رسول السلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم

محمد سيد حسين عبد الواحد

إن أحد أعظم صفات الرسالة الخاتمة التي بُعث بها النبيُّ محمدٌ صلى الله عليه وسلّم بعد كونها رسالة وسطية

  • التصنيفات: الدعوة إلى الله -


ورد في صحيح مسلم عليه رحمة الله من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال « « الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيْمَانِ، والحَمْدُ للهِ تَمْلأُ الميزانَ، وسُبْحَانَ اللهِ والحَمْدُ للهِ تَمْلآنِ - أَو تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ، وَالصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَو عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَو مُوبِقُهَا» »

أيها الإخوة الكرام  : إن أحد أعظم صفات الرسالة الخاتمة التي بُعث بها النبيُّ محمدٌ صلى الله عليه وسلّم بعد كونها رسالة وسطية ،  وبعد كونها رسالة مرنة ،  وبعد كونها متجددة ،  وبعد كونها صالحة ، ومناسبة لجميع العصور ، ولكافة العقول والأفهام ،  بعد كل هذا تبقى أحد أهم وأعظم صفات الرسالة الخاتمة أنها رسالة سلام  .. 

ربها سبحانه وتعالى هو رب السلام، ورسولها عليه الصلاة والسلام هو رسول السلام،  وتحية أهلها في الدنيا السلام ، ومستقرهم يوم القيامة بدار السلام، والملائكة يدخلون عليهم من كل باب يُقرءونهم من ربهم السلام.. 

{﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَٰنِهِمْ ۖ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلْأَنْهَٰرُ فِى جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ ﴾﴿ دَعْوَىٰهُمْ فِيهَا سُبْحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَٰمٌ ۚ وَءَاخِرُ دَعْوَىٰهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾}

وأحد أهم وأعظم صفات صاحب الرسالة الخاتمة عليه الصلاة والسلام أنه صاحب رسالة سلام قولاً وعملاً.. 

أخرج مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:  قال النبي عليه الصلاة والسلام ««لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حتَّى تَحابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ علَى شيءٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بيْنَكُمْ» »
 
وُلد صلى الله عليه وسلّم في مكة في ربيع الأول عام الفيل وُلد عليه الصلاة والسلام ووُلدت معه مكارم الأخلاق،  ولد معه الصدق،  والأمانة،  والوفاء بالعهد،  ونجدة الضعيف وإغاثة اللهفان.. 

وبعد أربعين سنة من مولده صلى الله عليه وسلّم بُعث عليه الصلاة والسلام وبُعث معه الهدى،  وبعث معه النور، بُعث وبُعث معه السلام والأمان {﴿ هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلْأُمِّيِّۦنَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُوا۟ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ ﴾}

بعد أربعين سنة من مولده صلى الله عليه وسلّم بُعث وبُعثت معه المادة الخام لسلامة الصدر، ونقاء السريرة، والقدرة الهائلة على ضبط النفس وكظم الغيظ.. 

قالت عائشة رضي الله عنها «ما ضَرَبَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ شيئًا قَطُّ بيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا؛ إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبيلِ اللهِ، وَما نِيلَ منه شَيءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِن صَاحِبِهِ؛ إلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيءٌ مِن مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» .

وعن أَنسٍ قَالَ: " «كُنتُ أَمْشِي مَعَ رسول اللَّه ﷺ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانيٌّ غلِيظُ الحَاشِيةِ، فأَدْركَهُ أَعْرَابيٌّ، فَجَبَذهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَديدَةً، فَنظرتُ إِلَى صَفْحَةِ عاتِقِ النَّبيِّ ﷺ وقَد أَثَّرَتْ بِها حَاشِيةُ الرِّداءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مُرْ لِي مِن مالِ اللَّهِ الَّذِي عِندَكَ، فالتَفَتَ إِلَيْه، فضَحِكَ، ثُمَّ أَمر لَهُ بعَطَاءٍ» " [متفقٌ عليه] .

بعد بعثته عليه الصلاة والسلام رمته العربُ عن قوس واحدة آذوه في نفسه وأهله وماله وولده وأخرجوه من بلده واجتمعوا على حربه في نحو عشرين سنة وقتلوا أصحابه،  ورغم ذلك حين ظفر بهم ونصره الله تعالى عليهم ومكنه من رقابهم لم يجدوا أوسع صدراً من النبي محمد صلى الله عليه وسلّم.. قالوا ما أحلمك!  وما أوصلك!  وما أكرمك.. 

رباه الله تعالى على سعة الصدر،  وعلى الحلم، والاحتمال، والعفو،  والصبر على المكاره،  وأنزل تعالى عليه { ﴿ خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَٰهِلِينَ ﴾}

ورد  أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه هذه الآية   {﴿ خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَٰهِلِينَ ﴾ } سأل جبريل - عليه السلام - عن تأويلها ، فقال له : حتى أسأل العالم  ،  ثم ذهب فرجع فأتاه ، فقال : يا محمد . إن الله يأمرك أن تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك .

ثم إنه ما من حليم من البشر إلا وقد عُرفت منه زلة ، وحُفظت عنه هفوة ، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فلا يزيد صلى الله عليه وسلم مع كثرة الأذى ومع كثرة الجهل عليه إلا صبرا ، وحلمّا.. 

 لمّا أصابه صلى الله عليه وسلّم ما أصابه يوم أحد.. كُسرت رَباعيته ، وشُج وجهه،  وسقط في حفرة،  شق ذلك على أصحابه ، فقالوا : يا رسول الله لو دعوت عليهم ! فقال عليه الصلاة والسلام : إني لم أبعث لعانًا ، ولكني بُعثتُ داعيًا ، ورحمةً.. 

قال ابن مسعودٍ   «« كأَنِّي أَنظُرُ إِلَى رسولِ اللَّه ﷺ يَحْكِي نَبِيًّا مِن الأَنْبياءِ صلوَاتُ اللَّهِ وَسلامُه عَلَيهم ضَرَبَهُ قَومُهُ فَأَدْمَوهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجهِهِ ويقول: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَومي فَإِنَّهُم لا يَعْلَمُونَ »»   [متفقٌ عليه] .

المادة الخام للقلب الطيب،  للصدر الواسع،  للنفس الكريمة الحليمة الرحيمة تراها رأي العين في سيرة وسنة النبي عليه الصلاة والسلام.. 

في سورة الفتح آية يقول فيها ربنا سبحانه وتعالى {﴿ وَهُوَ ٱلَّذِى كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴾}

ورد في سبب نزول هذه الآية أنه لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجلاً من أهل مكة في السلاح من قبل جبل التنعيم يريدون غِرَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا عليهم الرسول فأخذوا فعفا عنهم عليه الصلاة والسلام؛ ونزلت هذه الآية:  {﴿ وَهُوَ ٱلَّذِى كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴾}

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يهدينا جميعًا لأحسن الأخلاق والأعمال إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير. 

الخطبة الثانية
بقى لنا في ختام الحديث أن نقول: 
إن مرجع المسلم إلى كتاب الله تعالى وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم،  وإن الإيمان قول وعمل،  الإسلام يُعنى بالظاهر،  والإيمان يُعنى بالباطن  .. 

الإيمان أمان: أن يأمنك الناس على دماءهم وأموالهم وأعراضهم.. 
والإسلام سلام:  أن يسلم الناس من لسانك ويدك.. 

كل فريضة فرضها الله تعالى علينا لها حكمة بالغة ،  ومن وراءها غاية مقصودة ،  لكن تأتي جميع الفرائض لتجتمع على غاية مشتركة وهى تربية النفس المسلمة على المسالمة.. بحيث لا يتأذى منك جار ،  ولا يتخوف منك قريب أو بعيد.. 

إذا وجدت الناس قد تأذوا منك وقاطعوك واجتنبوك فاعلم أنك بحاجة إلى مراجعة النفس ،  وأن العبادة التي تأتي بها فقدت أهم غاياتها ، فتدارك أمورك ولا تكابر وصحح من نفسك،  واهتم لإصلاح قولك وعملك.. 

فإن من مفسدات الأعمال غياب المسالمة وغياب الأمان بينك وبين الناس.. 

عن أبي هريرة رضي الله عنه أَن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: «واللهِ لا يُؤْمِنُ، واللهِ لا يُؤْمِنُ، واللهِ لا يُؤْمِنُ» قِيلَ: منْ يا رسولَ اللهِ؟ قال: «الَّذي: لا يأْمنُ جارُهُ بَوَائِقَهُ» متفق عليه.
 في رواية لهذا الحديث قيل يا رسول الله وما بوائقه؟  قال غشمه.. 

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَة، قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا، وَصِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: ” هِيَ فِي النَّارِ ”، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، وَصَلَاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: ” هِيَ فِي الْجَنَّةِ» ” [أخرجه احمد] . 

احد أهم واعظم وأكرم اعمال المسلم ان يخالق الناس بخلق حسن.. 

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصلح أحوالنا وان يحسن عاقبتنا في الأمور كلها إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.