فاتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة

محمد سيد حسين عبد الواحد

عناصر الموضوع : 
1- ربط الماضي بالحاضر. 
2- وقولوا للناس حسناً. 
3- بركات الكلمة الحسنة. 
4- ادفع بالتي هي أحسن..

  • التصنيفات: فقه الصدقات -

 

                الموضوع من بعد أما بعد: 

ايها الإخوة الكرام:  قبل اسبوع من يومنا هذا،  وفي مثل هذا الموعد وفي نفس الزمان وقفنا هنا نتحدث عن آفة من آفات اللسان وهي ذم الناس،  والطعن فيهم،  والانتقاص من حقهم.. 

وقلنا إن ذم الناس وجلد الناس واللعن والطعن إنما يضر الناس ويحبطهم ويؤذيهم ويصب في صالح الشيطان ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام لمن لعنوا وسبوا أخاهم لا تقولوا هكذا لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم. 

هذا كان حديثنا عن آفة من آفات اللسان وهى ذم الناس، ومن بين ما اكدنا عليه أننا جميعاً من بني آدم فينا الجهل وفينا السفه وفينا الغشم وكلنا ذوي خطأ،  والفرق بيننا وبين انسان فُضح امره وانكشف عيبه هو ان الله كشف عنه الستر،  اما انا وانتم فما زال الله تعالى يسترنا بستره الجميل..

 ولله دره سيدنا عيسى عليه السلام حين قال لمن يشمتون بالمرأة التي عصت « من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر » 

أما يومنا هذا أيها المؤمنون:  فالحديث فيه عن بركة من بركات اللسان وفضيلة من فضائل، ونعمة من نعم اللسان وهي ان يتحرك ذلك اللسان بالكلمة الحسنة عملا بقول الله عز وجل « وَقُولُوا۟ لِلنَّاسِ حُسْنًا » 

الله سبحانه وتعالى امر سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلّم ان يأمرنا أمراً أن نحفظ ألسنتنا عن جميع الكلام إلا كلاماً فيه مصلحة الناس في الدنيا أو في الآخرة قال الله تعالى  { وَقُل لِّعِبَادِى يَقُولُوا۟ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ  كَانَ لِلْإِنسَٰنِ عَدُوًّا مُّبِينًا} ذكر المفسرون أن هذه الآية نزلت في عمر بن الخطاب. وذلك أنه كان بينه وبين رجل من العرب كلام فتجاوز الرجل في حق عمر فشتمه، وسبه... 
فهمَّ به عمر وكادت كلمة الرجل ان تثير فتنة، فأنزل الله فيه: {﴿ وَقُل لِّعِبَادِى يَقُولُوا۟ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ كَانَ لِلْإِنسَٰنِ عَدُوًّا مُّبِينًا ﴾}

الكلمة الحسنة: هي الكلمة المؤدبة المهذبة التي لا تحزن قلباً، ولا تكسر خاطراً،  ولا تجرح حساً،  ولا تؤذي نفساً،  الكلمة الحسنة هي التي تنزل برداً وسلاماً على القلوب والآذان {﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى ٱلسَّمَآءِ ﴾ ﴿ تُؤْتِىٓ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍۭ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾  }

الكلمة الحسنة هي : اللفظة المفردة المقيدة بقيود الشرع وهي التي تحسب لك، ولا تحسب عليك، الكلمة الحسن ترتقي بك، ولا تهوي بك، ومكان الكلمة الحسنة في ميزان حسناتك يوم القيامة

الكلمة الحسنة هي : التي يكتب بسببها سعادة العبد وهناءه ورضاه ورضا الله تعالى عليه في الحياة وبعد الممات ..  
وفي الصحيح من حديث بلال بن الحارث قال الحبيب النبي عليه الصلاة والسلام «إنَّ الرجلَ ليتكلم بالكلمةِ من رضوان الله ، ما كان يظن ان تبلغ ما بلغت ؛ يكتب اللهُ له بها رضوانَه إلى يومِ يلقاه» 

الكلمة الحسنة هي : إلهام وإرشاد وتوفيق وتسديد من الله تعالى للإنسان المؤمن كما في الآية { ﴿ وَهُدُوٓا۟ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ ﴾ }
 الكلمة الحسنة هي : آمارة استقامة قلب العبد على الإيمان ونقاءه من الغش والغل، قال النبي عليه الصلاة والسلام «« لا يَسْتَقيمُ إِيمانُ عبدٍ حتَّى يَستَقيمَ قلبُه، ولا يَسْتَقيمُ قلبُه حتَّى يَستَقيمَ لسانُه، ولا يدخُلُ الجنَّةَ رجُلٌ لا يَأْمَنُ جارُه بَوائِقَه» »

اما المُرادُ باستقامةِ الإيمانِ فهو : استقامةُ أعمالِ السمع والبصر واليدين والفؤاد، وهي لا تستقيم إلَّا باستقامةِ القلْبِ، ومَعْنَى استقامةِ القلْبِ: أنْ يكونَ مُمْتلِئًا هذا القلب بمَعرفةِ اللهِ ومَحبَّة الله ، ومَحبَّةِ طاعتِه ، وعَظَمتِه، وخَشيَتِه، ومَهابَتِه، ورَجائِه، والتَّوكُّلِ عليه، وهذا هو حَقيقةُ التَّوحيدِ، «"ولا يَستقيمُ قلْبُ عبد حتَّى يَستقيمَ لِسانُه"» ؛ فاللِّسانُ والقلْبُ مُرتبطانِ، واللِّسانُ تَرْجُمانٌ لِمَا في القلْبِ من خير أو شر .. 

وفوق كل ما ذكر،  وما لم يذكر الكلمة الحسنة هي: احد اسباب نجاة العبد من أهوال يوم القيامة.. 
[أخرج البخاري في الصحيح ] من حديث عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه قال : « بيْنَا أنَا عِنْدَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذْ أتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إلَيْهِ الفَاقَةَ، ثُمَّ أتَاهُ آخَرُ فَشَكَا إلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ..  فَقَالَ النبي: يا عَدِيُّ، هلْ رَأَيْتَ الحِيرَةَ؟  قُلتُ: لَمْ أرَهَا يا رسول الله ، وقدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا..  فقَالَ عليه الصلاة والسلام : فإنْ طَالَتْ بكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ حتَّى تَطُوفَ بالكَعْبَةِ، لا تَخَافُ أحَدًا إلَّا اللَّهَ.. قال عدي -فقُلتُ فِيما بَيْنِي وبيْنَ نَفْسِي: فأيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قدْ سَعَّرُوا البِلَادَ؟! ثم قال النبي - ولَئِنْ طَالَتْ بكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى، قُلتُ: كِسْرَى بنِ هُرْمُزَ؟  قَالَ: كِسْرَى بنِ هُرْمُزَ..  ولَئِنْ طَالَتْ بكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِن ذَهَبٍ أوْ فِضَّةٍ، يَطْلُبُ مَن يَقْبَلُهُ منه، فلا يَجِدُ أحَدًا يَقْبَلُهُ منه..  ولَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أحَدُكُمْ يَومَ يَلْقَاهُ، وليسَ بيْنَهُ وبيْنَهُ تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ له، فَلَيَقُولَنَّ له: ألَمْ أبْعَثْ إلَيْكَ رَسولًا فيُبَلِّغَكَ؟ فيَقولُ: بَلَى، فيَقولُ: ألَمْ أُعْطِكَ مَالًا وأُفْضِلْ عَلَيْكَ؟ فيَقولُ: بَلَى، فَيَنْظُرُ عن يَمِينِهِ فلا يَرَى إلَّا جَهَنَّمَ، ويَنْظُرُ عن يَسَارِهِ فلا يَرَى إلَّا جَهَنَّمَ. قَالَ عَدِيٌّ: سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: اتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقَّةِ تَمْرَةٍ، فمَن لَمْ يَجِدْ شِقَّةَ تَمْرَةٍ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ.  قَالَ عَدِيٌّ: فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ حتَّى تَطُوفَ بالكَعْبَةِ، لا تَخَافُ إلَّا اللَّهَ، وكُنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بنِ هُرْمُزَ، ولَئِنْ طَالَتْ بكُمْ حَيَاةٌ، لَتَرَوُنَّ ما قَالَ النَّبيُّ أبو القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِن ذَهَبٍ أوْ فِضَّةٍ، يَطْلُبُ مَن يَقْبَلُهُ منه، فلا يَجِدُ أحَدًا يَقْبَلُهُ منه» ..
هذا الحديث من دلائل النبوة، وفيه بيان واضح العنوان أن من اسباب النجاة يوم القيامة الصدقة فإن لم تجد فبكلمة طيبة.. 
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم ان يطهر قلوبنا من النفاق وأعيننا من الخيانة وألسنتنا من الكذب انه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير  .. 

الخطبة الثانية 
بقي لنا في نهاية الحديث عن بركة من بركات اللسان وهي الكلمة الحسنة بقي لنا أن نقول إن الكلمة الحسنة لا توضع أبداً في كفة واحدة مع الكلمة السيئة،  ولا يستوي صاحب الكلمة الحسنة مع صاحب الكلمة السيئة،  ولا يترتب خير من كلمة سيئة إنما الخير كله معقود من آثار الكلمة الحسنة  وفي ذلك يقول رب العالمين {﴿ وَلَا تَسْتَوِى ٱلْحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُ ۚ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنه عَدَٰوَةٌ كَأَنَّهُۥ وَلِىٌّ حَمِيمٌ ﴾}
معظم خصومات الناس بينهم وبين جيرانهم بسبب سقطة من سقطات اللسان.. 
معظم الخلافات بين المرء وزوجة اساسها فلتة من فلتات اللسان... 
غالب الشحناء بين الإخوة والأخوات وبين ذوي الأرحام منشؤها زلة من زلات اللسان.... 
عداوات الناس،  خصومات الناس،  نزاعات الناس، أصلها كلمة نزغ الشيطان فيها فافسدت ذات البين 
من هنا وجه الله تعالى فقال {﴿ وَلَا تَسْتَوِى ٱلْحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُ ۚ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُۥ عَدَٰوَةٌ كَأَنَّهُۥ وَلِىٌّ حَمِيمٌ ﴾}
أما الولى : هو الصديق المحب الشفيق عليك ، من الولى بمعنى القرب .
وأما الحميم : فيطلق فى الأصل على الماء الحار . . والمراد به هنا : الصديق الصدوق معك .
بقاء المحبة بين المسلم وبين جاره، وبقاء المودة بين الأقارب وذوي الرحم، وبقاء الأخوة الصادقة بين عموم الناس مردها في الغالب إلى إنسان عاقل حكيم حليم يحسن المعاملة ويسع الناس ببشاشة وجهه وحسن خلقه.. 
قال النبي عليه الصلاة والسلام « إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق» 
قلت:  وإن من مكارم الأخلاق:  أن تعفو عمن ظلمك،  وأن تصل من قطعك، وأن تعطي من حرمك،  كما أوصى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلّم.. 
وأول من يجني ثمار حسن المعاملة،  وحسن الأخلاق صاحبها.. 
مسطح بن أثاثة هو ابن خالة ابي بكر وكان من مساكين المهاجرين،  وكان ابو بكر ينفق عليه ويصله لقرابته وفقره.. 
فلما كان حديث الإفك،  والذي افترى فيه المنافقون وخاضوا كذباً في حق السيدة عائشة رضي الله عنها،  تأثر مسطح بما سمع من كلام المنافقين وقال مثل ما يقولون.. 
اقسم ابو بكر أن يقطع النفقة عن مسطح بسبب ما قال في حق عائشة رضي الله عنها،  وقال والله لا انفعه بنافعة.. 
ومرت الايام ونزلت من السماء براءة عائشة،  وتاب مسطح وندم على ما قال ،  وأقيم عليه حد القذف ثمانين جلدة،  والحد كفارة، عند ذلك نزل القرآن يرقق قلب ابي بكر على مسطح ويعرض عليه صفقة إن بذلها ابو بكر في الدنيا نالها يوم القيامة فقبلها ابو بكر الصفقة وقال قد فعلت.. 
{﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُو۟لُوا۟ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُوٓا۟ أُو۟لِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينَ وَٱلْمُهَٰجِرِينَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا۟ وَلْيَصْفَحُوٓا۟ ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾}
قال ابو بكر بلي يا رب أحب ان تغفر لي،  ثم رد النفقة على مسطح وقال والله لا اقطعها عنه أبداً  .. 
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم ان يطهر قلوبنا من النفاق وأعيننا من الخيانة وألسنتنا من الكذب انه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير  ..