العلم رفعة للفرد والمجتمع

للعلم قيمة ومنزلة كبيرة في القرآن والسنة، وهذا واضح وظاهر كظهور الشمس في كَبِدِ السماء؛ فهناك آيات وأحاديث كثيرة ترغِّب في طلب العلم، وتحُثُّ عليه؛ ويكفي تدليلًا على ذلك أن أول آية نزلت من القرآن الكريم هي قوله سبحانه وتعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}

  • التصنيفات: طلب العلم - الإسلام والعلم -

الحمد لله جَعَلَ العلم طهارةً للنفوس، ونورًا للبصائر، وطريقًا يهدي الحائر، ومسلكًا ينال صاحبه المفاخر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شرَّف أهل العلم بأعلى المنازل، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله بيَّن لنا معالمَ الدين، وهدانا إلى الصراط المستقيم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:

أهمية العلم والتعليم:

أيها المسلمون: أغلى المكاسب، وأعلى المطالب، وأرفع المواهب علمٌ نافع، ينفع في الدنيا، ويرفع في الأخرى، يضيء لصاحبه الطريق، ويدُلُّه على الصواب، ويهديه إلى جنات النعيم، به ساد الأولون أقوامَهم، وبه ارتفع دين الله وبلغ الآفاق، هو تَرِكةُ الأنبياء، لم يخلِّفوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورَّثوا العلم، فمن أخذَهُ أخَذَ بحظٍّ وافر.

 

إنَّ كلَّ أُمَّةٍ تهدف من التعليم إلى تحقيق أغراض ومنافع، وتقصِد من ورائه غاياتٍ ومقاصدَ؛ لذا تسعى الأمم من خلال منطلقات علمية وأهداف تربوية إلى تحقيق أغراض ومقاصد من التعليم، وغايات وأهداف؛ فالتعليم بشتى أنواعه، وبمختلِف صوره هو الوسيلة الكبرى لإنشاء الأجيال التي تؤمن بمبدأ الأُمَّةِ وقِيَمِها، وهو السبيل لرُقِيِّ أيِّ مجتمع وأي أُمَّة.

 

القرآن والسنة تحدثاننا عن العلم والتعليم:

أيها المسلمون: وللعلم قيمة ومنزلة كبيرة في القرآن والسنة، وهذا واضح وظاهر كظهور الشمس في كَبِدِ السماء؛ فهناك آيات وأحاديث كثيرة ترغِّب في طلب العلم، وتحُثُّ عليه؛ ويكفي تدليلًا على ذلك أن أول آية نزلت من القرآن الكريم هي قوله سبحانه وتعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]، وقوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]، وقول الله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9]، وقوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، وقوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18]، وقوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7]، وقوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28].

 

وفي السنة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طلبُ العلم فريضة على كل مسلم»؛ (صحيح الجامع)، وعن كثير بن قيس قال: كنت جالسًا مع أبي الدرداء في مسجد دمشق، فجاءه رجل، فقال: يا أبا الدرداء، إني جئتك من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لحديثٍ بلغني أنك تحدِّثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما جئت لحاجة، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا، سلك الله به طريقًا من طُرُق الجنة، وإن الملائكة لَتضعُ أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإن العالم لَيستغفرُ له من في السماوات ومن في الأرض، والحيتانُ في جوف الماء، وإن فضلَ العالم على العابد كفضل القمر ليلةَ البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، ورَّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر»؛ (أبو داود، وصححه الألباني).

 

العلم يبني الأفراد والأمم:

أيها المسلمون: إن أول علاقة تمَّت بين السماء والأرض انْبَنَتْ على القراءة والتعلُّم؛ لأن الإسلام دين خالد، ورسالة سامية للعالمين، تحمل في طيَّاتها قواعدَ الصلاح، وأركان السعادة والسؤدَد للبشرية جمعاء، والعلم في نظرة الإسلام صِمام الأمان بإذن الله للنهوض بالأمة وأفرادها، وجَعْلِهم في مكان عالٍ من المكارم والفضائل، والرُّقِيِّ والتمدُّنِ، والصلاح والسعادة، والاجتهاد والفلاح، والعلم في الإسلام له غاياتٌ عُظمى، وأهداف نبيلة، تضمن سعادة الأفراد وسلامة المجتمعات وفلاحَها، دنيا وأخرى، وديننا يشجِّع على كسب العلوم والمعارف التي تزوِّد الأفراد والمجتمعات بكل صالح ونافع يحقِّق عمارة الأرض، على وَفْقِ ما أراد الله جل وعلا:  {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13]، وعندما نتحدث عن العلم، نتحدث عن كل العلوم التي ينتفع بها العالَمُ، وترسِّخ المفاهيم والاتجاهات السليمة نحو كل عمل بنَّاءٍ، وهي مطلب من مطالب هذا الدين، كل ذلك بُغية إنشاء جيل مؤمن يعمل لدينه ودنياه، ويُسهم في رفعة أُمَّتِهِ ومجتمعه، ويسير به قُدُمًا في معارج التطور الميداني، والرقي الحضاري، في إطار حياة كريمة تضمن بإذن الله للفرد الرفعةَ والمكانة، وللأمة الإسلامية العزَّةَ والكرامة والسيادة؛ لأن نبيَّنا يقول كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير»؛ (مسلم)، ومن القوة قوة العلم والمعرفة، وليس المقصود بالعلم هنا العلمَ الشرعي الديني فقط، وإنما كل علمٍ نافعٍ مفيد يُسهم في التقدم الحضاري والإثراء المعرفي، ويقوِّي ويعزِّز قدرةَ الفرد والمجتمع، سواء كان من العلوم الدينية أو العلوم المادية التجريبية؛ كالطب والهندسة، والاقتصاد والتجارة، أو العلوم الإنسانية والاجتماعية، وغيرها من العلوم، وقد جعل الله اكتساب هذه العلوم من الواجبات التي تُطالَب الأمة بها في مجموعها؛ فبالعلم نصنع ما نلبَس، ونزرع ما نأكل، وننتج علاجنا ودواءنا، كذلك به نصنع سلاحنا الذي نقاتل به عدونا، وندفع به عن أنفسنا.

 

والدول التي تسيطر على العالم وتتحكم فيه إنما تسيطر عليه بالعلم والتكنولوجيا والتقدم، فبالعلم بَنَتْ هذه الدول قوتها الاقتصادية، وأنتجت من الحاجيات ما لا يستغني عنه الآخرون، وبالعلم صنعت رفاهيتها الفردية والاجتماعية، فعاشت شعوبها في رخاء وسلام، وسعادة واطمئنان، وبالعلم بَنَتْ قوتها الحربية والعسكرية التي أرعبت بها الناس، وأرغمت أنوف أعدائها، ودافعت عن مصالحها، وتحكمت في غيرها من البلدان.

 

أضرار الجهل على الأفراد والأمم:

أيها المسلمون: ما شقِيَ فرد ولا أُمَّة بمثل شقائها بجهلها، فالجهل آفة تنخَر في كل كيان الأمة، وهو رأس الآفات، ومصدر البليَّات، وشَرَرُه وشرُّه يطول الأُمَّةَ في إيمانها وهُوِيَّتِها وإنتاجها، وما انتشرت الجرائم، وكثُرت الفواحش، وتجرَّأ الناس على دين الله إلا بسبب قلة العلم، وتفشِّي الجهل، وما ظهر الجهل في أُمَّةٍ إلا تهدَّم بنيانها، وتزعزعت أركانها وحلَّ بها الخراب والتدمير، وعندما تعصف بالعالم الأزماتُ والكوارثُ الطبيعية، تبقى مأساة الجهل واحدة من أبشع الكوارث التي تهدِّد نسيجَ المجتمعات، وتَعُوق تقدُّمها، هذا الشر أخذ يتفشَّى ويتغلغل في العقول، ويُعطِّل مسيرةَ التطور، فالجهل لا يترك وراءه دمارًا ماديًّا يمكن إصلاحه، بل يمزِّق قدرة الإنسان على التفكير الرشيد، ويُزيحه بعيدًا عن إدراك الواقع الذي يعيشه، ويُفقِر العقلَ ليصبح عاجزًا عن تقدير العلم، ومحصَّنًا ضد اكتساب الحقائق، ويسلُب الفرد طموحه للسعي وراء إبداع أفضلَ لواقعه ومستقبله، يتجسَّد خطرُ الجهل بشكل جلِيٍّ في الحواجز التي يبنيها أمام المعرفة والإبداع، ويُسهم في تعميق الفجوات الثقافية والاجتماعية، ويتسبَّب في اندلاع النزاعات والانقسامات داخل المجتمع، ويُعَدُّ العائقَ الأكبر أمام كل جهود التنمية والمعرفة والتقدُّم في حياة الأفراد والمجتمعات.

 

والجهل اليوم هو صناعة مُعتمَدة قانونًا ورسميًّا وبشكل متعمَّد، ويستخدم للحيلولة دون تحقيق التقدم والتغيير في المجتمعات، وهي عملية تتضمن إبقاء الناس في جهلٍ لحقيقةِ ما يقع من أمور في أوطانهم ومحيطهم المعيشي، ومنعَهم من الوصول إلى المعرفة والتعليم، وتستخدم عادة من قِبل أولئك الذين يسعَون إلى الحفاظ على سلطتهم وتحكُّمهم في المجتمع.

 

والذي نخلص منه أن الجهل عواقبه وخيمة، وأنه يجلب الويلات والخراب والدمار لكل أُمَّةٍ، إذا تفشَّى وطغى وعمَّ؛ لهذا نحُثُّ أولياء الأمور في كل مجتمع من المجتمعات على ألَّا يهملوا هذا الجانب المهم والحيويَّ، لأجل إنقاذه من الغرق الأكيد إلى شاطئ الأمان، وقد أخبرنا الله في قرآنه بأن العلم كان من الأسباب التي جعلت طالوت ملكًا؛ فقال تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 247].

 

توجيهات للآباء بمناسبة عودة الطلاب إلى المدارس:

أيها المسلمون، أيها الآباء والأمهات، إليكم هذه النصائح مع بداية العام الدراسي الجديد:

1- ربط الأبناء بالمسجد، والإتيان بهم إلى المساجد بعد رجوعهم من المدارس وأوقات العطلات الرسمية، وتسجيل الأولاد والبنات في مدارس السبت والأحد لتعليم اللغة العربية والقرآن الكريم؛ إذ إن المراكز الإسلامية هي الحصن الحصين لتعليم أبنائنا الدينَ والإيمان بالله، واكتساب الأخلاق الإسلامية الحميدة.

 

2- أنتم شركاء للمدرسة في مسؤوليتها، فعليكم التواصل وزيارة المدرسة في بعض الأوقات لمعرفة وضع الأبناء في المدارس.

 

3- نصح الأبناء وإرشادهم ومساندتهم في التعرف إلى أهدافهم، ومتطلبات عامِهم، وصناعة رؤاهم، والتماشي مع رسالتهم الدينية والمجتمعية.

 

4- المراقبة المنضبطة الواثقة والحريصة للأبناء، ونشاطاتهم وعلاقاتهم، والجهات أو الأدوات التي يتعاملون معها، ويحتكُّون بها.

 

5- التواصل المستمر مع مديري المدارس والمدرسين، والمشرفين وعناصرها؛ لمعرفة واقع الطالب وتفاعلاته، ومدى انسجامها داخل البيئة المدرسية.

 

6- تعظيم احترام المعلم والمدرسة في نفوس الطلبة والأبناء، وتوجيههم لاحترامهم وتقديرهم، والنَّهل من معارفهم وعلومهم، والكسب العلمي منهم.

 

7- تعديل سلوكيات الأبناء بالأساليب المنهجية الإنسانية والتربوية بعيدًا عن تحطيم النفس، واستخدام التعنيف الجسدي واللفظي.

_______________________________________________________
الكاتب: د. عبدالرزاق السيد