لحية أبو يحيى

خالد الشافعي

هل لأن التيار الإسلامي يراعى حساسية الظرف، وهل لأنه يتعامل بأسلوبه الراقي، ويضبط النفس، ويقدم حسن الظن، ويبذل قصارى جهده لتفويت الفرصة على أعداء الاستقرار، فهل يكون هذا جزاء سنمار؟!!

  • التصنيفات: دعوة غير المسلمين -

ثم لما دخلت السنة الحادية عشر بعد الألف الثانية من ميلاد نبي الله عيسى عليه السلام، حدث زلزال هائل في شهر يناير، قامت ثورة شعبية أجبرت حاكم مصر على التخلي عن رئاسة البلاد التي كان قد انتوى أن يورثها لأولاده وربما أحفاده، ثم أنه لما قام هذا الزلزال العظيم، تغيرت في مصر أشياء كثيرة، وتبدلت أحوال عظيمة..

الشيء الوحيد الذي لم يتغير هي هذه العداوة العجيبة من جانب ما كان يعرف حينها بالنخبة لكل من هو إسلامي التوجه، تغير كل شيء في مصر، واكتسح الإسلاميون الانتخابات، ونجوا بعون الله من واحدة من أبشع معارك تكسير العظام، ومع ذلك ظلت النخبة تعاملهم نفس المعاملة، معاملة المتهم الذي لا يحصل على البراءة أبداً مهما فعل، معاملة من يسمون (البدون) كأنهم لا يملكون جنسية الوطن، كأنهم لم يولدوا فيه، معاملة مواطنين من الدرجة الخامسة، ولأنه بالمثال يتضح المعنى نضرب مثالاً بحالة كاميليا شحاتة وأبو يحيى..

كاميليا شحاتة مواطنة مصرية كانت مسيحية ثم اختفت فجأة في ظروف غامضة، وبعد تتبع أخبارها، ثبت أنها أسلمت وذهبت إلى مشيخة الأزهر لتوثيق إسلامها ومن هناك تم تسليمها إلى مباحث أمن الدولة التي قامت بدورها بتسليمها للكنيسة حيث اعترف واحد من رجالها فيما بعد أنه تم عمل غسيل مخ مضاد لغسيل مخ أول يدعى هو أن الإسلاميين قاموا به، وبالرغم من أن عندنا شهادة رئيس لجنة إشهار الإسلام بالأزهر وبالرغم من أن عندنا تصريح رسمي من رجل قيادي بالكنيسة وبالرغم من أن الأوراق تثبت إسلام كاميليا بخط يدها، وبالرغم من أن الحالة تتوفر فيها كل شروط التي تجعل منها قضية حريات وحقوق بامتياز، بالرغم من كل ذلك فإن النخبة قامت بعمل ودن من طين وودن من عجين، وتنكرت لجميع مبادئ الحرية لأجل عيون الكنيسة، مع أن هذه النخبة تحتفي احتفاءاً مميزاً بأي مرتد أو أي طاعن في الإسلام، هذه الجمعيات والمنظمات الحقوقية تحتفي احتفاءاً خاصاً بكل من يطعن في الإسلام حتى صار الطعن في الإسلام أمام مقار هذه المنظمات هو أسهل طرق الشهرة وجمع المال..

النموذج الثاني هو حالة (أبو يحيى) الرجل مسجون سجناً احتياطيا بتهمة هلامية لا تتوفر فيها الدوافع، ولا المصلحة ولا الشهود ولا التلبس، بل إنه لم يكن في مكان الجريمة بل ثبت أنه هو من قام بإبلاغ السلطات محاولة منه لتدارك الكارثة، ومع ذلك ولأنه هو من تبنى قضية كاميليا فقد تم الانتقام منه حتى يكون عبرة لكل من تسول له نفسه أن يخرج عن الصمت أو يفتح هذا الباب المغلق.

ومن جديد فحالة أبو يحيى حالة حقوقية بامتياز ويستحق بمقاييس هذه المنظمات المساندة والتأييد لكن العائق الوحيد هي هذه اللحية المستفزة التي يحملها في وجه، تغير كل شيء في المحروسة بعد الثورة، لكن كراهية النخبة لهذا الرمز لم تتغير بل صارت الكراهية أشد بعد أن دب الحسد في نفوس النخبة على أثر الهزيمة المرة في الانتخابات.

حالت لحية أبو يحيى دون أن تتبنى النخبة حالته، بل حالت حتى دون أن يسمعوا به، حتى أن ناشطة كبرى لما سألوها عنه، قالت أنها لا تعرفه..
على مر العصور، قبل وبعد الثورة لم تتبن النخبة أبداً قضية ملتحٍ، مهما بلغ الظلم الواقع عليه، خالد سعيد رحمه الله جعلوه بطلاً وأيقونة ووقفوا لأجله وزاروا بيته وواسوا أمه مع أنه رحمه الله لم يكن مناضلاً سياسياً، ولا قضى عمره في المعتقلات، لكنهم جعلوا قضيته شغلهم الشاغل وهذا ليس عيباً لأن رفض الظلم محمود ومطلوب، لكن المذموم أن يكون هناك شاب قضى سنوات من عمره بين البيت والمعتقل لأنه ينتمي لأحد التيارات الإصلاحية، ويعتقل ويموت من التعذيب ويمنع الناس من الصلاة عليه أو حضور جنازته ومع ذلك لا يتحرك نصف واحد من النخبة دفاعاً عنه أو أن يتبنى أحدهم قضيته، بل لا يعرفون سيد بلال أصلاً.

حين قمنا بعد الثورة ندافع عن حق كاميليا في الدخول في الإسلام، اتهمونا بأننا نشعل الحرائق في الوطن، وأننا لا فهم عندنا ولا عقل، فلما تعرت البنت أمام مجلس الوزراء وكان الوطن على شفا حريق هائل، طالبناهم ببعض ما طالبونا به في حالة كاميليا، ففرشوا لنا الملايات وفضحونا فضيحة اللحم في السوق.

الناس كل الناس تستبشع الكيل بمكيالين، ولا زال الناس يلومون من يفعل هذا، لكن النخبة في مصر استقلت المكيالين مع الإسلاميين فصارت تكيل معهم بالمكيالين والثلاثة وبدون حد أقصى للمكاييل مادام في وجه المتهم لحية أو على وجه المتهمة نقاب.

علاء عبد الفتاح متهم بسرقة سلاح ميري يدافعون عنه ويستبيحون الكل حتى يخرجوه ومايكل نبيل يطعن في الذات الإلهية فيهتفون بحريته حتى حرروه، وفلوباتير يهدد محافظ أسوان بالقتل والاشتراكيون يهددون بحمل السلاح، والفنانون على جثتهم أن يمس أحد المشاهد الساخنة، والألتراس يشعل الملاعب، الكل وطني وثوري ويستحق الدفاع عنه، والموت لأجل حريته، كل شىء يهون إلا هذا الشعار المستفز.

نعرف أن المرحلة حساسة ودقيقة، ونعرف أن الظرف حرج، وأن المتربصين كثر، وأن الشعب ينتظر منا الكثير والكثير، لكن نعرف أيضاً أن الظلم حرام صغيره وكبيره، ونعرف أن الحرية من أعظم نعم الله على الناس، ونعرف أن المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، نعرف أن أبا يحى ليس مجرماً، ولم يفعل ما يستحق عليه ألا يخرج مع علاء عبد الفتاح ومايكل نبيل وغيرهما ممن صدرت بحقهم أحكام ومع ذلك ولأجل عيون الكنيسة والثوار والأحرار والأسرار، خرجوا جميعا، فهل يقبل أو يعقل ألا يخرج معهم أبو يحيى وهو الذي لم تثبت بحقه إلى الآن جريمة، بل هل يعقل أن يُنقل إلى عنبر التأديب؟

هل لأن التيار الإسلامي يراعى حساسية الظرف، وهل لأنه يتعامل بأسلوبه الراقي، ويضبط النفس، ويقدم حسن الظن، ويبذل قصارى جهده لتفويت الفرصة على أعداء الاستقرار، فهل يكون هذا جزاء سنمار؟!!

نرجو أن تخرجوه وألا تضطروه لحلق لحيته حتى يخرج.