حوار البيان حول مستقبل سوريا مع الدكتور (عبدالستار قاسم)

إن بعض الحقائق الظاهرة يمكن أن توضِّح المستقبل القادم للشعب السوري من خلال تلخيصها شهادةَ التاريخ دائماً؛ بأن صاحب الحق لا بد منتصر ولو بعد حين..

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -


إن بعض الحقائق الظاهرة يمكن أن توضِّح المستقبل القادم للشعب السوري من خلال تلخيصها شهادةَ التاريخ دائماً؛ بأن صاحب الحق لا بد منتصر ولو بعد حين. ومع وجود مصالح تتحكم في المواقف الدولية وتقسمها إلى مؤيدة للنظام السوري الذي بلغ - وَفْق تقرير مجلس حقوق الإنسان الأممي - عدد ضحاياه خلال الثورة 2600 شهيد، وأخرى معارضة على استحياء وبتحفظ مثل بعض الدول العربية. يبدو جلياً أن الثورة السورية يدعمها ويساندها الشعب السوري الذي يعلم جيداً أن التاريخ بالنسبة له لن يعود إلى الوراء؛ ولكنَّ ضعف المعارضة الخارجية وتأخُّرها في إخراج خطاب سياسي موحَّد - من الأكيد أنه سيأتي لاحقاً - يزيد من قدرة النظام على تمزيق المعارضة وعزلها عن الثورة في الداخل التي من المفترض أن تكون هي من يقودها ويوجهها.

وتنبئ المواقف الدولية بأن استخدام الحل العسكري للقضاء على النظام السوري سيكون محفوفاً بالمخاطر بالنسبة (لإسرائيل) التي تمتلك قوة ضغط على الغرب وتخشى من فوضى على حدودها.

إن ما يجري سيمهد للإطاحة بالنظام من قِبَل الثورة بتضحياتها فقط، وليس بالاعتماد على الآخرين؛ لأن الآخرين غير أبهين إلا بمصالحهم. ولمعرفة ما قد يحدث في المستقبل القادم على صعيد الأوضاع في سورية حاورتْ مجلة البيان البروفسور عبد الستار قاسم (أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الفلسطينية):

البيان: ما أسباب تأخُّر إنشاء مجلس وطني لقيادة الثورة، وخروج خطاب سياسي موحَّد للمعارضة السورية؟


المعارضة السورية شتى ومتنوعة؛ منها في الداخل ومنها في الخارج، ومنها الإسلامي ومنها الشيوعي والقومي والوطني والقُطري... إلخ، ولم يسبق لها أن عقدت مؤتمرات جادة لتوحيد صفوفها وتوجيه بوصلتها نحو أهداف معيَّنة؛ وإنما كانت تحصل لقاءات بين أطراف معارِضة خارج البلاد، لكنها لم تبلور برنامجاً مشتركاً. وكما هو الوضع في كل الديار السورية؛ فإن شعب سورية يعتدُّ بنفسه على المستوى العام والمستوى الفردي، والفردية هذه تفرز كثيراً من القادة والرؤوس.

البيان: هل تعتقد أن هناك دعماً دولياً للمعارضين، وما هدف هذا الدعم؟

لا أشك في أن بعض جهات المعارضة السورية الخارجية تتلقى دعماً مادياً وإعلامياً وسياسياً من قوى خارجية وبالتحديد الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. وبعض أقطاب المعارضة يعيشون في كنف دول غربية ترغب في تغيير الأوضاع السياسية السورية وَفْق أهوائها. لكن علينا الانتباه إلى أن أغلب المعارضة السورية ليست في جيب أحد؛ وإنما هي معارضة سورية شعبية حقيقية مخلصة، تبحث عن التغيير وأجواء الحرية.

البيان: ما هي احتمالات تدخُّل الناتو في الملف السوري؟

الناتو لا يستطيع التدخل في سورية كما فعل في ليبيا؛ ذلك أن الجيش السوري قوي ومدجج بأسلحة حديثة وفتاكة. وإذا أقدم الناتو على مواجهة مع الجيش السوري، فإنه سيجد نفسه في مأزق عسكري حقيقي؛ وخاصة إذا فوجئ بمنظومة متطورة من صواريخ أرض جو. أما ما يستطيعه الناتو فهو تدريب خلايا، وتزويدها بالسلاح، والقيام بأعمال إعلامية وتحريضية، وفرض حصار... إلى غير ذلك.

البيان: هل تعتقد أن الثورة ستؤثر على التعايش السلمي بين طوائف المجتمع السوري؟

شباب سورية شباب واعون ومحترمون ويقدرون بلادهم، ولديهم درجة عالية من الالتزام الوطني، ولن تسمح قوى التغيير في سورية للطائفية والمذهبية أن ترفع رأسها؛ إن وحدة الشعب هي شعار حي لدى الحركة الشعبية السورية.

البيان: هل تتوقع سقوط النظام السوري خلال وقت قصير؟

ليس من السهل إسقاط النظام في سورية؛ إلا إذا حصلت انشقاقات واسعة في الجيش السوري. ولهذا أتوقع أن تطول الأحداث في سورية، وسيحصل استنزاف كبير في النفوس والأحوال الاقتصادية في سورية.


لقد أبرأتُ ذمتي باعتباري كاتباً عربياً في 14/4/2003م عندما أرسلت رسالة إلى القيادة السورية، ونشرتها في ما بعد على شبكة الإنترنت قلت له فيها: إن الوطن العربي على وشك الانفجار، وإن الثورات ستنشب في مناطق عدة، وعلى القيادة السورية - إذا كانت تطمح بقيادة العرب - أن تبادر فوراً إلى التغيير وفتح المجال أمام الحريات، وإلاَّ فسيكون مصير النظام كمصير أنظمة عربية أخرى ستنهار. وأشك في أن تكون القيادة السورية قد قرأت الخطاب آنذاك.

البيان: كيف تفسرون الإصرار الروسي والإيراني على دعم بقاء نظام الأسد؟

هناك مصالح للدول، وكما تفسر سكوت أمريكا على البحرين، يمكن أن تفسر سكوت روسيا على سورية، وكذلك تفسر موقف إيران من النظام السوري؛ هذه مصالح وتوازنات. لكن إيران وروسيا ستغيران موقفيهما إذا استمر النظام السوري على هذه الوتيرة من التعامل مع الشعب. إن النظام السوري يحرج أصدقاءه، ويفتح شهية أعدائه؛ فإيران في النهاية معنية بصداقة سورية وليس بصداقة شخص محدد، وهكذا روسيا.

البيان: هل تعتقد أن الإسلاميين لديهم ثقلهم في هذه الثورة، أم أن مجزرة حماة لا زالت تردعهم وتجعل تحركهم محدوداً؟

للإسلاميين ثقل واضح في كل الثورات العربية، وهم موجودون في كل الثورات العربية. وإن حصلت انتخابات حرة نزيهة فإن حركة الإخوان المسلمين ستسجل إنجازات هامة وكبيرة. ومحاولة الأنظمة وتيارات فكرية مناهضة للإسلاميين للحد من دورهم ومحاربتهم لن تفلح في إزاحتهم عن مكانتهم التي باركتها الشعوب، واستطاعوا الحصول على هذه المكانة نتيجة مصداقيتهم، وأكبر دليل على ذلك ما حدث في قطاع غزة.

البيان: يلاحظ كثيرون حالة ضعف من قِبَل المعارضة السورية في الخارج، وهناك خشية أن تؤثر هذه الحالة على الوضع في الداخل السوري؛ بحيث ينعكس الصراع بين المعارضة في الخارج على الداخل، كيف تعلقون على ذلك؟

كما قلت أعلاه فإن المعارضة السورية شتى، ولن يوحدها إلا الشعب، أو المتظاهر البسيط الذي لم ينخرط في الحزبية ونشاطات المعارضة.


إن الأحزاب العربية فاشلة كما الأنظمة، وهي المسؤولة عن أغلب التشتت الحاصل في صفوف الثورات العربية، وكلما قلَّت الأحزاب اقترب الشعب من الوحدة. وستجد أحزاب سورية أو تجمعاتها على المستوى الخارجي نفسها تابعة للداخل، ولا تملك خياراً آخر.

وكلما زادت التضحيات والمعاناة زاد صمود الثورة واشتد عودها، وسنرى مجموعات تتشكل لقيادة هذه الثورة والخروج بها إلى بر الأمان وتحقيق أهدافها بالرغم من قوة الضغط الممارَس عليها، وعزلتها التي تعيشها.

البيان: هل يمكن أن يكون النظام وراء الخلافات التي تعيشها المعارضة في الخارج؟ وما هي العقبات وراء غياب الوحدة في الخطاب السياسي للمعارضة؟

كل نظام سياسي يعمل على تمزيق المعارضة، والنظام السوري لا يشذ عن هذه القاعدة. والنظام السوري معروف بعدائه للمعارضة وبأساليبه في التعامل معها؛ فعمليات القتل التي تمارَس اليوم تدلل على أنه من الممكن أن يفعل أي شيء لتحقيق ما يريد، وكلما استطاع تفتيت المعارضة وصنع الخلافات بينها كان قادراً على إطالة أمد صموده؛ لأن المعارضة الخارجية لها أهميتها في حشد الدعم الدولي لصالح الثورة وتسريع نهاية النظام.

البيان: يرى كثيرون أن النظام السوري متماسك ولم يشهد انشقاقات في الصفوف القيادية وخصوصاً في الجيش، ما هو سر هذا التماسك؟


إن صلابة القيادة السورية تعود لعدة أسباب:

أولاً: لهذه القيادة قاعدة اجتماعية واضحة بعكس النظام المصري والنظام التونسي والنظام الليبي.

وثانياً: هناك من يؤيدون النظام السوري عن قناعة وليس لأنهم في حزب البعث أو من الطائفة العلوية. والقاعدة الاجتماعية تشكل عادة درعاً للنظام.

وثالثاً: التنظيم الأمني السوري محكَم وفئوي، وهو أحد الأسباب الرئيسية للثورة؛ لكنه أيضاً أحد أسباب صلابة النظام. وهناك مواقف قومية لا شك أنها أعطت وجهاً جيداً للنظام عبر السنوات الماضية. صحيح أن النظام لم يحرر فلسطين ولم يحرر الجولان، لكن هناك من يرون فيه شيئاً متميزاً عن الأنظمة العربية الأخرى.

ورابعاً: فإن النظام قد حقق اكتفاءً ذاتياً إلى حد كبير، ومن الصعب أن تؤثر فيه العقوبات التي تفرضها الدول الغربية.

البيان: كيف تنظر إلى الموقف الإسرائيلي من الثورة السورية؟

الموقف الإسرائيلي من الثورة السورية له بُعدَان:

الأول: يصبُّ في مصلحة (إسرائيل)؛ وهو: أن سقوط النظام وَفْق النظرية الإسرائيلية سيوقف الدعم عن حركات المقاومة الفلسطينية وحزب الله في لبنان؛ لأن إيران ستفقد حليفها الإستراتيجي في المنطقة.

وكذلك البعد الثاني الذي يثير قلق (إسرائيل)؛ وهو: أنها تخشى أن الحدود التي كانت آمنة خلال العقود الماضية ستكون مضطربة إذا ما سقط النظام وتخشى أيضاً من انتقال أسلحة ثقيلة إلى حركات المقاومة المناهضة (لإسرائيل). وبطبيعة الحال فإن الموقف الإسرائيلي الحالي موقفُ ترقُّب؛ لأن جميع الخيارات غير محسومة بالنسبة للحكومة الإسرائيلية؛ لأن هناك خطراً أمنياً في حال وجدت فوضى على الحدود؛ لأن (إسرائيل) تعتبر نفسها في حالة حرب مع سورية ولم توقع اتفاقية سلام معها. لذلك نرى الإعلام الإسرائيلي يدعم الأسد لكنه لا يريد حرباً بجوار (إسرائيل) في ظل التغيرات الكبيرة التي من حوله والأزمة مع مصر وتركيا.


أحمد أبودقة

مجلة البيان - العدد : 291