وسقطت جبهة الإسناد!
منذ أيام تمت الموافقة على وقف إطلاق النار بين حزب الله والكيان الصهيوني، كيف يمكن قراءة هذا الاتفاق، وعلى أية أرضية تم، ولماذا سارعت فرنسا على وجه الخصوص بلعب دور محوري في هذا الاتفاق؟
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
"اتفاق يمكن اعتباره هزيمة مذلة مكتملة الأركان، لا توجد مقاومة تحرر تقف في منتصف الطريق، إما أن تكمل أو أن لا تبدأ أصلا، سلامٌ على غزة في العالمين"
هذا ما قاله المفكر السوداني الدكتور تاج السر عثمان علي، يصف به ما جرى من اتفاق بين حزب الله والكيان الصهيوني.
والذي حدث، أنه أخيرا بعد أكثر من شهرين، وافقت حكومة الكيان الصهيوني على وقف إطلاق النار مع حزب الله في لبنان.
فمنذ اغتيال زعيم الحزب منذ شهرين، وخروج نعيم قاسم نائبه، في أول خطاب له، يعلن فيه ضمنيًا عن توقف الحزب عن مساندة المقاومة الفلسطينية في غزة، وذلك عندما قال إن الحزب قد فوض رئيس مجلس النواب اللبناني زعيم حركة أمل الشيعية نبيه بري في المفاوضات، والتي كانت تجري مع فرنسا وأمريكا لوقف الضربات الصهيونية على مواقع الحزب وبيئته المدنية الحاضنة، وذلك بعد أن تم اغتيال أمين عام الحزب وخليفته وجميع القادة العسكريين من الصف الأول، و170 من الصف الثاني والثالث للحزب، خاصة إن بري قبلها بيوم كان قد أعلن أن الحزب سيوافق على وقف إطلاق النار، فكان لابد من ظهور قاسم ليعلن موافقته على ما يقوله بري.
ولكن حكومة الكيان الصهيوني بزعامة نتانياهو كانت هي التي تصِّر على استمرار القتال والقصف، لتفكيك سلاح الحزب بعد حملة ناجحة في اغتيال قياداته.
وبعد هذا التعنت الصهيوني، لم تجد إيران من بد من إرسال ضباط حرسها الثوري لإعادة ترميم الحزب وتزويده بالسلاح، وقام هؤلاء الضباط بتعويض نقص القيادات التي قتلتهم الغارات الصهيونية، وعاد الحزب بقيادته الجديدة الإيرانية ليطلق صواريخه ومسيراته في قلب الكيان للضغط عليه لوقف النار، خاصة أن الهجوم الذي قام به الحزب كان موجهًا لمناطق عسكرية وليس مدنية كما فعل الاحتلال مع معاقل الحزب وحاضنته المدنية.
ولكن في النهاية وافقت حكومة نتانياهو، بعد ما يشبه الإجماع بين أحزاب الائتلاف الحكومي بزعامة نتنياهو على قبول الاتفاق، حتى إن أكثرهم تطرفًا وهو وزير الأمن بن غفير، لم يهدد مثل ما كان يفعل في المرات السابقة في كل ما يخص مفاوضات التهدئة على جبهة غزة بالانسحاب من الحكومة، بل اكتفى بمعارضته الشفوية للقرار، بل أن سيمورتش القطب الآخر في التطرف وافق على قرار الانسحاب.
وجاء هذا التوقف الصهيوني، ليس بسبب الضغط الإيراني المتمثل بالهجمات فقط، ولكن أيضًا لأن نتانياهو يعلم جيدًا أن ترامب لا يريد استمرار الحرب في لبنان، وكان فريق ترامب له دور وتنسيق مع نتانياهو.
وقد بيّن مراسل قناة 13 العبرية، أنه وفقًا لشروط الاتفاق، فإن حزب الله اللبناني وكافة الجماعات المسلحة الأخرى في لبنان لن يقوموا بأي عمل هجومي ضد الكيان، وفي المقابل لن يقوم الكيان بأي عمل عسكري هجومي ضد أهداف في لبنان، ويشمل ذلك عن طريق البر والجو والبحر.
كما ينص الاتفاق على اعتراف إسرائيل ولبنان بأهمية قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، على الرغم من أن هذه الالتزامات لا تنفي الحق الأصيل لإسرائيل أو لبنان في الدفاع عن النفس، كما جاء في الاتفاق.
ويبقى السؤال لماذا أوقف الكيان الصهيوني حربه في لبنان ولم يرد وقفها في غزة؟
أهداف مختلفة:
هناك من يرى أن سبب وقف الحرب في لبنان وعدم إيقافها في غزة، هو اختلاف أهداف الحرب على لبنان، عن أهداف الحرب على غزة.
ففي الحالة الأولى، تستطيع دولة الكيان أن تتعايش مع سقف أكثر انخفاضًا لتوقعاتها وأهدافها، كأن تقبل بسحب حزب الله أسلحته وقواته إلى شمال الليطاني، وتشديد الرقابة على هذه العملية، فضلا عن إحكام أطواق الرقابة والحصار على مصادر تسلح الحزب، وتحديدا من سوريا وعبرها.
حقيقة الحرب التي كان يشنها الجيش الصهيوني على لبنان، هي في مضمونها لعبة ثلاثية استراتيجية إقليمية، تجري بين أطراف ثلاثة، الولايات المتحدة الأمريكية وإيران والكيان الصهيوني. فحزب الله هو أداة من أدوات أو أذرع إيران في المنطقة
ولقد حدد رئيس حكومة الكيان الصهيوني نتانياهو، أهدافه من وقف الحرب في لبنان، والذي لخصها في إفادة صحفية عقب إعلانه موافقة الكابينيت على وقف إطلاق النار.
وحسب قوله، فقد جاءت تلك الموافقة على إيقاف الحرب على الحزب، لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسة تتمثل في:
·التركيز على التهديد الإيراني.
·إعادة تنشيط القوات "الإسرائيلية" وتوحيد صفوفها.
·فصل جبهة غزة عن جبهة لبنان وعزل حركة حماس.
أما في الحالة الثانية في غزة، فالأمر أكثر تشابكًا وتعقيدًا، ويتصل بمستقبل دولة الكيان الصهيوني.
فغزة في قلب دولة الكيان الصهيوني التاريخية، وشعبها جزء من الشعب الفلسطيني المتواجد على امتداد الأراضي الفلسطينية من شمال فلسطين إلى جنوبها، ويعاني الكيان من اختلال الميزان الديموغرافي لصالح الفلسطينيين الذين باتوا يشكلون أغلبية السكان المتواجدين داخل الكيان المحتل، فعندما يقاوم شعب غزة ويعلن بدء معركة التحرير، فهذا يعتبره الكيان تهديدا لوجوده من الأساس، وليس معركة حدودية مع دولة أو قوة تقع على أطرافه.
لبنان وغزة والظرف الجيوستراتيجي:
وهناك سبب ثان لإيقاف الحرب في لبنان دون غزة، يتعلق بطبيعة لبنان نفسها، فهذه الدولة اللبنانية هي إحدى ترتيبات سايكس بيكو بين بريطانيا وفرنسا لتقسيم التركة العثمانية من أراضي المنطقة العربية، فتم تجميع غالبية نصارى الشام ونقلهم إلى جبل لبنان، وضُم لهم سنة بيروت وطرابلس وصيدا، كما تم إلحاق شيعة جبل عامل في الجنوب، ليتم تشكيل ما يعرف باسم دولة لبنان عام ١٩٢٠.
فلبنان ميراث استعماري، ومشروع الغرب للسيطرة على المنطقة عبر تفتيتها، وتصنيع كيانات دول.
لذلك فعند أول بادرة لانهيار دولة من هذه الكيانات المصنوعة، تسارع الدول المهيمنة للحفاظ عليها لبقاء أوضاع المنطقة العربية تحت السيطرة، وهذا يفسر هلع فرنسا وتوتر علاقاتها بدولة الكيان، لأن حربه تلك قد تهدد أحد هذه الترتيبات، وبما أن الكيان الصهيوني هو الآخر جزء هذه الترتيبات، لذلك سارعت فرنسا بمجرد موافقة نتانياهو على إيقاف الحرب، إلى إعلانها أنها تستثني نتانياهو من قرار الجنائية الدولية باعتقاله.
وعلى الجانب الآخر فإن انهيار الوضع في غزة لا يضر بالترتيبات التي رسمها الغرب للمنطقة العربية، بل يجب الاستمرار في تأديب الشعب الذي تجرأ في الطوفان على تهديد الكيان الصهيوني، والذي بزرعه في مركز المنطقة العربية كما أسلفنا، هو جزء من ترتيبات بقاء الهيمنة الغربية على الشرق الأوسط.
اللعبة الدولية:
هناك سبب ثالث لتوقف الحرب في لبنان وليس في غزة، هو أن حقيقة الحرب التي كان يشنها الجيش الصهيوني على لبنان، هي في مضمونها لعبة ثلاثية استراتيجية إقليمية، تجري بين أطراف ثلاثة، الولايات المتحدة الأمريكية وإيران والكيان الصهيوني.
فحزب الله هو أداة من أدوات أو أذرع إيران في المنطقة، والدولة الفارسية لها حلمها للتوسع والتمدد، ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب، ولكن استعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية مرة أخرى في العالم، وتمكنت إيران بواسطة هذه الأذرع من الهيمنة بالفعل على القرار السياسي لأربعة حواضر عربية، وهي العراق وسوريا ولبنان واليمن.
في حين يبرز الكيان الصهيوني من بين أدوات ثلاث للهيمنة الغربية على المنطقة العربية، والتي تتضمن أيضًا، الحفاظ على تفتيت المنطقة الى دول، ومساندة نظم مواليه له فكريًا وعسكريًا.
وهذا لا يمنع أن يكون للكيان الصهيوني أحلامه الموازية للسيطرة والهيمنة، عن طريق اللوبيات اليهودية في الغرب، والتي تسيطر على الاقتصاد العالمي، وتهيمن على كبرى وسائل الاعلام.
في البداية ساعد الغرب ودولة الكيان الصهيوني إيران على التوسع والتمدد، لتحطيم ولتقف في وجه أي قوة سنية والتي تمثل الغالبية الساحقة من الشعوب العربية والإسلامية.
ولكن بعد أن تم كبت المشاريع السنية وحصارها، أو ظن الجميع ذلك، أفاق الغرب على أن المشروع الإيراني يهدد بطموحاته المشروع الغربي الصهيوني للهيمنة، فكان لابد من لجمه ووقف تمدده، حتى يعود إلى وظيفته السابقة وهي كبت أي طموح سني لصحوة الأمة.
وتنوعت وسائل احتواء وحصار إيران من دبلوماسية وعسكرية، خاصة بعد أن بدا أن هناك نوعًا من التقارب بين إيران والمقاومة الفلسطينية والتي لم تجد من يمدها بالسلاح إلا إيران، بينما تطمح إيران في استخدامها كورقة من أوراق ضغطها على الغرب للاعتراف بها كقوة إقليمية.
وبعد أن رد الغرب والكيان الصهيوني بقسوة على أذرع إيران، بل استهدف قلب إيران ووصل الأمر إلى حد اغتيال الرئيس الإيراني، وبدت إيران عاجزة عن رد مساوٍ لما فعله بها الكيان، هنا كان لابد من تدخل دبلوماسي لجني ثمار الضربات العسكرية.
وكان آخر فصول تلك الدبلوماسية، هو اللقاء الذي تم عقده في نيويورك، بين ممثل إيران لدى الأمم المتحدة مع إيلون ماسك، الذي رشحه الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، وزيراً ضمن إدارته.
ولم يتسرب ما تم الاتفاق عليه، ولكن واضح أن إدارة ترامب بعدها حثت نتانياهو على وقف الحرب في لبنان، لتفاهمات مرتقبة بين الأطراف الثلاثة: الأمريكي والصهيوني والإيراني.
وهذا الذي أثمر الاتفاق الأخير والذي سيؤدي إلى الانسحاب الصهيوني لاحقًا من الجنوب اللبناني.
________________________________________
الكاتب: حسن الرشيدي