بيان حول تمثيل شخص النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والصحابة الكرام -رضي الله عنهم-.

ملفات متنوعة

  • التصنيفات: قضايا إسلامية -


فإن المجمـع الفقهـي الإسلامـي برابطة العالم الإسلامي في دورته العشرين المنعقـدة بمكـة المكرمـة، في الفترة من 19-23 محرم 1432هـ التي يوافقها: 25ــ29 ديسمبر 2010م لاحظ استمرار بعض شركات الإنتاج السينمائي في إعداد أفلام ومسلسلات فيها تمثيل أشخاص الأنبياء والصحابة فأصدر البيان التالي:

تأكيدًا لقرار المجمع في دورته الثامنة المنعقدة عام 1405هـ الصادر في هذا الشأن، المتضمن تحريم تصوير النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وسائر الرسل والأنبياء عليهم السلام والصحابة -رضى الله عنهم-، ووجوب منع ذلك.
ونظرًا لاستمرار بعض شركات الإنتاج السينمائي في إخراج أفلام ومسلسلات تمثل أشخاص الأنبياء والصحابة، فإن المجمع يؤكد على قراره السابق في تحريم إنتاج هذه الأفلام والمسلسلات، وترويجها والدعاية لها واقتنائها ومشاهدتها والإسهام فيها وعرضها في القنوات، لأن ذلك قد يكون مدعاة إلى انتقاصهم والحط من قدرهم وكرامتهم، وذريعة إلى السخرية منهم، والاستهزاء بهم.

ولا مبرر لمن يدعي أن في تلك المسلسلات التمثيلية والأفلام السينمائية التعرف عليهم وعلى سيرتهم، لأن كتاب الله قد كفى وشفى في ذلك قال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـٰذَا الْقُرْآنَ} [يوسف:3] وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف:111].

ويذكِّر المجمع بقرار هيئة كبار العلماء، وفتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية، وفتوى مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة، وغيرها من الهيئات والمجامع الإسلامية في أقطار العالم التي أجمعت على تحريم تمثيل أشخاص الأنبياء والرسل عليهم السلام مما لا يدع مجالًا للاجتهادات الفردية، كما يذكِّر بما صدر عن الرابطة في 16/11/1431هـ .

ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن الله تعالى فضل الأنبياء والرســل علــى غيــرهم مــن العالمين، كمــا قــال تعالــى في محكــم كتابــــه الكريـــم: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ۚ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ. وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ.وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ. وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ} [الأنعام:83-86]
ففي قوله: {وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} تفضيل الأنبياء على سائر الخلق، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- هو خير الأنبياء وأفضلهم، كما قال عن نفسه: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأول من ينشق عنه القب، وأول شافع، وأول مشفع» (رواه مسلم).

وهذا التفضيل الإلهي للأنبياء الكرام -وفي مقدمتهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم- يقتضي توقيرهم واحترامهم، فمن ألحق بهم أيّ نوع من أنواع الأذى فقد باء بالخيبة والخسران في الدنيا والآخرة، قال تعالى: في حق نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّـهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} [الأحزاب:57]. فجعل أذى الرسول -صلى الله عليه وسلم- من أذى الله تعالى، وحكم على مؤذيه بالطرد والإبعاد عن رحمته، والعذاب المهين له.

وقد قرّر أهل العلم أن أذية الرسول صلى الله عليه وسلم تحصل بكل ما يؤذيه من الأقوال والأفعال.
وتمثيل أنبياء الله يفتح أبواب التشكيك في أحوالهم والكذب عليهم، إذ لا يمكن أن يطابق حال الممثلين حال الأنبياء في أحوالهم وتصرفاتهم وما كانوا عليه -عليهم السلام- من سمت وهيئة وهدي، وقد يؤدي هؤلاء الممثلون أدوارًا غير مناسبة -سابقًا أو لاحقًا- ينطبع في ذهن المتلقي اتصاف ذلك النبي بصفات تلك الشخصيات التي مثلها ذلك الممثل.

فعلى الأمة أن تقوم بواجبها الشرعي في الذبّ عن الأنبياء والمحافظة على مكانتهم، والوقوف ضد من يتعرض لهم بشيء من الأذى.

والصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- شرفهم الله بصحبة النبي -صلى الله عليه وسلم-، واختصهم بها دون غيرهم من الناس، ولكرامتهم عند الله اثنى الله عليهم بقوله: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ ۚ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:29].

ولا يمكن للممثلين مطابقة ما كان عليه الصحابة -رضوان الله عليهم- من سمت وهدي.
والذين يقومون بإعداد السيناريو في تمثيل الصحابة -رضوان الله عليهم- ينقلون الغث والسمين، ويحرصون على نقل ما يساعدهم في حبكة المسلسل أو الفيلم وإثارة المشاهد، وربما زادوا عليها أشياء يتخيلونها وأحداثًا يستنتجونها، والواقع بخلاف ذلك.
وقد يتضمن ذلك أن يمثل بعض الممثلين دور الكفار ممن حارب الصحابة أو عذب ضعفاءهم، ويتكلمـــون بكلمات كفرية كالحلف باللات والعزى، أو ذم النبي -صلى الله عليه وسلم- وما جاء به، مما لا يجوز التلفظ به ولا إقراره.
وما يقال من أن تمثيل الأنبياء عليهم السلام والصحابة الكرام فيه مصلحة للدعوة إلى الإسلام، وإظهار لمكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب غير صحيح.
ولو فرض أن فيه مصلحة فإنها لا تعتبر أيضًا، لأنه يعارضها مفسدة أعظم منها، وهي ما سبق ذكره مما قد يكون ذريعة لانتقاص الأنبياء والصحابة والحط من قدرهم.

ومن القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية أن المصلحة المتوهمة لا تعتبر، ومن قواعدها أيضًا: أن المصلحة إذا عارضتها مفسدة مساوية لها لا تعتبر، لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فكيف إذا كانت المفسدة أعظم من المصلحة وأرجح، كما هو الشأن في تمثيل الأنبياء والصحابة.
ثم إن الدعوة إلى الإسلام وإظهار مكارم الأخلاق تكون بالوسائل المشروعة التي أثبتت نجاحها على مدار تاريخ الأمة الإسلامية.

ووسائل الإعلام مدعوة إلى الإسهام في نشر سير الأنبياء والرسل عليهم السلام والصحابة الكرام -رضى الله عنهم- دون تمثيل شخصياتهم، وهي مدعوة إلى امتثال التوجيهات الإلهية والنبوية في القيام بالمسؤوليات المتضمنة توعية الجماهير؛ لكي تتمسك بدينها وتحترم سلفها.
وصلِّ الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.

المجمـع الفقهـي الإسلامـي برابطة العالم الإسلامي
27 محرم 1432هـ