فقد الأحبة

فَقْدُ الأحِبَّة مؤلمٌ، موجعٌ للقلب، وهذه سنة الله في خلقه منذ خلق الخليقة؛ أنَّ لكل أجلٍ كتابًا، والموت كأس وكل الناس شاربه، والقبر بابٌ وكلُّ الناس داخله، قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}

  • التصنيفات: الزهد والرقائق -

فَقْدُ الأحِبَّة مؤلمٌ، موجعٌ للقلب، وهذه سنة الله في خلقه منذ خلق الخليقة؛ أنَّ لكل أجلٍ كتابًا، والموت كأس وكل الناس شاربه، والقبر بابٌ وكلُّ الناس داخله، قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] يخبر تعالى إخبارًا عامًّا يعمُّ جميع الخليقة بأن كل نفس ذائقة الموت، فهو تعالى وحده الحي الذي لا يموت والإنس والجن يموتون، وكذلك الملائكة وحملة العرش، وينفرد الواحد الأحد القهار بالديمومة والبقاء، فيكون آخرًا كما كان أوَّلًا.

 

لحظات الفقد تمُرُّ على أي واحد منا؛ لكن لا يجب أن نتمادى في هذه اللحظات ونتركها تُقيِّدنا وتسيطر علينا، عندما تشعر بالضعف اجعل هذه الآية نصب عينيك {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: 127] اجعلها تملأ فؤادك وترويه بماء الصبر واليقين، اصبر واحتسب كل ذاك الألم عند الله، واعلم أن الله سيعوِّضك بلقاء من فقدت في جنات النعيم.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبِب من شئت فإنك مُفارقه، واعمل ما شئت فإنك مَجْزِيٌّ به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعِزُّه استغناؤه عن الناس».

 

جبريل عليه السلام بدأ بالتذكيرِ بِالموت، فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت.

 

عش ما شئت كبيرًا أو صغيرًا شابًّا أو كهلًا، كثيرًا أم قليلًا، عش على أي حال تكون غنيًّا أم فقيرًا، صحيحًا أو مريضًا، فإنك في النهاية ميتٌ، قال ربنا: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30]، فالكل سيموت {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] إلا ذو العزة والجبروت، قال ربنا: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 26، 27].

 

عش ما شئت واعلم أن:

كلُّ باكٍ فسيُبكـــــى   **   وكلُّ ناعٍ فسيُنعــــى 

كلُّ مذخور سيَفنـى   **   وكلُّ مذكور سيُنسى 

ليس غيرُ الله يبقى   **   ومن علا فالله أعلـى 

 

ثمَّ قال: أحبب من شئت أحبب أخاك فإنك ستفارقه أحبب أُمَّك وأباك فإنك ستفارقهما، أحبب زوجتك وأولادك فإنك ستفارقهم، أحبب عائلتك وأحبابك وأصدقاءك وجيرانك فإنك مفارقهم، أحبب دارك فإنك ستغادرها، أحبب ما شئت من مال أو جاهٍ أو منصب أو غير ذلك من متاع الحياة الدنيا، فإنك عما قريب ستُفارقه بموتٍ أو غيره.

 

 

ومن الأسباب المعينة بعد الله على الصبر على فقد الأحِبَّة:

1- الرضا بقضاء الله: فهو يزيل الهم والغم من القلب، ويجلب السعادة للحياة ويُطهِّرها.

 

2- الصبر: قال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: «يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة»؛ (رواه البخاري).

 

3- الاحتساب: أي احتساب ما أصابكم عند الله، وأن تنالوا الأجر عليه، وكذلك يناله الميت بإذن الله.

 

4- الإيمان بالابتلاء: فالله سبحانه جعل البلاء مُكفِّرًا لذنوب عباده، ومقويًا لهم على الصدمات، ودافعًا لهم على تحَمُّل مشقات الدنيا.

 

5- الإيمان بقدر الله خيره وشره: ومن الإيمان بذلك الإيمان أن ما أصابكم كان لا بد من حدوثه، ولا مفر من وقوعه.

 

6- الإيمان باليوم الآخر: أي يوم القيامة الذي هو ركن من أركان الإيمان، وفي يوم القيامة يجزي سبحانه عباده الصابرين، ويجمعهم بأحبابهم في جنات النعيم حسب أعمالهم.

 

فلا ينبغي أن نعيش في الحزن دائمًا، ولا أن ننظر إلى الدنيا بنظرة سوداوية مليئة بالتشاؤم والتعب، فما هو آتٍ خيرٌ إن شاء الله مع الرضا بقضاء الله والصبر عليه.

 

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

____________________________________________________
الكاتب: نورة سليمان عبدالله