بين أستاذ وتلميذ
أبو الهيثم محمد درويش
والقصة هي حوار شيق وحكيم بين تلميذ وأستاذ، وبالبحث وجدت أن هذه القصة لاثنين من كبار السلف
- التصنيفات: أخبار السلف الصالح -
الحمد لله رب العالمين
قصة منتشرة في مواقع التواصل فيها من الحكم والفوائد الكثير والعظيم، تعجبت من عدم إسنادها لأن مثل هذه الكلمات لا تخرج إلا من أفواه أهل علم وورع وفضل ، والقصة هي حوار شيق وحكيم بين تلميذ وأستاذ، وبالبحث وجدت أن هذه القصة لاثنين من كبار السلف، فأما التلميذ فهو حاتم الأصم وأما الأحداث فقد حصلت له مع أستاذه شقيق البلخي، وقد ذكرها الغزالي في الإحياء، وكل من الرجلين من علماء وزهاد السلف، وقد أثنى عليهما ابن الجوزي والذهبي.
قال الذهبي في العبر: حاتم الأصم أبو عبد الرحمن الزاهد صاحب المواعظ والحكم.. وكان يقال له لقمان هذه الأمة.
وإليكم هذا الحوار:
سأل الأستاذ تلميذه
منذُ متى صحبتني ؟
فقال التلميذ : منذُ ثلاثٍ وثلاثين سنة.
فقال العالم :
فما تعلمت منّي في هذه المدّة ؟
قال التلميذ : ثمانيَ مسائل
قال العالم : إنّا لله وإنّا إليه راجعون
ذهب عمري معك ولم تتعلّم إلا ثماني مسائل فقط
قال التلميذ : لم أتعلم غيرها ولا أحبّ أن أكذب عليك
فقال العالم : هات ما عندك لأسمع*
قال التلميذ:
الأولى : أني نظرت إلى الخلق فرأيت كلّ واحد يتخذ صاحباً ، فإذا ذهب إلى قبره فارقه صاحبُه ، فصاحبتُ الحسنات فإذا دخلتُ القبر دخلتْ معي
الثانية : أني نظرت في قول الله تعالى : " {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنّة هي المأوى} " فأجهدت نفسي في دفع الهوى حتى استقرت على طاعة الله.
الثالثة : أني نظرت إلى الخلْق فرأيت أنّ كلّ من معه شيءٌ له قيمة حفظه حتى لا يضيع ثم نظرت إلى قول الله تعالى :" {ما عندكم ينفذ وما عند الله باق} " فكلما وقع في يدي شيءٌ له قيمة وجهته لله ليحفظه عنده
الرابعة: أني نظرت إلى الخلق فرأيت كلاً يتباهى بماله أو حسبه أو نسبه ثم نظرتُ إلى قول الله تعالى : " { إنّ أكرمكم عند الله اتقاكم } فعملتُ في التقوى حتى أكونَ عند الله كريماً
الخامسة :أني نظرت إلى الخلق وهم يتحاسدون على نعيم الدنيا فنظرتُ إلى قول الله تعالى
{نحن قسْمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا } " فعلمتُ أن القسمة من عند الله فتركتُ الحسد عنّي ؛ ورضيت بما قسمه الله لي
السادسة : أني نظرتُ إلى الخلق يعادي بعضهم بعضاً ويبغي بعضهم بعضا ويقاتل بعضهم بعضاً ونظرتُ إلى قول الله تعالى : " {إنّ الشيطان لكم عدوّ فاتخذوه عدوّا } " فتركتُ عداوة الخلق وتفرغتُ لعداوة الشيطان وحده
السابعة:أني نظرتُ إلى الخلق فرأيتُ كل واحد منهم يُكابد نفسه ويُذلّها في طلب الرزق حتى أنّه قد يدخل فيما لا يحلّ له فنظرتُ إلى قول الله تعالى : " {وما من دابّة في الأرض إلا على الله رزقها } " فعلمتُ أنّي واحدٌ من هذه الدوابّ ، فاشتغلتُ بما لله عليّ وتركتُ ما ليَ عنده
الثامنة : أنّي نظرتُ إلى الخلق فرأيتُ كلّ مخلوق منهم متوكّلاً على مخلوق مثله ؛ هذا على ماله وهذا على ضيعته وهذا على مركزه ونظرتُ إلى قول الله تعالى : " {ومن يتوكّل على الله فهو حسبه} " فتركتُ التوكّل على المخلوق واجتهدتُ في التوكّل على الله الخالق
قال له الشيخ من اﻵن أنا تلميذك .