"تيك توك" الخطر الخفي

تيك توك، بالرغم من كونه وسيلة ترفيهية وتواصلية كبيرة، فإن تأثيره سيكون شديد السلبية على الشباب إذا لم يتم استخدامه بحذر.

  • التصنيفات: وسائل التكنولوجيا الحديثة -

"تيك توك" هو تطبيق تواصل اجتماعي يسمح للمستخدمين بإنشاء مقاطع فيديو قصيرة ومشاركتها. تم إطلاقه في عام 2016 بواسطة شركة صينية تسمى بايت دانس. ولنعلم مدى انتشاره وشعبيته، فلنا أن نعلم أن عدد مستخدميه بلغ أكثر من مليار مستخدم نشط في 150 دولة.

ويتراوح محتوى تيك توك بين المشاهد الساخرة إلى مقاطع فيديو الرقص ومزامنة الشفاه ودروس الطبخ والتحديات.. إلى آخره، يحظى التطبيق بشعبية خاصة بين الأجيال الأصغر سنًا

تيك توك ينتشر بقوة بين الشباب لأنه يقدم مزيجًا مثاليًا من الترفيه السريع، التفاعل الاجتماعي، والقدرة على الوصول إلى جمهور كبير بسرعة، إلى جانب المحتوى المتنوع والمجتمع التفاعلي، كل ذلك يجعل التطبيق جذابًا لفئة الشباب التي تبحث دائمًا عن الجديد والمثير.

تيك توك، بالرغم من كونه وسيلة ترفيهية وتواصلية كبيرة، فإن تأثيره سيكون شديد السلبية على الشباب إذا لم يتم استخدامه بحذر.

أسباب الانتشار الواسع "لتيك توك"

انتشار "تيك توك" بشكل كبير بين الشباب يرجع إلى مجموعة من العوامل التي تجعله جاذبًا ومغريًا لفئة الشباب:

1. سهولة الاستخدام والوصول:

واجهة بسيطة: تيك توك يتمتع بواجهة مستخدم بسيطة وسهلة الاستخدام. يمكن لأي شخص بدء تسجيل الفيديوهات ونشرها في بضع خطوات بسيطة، مما يجعل المنصة جذابة حتى لأولئك الذين ليس لديهم خبرة في إنتاج المحتوى.

 

تيك توك يمنح الشباب شعورًا زائفا بأنهم يمكن أن يصبحوا مشهورين بسرعة كبيرة، حتى بدون الحاجة إلى مهارات مميزة أو تجهيزات متقدمة. فيديو بسيط قد يصبح فجأة فيروسيًا ويحقق ملايين المشاهدات

فيديوهات قصيرة وسريعة: الشباب يفضلون استهلاك المحتوى الذي يكون سريعًا وسهل الهضم. الفيديوهات القصيرة على تيك توك (عادة من 15 إلى 60 ثانية) توفر الترفيه في وقت قصير جدًا.

2. الخوارزميات الشخصية:

الخوارزمية المخصصة: تيك توك يمتلك خوارزمية قوية توجه المحتوى وفقًا لتفضيلات المستخدمين. تعتمد الخوارزمية على سلوك المستخدم، مما يجعلها تعرض لهم محتويات قريبة من اهتماماتهم، وهذا يزيد من جذب المستخدمين للمنصة ويطيل مدة استخدامهم لها.

3.القدرة على الوصول السريع:

على عكس بعض المنصات الأخرى، يمكن للمستخدم العادي على تيك توك أن يصل إلى جمهور كبير بسرعة كبيرة إذا كان محتواه يلقى تفاعلًا جيدًا. هذا الإحساس بأن النجاح ممكن للجميع يجذب الكثير من الشباب.

4. تجمع شبابي:

 تيك توك يجمع بين مختلف الفئات والأعمار، ولكنه يشكل مجتمعًا كبيرًا للشباب على وجه الخصوص. يمكن للشباب العثور على محتوى يعكس اهتماماتهم، سواء كان ذلك في الموسيقى، الرقص، الكوميديا، أو حتى النقاشات الثقافية والسياسية.

إحساس بالانتماء: الشباب غالبًا ما يبحثون عن شعور بالانتماء، وتيك توك يوفر لهم ذلك من خلال المشاركة في تحديات واتجاهات جماعية، مما يخلق لديهم شعورًا بالارتباط بمجتمع عالمي.

5. التعبير عن الذات:

تيك توك يوفر أدوات سهلة ومرنة لتعديل الفيديوهات، مما يتيح للشباب التعبير عن أنفسهم بطرق إبداعية. سواء كان ذلك من خلال الرقص، التمثيل، أو المشاركة في تحديات فنية، توفر المنصة مجالًا واسعًا للتعبير.

الشباب يتمتعون بحرية التعبير على تيك توك بشكل أكبر مقارنة بمنصات أخرى، حيث يمكنهم إنشاء محتوى يتوافق مع اهتماماتهم وهواياتهم دون الحاجة إلى معدات متقدمة أو موارد كبيرة.

6. الترفيه الفوري والتفاعل:

الشباب يبحثون عن الترفيه، وتيك توك يقدم لهم ذلك بشكل مستمر. المنصة توفر تدفقًا غير محدود من الفيديوهات الترفيهية

ويمكن للشباب الحصول على ردود أفعال فورية على محتواهم من خلال التعليقات والإعجابات، مما يحفزهم على الاستمرار في استخدام التطبيق وإنشاء المزيد من المحتوى.

7. وهم الشهرة الفورية:

تيك توك يمنح الشباب شعورًا زائفا بأنهم يمكن أن يصبحوا مشهورين بسرعة كبيرة، حتى بدون الحاجة إلى مهارات مميزة أو تجهيزات متقدمة. فيديو بسيط قد يصبح فجأة فيروسيًا ويحقق ملايين المشاهدات، وهو ما يجذب الشباب الذين يبحثون عن الاعتراف والشهرة.

8. التطور السريع للمحتوى المرئي:

الابتكار في المحتوى المرئي: تيك توك يستغل قوة الفيديوهات القصيرة بطرق جديدة ومبتكرة، سواء عبر الفلاتر الخاصة، المؤثرات الصوتية، أو الأغاني المنتشرة. الشباب يجدون في هذه الأدوات وسيلة للتعبير عن أنفسهم بطرق جديدة تتناسب مع طبيعتهم الديناميكية.

10. الإحساس بالتفاعل الاجتماعي:

من خلال التعليقات، الرسائل المباشرة، والمشاركة في التحديات الجماعية، يمكن للشباب التفاعل مع الآخرين في بيئة اجتماعية افتراضية تشبع احتياجهم للتواصل والانخراط مع أقرانهم.

 

يتمحور محتوى كثير من المستخدمين حول المظاهر، والموضة، والرقصات، والتحديات، التي قد تبتعد عن الرسائل الأخلاقية أو التعليمية. هذه النماذج تعزز القيم السطحية مثل الجمال الخارجي والنجاح الفوري على حساب الجهد والعمل الدؤوب

الآثار السلبية لمنصة تيك توك:

1. قد يؤدي تطبيق تيك توك إلى إيذاء النفس تنتشر مثل هذه القضايا بين المراهقين. وبما أن العديد من الشباب الذين يعانون من مشاكل نفسية يواجهون هذه الاضطرابات، فإنهم يتحدثون عن هذا الموضوع بشكل متكرر على تيك توك وفي حين أن هذا جيد بطريقة ما، فإنه يمكن أيضًا أن يقدم هذه المفاهيم لفئة من الناس قابلة للتأثر بسهولة. فبدلاً من التحدث إلى شخص بالغ، قد يلجأون إلى مراهق آخر لا يعرف كيفية التعامل مع مشاعرهم.

2. قد يعرض تطبيق تيك توك الأطفال لمحتوى صادم:

من بين السمات البارزة لتطبيق تيك توك التدفق اللامتناهي للمقاطع المقترحة. ورغم أن هذه المقاطع تبدو غير ضارة في غرضها الأصلي، فإن رحلة المشاهدة قد تؤدي في النهاية إلى أماكن مظلمة وغير متوقعة حيث يحاول التطبيق معرفة ما يفضل المشاهدون مشاهدته. على سبيل المثال، إذا كان المراهق يشاهد مقاطع فيديو عن الجيش أو الصيد، فقد توجهه خوارزمية تيك توك بسرعة إلى مقاطع عن القتلة المتسلسلين أو جرائم القتل. وقد يكون التأثير العقلي المترتب على رؤية صور مزعجة أو حتى سماع أحداث عالمية صادمة تحديًا لبعض الأفراد، وخاصة الشباب.

3. التأثير السلبي على الأداء الأكاديمي:

إن الوقت الذي يقضيه الطالب على تطبيق تيك توك قد يقلل بشكل كبير من مسؤولياته الأكاديمية. وقد تبدأ الواجبات المنزلية والدراسة وحضور الفصول الدراسية في المعاناة مع إعطاء المراهقين الأولوية لوقت الشاشة على الالتزامات التعليمية. وقد يؤدي التشتيت المستمر لمنصات وسائل التواصل الاجتماعي والاستهلاك اللامتناهي للمحتوى إلى التسويف وانخفاض الأداء الأكاديمي. وهذا بدوره يمكن أن يخلق حلقة مفرغة من التوتر والقلق حيث يتخلف الطلاب في دراستهم ويكافحون من أجل اللحاق بالركب.

4. التأثير على أنماط النوم:

غالبًا ما تؤدي الطبيعة الإدمانية والمستهلكة لتطبيق TikTok إلى دفع المراهقين، الذين ما زالوا يتعلمون الانضباط وضبط النفس، إلى البقاء مستيقظين حتى وقت متأخر لمشاهدة مقاطع الفيديو، مما قد يعطل أنماط نومهم. ناهيك عن أن الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات يمكن أن يتداخل مع إنتاج الميلاتونين ، وهو هرمون ينظم النوم. يمكن أن يؤدي ضعف جودة النوم إلى التعب والتهيج وصعوبة التركيز أثناء النهار. بمرور الوقت، يمكن أن يكون للحرمان المزمن من النوم عواقب وخيمة على الصحة البدنية والعقلية.

5. التعرض التحديات الخطيرة:

تشتهر تيك توك بتوجهاتها وتحدياتها الفيروسية، والتي قد يكون بعضها خطيرًا أو حتى مهددًا للحياة. قد يشعر المراهقون بالضغط للمشاركة في هذه التوجهات لكسب الشعبية أو القبول بين أقرانهم. وقد يؤدي هذا إلى سلوكيات محفوفة بالمخاطر وحوادث. بالإضافة إلى ذلك، فإن التأثير النفسي للمشاركة في التحديات الخطيرة أو مشاهدتها يمكن أن يساهم في القلق والخوف.

6. تشجيع معايير الجمال غير الواقعية:

تؤكد العديد من مقاطع الفيديو على TikTok على المظهر، حيث تظهر مؤثرين يعلنون عن منتجات تجميل أو يطلبون من المستخدمين مشاهدتهم وهم يستعدون. يمكن أن تعزز هذه المقاطع أحيانًا معايير الجمال غير الواقعية، وخاصة بالنسبة للشباب. يمكن أن تخلق المرشحات وأدوات التحرير أيضًا صورة مثالية يشعر المراهقون بالضغط لمحاكاتها. يمكن أن يؤدي هذا إلى عدم الرضا عن الجسم وانخفاض احترام الذات واضطرابات الأكل. يمكن أن تجعل المقارنة المستمرة بالصور المثالية المراهقين يعتقدون أنهم غير كافيين وتؤثر سلبًا على صحتهم العقلية

7. تشويه مفهوم القدوة:

ترويج المشاهير السطحيين: أصبح العديد من المشاهير على تيك توك قدوات للشباب دون أن يكون لديهم إنجازات حقيقية أو قيم إيجابية تستحق الاحتذاء بها. الشهرة على تيك توك غالبًا ما ترتبط بعدد المتابعين أو المشاهدات بدلاً من الجودة أو القيم التي يعكسها المحتوى.

القيم السطحية بدلًا من القيم الحقيقية: يتمحور محتوى كثير من المستخدمين حول المظاهر، والموضة، والرقصات، والتحديات، التي قد تبتعد عن الرسائل الأخلاقية أو التعليمية. هذه النماذج تعزز القيم السطحية مثل الجمال الخارجي والنجاح الفوري على حساب الجهد والعمل الدؤوب.

8. التأثير السلبي على القيم الأخلاقية:

إضعاف الالتزام بالمعايير الأخلاقية: فكثير من المحتويات التي تُنشر على تيك توك تتضمن تصرفات غير لائقة، أو سلوكيات منافية للأخلاق العامة وتعاليم الإسلام، كالتنمر أو الاستفزاز، بهدف جذب الاهتمام والتفاعل. هذا يُشجع على سلوكيات غير مقبولة في المجتمع.

تطبيع الانحرافات: من خلال انتشار التحديات أو السلوكيات غير المسؤولة، يكتسب الشباب صورة مشوهة عن ما هو مقبول اجتماعيًا، مما قد يؤدي إلى تقليد تلك السلوكيات دون فهم آثارها السلبية.

9. التقليل من قيمة العمل الجاد:

تيك توك يعزز فكرة أن الشهرة يمكن تحقيقها بسرعة ومن دون جهد كبير. وهذا يجعل الشباب يعتقدون أن النجاح يمكن الوصول إليه بدون بذل العمل الجاد أو تطوير المهارات. الأمر الذي قد يقلل من أهمية السعي والتفاني في العمل والدراسة.

بدلاً من تطوير مهارات عملية أو دراسية، يقضي الكثير من الشباب ساعات طويلة على تيك توك في متابعة المحتويات الترفيهية، مما قد يؤدي إلى تراجع أدائهم الأكاديمي أو تقصيرهم في العمل.

10. تراجع أهمية المهارات الحقيقية:

التقليل من قيمة المهارات العملية: بينما يركز تيك توك على مهارات مثل الرقص أو التمثيل القصير، قد يُهمل الشباب تطوير مهارات حياتية أو مهنية أكثر فائدة واستدامة.

انتشار المحتويات السطحية: بدلًا من التعلم أو البحث عن معلومات مفيدة، يعتمد الكثير من الشباب على المحتويات الترفيهية السريعة التي لا تضيف قيمة عملية أو فكرية.

استخدام تطبيق "تيك توك" وتأثيره على المجتمع يتطلب النظر في العديد من العوامل، والتي يمكن أن تسهم في تفكيك القيم الاجتماعية وانهيارها، وذلك نتيجة التغيرات السريعة في التواصل واستهلاك المحتوى الرقمي.

تيك توك الصيني:

تطبيق تيك توك -الذي يحظى بشعبية كبيرة- الذي طُور باستخدام تكنولوجيا صينية لا يمكن الوصول إليه أو استخدامه في الصين، في الواقع لم يكن تيك توك موجوداً من الأصل في الصين، بدلاً من ذلك هناك إصدار مختلف من تيك توك يسمى دوين.

وكل من تيك توك ودوين مملوكان لشركة بايت دانس ومقرها بكين، لكن دوين أُطلق قبل تيك توك وأصبح له شعبية ضخمة في الصين، وأصبحت الخوارزمية القوية لتطبيق دوين الأساس الذي بُني عليه تيك توك، وهي مفتاح نجاحه العالمي.

توجد اختلافات كبيرة في محتوى تطبيق تيك توك في الصين مقارنة ببقية العالم. يتم فرض قيود صارمة على المحتوى الذي يتم تحميله على تطبيق تيك توك في الصين بسبب اللوائح الحكومية الصينية والتي تتضمن قيودًا على المواضيع والتعبيرات التي يمكن أن تظهر في المحتوى.

يتم تنظيم محتوى تيك توك في الصين بواسطة مراقبة الحكومة الصينية، ويتم تفتيش المحتوى وحذف أي محتوى يتضمن أي تعبيرات تنتقد الحكومة أو تنتقد السياسات الحكومية، أو يخالف التقاليد والقيم الصينية، وتحتوي تيك توك في الصين على محتوى أكثر ارتباطًا بالثقافة الصينية والأسلوب الصيني للحياة، وهو يركز على المحتوى التعليمي والأفكار العلمية الإبداعية بعكس محتوى تيك توك تماما.

وأخيرا فإن كانت وسائل التواصل الاجتماعي لها العديد من الآثار السلبية على المجتمعات إذا استخدمت بطريقة غير صحيحة فإن تطبيق تيك توك على وجه الخصوص يحظى بقدر مضاعف من تلك الآثار ويجب الانتباه بشده للأجيال القادمة ومحاولة فهمها وإيجاد وسائل للوصول إليها والتواصل معها، وعدم تركهم نهبا لمثل تلك الوسائط فقد صارت الفاعل الأساس في تشكيل عقلية هذا الجيل ومعارفه وقيمه قبل أن نستيقظ على فاجعة لن نستطيع أن نقدر قدرها.

________________________________________________
الكاتب: د. رشا شعبان