التعلم عن بُعد: نعمة العصر وجسر بين العلماء وطلاب العلم

سالم محمد

إنَّ من أعظم نعم الله علينا في هذا الزمن هذه الوسائل الحديثة التي قربت البعيد، وأزالت الحواجز بين الشعوب

  • التصنيفات: وسائل التكنولوجيا الحديثة -

 

لقد كان العلم في سالف الزمان يُطلب في رحاب المساجد والمدارس العريقة، حيث يجلس الطالب أمام شيخه، يتلقَّى العلم مشافهةً، ويُضيء قلبه بنور المعرفة. وكان العلم يُنقل من صدر إلى صدر، ومن كتاب إلى كتاب، في مجالس عامرة بالإيمان والحرص على العلم. قال الله تعالى: {"وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا"} (طه: 114)، وهذه دعوة لكل مؤمن أن يسعى إلى زيادة علمه.

إنَّ التفرغ لطلب العلم بين يدي شيخٍ، إن تيسَّر ذلك، لهو من أعظم وسائل تحصيل العلم النافع. فالتعلم في مجالس العلماء لا يُقاس بمجرَّد نقل المعلومات، بل هو رحلة تفاعلية يعيش فيها الطالب مع معلمه، يتلقى منه العلم لا فقط بحروفه، بل بروحه ومرتكزاته. بين يدي الشيخ، يتحقق الفهم العميق، ويُكتسب العلم الذي يترسخ في القلب ويُثمر في العمل. تلك المجالس لا تقتصر على تحصيل المعرفة فحسب، بل هي مدرسة في الأدب والتهذيب، حيث يتعلم الطالب آداب البحث والتدبر، ويكتسب من معلمه الفهم السليم الذي يقيه فتنة الزمان، ولكن هذا مما حيل بينه وبين الكثير من شباب المسلمين لأسباب شتى، ولكن اليوم، في زمن تحوَّل فيه العالم إلى قرية صغيرة، وزحفت التقنية إلى حياتنا، تغيَّرت الوسائل ولم تتغير الغايات. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {"طلب العلم فريضة على كل مسلم"} (رواه ابن ماجه)، فكان طلب العلم ضرورة لا غنى عنها مهما تبدَّلت الظروف.

إنَّ من أعظم نعم الله علينا في هذا الزمن هذه الوسائل الحديثة التي قربت البعيد، وأزالت الحواجز بين الشعوب، وجعلت طلب العلم ميسرًا لكل من أراد. لقد بات الإنترنت بمثابة مكتبة كبرى، بل جامعة عالمية، تُتاح فيها دروس العلماء ومحاضراتهم، وتُبثُّ عبر البرامج والتطبيقات، فيصبح العالم كأنَّه يدرِّس طلابه في أطراف الأرض، وهم في بيوتهم. في هذه اللحظة التي تقرأ فيها كلماتي، قد يكون طالب علم في أقصى آسيا يستمع إلى درس في الفقه، وآخر في أوروبا ينهل من علم الحديث، وثالث في إفريقيا يتعلَّم قواعد اللغة العربية.

وإنَّ زماننا هذا، أيها الأحبة، زمان كثرت فيه الفتن واشتدت فيه المحن، وتعالى فيه صوت الجهل، حتى بات المثيرون للشبهات يصدون للناس ويُمَلَّكون المنابر الإعلامية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالمًا، اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً، فسُئِلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا". إن مواجه أعداء الدين ليست في ساحات القتال فحسب، بل أصبح الجهل عدوًا داخليًا يهدم القلوب والعقول من الداخل. في ظل هذا الواقع، تحتاج الأمة إلى طلاب علم يحملون مشاعل الهداية، ويُبيِّنون للناس الحق من الباطل.

وما أعظم الحاجة إلى العلم الشرعي في بلاد حُرِم أهلها من نعمة التعلُّم في رحاب المساجد، وحُرِفت فيها المناهج التعليمية عن مقاصدها، بل وحاربت فيها بعض الحكومات التعليم الشرعي ذاته. هؤلاء المسلمون الذين يعيشون تحت قهر الجهل والحظر، ليس لهم سبيل إلا التعلُّم عن بُعد، عبر الإنترنت، حيث تصلهم كلمات العلماء وهم في بيوتهم، فيصل إليهم النور الذي حُرموا منه.

أيها الأخ المسلم، إنَّ طلب العلم ليس ترفًا، ولا هو أمر يُترَك لمن فرَّغ نفسه. هو فريضة على كل مسلم ومسلمة، وإنَّ الأمة لا تقوم إلا بالعلم. قال الله عز وجل: {"يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ"} (المجادلة: 11). فإن كنت لا تستطيع الجلوس بين يدي شيخ، ولا تحضر حلقات العلم، فلا تظنَّ أنَّ ذلك عذرٌ لك. الإنترنت اليوم يفتح لك أبوابًا لم تُفتَح لأحد من قبلك، ولست بحاجة إلى شدِّ الرحال أو ترك العمل أو السفر إلى بلاد بعيدة. تستطيع أن تكون طالب علم وأنت في بيتك، وأنت في عملك، وفي كل وقت تستطيع أن تستمع أو تقرأ.

إنَّ العلم، يا أخي، نور يهتدي به صاحبه في ظلمات الجهل، وهو زاد لا ينفد، وكلما ازددت منه ازددت معرفة بالله وبشرعه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: « "خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه"» (رواه البخاري). وإذا صلح العالم صلح المجتمع من حوله، وإذا نهض الفرد نهضت معه الأمة. ولذا، لا تستهن بأي معلومة تتعلمها، فقد تكون سببًا في هداية نفس، أو نشر حق، أو إبطال باطل.

وتتمة للمقال إليك بعض البرامج الناجحة والموثوقة في طلب العلم الشرعي:

  • أكاديمية زاد: برنامجُ أكاديميةِ زادٍ برنامجٌ تلفزيونيٌّ إلكترونيٌّ تفاعليٌّ، يهدفُ إلى تقريبِ العلمِ الشرعيِّ للراغبين فيه، يوفّر لمتابعيه منصَّةً تفاعلية عن طريق شبكة الإنترنت، وعن طريق قناة زاد، من خلال المنصّة التفاعلية لبرنامج أكاديمية زاد عبر الإنترنت، تهدف إلى إزالة هذه العقبات وتوفير تجربة تعليمية قيميّة مشوّقة يمكن الوصول إليها بسهولة من أي مكان في العالم.[1]
  • منصة زادي للتعلم الشرعي المفتوح: منصةٌ تعليميةٌ افتراضية هدفُها تقريبُ المعارفِ الشرعيةِ للراغبينَ، من خلالِ مساقاتٍ تعليميةٍ وحقائبَ علميةٍ وبرامجَ تدريبية، متجاوزةً بذلك حواجزَ الزمانِ والمكانِ والانشغالات.[2]
  • برنامج البناء المنهجي: برنامج تعليمي إلكتروني يهدف إلى بناء نخب واعدة تجمع بين المعارف الشرعية والفكرية والتزكوية، دراسة مبنية وفق خطة علمية واضحة، يتم التدرج فيها بنظام وآلية مناسب لأغلب أحوال الناس ومختلف خلفياتهم الشرعية المسبقة، دراسة 6 فنون شرعية رئيسية عبر ثلاث مستويات ( بناء -تأصيل- تمكين )، يتخرج الطالب بمؤهل علمي ومعرفي يمثل نقلة حقيقية له ويتفاوت الطلاب في هذه النقلة بحسب حرصهم وجهدهم الذي يبذلونه في الدراسة.[3]
  • أكاديمية المربي: وهي مؤسسة تعليمية تعمل على التأهيل العلمي للمربين من خلال برنامج تعليمي يعنى بتدريس مواد تربوية متخصصة ومعدة بأسلوب مناسب لتأهيل المربين في الجوانب التربوية عن طريق التعلم عن بعد عبر شبكة الإنترنت؛ فبناء الإنسان وتربيته هو دعامة النهضة، وأساس قيام المجتمعات، وبوابة الإصلاح والتغيير في المجتمعات، لذا بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم في الأميين يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، وأخبر عن نفسه صلى الله عليه وسلم أنه بمنزلة الوالد لنا يعلمنا، وأن الله بعثه معلمًا ميسرًا، ووصفه أحد أصحابه بأنه لم يجد قبله ولا بعده معلمًا أحسن تعليمًا ولا تأديبًا منه.[4]

في الختام، أدعو نفسي وإياكم إلى الاستفادة من هذه البرامج والمنصات الإلكترونية، فهي من نِعم الله علينا التي ينبغي أن نشكرها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الدال على الخير كفاعله" (رواه الترمذي)، فاجعل لك وردًا يوميًا من العلم، واستمع إلى العلماء، وشارك في الدورات، وكن زادًا لنفسك ولأمتك. فإنَّ الدنيا زائلة، ويبقى أثر العلم الذي يوصلك إلى الجنَّة، ويفتح لك باب الرضا من الله.

 

[1] https://zad-academy.com/ar

[2] https://zadi.net/

[3] https://binaamanhaji.com/

[4] https://almurabbi-academy.com/