صبرا أهل الإسلام فإن مع العسر يسرا
أخي المؤمن، لا ينبغي لنا أن نحزن، ونخاف من مجريات الواقع وحوادث الزمان، ومكايد الأعداء، ونفاق المنافقين، حتى نُلْقِي بأنفسنا في القنوط، وهو ليس من شأن المؤمن؛ {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}.
- التصنيفات: نصائح ومواعظ -
أخي المؤمن، لا ينبغي لنا أن نحزن، ونخاف من مجريات الواقع وحوادث الزمان، ومكايد الأعداء، ونفاق المنافقين، حتى نُلْقِي بأنفسنا في القنوط، وهو ليس من شأن المؤمن؛ {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53]، واعلم أن ما يجري في الساحة على المسلمين إنما هو ابتلاء وامتحان للأمة، وعلى المؤمن في مثل هذه الأوضاع الصبر، والاستقامة على الحق، والثبات عليه، والرجوع إلى رب العالمين، وهو القويُّ المتين، رجوعًا صادقًا.
ونحن نعتقد أن المؤمن إذا فعل ذلك فله البشرى، وعليه صلوات الله ورحمته، وسيكون معدودًا من الصابرين عند الله تعالى؛ قال الله - تعالى -: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157].
وأذكر لك في هذه العجالة أمثلة من الحقائق التاريخية ليزيد عِلمك ويطمئنَّ قلبُك:
1- لَمَّا بعث الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - رسولاً، دعا قومه إلى وحدانية الله، فما آمن به إلا عدد قليل، وكذَّبه الأكثرون، وهدَّدوه، وبدؤوا يؤذونه ويؤذون أصحابَه؛ أمثال: أبي بكر الصديق، وبلال، وياسر وآله، وغيرهم - رضي الله عنهم - فكان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يلقِّنهم الصبر، والتحمُّل، والثبات، ويبشِّرهم بالجنة: «صبرًا آلَ ياسر؛ فإن موعدَكم الجنةُ» ، وكان بلال بن رباح يعذِّبه سيدُه ليترك دين محمد، ويشركَ بالله، ولكنه ثبَت وصبر، واستقام على التوحيد، فكان يقول: "أحد أحد"، يعني: ربي واحدٌ لا شريك له، فكانوا يصبرون على أذاهم، ويرجُون رحمة ربهم.
وهكذا مضت على الدعوة الإسلامية في مكة سنوات شداد، وعاش المسلمون في ظروف صعبة جدًّا، ولقد حاول الأعداءُ كلَّ المحاولات ليصدّوا دعوةَ الإسلام المباركةَ الخالدة، لكن محاولاتِهم باءت بالفشلِ والخسران.
وفي هذه الحِقبة من التاريخ اشتدّ أذى الكفار للمسلمين، وضيَّقوا عليهم تضييقًا شديدًا، ولكن شدة الضيق تكون أمارةً على الفرَج واليُسر، فكلما اشتد الأمر اتسع، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابَه بالهجرة إلى الحبشة، فهاجروا إلى هناك، ووجدوا ملاذًا عند ملِك الحبشة، فاستراحوا من أذى المشركين بفضل الله لما صبروا.
2- بقِي الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مكة مع بعض أصحابه، يدعو إلى الإسلام؛ فاشتد أذى الكفار لهم، أكثر فأكثر، حتى خطَّطوا لقتل سيد البشر - عليه صلاة الله وسلامه - وهذه حقبة أصعب جدًّا من سابقتها، كيف لا، وقد أرادوا قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي؟ فهذا ضيق أشد، وعُسر أكبر.
هل حصل بعد هذا الضيق مِن فرَج؟ نعم، والله العظيم، لقد أذِن اللهُ لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بالهجرة إلى المدينة. فكان ذلك يسرًا بعد عُسر، وفرَجًا بعد ضيق.
{إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] بلا شك ولا ريب، فهاجروا من مكة إلى المدينة، واستراحوا من أذى المشركين، وطيشِهم وظلمهم بفضل الله لَمَّا صبروا واستقاموا، فكوَّنوا هناك أول دولة إسلامية، رئيسها رسول ونبي - عليه الصلاة والسلام - وشعبُها صحابتُه الكرام الأوفياء، الصالحون، الصادقون، المهاجرون، والأنصار، ما أحلى هذه الدولة! وما أجملها!
وهنا وسَّع الله على المؤمنين أكثر من ذي قبل؛ حيث أذِن لهم في الجهاد مع أعداء الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - الذين آذَوا المسلمين بالأمس في مكة.
3- لما أقام رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - دولة الإسلام في المدينة، وظهر أمرها، وبدأ يتسع سلطانها، وتقوى شوكتها؛ خاف الكفار في الداخل والخارج، من هيبة هذه الدولة؛ فاجتمعوا واتحدوا ضد الإسلام والمسلمين ودولتهم، فصاروا "اتحاديين" كما فعلوا اليوم، وقد عبر الله عنهم بالأحزاب، أرادوا القضاء عليهم، فكانت وقعة الخندق المعروفة في التاريخ، وهذه الحقبة كانت من أصعب الحِقَب على الإسلام والمسلمين ودولتهم؛ حيث أحاط بهم الكفار من الخارج والداخل، وهذا ما قد أخبر الله عنه بالتفصيل في سورة الأحزاب بقوله: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب: 10، 11].
فهل كان بعد هذا الضيق الشديد والخطر العظيم من تفريج؟ نعم، والله، لقد أرسل الله ريحًا شديدة، وجنودًا من الملائكة؛ فهُزِم بها الأحزابُ، والاتحاديون، وباؤوا بالذل والخسران، وأهانهم الله تعالى، وفي المقابل أعز الله رسوله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وصدق وعده، وفرَّج عن المسلمين، ويسَّر عليهم بعد عسر شديد بفضله - تعالى - لما صبروا، وثبتوا، واستقاموا؛ قال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} [الأحزاب: 9].
فامتنّ الله - تعالى - عليهم في هذه الآية بتلك النعمة العظيمة.
إخواني، إن في هذه الأمثلة لعِبرًا ودروسًا لمن تدبر وتفكَّر، ولنا فيها من التسلية الشيء الكثير!
لقد تعلمون وتعتقدون أن ربَّنا - جل وعلا - لم يتغير، ولم يتغير كتابه، ولا دينُه؛ فاللهُ ربُّنا كما كان ربَّ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وصحابتِه الكرام، والقرآن كما هو، وثوابت الدِّين الإسلامي على حالها؛ إذًا فلمَ هذا الذُّل والهوان والضعف والخوف والفساد؟!
أقول - وبكل صراحة - كما قال الشاعر:
يَعيب الناسُ كلهم الزَّمانـا ** وما لزماننا عيبٌ سوانــــا
نَعيب زمانَنا والعيبُ فينا ** ولو نطق الزَّمان إذًا هجانا
في الحقيقة نحن تركنا التمسُّك بديننا، وجعلناه وراء ظهورنا، واتبعنا أعداءَ الله ورسوله، وتركنا كتاب ربنا الذي فيه عزُّنا وتمكيننا ورشدنا، تركنا سنةَ نبينا الذي ما ينطق عن الهوى، إن هو الا وحيٌ يوحى، تركنا شعيرةَ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، تركنا الجهادَ الحقَّ الصحيح في سبيل الله تعالى، دبَّ فينا الوهن - وهو حبُّ الدنيا وكراهية الموت - فسلَّط اللهُ علينا الذلَّ، ولن يرفعَه حتى نرجع إلى ديننا، وهذا هو الحل الوحيد، والعلاج الشافي لِما نحن فيه من الأمراض والمشاكل، فانتبه!!
فلا بد على كل مسلم أن يصلح أعماله، ويتوب إلى الله توبة نصوحًا، صادقًا، وأن يتمسك بالدين كله، ولوكره الكافرون، وأن يصبر على دينه وعقيدته مهما اشتد الأمر، ويحتسب كل ذلك عند الله، ويتوكل على ربه، ومن يتوكل عليه فهو حسبه، حسبنا الله ونعم الوكيل، والحمد لله على كل حال، ونعوذ بالله من حال أهل النار.
_________________________________________________
الكاتب: محمد بن عبدالقادر الصافي