الإسلام ورعاية حقوق المرأة

أحاط الإسلام المرأة بسياج من الرعاية والعناية، وارتفع بها وقدَّرها، وخصَّها بالتكريم وحسن المعاملة ابنةً وزوجةً وأختًا وأمًّا، فقرَّر الإسلام أولًا أن المرأة والرجل خُلِقا من أصل واحد، ولهذا فالنساء والرجال في الإنسانية سواء..

  • التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة - أحكام النساء -

أحاط الإسلام المرأة بسياج من الرعاية والعناية، وارتفع بها وقدَّرها، وخصَّها بالتكريم وحسن المعاملة ابنةً وزوجةً وأختًا وأمًّا، فقرَّر الإسلام أولًا أن المرأة والرجل خُلِقا من أصل واحد، ولهذا فالنساء والرجال في الإنسانية سواء؛ قال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].

 

وهناك آيات أخرى تبيِّن قضاء الإسلام على مبدأ التفرقة بين الرجل والمرأة في القيمة الإنسانية المشتركة، وانطلاقًا من هذه المبادئ، وإنكارًا لعادات الجاهلية والأمم السابقة فيما يخص وضع المرأة، جاء الإسلام يدافع عن المرأة ويُنزلها المكانة التي لم تبلغها في ملة ماضية، ولم تدركها في أمة تالية؛ حيث شرع لها - كأم وأخت وزوجة وابنة - من الحقوق منذ أربعة عشر قرنًا ما تزال المرأة الغربية تصارع الآن للحصول عليه، ولكن هيهات!

 

فقرَّرَ الإسلام بداية أن النساء يُماثلن الرجال في القدر والمكانة، ولا يُنتقص منهم أبدًا كونهنَّ نساء، وفي ذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم يؤصِّل لقاعدة مهمة:  «إِنَّ النسَاءُ شَقَائِقُ الرجَالِ»؛ (رواه الإمام أحمد والترمذي وأبو داود) (صحيح الجامع 1983).

 

كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان دائم الوصية بالنساء وكان يقول لأصحابه:  «اسْتَوْصُوا بِالنسَاءِ خَيْرًا»؛ (رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).

 

وتكرَّرت منه هذه النصيحة في حجة الوداع وهو يخاطب الآلاف من أمته، وإذا ما أردنا أن نتبيَّن ما أصَّله الإسلام وما جاء به من دعائم لرِفعة المرأة وتكريمها، فيهمُّنا أن ندرك أولًا وضع المرأة في الجاهليات القديمة والمعاصرة، لنرى الظلام الحقيقي الذي عاشته والذي مازالت تعيشه، ومن ثمَّ يتبيَّن لنا حقيقة وضع ومكانة المرأة في ظل تعاليم الإسلام.

 

فإذا كان العرب - كما مرَّ بنا - يَئِدُون بناتهم فيحرمونهن حقَّ الحياة، إذا بالقرآن الكريم يتنزل يُجرِّمُ ويُحرِّمُ ذلك الفعل؛ حيث قال الله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأيّ ذَنْبٍ قُتلَتْ}[التكوير:8،9]، بل جعله النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الذنوب، فعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم؟ قال: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ»، قلت: ثم أي؟ قال: «أنْ تَقتُلَ وَلَدَكَ خَشْيةَ أنْ يَأكُلَ مَعَكَ»، قلت: ثم أي؟ قال: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ»؛ (رواه البخاري).

 

فالأمر في الإسلام لم يقف عند الحفاظ على حق المرآة في الحياة فقط، وإنما رغَّب الإسلام في الإحسان إليها صغيرة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:  «مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ شَيْئًا، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ، كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النارِ»؛ (رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها).

 

• ثم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتعليمها، فقال:  «أَيُّما رَجُلٍ كانَتْ عِنْدَهُ ولِيدَةٌ، فَعَلَّمَها فأحْسَنَ تَعْلِيمَها وأَدَّبَها فأحْسَنَ تَأْدِيبَها، فَلَهُ أجْرانِ»؛(رواه البخاري من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه).

 

• وكان صلى الله عليه وسلم يجعل للنساء يومًا ليعظَهُنَّ، ويذكِّرهُنَّ، ويأمرهُنَّ بطاعة الله تعالى، فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: «غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك، فوعدهنَّ يومًا لقيهُنَّ فيه فوعظهُنَّ وأمرهُنَّ» [1].

 

• وما أن تشِبَّ البنت، وتصير فتاة بالغة، حتى يعطيها الإسلام الحق في الموافقة على الخاطب أو رفضه، ولا يجوز إجبارها على الاقتران برجلٍ لا تريده، وقد قال في ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم:  «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَليِهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا»؛ (رواه مسلم من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما)، وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا:  «لَا تُنْكَحُ الْأَيِمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ»، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال صلى الله عليه وسلم: «أَنْ تَسْكُتَ»؛ (رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).

 

• ثم لَمَّا تصير زوجة يحُثُّ الشرع الحنيف على حسن معاملاتها وعشرتها؛ قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء:19]، وقال صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيرًا»؛ (رواه البخاري ومسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم:  «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائكم»؛ (رواه أحمد والترمذي).

 

فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم مُرَغِّبًا:  «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا سَقَى امْرَأَتَهُ مِنَ الْمَاءِ أُجِرَ»؛ (رواه الإمام أحمد من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه) (صحيح الترغيب والترهيب: 1963).

 

ويقول صلى الله عليه وسلم مُرَهِّبًا:  «اللَّهُمَّ إِني أُحَرِّجُ[2] حَقَّ الضَّعيفينِ: الْيَتِيمِ والمرْأَةِ»؛ (رواه الإمام أحمد وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه) (الصحيحة: 1015).

 

• وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة عملية في ذلك، فكان في غاية الرقُّة واللُّطف مع أهله، فقد أخرج البخاري من حديث الأسود بن يزيد النخعي قال: سألت عائشة - رضي الله عنها - ما كان النبي يصنع في أهله؟ قالت - رضي الله عنها -: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ[3] فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة».

 

• وإذا ما كرِهت الزوجة زوجها ولم تُطِق الحياة معه، فقد سنَّ لها الإسلام حق مفارقة الزوج، وذلك عن طريق الخُلع، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق، إلا أني أخاف الكفر، وفي رواية ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَتَرُدّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ» ؟، فقالت: نعم، فردَّت عليه حديقته، وأمره صلى الله عليه وسلم ففارقها، وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:  «اقْبَلْ الحَدِيِقَةَ وَطَلِقْهَا تَطْلِيِقَة».

وأعطى الإسلام المرأة الحق في النفقة والسكنى؛ قال الله تعالى:{لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ}[الطلاق: 7]، وقال الله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم}[الطلاق:6].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف»؛ (رواه البخاري).

 

وفي الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل، ما حقُّ زوجة أحدِنا عليه؟ قال: «أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت»؛ (رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه).

 

وبالإضافة إلى ما سبق، فقد أثبت الإسلام للمرأة ذمة مالية مستقلة تمامًا كالرجل؛ فلها أن تبيع وتشتري، وتستأجر وتؤجر، وتوكِّل وتَهب، ولا حجر عليها في ذلك ما دامت عاقلة رشيدة، وذلك انطلاقًا من قوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}[النساء:6].

 

ولَمَّا أجارت أم هانئ بنت أبي طالب رجلًا من المشركين، وأبى أخوها علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلا أن يقتُله، كان قضاء الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الحادثة، فقال: «أجَرْنَا مَن أجََرْتِ يا أُمَّ هَانِئٍ»؛ (رواه البخاري ومسلم من حديث أم هانئ بنت أبي طالب - رضي الله عنها).

 

فأعطاها صلى الله عليه وسلم الحق في إعطاء الأمان والجوار في الحرب أو السلم لغير المسلمين، وهكذا تعيش المرأة المسلمة عزيزة أبيَّة كريمة مصونة في ظل تعاليم الإسلام وفي ظِلِّ الحضارة الإسلامية السامية.

 

• أعطى الإسلام المرأة الحق في التعليم والتربية؛ قال الله تعالى: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:114]، وقال الله تعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11].

 

وفي الحديث:جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يومًا، فقال صلى الله عليه وسلم: اجتَمِعْنَ في يوم كذا وكذا، فاجتمعنَ، فأتاهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ (رواه البخاري ومسلم).

 

وقال صلى الله عليه وسلم واعدًا مَن يُحسن إلى البنات بأعلى الجزاء:  «من كانت له انثى فلم يُهنْها، ولم يؤثرْ ولده عليها،قال: يعني: الذكور، أدخله الله الجنة»؛ (رواه أبو داود والحاكم).

 

وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا مثبتًا الأجر كذلك في حق الأخوات:  «من كان له ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، أو بنتان، أو أختان، فأحسن صحبتهن، واتقى الله فيهنَّ، فله الجنةُ»؛ (رواه الترمذي وابن حبان).

 

الإسلام سوَّى بين المرأة والرجل في التكاليف والجزاء؛ قال الله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أو أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}[النساء: 124].

 

وقال الله تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2].

وقال الله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:30].

وقال الله تعالى:{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31].

 

وقال الله تعالى:﴿ { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أولَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[الممتحنة:12].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: «النساء شقائق الرجال»؛ (رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي).

 

وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تَمنعوا إماءَ الله مساجدَ الله، ولكن ليخرجنَ وهنَّ تَفِلاتٌ»؛ (رواه البخاري ومسلم).

 

وفي الحديث:لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال؛ (رواه البخاري).

 

وقال صلى الله عليه وسلم: «قد أجَرنا من أجرتِ يا أم هانئ»؛ (رواه البخاري ومسلم).

 

وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها - قالت: ولا والله ما مست يده صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط في المبايعة، ما يبايعهنَّ إلا بقوله: قد بايعتك على ذلك؛ (رواه البخاري ومسلم).

 

وفي الحديث أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم كان يغزو بِهِن، فيداوين الجرحى، ويَحذِينَ من الغنيمةِ؛ (رواه مسلم).

 

فالإسلام دين الله سبحانه وتعالى الصالح لكل زمان ومكان، أتى بخيري الدنيا والآخرة، ومما أتى به من الخير، إنصاف المظلوم والمضطهدين والمستضعفين، ومن هؤلاء الذين أنصفهم الإسلام وكانوا قبله من جملة المظلومين والمستضعفين: المرأة! أجل، لقد كانت المرأة قبل الإسلام مهضومة الحقوق، مهيضة الجناح، وكان يُنظر إليها في كثير من المجتمعات على أنها من سقط المتاع، ففي الجزيرة العربية كان الكثير منهم ينظر إليها على أنها شيء غير مرغوب فيه[4].

 

وما زالت القوانين في أوروبا المتحضرة إلى يوم الناس هذا تحرم المرأة من حق تصرُّفها فيما تملِك إذا كانت متزوجة، إلا بعد أن تحصل على إذن مُسبق من زوجها، وأكثر من هذا فإن المرأة هناك تنسب إلى زوجها بدلًا من أبيها، ولعله من الطريف أن أناسًا بيننا يقلدون غير المسلمين، فينسبون المرأة إلى زوجها، والذي لا ريب فيه أن انتساب المرأة إلى أبيها مهما كان فقيرًا أو وضيعًا تكريمًا لها، وفي الوقت نفسه: {هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: 5].

 

تلك هي مكانة المرأة قبل الإسلام، وتلك مكانتها في الغرب المتحضر، فماذا عن مكانتها في الشريعة الإسلامية؟

 

لقد جاء الإسلام الحنيف والمرأة مهضومة الحقوق، مهيضة الجناح، لا تملك التصرف حتى في أخص ما يخصها، فرفع من شأنها، وأعلى من مكانتها، وعمل على صيانة شرفها، والمحافظة على كرامتها، ومنحها حق المساواة مع الرجل في الحقوق الإنسانية، وفي المعاملات المالية، وفي طلب العلم، فالمرأة في الشريعة الإسلامية ترث غيرها؛ ترث أباها، ترث ابنها، ترث أخاها، ترث زوجها؛ يقول تعالى في محكم كتابه: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء:11]، ويقول تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم} [النساء:12].

 

يا له من عدل وإنصافٍ! لا نجد لهما مثيلًا في غير الشريعة الإسلامية الغراء، إنها كانت قبل تُوَرثُ لاَ تَرِثُ، بل كانت تُباعُ وتُشترى، فلمَّا جاء الإسلام الحنيف بتعاليمه العادلة الرحيمة، رفع من شأنها ورَد لها اعتبارها، ومنحها حقَّ التملك كالرجل تمامًا، كانت قبل الإسلام تُجبرُ على الزواج ممن يريده أبوها أو أخوها من غير أن يُؤخذُ رأيها في هذا الأمر الذي يخصها هي وحدها، فلمَّا جاء الإسلام أوجب على ولي أمرها - أبًا كان أو أخًا أو غيرهما - أن يستشيرها في زواجها ممن تقدم لها، ولا يصح زواجها في نظر الإسلام بغير رضاها متى كانت بالغة راشدة، أو ثيبًا؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «لَا تُنْكَحُ الْأَيمُ حَتى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتى تُسْتَأْذَنَ»، قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أَنْ تَسْكُتَ؛ (رواه الترمذي).

 

والأيم هي: الثيب التي لا زوج لها، وتستأمر: أي يطلب وليها الحصول على إذنها ورضاها قبل أن يزوجها، وتستأذن: أي يطلب وليها إذنها وموافقتها، وقد جاءت فتاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أبي زوَّجني من ابن أخيه؛ ليرفع بي خسيسته، وأنا له كارهة، فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها بيدها، إن شاءت رضِيت وإن شاءت رفضت، فقالت الفتاة: قد أجزت ما صنع أبي، ولكني أردت أن أعلم النساء أن الآباء ليس لهم من الأمر شيء.

 

فالإسلام كما نرى يعد المرأة إنسانًا كامل الإرادة، كامل الاختيار، ولا حق لأحد عليها في أن يُكرهها على التزوج ممن لا ترضى متى كانت عاقلة.

 

إنه بهذا قد حرَّرها، وأزال عنها قيود العبودية والإذلال، ومنحها نصيبها من الحرية والاستقلال، بعد أن كانت في الجاهلية وضيعة الشأن، لا إرادة لها ولا رأي لها في أي شأن من الشؤون، فهل هناك تكريم للمرأة وراء هذا التكريم؟

 

أما عن المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، فتستطيع أن تجد ذلك واضحًا في أكثر من موضع من القرآن الكريم؛ يقول سبحانه وتعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}[النساء:124]، ويقول سبحانه وتعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[النحل: 97].

 

وقال جل ذكره: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} [آل عمران: 195].

 

إنها مساواة كاملة بين الرجل والمرأة، لا يمكن أن نعثر على مثلها في أي تشريع آخر غير تشريع الإسلام، بينما نجد هذه المساواة واضحة جلية في تعاليم الإسلام السمحاء، نجد أنه قد نصَّ في القانون الروماني على أن المرأة ليست أهلًا للتصرف مدة حياتها كالطفل، ويجب أن يُوَكلُ أمرها لرب الأسرة، وجاء في القانون الفرنسي أن المرأة ليست أهلًا للتعاقد بدون رضا زوجها وإجازته.

 

هي إذًا في نظر قوانين الغرب المتمدين قاصرٌ طول حياتها لا تملك التصرف، في حين أن الإسلام يعطيها حق التصرف فيما تملك بالبيع والشراء، والرهن والهبة... إلخ؛ كالرجل تمامًا.

 

هذا بعض ما فعله إسلامنا من أجل إنصاف المرأة، فما بالنا اليوم نرى نساء[5] مجتمعنا يرفضنَ عقيدتهنَّ مطالبات بتحرير المرأة، وإعطائها حقَّها، ضاربات المثل بما في المجتمعات الغربية؟! أي حرية تريدها المرأة أكثر من الحرية التي منحها لها الإسلام؟ وأي حقوق تبتغيها وراء هذه الحقوق التي نالتها بفضل تشريعات الإسلام؟ وبما كان قصد البعض من المناديات بالحرية التحرر من كل فضيلة، لكن هذا لا يليق بالمرأة عامة، والمسلمة خاصة!

 

إذا أردنا الإصلاح بحقٍّ، فلا سبيل لنا إلى تحقيق ذلك إلا بتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية الغراء العادلة الرحيمة، في حياتنا كلها، ولا سيما ما يتعلق منها بشؤون المرأة، ولتكن الشريعة الإسلامية منطلقًا إلى حياة رحبة سعيدة، كما يريدها رب العالمين عز وجل، وكما أسس قواعد الإسلام الحنيف {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].

 


[1] وقد سبق الحديث عن وضع المرأة في الحضارات التي سبقت الإسلام وكان أحدهم إذا بُشِّرَ بالأنثى يركبه الهمُّ ويقوى عليه الحزن، فهو في حيرة أيتركها تحيا ويحيا معها العار؟ أم يدفنها في التراب وقد قال تعالى: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ 58 يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [النحل: 58، 59].

[2] أحَّرج: أي ألحق الحرج والإثم بمن ضيعهما. (قاله المناوي في فيض القدير:3/27)

[3] أي يساعدها في مهنتها.

[4] فإذا بُشِّر أحدهم بأن زوجته ولدت له أنثى استشاط غضبا، واستولى عليه حزن قاتل، وكآبة لا تحتمل، وحيرة لا مخرج منها.. أيتركها تحيا ويحيا معها العار.؟ أم يدفنها في التراب؟ ورب العالمين سبحانه وتعالى يصور تلك المتشائمة إلى المرأة في محكم كتابه، حيث يقول ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [النحل: 58، 59]، كانت في الجزيرة العربية قبل الإسلام – أيضًا – من سقط المتاع، تورث كما تورث تركة الميت، يرثها ابن زوجها الأكبر، فإن شاء تزوجها بعد أبيه من غير مهر صداق، وإن شاء زوجها من يريد ويأخذ هو صداقها، أما عند اليهود، فكان من حق أبيها أن يبيعها وهي صغيرة ويقبض ثمنها، وفي المجتمعات الغربية كانوا ينظرون إليها على أنها رجس من عمل الشيطان وما خلقها الله سبحانه وتعالى – في زعمهم – إلا لتكون خادمة للرجل، وليس لها عندهم حقوق على الإطلاق. ومن الطريف أن مؤتمرًا عقد في باريس سنة 586م ليبحث في: هل المرأة تعد إنسانًا أو غير إنسان؟ وبعد نقاش طويل، وجدال عنيف، قرر المجتمعون أنها إنسان، ولكنها خلقت لشيء واحد هو: أن تخدم الرجل فحسب!

[5] يتزعم هؤلاء د. نوال السعداوي، حيث راحت في ندوة اللواء الإسلامي التي استغرقت 4 أعداد متتالية في شهري يونيه ويوليه سنة 1987م، تفتري على الإسلام كذبًا وتنادي بتحرير المرأة وحريتها، وكان أبلغ رد عليها ما جاء على لسان بنات جنسها.

___________________________________________
الكاتب: الشيخ ندا أبو أحمد