فصل الشتاء: دروس وعبر واغتنام للطاعات

فصلَ الشتاء، قد كان السلف الصالح يستبشرون بقدوم الشتاء، ويَعُدُّونه غنيمةً باردة، ويستغلونه في الطاعات والقُرُبات، وتذكروا أن الحياة قصيرة، والفرص محدودة، فاغتنموا هذه الأيام والليالي، واجعلوها زادًا لكم في الآخرة.

  • التصنيفات: الحث على الطاعات -
فصل الشتاء: دروس وعبر واغتنام للطاعات

أيها المسلمون، نستقبل في هذه الأيام فصلَ الشتاء، فصلَ البرودة، والليالي الطويلة، فصلَ المطر والخيرات، فصلًا تتجلى فيه نِعَمُ الله العظيمة وآياته الباهرة، وقد كان السلف الصالح يستبشرون بقدوم الشتاء، ويَعُدُّونه غنيمةً باردة، ويستغلونه في الطاعات والقُرُبات، فأُحِبُّ أن أقف معكم اليوم على دروس وعِبَرٍ من هذا الفصل العظيم؛ لعل الله ينفعنا بها ويجعلها زادًا لنا في دنيانا وآخرتنا.

 

أولًا: التأمل في قدرة الله وعظمته:

عباد الله، إن تغيُّرَ الفصول وتعاقُبَ الليل والنهار آياتٌ باهرة على عظمة الله جل وعلا، ودليلٌ على وحدانيته وكمال قدرته؛ قال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]، تأملوا كيف يتحول الجوُّ من حرارة الصيف إلى برودة الشتاء؟ وكيف تنزل الأمطار فتُحيي الأرض بعد موتها؟ قال تعالى: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج: 5].

 

فيا عبدَالله، إذا رأيتَ المطر ينزل، فاعلم أنه رحمة من الله، واحمَده على هذه النعمة العظيمة، وقُلْ كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند نزول المطر: «اللهم صَيِّبًا نافعًا»؛ (رواه البخاري).

 

ثانيًا: الشتاء غنيمة باردة للطاعات:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصوم في الشتاء الغنيمةُ الباردة»؛ (رواه الترمذي)، في الشتاء، يقصُر النهار، فيسهُل على المسلم صيامه، ويطول الليل، فيتيسر قيامه؛ فاغتنموا - أيها الأحِبَّة - هذه الغنيمة الباردة، وتزوَّدوا من الطاعات والقُرُبات؛ فإن الأيام تمضي، والأعمار تنقضي، ولن ينفعكم يوم القيامة إلا ما قدمتم من أعمال صالحة.

 

وكان الحسن البصري يقول: "نِعْمَ زمانُ المؤمن الشتاءُ، ليلُه طويل يقومه، ونهارُه قصير يصومه"، فأين نحن من هذه الهِمَمِ العالية؟ وأين نحن من استثمار أوقاتنا فيما يقربنا إلى الله؟

 

ثالثًا: قيام الليل في الشتاء:

أيها الإخوة، قيام الليل عبادة عظيمة يغفُل عنها كثير من الناس، وهي شرف المؤمن وعزُّه، وفي الشتاء، يطول الليل، فاغتنموا هذه الفرصة العظيمة؛ وتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل»؛ (رواه مسلم).

 

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "الشتاء غنيمة العابدين"؛ فكونوا من العابدين القائمين، ولا تَدَعوا هذه الليالي تمرُّ دون أن يكون لكم فيها نصيبٌ من القيام والتهجُّد والاستغفار.

 

رابعًا: الاستغفار في الأسحار:

عباد الله، إن من أعظم القُرُبات في هذا الفصل المبارك الإكثارَ من الاستغفار في وقت السَّحَر؛ قال الله تعالى في وصف المتقين: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 18]، فتذكَّروا أن وقت السَّحَر وقت مبارك، يُستجاب فيه الدعاء، ويغفر الله فيه الذنوب، فلا تفوِّتوا هذه الفرصة، وأخلِصوا في الدعاء والاستغفار.

 

خامسًا: الإنفاق على الفقراء والمساكين:

أيها الإخوة المؤمنون، في الشتاء، يعاني كثيرٌ من الفقراء والمحتاجين من قسوة البرد، وقلة ذات اليد، فلا يجدون ما يقيهم البردَ من لِباسٍ وطعام، فكونوا عونًا لهم، وأحسِنوا إليهم، وتصدَّقوا عليهم؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»؛ (رواه الترمذي).

 

وقد قال صلى الله عليه وسلم أيضًا: «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته»؛ (رواه مسلم)، فبادِروا إلى مواساة إخوانكم الفقراء؛ فإن في ذلك أجرًا عظيمًا، وبركةً في المال، وزيادةً في الرزق.

 

سادسًا: شكر الله على نعمة الدفء والرزق:

أيها الأحِبَّة، إن من أعظم ما ينبغي علينا في هذا الفصل أن نشكُرَ الله على نِعَمِهِ العظيمة؛ فقد أنعم الله علينا باللِّباس والدفء والطعام، في حين أن هناك مَن يبيت في العَرَاء، ويعاني من البرد والجوع؛ قال الله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ * وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} [إبراهيم: 7، 8].

 

فاشكروا الله على هذه النِّعَمِ، ولا تغفُلوا عن ذِكْرِهِ وحمدِهِ؛ فإن الشكر سببٌ لدوام النعم وزيادتها.

 

إن فصل الشتاء يحمل في طيَّاتِهِ الكثير من الدروس والعِبَرِ، فاحرصوا على استثمار أوقاتكم فيه في الطاعات والقُرُبات، وتذكروا أن الحياة قصيرة، والفرص محدودة، فاغتنموا هذه الأيام والليالي، واجعلوها زادًا لكم في الآخرة.

_________________________________________
الكاتب: د. خالد بن حسن المالكي