إماطة الأذى عن الطريق ( خطبة )

قال صلى الله عليه وسلم:  «المسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده»  وبهذا الوصف يَحصُل الاستسلام التام والانقياد الكامل

  • التصنيفات: خطب الجمعة -

 

الحمد لله الذي أمرَنا بالعمل لما فيه نفعنا وسعادتنا، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأسأله التوفيق لعمل ما يُرضيه ويرضى عنا به، وأشهد أن لا إله إلا الله القائل: { ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾} [المائدة: 2]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله علَّمنا ووجَّهنا إلى ما فيه سعادتنا في الدنيا والآخرة، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، الذين تَعاونوا فيما بينهم، وعاشوا لإخوانهم ومجتمعهم المسلم بقَدْر ما عاشوا لأنفسهم، فكانوا مثلاً يُحتذى به في التعاون وعمل الخير، رضي الله عنهم ورضوا عنه، أولئك حزب الله إلا أن حزب الله هم المفلحون.

أما بعد:

فأيها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن طرقَ الخير كثيرة، والله المثيب على فِعْلها، فما أوسع فضلَ الله على خَلْقه! إن فعلوا ما أُمِروا به أثيبوا، وكل ذلك يسعه عِلْمه؛ {﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ﴾} [البقرة: 197]، {﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾} [الزلزلة: 7، 8]، واعلموا أيها المؤمنون أن أعمال الخير تكون بالقلب واللسان والجوارح، فتوجد في القلب اعتقادًا، وفي اللسان نُطقًا، وفي الجوارح فِعلاً، والكف عن الشر يكون كذلك، فتعتقد تحريمه، وتُمسِك عن مقالك له، وتَكُف عنه جوارحك، بهذا يتكامل إسلامك؛ قال صلى الله عليه وسلم:  «المسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده»  وبهذا الوصف يَحصُل الاستسلام التام والانقياد الكامل، فلا يَغِب عن ذهْنك هذا الوصف العظيم، تَحْظ بالخير الكثير، ويَسعَد بك مجتمعك الإسلامي، ويتكامل بناؤه.

وليكن امتناعك عن إيذاء المسلمين والإساءة إليهم بيدك أو لسانك محض الطاعة لله تعالى وللرسول صلى الله عليه وسلم، وبذلك تنال أجرَ الطائعين لربهم، الخائفين من عقابه وعذابه، فإن أنت تركتَ إيذاء المسلمين مخافةَ عقوبتهم أو هيبة من السلطة، سلِمت في هذه الدنيا ولم تجد في الآخرة ثوابًا؛ قال تعالى فيمن آذى مسلمًا أو مؤمنًا في القول أو الفعل: { ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾} [الأحزاب: 58]، وإن من أذيتهم ما يُوضَع في طرقاتهم وأسواقهم مما يؤذيهم ويُدنِّس ثيابَهم وأقدامهم ونِعالهم، أو بما يجرح أبدانهم ويُعرِّضهم لما يؤلمهم كالأحجار والأخشاب والزجاج والمسامير، أو بما يُضيِّق طرقاتهم كالتراب وحَفْر الحفر بلا ضرورة، أو لضرورة ويتساهل أصحابها في إزالتها أو بوضع حواجز للحماية منها.

أيها المسلمون، كما أن هذا يؤذي المؤمنين، ويُعتَبر من الإساءة إليهم، فإزالته من بِرِّهم والإحسان إليهم، وهو من الإيمان العملي؛ قال صلى الله عليه وسلم: (( «الإيمان بِضْع وسبعون شُعْبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» )).

وقال صلى الله عليه وسلم: (( «عُرِضتْ عليَّ أعمال أمتي، حَسَنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يُماط عن الطريق، ووجدتُ في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد» )).

وبهذا أيضًا نعرف أن الإسلام دين عبادة وعمل ونظافة واجتماع وتعاون، وبهذا أيضًا نعرف أنه يَحصُل الفرق بيننا وبين الكفار؛ بأننا نَعْمل للنظافة في أبداننا وأسواقنا عملاً إسلاميًّا يزيد دنيانا مرأى وجمالاً، ويزيدها قوة، ويكون لنا من الثواب في الآخرة على هذا العمل إن شاء الله، أما هم، فيعملون ذلك عملاً إنسانيًّا، فغايتهم صحة أبدانهم وتحسين ما تراه أعينهم؛ لأنهم لا يؤمنون بالآخرة، ولا بجنة ونار؛ لعدم إقرارهم بالإسلام.

قال تعالى: {﴿ فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى ﴾ } [النجم: 29، 30]، وقال صلى الله عليه وسلم في فضل مزيل الأذى عن الطريق، وأنه مُستحِق لشكر الله تعالى ومغفرته لذنوبه: (( «بينما رجل يمشي في الطريق وجد غصن شجرة - أو غصن شوك - فأخَّره، فشكر الله له، فغفر له» )).

وعن أبي برزة رضي الله عنه قال: «قلت: يا رسول الله، عِلِّمني شيئًا ينفعني، قال: ((اعزل الأذى عن طريق المسلمين))، وقال: ((رأيتُ رجلاً يتقلَّب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين))» ؛ [رواه مسلم] .

وفي رواية أخرى: ((بينما رجل يمشي في الطريق وجد غصنَ شوك على الطريق فأخَّره، فشكر الله له، فغفر له))، وفي رواية أخرى: (( «مرَّ رجل بغصن شجرة في ظهر الطريق، فقال: والله لأُنحينَّ هذا عن المسلمين؛ حتى لا يؤذيهم، فأُدخِل الجنَّة» )).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: « ((كل سُلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تَطلُع فيه الشمس: تَعدِل بين اثنين صدقة، وتُعين الرجل في دابته، فتحمله أو ترفع له عليها متاعه، صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتُميط الأذى عن الطريق صدقة))» ؛ [متفق عليه، ورواه مسلم من رواية عائشة رضي الله عنها قالت] : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ((خلق الله ابن آدم على ستين وثلاثمائة مَفصِل، فمن ذكر الله، وحمِد الله، وهلَّل الله، وسبَّح الله، وعزل حجرًا عن طريق المسلمين، أو عزل شوكة، أو عزل عظمًا، أو أمَر بمعروف، أو نهى عن منكر، عدد الستين والثلاثمائة السلامى، أمسى من يومه وقد زحزح نفسه عن النار))» .

 

فاتقوا الله تعالى أيها المسلمون، واحذروا أذى إخوانكم المسلمين، وتعاونوا فيما بينكم على إماطة الأذى عن الطريق، تفوزوا بجنات النعيم.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾} [الأحزاب: 58].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.