{وما كان ربك نسيا}

يا أيها المظلومون، يا أهلَنا في غزةَ العزة، لا تحزنوا، الله معكم، ولن يخذلكم، ولن ينسى تضحياتكم، وصبركم، وجهادكم، وآلامكم، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64].

  • التصنيفات: التفسير -

قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64]، هذه الآية الكريمة جاءت في سياق حديث الملائكة عن رحمة الله بعباده، وطمأنة المؤمنين بأن الله سبحانه وتعالى لا ينسى عباده، ولا يغفُل عن أحوالهم، وأنه قريبٌ منهم، يعلم سرَّهم وجهرَهم، ويعلم ما يُصيبهم من همومٍ وأحزانٍ وأفراح، فسبحانه لا ينسى، ولا يغفُل، وهو العليم بكل شيء.

 

قال الشافعي رحمه الله: "آية من القرآن هي سهم في قلب الظالم، وبلسم على قلب المظلوم، قيل: وما هي؟ فقال قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64].

 

يا أيها اليهود المعتدون، ومن ناصَرَكم، لا تفرحوا، ففَرَحُكم زائل، ومؤقَّتٌ، فرحكم بقتلكم الأطفالَ والشيوخ والنساء مآلُهُ الخِزْيُ والعار في الدنيا والآخرة، متاعكم قليل؛ قال تعالى: {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ * ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [غافر: 75، 76].

 

يا أيها الظالمون المعتدون، إن ربكم لَبالمرصاد، ستَلْقَون جزاءكم عاجلًا أو آجلًا، لا تظنوا أن الله غافل عما تعملونه، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64]، لا تستهينوا بدعوة المظلوم، ليس بينها وبين الله حجاب؛ ثبت في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا إلى اليمن وقال له: «اتَّقِ دعوة المظلوم؛ فإنها ليس بينها وبين الله حجاب»؛ (رواه البخاري ومسلم).

 

يا أيها المظلومون، يا أهلَنا في غزةَ العزة، لا تحزنوا، الله معكم، ولن يخذلكم، ولن ينسى تضحياتكم، وصبركم، وجهادكم، وآلامكم، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64].

 

عباد االله، إذا رأيتم تضحياتِ المجاهدين، وصبرَ المناضلين، وثباتَ المرابطين، فقولوا لكل هؤلاء: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64].

 

عباد الله، إذا رأيتم من يهتِكُ الأعراض، وينتهك الحُرُمات، ويسفك الدماء، ويُبعثِر الأشلاء، ويمثِّل بالشهداء، فقولوا له: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64]، وإذا رأيتم من يبُثُّ الرعب في البلاد، وينشر الخوف في العباد؛ فتتساقط دموع الثَّكالى، وتتعالى صرخات الأيتام، وتتصاعد آهات الأرامل، ويعلو أنين الجرحى، ويزداد ألم المصابين، فقولوا لكل هؤلاء: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64].

 

أحصى كل شيء في كتاب؛ {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا} [النبأ: 29]، وكذلك {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: 28].

 

في يوم القيامة وبين يدي الله تعالى سيُفاجأ الخَلْقُ بهذه الأعمال مكتوبةً يقرؤونها، ومسطورةً يشهدونها، وبارزةً يُحِسُّونها، فيُسقَط في أيديهم، وتعلو الحسرة وجوههم؛ ويقولون كما قال القرآن: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49].

 

قال الله حكاية عن موسى عليه السلام: {لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه: 52].

 

عباد الله، إن كلَّ ما ترفعونه على جناح الدعاء نحو السماء لا يضيع ولا يُنسى؛ فثِقوا في تدبير الله وحكمته، واصبروا واطمئِنُّوا.

 

وختامًا نقول للمجرمين: اعلموا أن أفعالكم المجرِمةَ وإن مَحَوْتُم آثارها، ونسِيَ الناس ذِكْرَها، قد أحصاها الله في كتابٍ لا يغادر صغيرةً ولا كبيرة، والظلمُ ظُلُمات يوم القيامة؛ فعن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة...»؛ (رواه مسلم).

_______________________________________________________
الكاتب: ياسر عبدالله محمد الحوري