التأجير المنتهي بالتمليك
خالد بن علي المشيقح
هذا بحث في مسألة الإجارة المنتهية بالتمليك والتي كثر تعامل الناس بها في هذا الزمن..
- التصنيفات: فقه المعاملات -
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
فهذا بحث في مسألة الإجارة المنتهية بالتمليك والتي كثر تعامل الناس بها في هذا الزمن.
فنقول: التأجير المنتهي بالتمليك أو الإجارة المنتهية بالتمليك هذا المصطلح، اصطلاح معاصر لم يكن عند الفقهاء السابقين.
تعريفه:
هذا المصطلح مركب من كلمتين:
أ/ التأجير أو الإجارة.
ب/ التمليك.
وسنعرف هاتين الكلمتين ثم نقوم بتعريف هذا العقد مركبًا.
أولًا: التأجير في اللغة: مشتق من الأجر، وهو الجزاء على العمل، ويطلق أيضًا على الثواب.
والإجارة: اسم للأجرة، وهي ما يعطى من الأجر على العمل.
وأما الإجارة في اصطلاح العلماء: هي عقد على منفعة معلومة مباحة من عين معينة أو موصوفة في الذمة أو على عمل معلوم بعوض معلوم مدة معلومة.
فتلخص لنا أن الإجارة تنقسم إلى قسمين:
1- إجارة أعيان.
2- إجارة أعمال.
ثانيًا: التمليك، وهو في اللغة: جعل الغير مالكًا للشيء.
وأما في الاصطلاح فإنه لا يخرج عن المعنى اللغوي.
والتمليك قد يكون تمليكًا للعين، وقد يكون تمليكًا للمنفعة، وقد يكون بعوض، وقد يكون بغير عوض.
فإذا كان تمليكًا للعين بعوض فهذا بيع.
وإذا كان تمليكًا للمنفعة بعوض فهذه هي الإجارة.
وإذا كان تمليكًا للعين بلا عوض فهذه هي الهبة.
وإذا كان تمليكًا للمنفعة بلا عوض فهذه عارية.
ثالثًا: تعريف الإجارة المنتهية بالتمليك على أنها مركبة من كلمتين: هي تمليك منفعة من عين معلومة مدة معلومة، يتبعه تمليك العين على صفة مخصوصة بعوض معلوم.
فقولهم: تمليك منفعة، هذا هو الإجارة.
وقولهم: يتبعه تمليك العين، هذا هو البيع.
فهي إجارة منتهية بالتمليك.
نشأة عقد الإجارة المنتهية بالتمليك:
هذا العقد وجد أول ما وجد عام 1846م في إنجلترا، وأول من تعامل بهذا العقد، أحد تجار الآلات الموسيقية في إنجلترا، فكان يؤجر آلاته الموسيقية إجارة يتبعها تمليك العين، وقصد من ذلك ضمان حقه.
ثم بعد ذلك انتشر مثل هذا العقد وانتقل من الأفراد إلى المصانع، وكان أول هذه المصانع تطبيقًا لهذا العقد مصنع سنجر لآلات إلخياطة في إنجلترا.
ثم بعد ذلك تطور، وانتشر بصفة خاصة في شركات السكك الحديدية، التي تشتري المركبات، وتؤجرها لمناجم الفحم تأجيرًا ينتهي بالتمليك.
ثم بعد ذلك انتشر هذا العقد، وانتقل إلى بقية دول العالم، فانتقل إلى الولايات المتحدة عام (1953م).
ثم بعد ذلك انتقل إلى فرنسا عام (1962م).
ثم بعد ذلك انتقل إلى البلاد العربية والإسلامية عام (1397هـ).
بعض المسائل الفقهية التي يبنى عليها هذا العقد:
قبل الدخول في عقد الإجارة المنتهية بالتمليك لابدّ من بحث بعض المسائل الفقهية التي يبنى عليها هذا العقد.
فإن الذين منعوا هذا العقد كما سيأتينا في أقسام هذا العقد مطلقًا قالوا: بأنه اشتراط عقد في عقد، وهذا لا يجوز عند جمهور أهل العلم.
وقالوا أيضًا: يتضمن تعليق عقد البيع على شرط مستقبل، وهذا لا يجوز.
وقالوا أيضًا: تعليق الهبة، وهذا لا يجوز.
وقالوا: هذا مبني على الوعد والإلزام به، والوعد غير لازم عند الجمهور.
فمثل هذه المسائل سنشير إلى كلام العلماء فيها عن طريق الإجمال، لأنه -كما أسلفت- هذا العقد عقد الإجارة المنتهي بالتمليك يبنى على هذه المسائل، فإذا عرفنا الحكم في هذه المسائل يتبين لنا الإجابة عن قول من منع مثل هذا العقد مطلقًا بكل أقسامه وصوره.
وسوف يأتينا أن هذا العقد له ثلاثة أقسام:
1- قسم محرم.
2- قسم جائز.
3- قسم ضبطه العلماء بضوابط.
الذين منعوا هذه الأقسام كلها، ومنعوا صور الإجارة المنتهية بالتمليك كلها تمسكوا بالمسائل الفقهية التي ذكرت... ونحن سنتعرض لهذه المسائل بإجمال، قبل أن نذكر أقسام الإجارة المنتهية بالتمليك.
المسألة الأولى: شرط المنفعة:
تقدم لنا في الضوابط أن الأصل في الشروط في عقد البيع الصحة، ودليل ذلك قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1]، والإيفاء بالعقد يتضمن الإيفاء بأصله ووصفه، ومن وصفه الشرط فيه، وأيضًا حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ».
تعريف الشرط في البيع:
الشرط في عقد البيع هو ما يشترطه أحد المتعاقدين مما له فيه مصلحة.
محله: تقدم أن ذكر أن محل هذه الشروط يصح أن تكون قبل العقد، ويصح أن تكون في صلب العقد، ويصح أن تكون في زمن إلخيارين: زمن خيار الشرط، وزمن خيار المجلس.
أقسام الشروط في العقد:
الشروط في البيع تنقسم إلى أربعة أقسام:
الأول: شرط يقتضيه العقد، فهذا صحيح بالاتفاق، ولهذا العلماء لا يذكرونه في المختصرات، وإنما يذكرونه في المطولات، وذكر مثل هذا الشرط إنما هو من قبيل البيان والتوكيد.
مثاله: اشتراط أن يكون الثمن حالًا، فلو قال البائع: أنا أبيع عليك البيت لكن بشرط أن يكون الثمن حالًا، فهذا الشرط لا حاجة له لأن العقد يقتضي أن يكون الثمن حالًا، وليس مؤجلًا، إذا أراد أن يؤجل فله أن يشترط عدم التأجيل.
أيضًا لو قال المشتري: أشتري منك السيارة بشرط أن أقبضها الآن، هذا أيضًا شرط يقتضيه العقد، فالأصل أن البائع يقبض السلعة الآن، فإذا أراد أن يؤخر فله أن يشترط.
الثاني: شرط مصلحة، سواء كانت هذه المصلحة راجعة للعقد أو راجعة على أحد المتعاقدين، فهذا الشرط أيضًا صحيح باتفاق الأئمة.
مثل: شرط الرهن أو الضمين أو الكفيل، فهذه شروط صحيحة، وكما لو قال المشتري: اشترط أن يكون الثمن مؤجلًا، فقال البائع: أشترط أن تعطيني رهنًا.
الثالث: شرط وصف في المبيع أو في الثمن، أيضًا هذا صحيح باتفاق الأئمة، فلو قال: أنا أشتري السيارة لكن بشرط أن تكون سرعتها كذا وكذا، وأن تكون إطاراتها كذا وكذا، وأن تكون قوة المكينة كذا وكذا... إلخ، فهذا شرط، وصف جائز حتى ولو اشترط المشتري مئة شرط، هذه كلها شروط صحيحة، والأئمة يتفقون على ذلك.
الرابع: شرط المنفعة، وهذا هو الذي اختلف فيه العلماء، مثاله: أن يقول: أبيعك السيارة بشرط أن أستعملها لمدة يوم أو يومين، أو تكون المنفعة في البائع، قال: أشتري منك السيارة بشرط، أن تغسلها أو تصلح إلخلل الموجود فيها.
حكمه:
اختلف فيه العلماء:
1- أضيق المذاهب فيه مذهب الشافعية، لا يجيزون أي شرط.
2- الحنابلة لا يجيزون إلا شرطًا واحدًا، يعني يصح أن تشترط شرطًا واحدًا، سواء كان هذا الشرط في المبيع أو في البائع، ولا يجوز أن تجمع شرطين.
دليلهم: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « »، فقالوا: تجمع شرطين من شروط المنافع لا يجوز.
3- المالكية قالوا: يجوز الشرط اليسير، وإذا كان كثيرًا لا يجوز.
4- الحنفية: إذا جرى تعامل الناس به جاز، وإذا لم يجر لا يجوز.
5- وأوسع الناس في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وهو رواية عند الحنابلة: أنه تجوز شروط المنفعة، وإن كثرت شرطين ثلاثة أربعة.
الترجيح:
هذا القول هو الصواب لما ذكرنا من الضابط أن الأصل في الشروط في البيع الحل، فإذا قال: أشتري منك السيارة بشرط أنك تصلحها، وتغسلها وتقوم بفحصها... إلخ، قالوا: هذا جائز ولا بأس به لما تقدم من الضابط وقد ذكرنا الدليل عليه، وفي حديث جابر –رضي الله عنه-: أن النبي صلى الله عليه وسلم- اشترط عليه حملان ظهر الجمل الذي باعه عليه إلى المدينة.
فالصحيح أن الشروط في البيع كلها جائزة.
المسألة الثانية: اشتراط عقد في عقد:
ولابدّ أن نفهم مسألتين:
الأولى: مسألة اشتراط عقد في عقد.
والثاني: جمع عقدين في صفقة واحدة، فتجمع عقدين هذه لا بأس بها، يعني تقول مثلًا: بعتك السيارة، وأجرتك البيت بمائة ألف ريال، الآن جمعت بين البيع والتجارة بثمن واحد، هذا جائز يجوزه الحنابلة والمالكية.
لكن هذا ليس منه التأجير المنتهي بالتمليك كما سيأتي.
التأجير المنتهي بالتمليك، توارد عقدين على عين واحدة، هنا ورد عقدان على عينين. لكن جمعت بينهما في صفقة واحدة بثمن واحد. لكن في الإجارة المنتهية بالتمليك التي منعها مجمع الفقه الإسلامي وهيئة كبار العلماء بالمملكة هو توارد عقدين على عين واحدة؛ عقد البيع وعقد الإجارة. وسيأتي -إن شاء الله- بيان ذلك كيف ورد عقد البيع؟ وكيف ورد عقد الإجارة؟ فأصبحت هذه المعاملة لا تجوز.
فجمع عقدين في صفقة واحدة هذا جائز ولا بأس به وإذا أردنا التفريق بينهما نقسط الثمن.
لكن اشتراط عقد في عقد، المذهب أن هذا ممنوع.
مثاله: أن تقول: بعتك البيت بشرط أن تؤجرني سيارتك أو أجرتك السيارة بشرط أن تبيعني بيتك.
حكمه: كما أن الحنابلة يمنعونه أيضًا هو قول أكثر أهل العلم وأنه لا يصح.
الدليل:
1- قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: « ».
2- وقالوا أيضًا: إن هذا هو بيعتان في بيعة الذي نهى عنه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم .
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وهو اختيار السعدي وقول عند المالكية وعند الحنابلة: أن هذا جائز ولا بأس به إلا إذا تضمن محظورًا شرعيًا.
تضمن محظورًا شرعيًا كما لو قال: أقرضتك بشرط أن تبيع لي. فهذا كما تقدم أنه داخل في منافع القروض المحرمة أن يشترط الدائن على المدين منفعة لا يقابلها سوى القرض. وأيضًا قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: « »، فهذا شرط عقد في عقد تضمن محظورًا شرعيًا فلا يجوز، وهو أيضًا إخراج القرض عن موضوعه، فإن المراد بالقرض؛ الإرفاق ووجه الله عز وجل إلى الكسب والتجارة.
وأيضًا كما لو قال: بعتك بشرط أن تزوجني، فنظير هذا النهي عن الشغار وهو أن يقول: زوجتك بشرط أن تزوجني أو تزوج ابني؛ لأن الإنسان إذا قال: زوجتك بشرط أن تبيعني فإنه لا ينظر إلى مصلحة موليته وإنما ينظر لمصلحته هو، فمن باعه أو حابه زوجه.
الترجيح:
هذا القول هو الصواب وأن اشتراط عقد في عقد جائز ولا بأس به ما لم يتضمن محظورًا شرعيًا.
ونستدل على هذا بما ذكر من الضوابط السابقة: أن الأصل في المعاملات والشروط فيها الحل.
وأما الشرطان اللذان نهى عنهما النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أو البيعتان في بيعة فهذا ابن القيم وشيخ الإسلام يحملانه على بيع العينة؛ فإن بيع العينة تضمن بيع مؤجل وبيع حاضر. وتضمن أيضًا الشرطين: شرط التأجيل وشرط الحلول.
المسألة الثالثة: تعليق عقد البيع على شرط مستقبل.
مثالها: أن يقول: بعتك السيارة إذا دخل شهر رمضان ونحو ذلك.
حكمه: فيه خلاف على قولين:
أ- الجمهور: على أنه غير جائز.
التعليل: قالوا: هذا يخالف مقتضى العقد إذ إن مقتضى العقد الفورية وألا يكون معلقًا.
ب- شيخ الإسلام: يصح تعليق عقد البيع على شرط مستقبل.
الدليل:
1- قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في سرية مؤتة: «أميركم زيد، فإن أصيب فجعفر، فإن أصيب فعبد الله بن رواحة»، فالنبي صلى الله عليه وسلم علق عقد الولاية.
2- أن الأصل في الشروط في العقود الصحة.
الترجيح:
تلخص أن تعليق عقد البيع على شرط مستقبل جائز ولا بأس به.
المسألة الرابعة: تعليق عقد الهبة على شرط مستقبل:
الخلاف في هذه المسألة كالخلاف في المسألة السابقة.
أ- فالجمهور على أنه يمنع من ذلك. فالحنفية والشافعية والحنابلة يمنعون من ذلك. مثال ذلك: لو قال: وهبتك السيارة إذا دخل شهر رمضان.
وتقدم أنهم يقولون: الأصل في العقود أن تكون منجزة.
ب- قول المالكية وقال به الحارثي من الحنابلة وهو اختيار شيخ الإسلام وابن القيم: أن هذا جائز ولا بأس به.
وإذا جاز ذلك في عقد البيع فجوازه في الهبة من باب أولى؛ لأن عقود التبرعات -كما سلف لنا- أوسع من عقود المعاوضات.
المسألة الخامسة: حكم الوعد والإلزام به:
فإن عقد الإجارة المنتهي بالتمليك مبني على وعد وهو التمليك. فهل يجب الوفاء بالوعد أو لا يجب الوفاء به؟
العلماء -رحمهم الله- لهم في ذلك خمسة أقوال لكن نذكر ثلاثة منها:
1- جمهور أهل العلم: أن الوفاء بالوعد غير واجب.
الدليل: قالوا: لم يرو عن أحد من السلف الإلزام به، فابن بطال وغيره يقولون: عموم السلف لا يقولون بلزوم الوفاء به.
2- طائفة من السلف وهو اختيار شيخ الإسلام وابن القيم: أنه يجب الوفاء بالوعد ولا يجوز إخلافه. وقال به اسحاق بن راهويه وعمر بن عبد العزيز وابن شبرمة من الحنابلة.
الدليل:
أ- قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1].
ب- قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون:8].
جـ - قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:2-3].
د- حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- في الصحيحين: أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: « »، وذكر منها: « ». وهذا يدل على تحريم إخلاف الوعد.
3- قول عند المالكية: أنه يجب الوفاء به إذا أدخل الموعود في ورطة وأما إذا لم يدخل الموعود في ورطة فإنه لا يجب على الواعد الوفاء به.
الدليل: يستدلون بقاعدة: لا ضرر ولا ضرار.
الترجيح:
الأقرب في هذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم من أنه يجب الوفاء بالوعد.
الخلاصة:
تلخصت هذه المسائل: أن الوفاء بالوعد واجب، وأن اشتراط عقد في عقد وتعليق عقد البيع على شرط مستقبل وتعليق عقد الهبة على شرط المستقبل والشروط في البيع أن هذه كلها صحيحة.
وبهذا يتبين أن من منع عقد الإجارة المنتهية بالتمليك حتى مع وجود الضوابط التي يذكرها بعض العلماء والباحثين لنفي المحذورات الشرعية في هذا العقد أنه غير متوجه. يعني من سد الباب كله وقال: إن هذا اشتراط عقد في عقد وأن الوعد لا يجب الوفاء به، وأن فيه تعليق عقد البيع على شرط مستقبل أو تعليق عقد الهبة على شرط مستقبل... إلخ، أن هذا لا يتوجه.
فسد الباب بناء على الخلاف في هذه المسائل وأن بعض أهل العلم منع منها. فقد تبين في هذه المسائل أن الشروط كلها صحيحة والوعد يجب الوفاء به. فحينئذٍ سد الباب بالكلية هذا غير متوجه.
أقسام الإجارة المنتهية بالتمليك وحكم كل قسم:
تنقسم الإجارة المنتهية بالتمليك إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يبرم عقد إجارة خلال مدة معينة يتبعه وعد بتمليك العين وهذا الوعد غير ملزم.
حكمه: جائز.
التعليل: لأنه في حقيقته عقد إجارة، فالمؤجر أجر المستأجر هذه العين ووعده وعدًا غير ملزم أن يهبه هذه العين في نهاية مدة الإجارة أو أن يبيعها عليه. فحقيقته أنه عقد إجارة فقط والأصل في عقود الإجارة الحل والجواز.
مثاله: أن يكون هناك اتفاق بين مؤجر ومستأجر على استئجار مولدات كهربائية لمدة عشر سنوات كل سنة بكذا وكذا، فهذا عقد إجارة مع وعد من المؤجر للمستأجر أن يملكه هذه العين بعد انتهاء مدة الإجارة، إما لأن العمر الافتراضي لهذه الآلة قد انتهى أو أن نقل هذه الآلات سيترتب عليه كلفة مالية قد تكون مساوية لهذه الآلات، أو تكون أكثر من قيمة هذه الآلات. فيقوم بهبة هذه الآلات أو بيعها للمستأجر.
القسم الثاني: أن يبرم عقد إجارة على عين من الأعيان خلال مدة معينة بأقسام معلومة يتخلل هذا العقد أمور:
1- زيادة القسط على أجرة المثل.
2- أن يتحمل المستأجر جميع تبعات التلف والهلاك لهذه العين سواء تعدى أو لم يتعد، فرط أو لم يفرط. وسواء فيما يتعلق بنفقات الصيانة أو نفقات الأمور التشغيلية لهذه العين.
3- أن المستأجر إذا قصر في دفع الأجرة القسط الواجب عليه فإن المؤجر يستحق سحب العين منه باعتبار أن هذه العين ملكًا له. ولا يعوض المستأجر عن المبالغ الزائدة على أجرة المثل.
4- إذا تم سداد الأقساط من قبل المستأجر فإن العين المؤجرة تنقلب إلى ملك المستأجر.
حكمه: ممنوع.
التعليل: لأنه توارد فيه عقدان على عين واحدة، عقد إجارة وعقد بيع؛ كيف عقد إجارة؟
عقد إجارة لأن المؤجر يستحق سحب هذه العين من المستأجر إذا قصر في دفع الأقساط فدل على أن المستأجر الآن لم يملك وإنما هو عقد إجارة.
وكذلك أيضًا يدل على أنه عقد إجارة؛ أن المؤجر يستحق الأجرة كاملة وهي الأقساط التي يدفعها المستأجر.
وأيضًا هو في الوقت نفسه عقد بيع. كيف عقد بيع؟
لأن المستأجر يتحمل ضمان تلف هذه العين وهلاكها، فكل تبعات التلف والهلاك التي تحصل لهذه العين يتحملها المستأجر.
فاجتمع على المستأجر عقد إجارة لأنه لم يملك العين وعقد بيع لأن الضمان عليه ولو كان عقد إجارة لكانت تبعات التلف والهلاك من ضمان البائع. فالأصل أن المستأجر لا يضمن وإنما يضمن إذا تعدى أو فرط، تعدى: فعل شيئًا لا يجوز له، فرط: ترك شيئًا يجب عليه ما عدا ذلك فإنه لا يضمن.
فلما توارد على هذه العين عقدان مختلفان؛ عقد البيع وعقد إجارة وأحكامهما مختلفة وآثارهما متباينة لم يصح هذا العقد.
فعقد البيع يختلف عن عقد الإجارة.
فالضمان والملك في عقد البيع للمشتري وعليه وأما عقد الإجارة فالملك للمؤجر والضمان عليه ما لم يتعد المستأجر أو يفرط.
فكيف نجمع على هذا الشخص الذي استأجر الضمان الذي هو تبعات عقد البيع ونجمع عليه أيضًا تبعات عقد الإجارة وذلك بحيث إنه إذا قصر تسحب منه هذه السلعة. فهو يضمن هذه السلعة باعتبار أنه مالك وهو ليس مالكًا وإذا قصر سحبناها منه.
فلما توارد هذان العقدان على هذه العين أصبح هذا العقد ممنوعًا؛ لأن هذا فيه ظلم وإجحاف لهذا المستأجر وغرر عليه، وتقدم لنا من الضوابط منع الظلم ومنع الغرر.
ولهذا جاءت الفتاوى بتحريم مثل هذه الصورة ومن ذلك فتوى هيئة كبار العلماء بالمملكة رقم (198)، حيث أفتت بتحريم هذه الصورة.
وكذلك أيضًا مجمع الفقه الإسلامي في جلسته الثانية عشرة أفتى بتحريم هذه الصورة.
تخريج بعض الباحثين لهذا القسم:
وقال بعض الباحثين بأن حقيقة هذه الصورة بيع بالتقسيط لكن طمع المؤجر على أن يستغل مزايا عقد الإجارة ومزايا عقد البيع جميعًا لنفسه وذلك بتحميل تبعات عقد الإجارة وعقد البيع على المستأجر فيكون في هذا ظلم وغرر فيكون ممنوعًا منه.
القسم الثالث: أن يبرم عقد إجارة على عين معينة معلومة بأقساط معلومة ويضبط هذا العقد بضوابط:
الضابط الأول: أن يكون ضمان العين المؤجرة على المالك المؤجر لا على المستأجر، ونستثني من ذلك شيئين:
أ- إذا تعدى أو فرط المستأجر فالضمان عليه.
ب- ما يتعلق بالنفقات التشغيلية فضمانها على المستأجر، مثل: الزيت والبنزين، وما عدا ذلك من تلف العين أو هلاكها أو تلف بعضها أو ما تحتاجه من صيانة.. إلخ. فالأصل أن يكون ذلك على المالك المؤجر. لأن العين المستأجرة كما يقول العلماء: أمانة في يد المستأجر فلا ضمان عليه إلا إذا تعدى أو فرط.
الضابط الثاني: أن المستأجر إذا قصر في دفع الأقساط المتفق عليها بينه وبين المؤجر فإنه يرد له ما زاد على أجرة المثل إذا سحبت منه العين.
فقد تكون أجرة المثل لهذه السيارة في الشهر خمسمائة ريال، والمؤجر يأخذ من المستأجر ألفًا ومائتي ريال كل شهر. فإذا قصر المستأجر في دفع هذه الأقساط فللمؤجر بناء على أنه عقد إجارة أن يسحب منه هذه العين لكن يجب على المؤجر أن يرد على المستأجر ما زاد على أجرة المثل.
الضابط الثالث: ما يتعلق بالشرط الجزائي يعني للمؤجر أن يشترط على المستأجر شرطًا جزائيًا يعوضه عن الضرر الذي يلحقه مقابل عدم إتمام العقد. ويكون هذا الشرط الجزائي بقدر ما حصل له من الضرر. فينظر كم حصل له من الضرر مقابل عدم إتمام هذا العقد، فيدفع له وما زاد على ذلك فإنه لا يدفع له.
وهذا هو الصواب فيما يتعلق بالشرط الجزائي أنه يصح اشتراطه مقابل الضرر الذي يلحق المشترط، وأما ما زاد على ذلك فليس له أن يأخذه، وبهذا أفتت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.
إذا توفرت هذه الشروط الثلاثة أصبح عقد إجارة تخللته هذه الضوابط الثلاثة.
حكمه: اختلف فيه أهل العلم -رحمهم الله-:
أ- فذهب بعض أهل العلم إلى منع هذا العقد مطلقًا ولو ضبط بهذه الضوابط.
التعليل: بناء على أن جمهور أهل العلم يمنعون اشتراط عقد في عقد ويمنعون تعليق عقد البيع وكذلك عقد الهبة على شرط مستقبل، وأن الوفاء بالوعد غير لازم وإذا كان غير لازم وأنه لن يوفي به لم يحصل المقصود من هذا العقد.
ب- أنه جائز ولا بأس به ما دام أنه يضبط بهذه الضوابط التي ذكرنا.
وأما اشتراط عقد في عقد أو تعليق البيع أو الهبة على شرط مستقبل... إلخ، فقد تقدم أن الصواب أن هذا جائز ولا بأس به.
فلا بأس للإنسان أن يشترط عقدًا في عقد آخر فعقد الإجارة يشترط فيه عقد البيع هذا لا بأس به.
وأيضًا لا بأس أن يقول المؤجر: إذا سددت الأقساط أبيعك السيارة، فعقد البيع هنا معلق على شرط مستقبل وهو تسديد الأقساط.
وأيضًا لا بأس أن يقول: إذا سددت الأقساط وهبتك السيارة، هذا عقد هبة مبني على شرط مستقبل.
وأيضًا تقدم أن الوعد يجب الوفاء به، فالمؤجر إذا وعد المستأجر وقال: إذا أتممت الأقساط بعتك السيارة أو وهبتك السيارة، فإن هذا واجب ويجب عليه أن يلتزم به ديانة وقضاء. وأن هذا القول هو الصواب.
فإذا توفرت هذه الضوابط وتبين لنا المسائل السابقة التي رتبت على هذه المسألة وأنها كلها جائزة ولا بأس بها أصبح هذا العقد صحيح.
فائدة:
صدر من المجمع الفقهي صور لإجازة هذا العقد، حيث ذكروا ما يقرب من تسع صور نذكر بعضًا منها:
1- عقد إجارة مع وعد بالبيع في نهاية المدة. يعني: يعقد عقد الإجارة ويعد المؤجر المستأجر الذي أخذ هذه السيارة بالأقساط أن يملكه إياها في نهاية المدة بدفعة قدرها كذا وكذا. فأفتى المجمع بجواز هذه الصورة ما دامت توفرت الضوابط الثلاثة السابقة.
2- عقد إجارة مع وعد بالبيع في نهاية المدة بسعر السوق، يعني يتفقان على الأقساط ويتفقان أيضًا على أنه في نهاية هذه المدة يقوم المؤجر بعقد البيع للمستأجر لكن بسعر السوق، فينظر كما تساوي هذه السيارة الآن فيبيعه إياها.
أيضًا أجازها المجمع الفقهي.
تنبيه:
البيع بسعر السوق موضع خلاف:
شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يرى جوازه، يعني لو قال: أبيعك السلعة بما يتبايع به الناس أو بما ينتهي إليه السوق.
3- عقد إجارة مقرون بوعد الهبة، يعني يعقد له على هذه السيارة بهذه الأقساط... إلخ. ويعد المستأجر على أنه إذا أتم سداد الأقساط فإنه يهبه هذه السيارة. أيضًا هذه الصورة أجازها مجمع الفقه الإسلامي.
4- عقد إجارة مقترن بهبة معلقة على شرط وهو سداد الأقساط، في الصورة السابقة وعده بأن يملكه. وفي هذه الصورة جعل التمليك بالهبة مبنيًا على سداد الأقساط، يعني يقول: إذا قمت بتسديد الأقساط في مواعيدها فإنني أملكك هذه السيارة.
أيضًا هذه الصورة أجازها مجمع الفقه الإسلامي.
5- عقد إجارة وللمستأجر في نهاية المدة ثلاثة خيارات:
الأول: أن يقوم برد السلعة إلى المؤجر.
الثاني: أن يتملك هذه السلعة بثمن يتفقان عليه.
الثالث: الاستمرار في عقد الإجارة.
وهذه الصورة أيضًا أجازها مجمع الفقه الإسلامي.
هذا ما يتعلق بهذه المسألة وهي مسألة الإجارة المنتهية بالتمليك.
والله أعلم.