الوليد ثنا يوسف بن أبي كثير عن نوح بن ذكوان عن الحسن عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: فذكره.
• قال ابن كثير -في تفسيره (ج2 ص211)-: ورواه الدارقطني في الأفراد، قال: هذا حديث غريب تفرد به بقية.
• ونقل المزي عن الدارقطني: قال الدارقطني غريب من حديث الحسن عن أنس بن مالك، تفرد به نوح بن ذكوان، ولم يروه يوسف بن أبي كثير، تفرد به بقية بن الوليد عنه.
• قال البوصيري -في مصباح الزجاجة (4/31)-: هذا إسناد ضعيف رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الجوع والبيهقي وقد صحح الحاكم إسناده هذا وحسنه غيره وأورده ابن الجوزي في الموضوعات من طريق يحيى بن عثمان عن بقية بن الوليد به، وضعفه بنوح بن ذكوان.
[15][ضعيف] أخرجه مالك في الموطأ (2/936) مرسلا، وأخرجه أحمد في الزهد (ص123) بسند فيه انقطاع من طريق: الأعمش عن بعض أصحابه قال: مر جابر بن عبد الله معلقا لحما على عمر - رضى الله عنه -... فذكره. وأخرجه أبو داود في الزهد (ص66 ح62) من طريق: عبد الله بن عمر، عن وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد الله، قال: لقيني عمر بن الخطاب... فذكره، وعبد الله بن عمر العمري ضعيف عابد. وعزاه السيوطي في الدر المنثور (ج7 ص447) لعبد بن حميد عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله - رضى الله عنه - قال: رآني عمر - رضى الله عنه -... فذكره، والحاكم في المستدرك (2/494 ح3698) من طريق: القاسم بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن عمر - رضى الله عنه -... وفيه القاسم متروك، رماه الإمام أحمد بالكذب.
[16] أخرجه البخاري في البيوع، باب/ كسب الرجل وعمله بيده (ح2072) من حديث المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه.
[17] [متفقٌ عليه] أخرجه البخاري في الأطعمة (ح5376)، ومسلم في الأشربة (ح2022) من حديث عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه.
[18] [متفقٌ عليه] أخرجه البخاري في الجنائز (ح1296)، ومسلم في الوصية (ح1628) من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
[19] [متفقٌ عليه] أخرجه البخاري في الوصايا (ح 2758)، ومسلم في التوبة (ح2769) من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه.
[20] انظر: تفسير القرطبي (ج9 ص72).
[21] أخرجه مسلم في الوصية (ح1628)، وهو أيضًا بنفس اللفظ عند البخاري في الجنائز (ح1296) من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه وتقدم تخريجه.
[22] أخرجه مسلم في الأيمان (ح1668)، وأبو داود في العتق (ح3958 و3961)، والترمذي (ح1364)، والنسائي في الجنائز (ح1958)، وابن ماجه في الأحكام (ح2345) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.
[23] انظر: شرح معاني الآثار لأبي جعفر الطحاوي (ج4 ص380).
[24] [مرسل] أخرجه ابن عساكر في مختصر تاريخ دمشق لابن منظور (1/1770)، من طريق: الشعبي قال: لما نزلت هذه الآية ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ﴾ إلى آخر الآية جاء عمر بنصف ماله يحمله إلى رسول الله يحمله على رؤوس الناس، وجاء أبو بكر بماله أجمع يكاد أن يخفيه من نفسه؛ فقال رسول الله: ما تركت لأهلك؟ قال: عدة الله وعدة رسوله، قال: يقول عمر لأبي بكر: بنفسي أنت - أو بأهلي أنت - ما سبقنا باب خير قط إلا سبقتنا إليه. والشعبي لم يلق أبا بكر الصديق - رضى الله عنه - فخبره مرسل.
[25] انظر الحاشية السابقة مباشرة؛ ففيها الكلام على الحديث.
[26] راجع : تيسير الكريم الرحمن (ص266)، وتفسير ابن كثير (ج3 ص249 وما بعدها)، وصفوة التفاسير (ج1 ص443 وما بعدها).
[27] انظر: تيسير الكريم الرحمن (ص266)، وتفسير ابن كثير (ج3 ص249).
• وفي فتح الباري أن في لبس الثوب الأحمر سبعة مذاهب:
(الأول): الجواز مطلقا.. جاء عن علي وطلحة وعبد الله بن جعفر والبراء وغير واحد من الصحابة، وعن سعيد بن المسيب والنخعي والشعبي وأبي قلابة وطائفة من التابعين.
(الثاني): المنع مطلقا.. ولم ينسبه الحافظ إلى قائل معين، إنما ذكر أخبارا وآثارا يعرف بها من قال بذلك.
(الثالث): يكره لبس الثوب المشبع بالحمرة دون ما كان صبغه خفيفا.. جاء ذلك عن عطاء وطاوس ومجاهد.
(الرابع): يكره لبس الأحمر مطلقا لقصد الزينة والشهرة، ويجوز في بيوت المهنة.. جاء ذلك عن ابن عباس.
(الخامس): يجوز لبس ما كان صبغ غزله ثم نسج، ويمنع ما صبغ بعد النسج.. جنح إلى ذلك الخطابي.
(السادس): اختصاص النهي بما يصبغ بالعصفر، ولم ينسبه إلى أحد.
(السابع): تخصيص المنع بالثوب الذي يصبغ كله، وأما ما فيه لون أحمر فلا. انتهى مختصرا، وانظر عون المعبود (ج2 ص155).
[28] انظر: تفسير ابن كثير (ج2 ص281).
[29] انظر: تفسير القرطبي (ج9 ص73).
[30] انظر: تيسير الكريم الرحمن (ص266).
[31] انظر: صفوة التفاسير (ج1 ص443).
[32] انظر: المصدر السابق، نفس الجزء والصفحة.
[33] راجع : تفسير ابن كثير (ج3 ص250).
[34] انظر: تيسير الكريم الرحمن (ص266).
[35] [منقطع] أخرجه البيهقي في الزهد الكبير (2/346 ح954)، والصيداوي في معجم الشيوخ (1/88 ح33)، والشهاب في مسنده (2/152 ح1080 و1081)، وابن عساكر في مختصر تاريخ دمشق (1/2956). جميعًا من طريق: هلال بن العلاء الرقي ثنا أبي ثنا عمر بن حفص العبدي عن حوشب ومطر عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله عنه.
• قال علي بن المديني في جامع التحصيل (ص163): لم يسمع الحسن البصري من عمران بن حصين.
[36] [ضعيف] أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول (2/77) وعلامات الضعف ظاهرة على ألفاظه؛ حيث لا يخفى أن هذا الكلام أقرب إلى وعظ الوعّاظ منه إلى كلام النبوة، وإن كان فيه خير وفيه عظة. وانظر الدر المنثور (ج6 ص707-708).
[37] [صحيح] تقدم تخريجه.
[38] أخرجه مسلم في الزكاة، باب/ قبول الصدقة من المال الطيب (1015) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: أيها الناس! إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين؛ فقال ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ وقال ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام؛ فأنى يستجاب لذلك.
___________________________________________________________
الكاتب: محمد محمود صقر