من درر العلامة ابن القيم عن ذكر الله

فهد بن عبد العزيز الشويرخ

ذكر الله عز وجل من المواضيع التي تكلم عليها العلامة ابن القيم, رحمه الله في عدد من كتبه, وقد جمعتُ بفضل من الله وكرمه بعضًا مما ذكره, أسأل الله  الكريم أن ينفع بها الجميع

  • التصنيفات: الذكر والدعاء -

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد: فذكر الله عز وجل من المواضيع التي تكلم عليها العلامة ابن القيم, رحمه الله في عدد من كتبه, وقد جمعتُ بفضل من الله وكرمه بعضًا مما ذكره, أسأل الله  الكريم أن ينفع بها الجميع.                          

                               [ كتاب: بدائع الفوائد]

العبد إذا غفل عن ذكر الله جثم على قلبه الشيطان, وانبسط عليه, وبذر فيه أنواع الوساوس التي هي أصل الذنوب كلها, فإذا ذكر العبد ربه واستعاذ به انخنس وانقبض كما ينخس الشيءُ يتوارى.

فذكر الله تعالى يقمعُ الشيطان ويؤلمه ويؤذيه, كالسياط والمقامع التي تؤذي من يضربُ بها, ولهذا يكون شيطان المؤمن هزيلاً ضئيلاً مضنىً مما يعذبهُ المؤمن ويقمعه به من ذكر الله وطاعته.

فمن لم يعذب شيطانه في هذه الدار بذكر الله تعالى وتوحيده واستغفاره وطاعته, عذبه شيطانه في الآخرة بعذاب النار, فلا بد لكل أحدٍ أن يُعذَبَ شيطانه أو يُعذبُه شيطانه.

  • ذكر الله يستدفع به شر الشيطان:

حروز يستدفع بها شر الشيطان:....الحرز السابع: وهو من أنفع الحروز من الشيطان, وهو كثرة ذكر الله عز وجل.

                        [كتاب: مدارج السالكين في منازل السائرين]

الذِّكر...منزلة القوم الكبرى, التي منها يتزودون, وفيها يتجرون, وإليها دائماً يترددون

الذكر قوت قلوب القوم الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبوراً, وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قُطاع الطريق, وماؤهم الذي يطفئون به التهاب الحريق, ودواء أسقاهم الذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب, والسبب الواصل والعلاقة التي بينهم وبين علام الغيوب.

به يستدفعون الآفات, ويستكشفون الكربات, وتهون عليهم به المصيبات, إذا أظلهم البلاءُ فإليه ملجؤهم, وإذا نزلت بهم النوازل فإليه مفزعهم, فهو رياض جنتهم التي فيها يتقلبون, ورؤوس أموال سعادتهم التي بها يتجرون, يدعُ القلب الحزين ضاحكاً مسروراً.

وهو باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده ما لم يغلقه العبد بغفلته.

وبالذكر يصرع العبدُ الشيطان كما يصرع الشيطان أهل الغفلة والنسيان.

والفرق بين الغفلة والنسيان أن الغفلة ترك باختيار الغافل والنسيان ترك بغير اختياره

وقد ذكرنا في الذكر نحو مائة فائدة في كتاب " الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب" وقد ذكرنا أسرار الذكر, وعِظَمَ نفعه, وطيب ثمرته, وذكرنا فيه أن الذكر ثلاثة أنواع: ذكر الأسماء والصفات ومعانيها, والثناء على الله بها, وتوحيد الله بها.

وذكر الأمر والنهي والحلال والحرام. وذكر الآلاء والنعماء والإحسان والأيادي

  • دوام ذكر الله عز وجل من الأسباب الجالبة لمحبته:

الأسباب الجالبة للمحبة والموجبة لها:...عشرة:...الثالث: دوام ذكره على كل حالٍ: باللسان والقلب, والعمل, والحال.

                    [كتاب: زاد المعاد في هدى خير العباد]

دوام ذكره على كل حال, وفي كل موطن, فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر, ونعيم القلب, وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه وحبسه وعذابه.

  • هديه صلى الله عليه وسلم في الذكر عند الأذان وبعده:

وأما هديه صلى الله عليه وسلم في الذكر عند الأذان وبعده, فشرع لأمته منه خمسة أنواع:

الأول: أن يقول السامع كما يقول المؤذن, إلا في لفظ ( حي الصلاة ) و ( حي على الفلاح ) فإنه صحَّ إبدالهما بـ ( لا حول ولا قوة إلا بالله )

الثاني: أن يقول: وأنا أشهد ألا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله, رضيت بالله رباً, وبالإسلام ديناً, وبمحمدٍ رسولاً, وأخبر أن من قال ذلك غُفر له ذنبُهُ.

الثالث: أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من إجابة المؤذن, وأكمل ما يُصلى عليه به, ويصل إليه, هي الصلاة الإبراهيمية كما علَّمه أمته أن يصلوا عليه, فلا صلاة عليه أكمل منها.

الرابع: أن يقول بعد صلاته عليه: ( اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة, والصلاة القائمة, آت محمداً الوسيلة والفضيلة, وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد.

الخامس: أن يدعو لنفسه بعد ذلك, ويسأل الله من فضله, فإنه يستجاب له.

  • هديه صلى الله عليه وسلم في الذكر:

كان النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق ذكراً لله عز وجل, بل كان كلامه كُلُّهُ في ذكر الله وما والاه, وكان أمرُهُ ونهيهُ وتشريعُه للأمة ذِكراً منه لله, وإخباره عن أسماء الرب وصفاته, وأحكامه وأفعاله, ووعده ووعيده, ذِكراً منه له, وثناؤه عليه بآلائه, وتمجيده وحمده, وتسبيحه ذكراً منه له, وسؤاله ودعاؤه إياه, ورغبته ورهبته ذكراً منه له, وسكوته وصمته ذكراً منه له بقلبه, فكان ذاكراً لله في كل أحيانه, وعلى جميع أحواله, وكان ذكره لله يجري مع أنفاسه, قائماً وقاعداً وعلى جنبه, وفي مشيه وركوبه ومسيره, ونزوله وظعنه وإقامته.

                          [كتاب: الفوائد]

  • أمور تتولد عن...الغفلة عن ذكر الله:

قلةُ التوفيق, وفسادُ الرأي, وخفاء الحق, وخُمول الذكر, وإضاعة الوقت, ونفرةُ الخلق, والوحشة بين العبد وبين ربه, ومنع إجابة الدعاء, وقسوة القلب, ومحق البركة في الرزق والعمر, وحرمان العلم, ولباس الذُّلِّ, وإدالة العدو, وضيقُ الصدر, والابتلاء بقرناء السوءِ الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت, وطول الهمَّ والغمِّ, وضنكُ المعيشة, وكسفُ البال: تتولد من المعصية والغفلة عن ذكر الله كما يتولد الزرع عن الماء والإحراق عن النار, وأضداد هذه تتولد من الطاعة.

  • الذكر بالقلب واللسان:

أفضل الذكر وأنفعه ما واطأ فيه القلب اللسان, وكان من الأذكار النبوية, وشهد الذاكر معانيه ومقاصده. ليس المراد بالذكر مجرد ذكر اللسان, بل الذكر القلبي واللساني, وذكره يتضمن ذكر أسمائه وصفاته, وذكر أمره ونهيه, وذكره بكلامه.

                    [كتاب: طريق الهجرتين وباب السعادتين]

  • ذكر الله بالاسم المفرد " الله, الله" والاسم المضمر" هو, هو"

رتب...بعضهم أن الذكر بالاسم المفرد وهو " الله, الله " أفضل من الذكر بالجملة المركبة كقوله " سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر "

وهذا فاسد مبني على فاسد, فإن الذكر بالاسم المفرد غير مشروع أصلاً, ولا مفيد شيئاً, ولا هو كلام أصلاً, ولا يدل على مدح ولا تعظيم, ولا يتعلق به إيمان, ولا ثواب, ولا يدخل به الذاكر في عقد الإسلام جملةً, فلو قال الكافر" الله, الله " من أول عمره إلى آخره لم يصر بذلك مسلماً, فضلاً أن يكون من جملة الذكر, أو يكون أفضل الأذكار.

وبالغ بعضهم في ذلك حتى قال: الذكر بالاسم المضمر أفضل من الذكر بالاسم الظاهر! فالذكر بقوله " هو, هو" أفضل من الذكر بقولهم: " الله. الله"  وكل هذا من أنواع الهوس والخيالات الباطلة المفضية بأهلها إلى أنواع من الضلالات.

                   [كتاب: حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح]

  • الذكر مفاح المحبة:

ومفتاح الولاية والمحبة: الذكر

                  [ رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه]

  • أكثر الخلق ممن غفلت قلوبهم عن ذكر الله:

من تأمل حال هذا الخلق, وجدهم كلهم إلا أقل القليل ممن غفلت قلوبهم عن ذكر الله تعالى, واتبعوا أهواءهم, وصارت أمورهم ومصالحهم {﴿ فُرُطًا ﴾} أي: فرَّطوا فيما ينفعهم ويعود بصلاحهم, واشتغلوا بما لا ينفعهم, بل يعود بضررهم عاجلاً وآجلاً.

                  [كتاب: الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب ]

  • أنواع الذكر:

الذكر نوعان: أحدهما: ذكر أسماء الرب تبارك وتعالى وصفاته, والثناء عليه بها, وتنزيهه وتقدسيه عما لا يليق به تبارك وتعالى.

وهذا أيضاً نوعان: أحدهما: إنشاء الثناء عليه بها من الذاكر, وهذا النوع هو المذكور في الأحاديث, نحو: ( سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر ) فأفضل هذا النوع أجمعه للثناء, وأعمُّهُ, نحو: ( سبحان الله عدد خلقه ) فهذا أفضل من قولك: ( سبحان الله ) وقولك: ( الحمد عدد ما خلق في السماء, وعدد ما خلق في الأرض, وعدد ما بينهما, وعدد ما هو خالق )  أفضل من مجرد قولك: (الحمد لله) الثاني: الخبر عن الرب تبارك وتعالى بأحكام أسمائه وصفاته, نحو قولك: ( الله عز وجل يسمع أصوات عباده, ويرى حركاتهم, ولا تخفى عليه خافية من أعمالهم, وهو أرحم بهم من آبائهم وأمهاتهم, وهو على كل شيء قدير, وهو أفرح بتوبة عبده من الفاقد راحلته الواجد, ونحو ذلك.

النوع الثاني من الذكر: ذكر أمره ونهيه وأحكامه, وهو أيضاً نوعان:

أحدهما: ذكره بذلك إخباراً عنه بأنه أمر بكذا, ونهى عن كذا, وأحب كذا, وسخط كذا, ورضي كذا.

والثاني: ذكره عند أمره فيُبادر إليه, وعند نهيه فيهرُبُ منه.

فذكر أمره ونهيه شيء, وذكره عند أمره ونهيه شيء آخر, فإذا اجتمعت هذه الأنواع للذاكر فذكره أفضل الذكر, وأجلُّه, وأعظمه فائدة..ومن ذكره سبحانه وتعالى: ذكرُ آلائه وإنعامه وإحسانه وأياديه, ومواقع فضله على عبيده.

  • أفضل الذكر:

أنواع الذكر...تكون بالقلب واللسان تارة, وذلك أفضل الذكر.

وبالقلب وحده تارة, وهي الدرجة الثانية.

وباللسان وحده تارة, وهي الدرجة الثالثة.

فأفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان, وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده, لأن ذكر القلب يُثمرُ المعرفة, ويهيج المحبة, ويُثيرُ الحياء, ويبعثُ على المخافة ويدعو إلى المراقبة ويردع عن التقصير في الطاعات والتهاون في المعاصي والسيئات, وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئاً من ذلك الإثمار, وإن أثمر شيئاً منها فثمرته ضعيفة.

  • الذكر أفضل من الدعاء:

الذكر أفضل من الدعاء, لأن الذكر ثناء على الله عز وجل بجميل أوصافه وآلائه وأسمائه, والدعاء سؤال العبد حاجته, فأين هذا من هذا....ولهذا كان المستحب في الدعاء أن يبدأ الداعي بحمد الله تعالى, والثناء عليه بين يدي حاجته.

  • الذكر للقلب مثل الماء للسمك:

سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: الذكرُ للقلب مثل الماء للسمك, فكيف حال السمك إذا فارق الماء ؟!

فائدة: حضرتُ شيخ الإسلام ابن تيمية مرةً صلى الفجر, ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار, ثم التفت إليَّ وقال: هذه غدوتي, ولو لم أتغذ هذا الغذاء لسقطت قوتي, أو كلاماً قريباً من ذلك. وقال لي مرة: لا أترك الذكر إلا بنية إجمام نفسي وإراحتها, لاستعد بتلك الراحة لذكر آخر, أو كلاماً هذا معناه.

  • فوائد ذكر الله تعالى:

في الذكر نحو من مائة فائدة:

إحداها: أنه يطرد الشيطان ويقمعُه ويكسره.

الثانية: أنه يُرضي الرحمن عز وجل.

الثالثة: أنه يزيل الهم والغم عن القلب.

الرابعة: أنه يجلب الفرح والسرور والانبساط.

الخامسة: أنه يقوي القلب والبدن.

السادسة: أنه يُنور الوجه والقلب.

السابعة: أنه يجلب الرزق.

الثامنة: أنه يكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة.

التاسعة: أنه يورثه المحبة التي هي روح الإسلام, وقطبُ رحى الدين, ومدار السعادة والنجاة, وقد جعل الله لكل شيء سبباً, وجعل سبب المحبة دوام الذكر,  فمن أراد أن ينال محبة الله عز وجل فليلهج بذكره.

العاشرة: أنه يورثه المراقبه فيدخله في باب الإحسان, فيعبد الله كأنه يراه.

الحادية عشرة: أنه يورثه الإنابة, وهي الرجوع إلى الله عز وجل...فيبقى الله عز وجل مفزعه وملجأه, وملاذه ومعاذه, وقِبلة قلبه, ومهربه عند النوازل والبلايا.

الثانية عشرة: أنه يورثه القرب منه, فعلى قدر ذكره لله عز وجل يكون قُربه منه.

الثالثة عشرة: أنه يفتح له باباً عظيماً من أبواب المعرفة, وكلما أكثر الذاكر ازداد من المعرفة.

الرابعة عشرة: أنه يُورثه الهيبة لربه عز وجل, لشدة استيلائه على قلبه.

الخامسة عشرة: أنه يورثه ذكر اله تعالى له, كما قال تعالى: {﴿ فَٱذۡكُرُونِيٓ أَذۡكُرۡكُم﴾}  [البقرة:152] ولو لم يكن في الذكر إلا هذه وحدها لكفى بها فضلاً وشرفاً.

السادسة عشرة: أنه يورث حياة القلب.

السابعة عشرة: أنه قوت القلب والروح.

الثامنة عشرة: أنه يورث جلاء القلب من صداه.

التاسعة عشرة:  أنه يحط الخطايا ويُذهبها.

العشرون: أنه يزيل الوحشة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى.

الحادية والعشرون: أن العبد إذا تعرَّف إلى الله تعالى بذكره في الرخاء عرفه في الشدة.

الثانية والعشرون: أنه منجاة من عذاب الله تعالى.

الثالثة والعشرون:أنه سبب نزول السكينة وغشيان الرحمة وحفوف الملائكة بالذاكر

الرابعة والعشرون: أنه سبب اشتغال اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش

الخامسة والعشرون: أن مجالس الذكر مجالس الملائكة.

السادسة والعشرون: أنه يسعد الذاكر بذكره, ويسعد به جليسه.

السابعة والعشرون: أنه يؤمّن العبد من الحسرة يوم القيامة.

الثامنة والعشرون: أنه مع البكاء سبب لإظلال الله تعالى العبد يوم الحر الأكبر في ظل عرشه.

التاسعة والعشرون أن الاشتغال به سبب لعطاء الله الذاكر أفضل ما يعطى السائلين

الثلاثون: أنه أيسر العبادات, وهو من أجلها وأفضلها.

الحادية والثلاثون: أنه غراس الجنة.

الثانية والثلاثون: أن العطاء والفضل الذي رتب عليه لم يرتب على غيره من الأعمال

الثالثة والثلاثون: أن دوام ذكر الرب تبارك وتعالى يُوجب الأمان من نسيانه الذي هو سبب شقاء العبد في معاشه ومعاده

الرابعة والثلاثون: أن الذكر يُسير العبد وهو قاعد على فراشه, وفي سوقه, وفي حال صحته وسقمه, وحال نعيمه ولذته, ومعاشه, وقيامه وقعوده واضطجاعه, وسفره وإقامته, فليس في الأعمال شيء يعُم الأوقات والأحوال مثله.

الخامسة والثلاثون:أن الذكر نور للذاكر في الدنيا ونور في القبر, ونور له في معاده, يسعى بين يديه على الصراط, فما استنارت القلوب والقبور بمثل ذكر الله تعالى

السادسة والثلاثون: أن في القلب خلة وفاقة لا يسُدها شيء ألبته إلا ذكر الله عز وجل.

السابعة والثلاثون: أن الذكر يجمع المتفرق, ويفرق المجتمع, ويقرب البعيد, ويُبعد القريب, فيجمع ما تفرق على العبد من قلبه وإرادته...والعذاب كل العذاب في تفرقتها وتشتتها عليه...ويفرق ما اجتمع عليه من الهموم, والغموم, والأحزان, والحسرات على فوت حُظُوظه ومطالبه.

ويفرق أيضاً ما اجتمع على حربه من جند الشيطان.

وأما تقريبه البعيد, فإنه يقرب إليه الآخرة...ويبعد القريب إليه وهي الدنيا.

الثامنة والثلاثون: أنه ينبه القلب من نومه, ويوقظه من سِنته, والقلب إذا كان نائماً فاتته الأرباح والخسائر.

التاسعة والثلاثون: أن الذكر شجرة تُثمر المعارف.

الأربعون: أن الذكر يعدلُ عتق الرقاب, ونفقة الأموال, والحمل على الخيل في سبيل الله عز وجل, ويعدلُ الضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل.

الحادية والأربعون: أن الذكر رأس الشكر, فما شكر الله تعالى من لم يذكره.

الثانية والأربعون: أن أكرم الخلق على الله تعالى من المتقين من لا يزال لسانه رطباً بذكره, فإنه اتقاه في أمره ونهيه, وجعل ذكره شعاره.

الثالثة والأربعون: أن في القلب قسوةً لا يُذيبها إلا ذكر الله تعالى, فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى...لأن القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت به القسوة, فإذا ذكر الله تعالى ذابت تلك القسوة كما يذوب الرصاص في النار.

الرابعة والأربعون: أن الذكر شفاء القلب ودواؤه, والغفلة مرضه.

الخامسة والأربعون: أن الذكر أصل موالاة الله عز وجل ورأسها, والغفلة أصل معاداته وأُسُّها, فإن العبد لا يزال يذكر ربه عز وجل حتى يحبه فيواليه, ولا يزال يغفل عنه حتى يبغضه ويعاديه.

السادسة الأربعون: أنه ما استجلبت نعم الله عز وجل واستُدفعت نقمه بمثل ذكر الله تعالى, فالذكر جلاب للنعم, دفاع للنقم.

السابعة والأربعون:أن الذكر يوجب صلاة الله عز وجل وملائكته على الذاكر ومن صلى الله تعالى عليه وملائكته فقد أفلح كل الفلاح وفاز كل الفوز قال سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّـهَ ذِكْرًا كَثِيرًا *وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًاهُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا  [الأحزاب:41-43] فهذه الصلاة منه تبارك وتعالى ومن ملائكته إنما هي على الذاكرين له كثيراً  

الثامنة والأربعون: أن من شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا فليستوطن مجالس الذكر, فإنها رياض الجنة.

التاسعة والأربعون: أن مجالس الذكر مجالس الملائكة, فليس من مجالس الدنيا لهم مجلس إلا مجلس يُذكر الله تعالى فيه...فمجالس الذكر مجالس الملائكة, ومجالس الغفلة مجالس الشياطين.

الخمسون: أن الله عز وجل يباهي بالذاكرين ملائكته.

الحادية والخمسون: إن جميع الأعمال إنما شُرعت إقامةً لذكر الله تعالى, والمقصود بها تحصيل ذكر الله تعالى, قال سبحانه وتعالى: {﴿ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِيٓ﴾} [طه:14]

الثانية والخمسون: أن أفضل أهل كل عمل أكثرهم فيه ذكراً لله عز وجل, فأفضل الصُّوَّام أكثرهم ذكراً لله عز وجل في صومهم, وأفضل المتصدقين أكثرهم ذكراً لله عز وجل, وأفضل الحجاج أكثرهم ذكراً لله عز وجل, وهكذا سائر الأعمال.

الثالثة والخمسون: أن ذكر الله عز وجل من أكبر العون على طاعته, فإنها يُحببها إلى العبد, ويُسهلها عليه, ويُلذذها له, ويجعل قرة عينه فيها, ونعيمه وسروره بها, بحيث لا يجد لها من الكلفة والمشقة والثقل ما يجد الغافل, والتجربة شاهدة بذلك.

الرابعة والخمسون: أن ذكر الله يُسهل الصعب ويُيسر العسير ويُخفف المشاق, فما ذكر الله عز وجل على صعب إلا هان وعلى عسير إلا تيسر, ولا مشقة إلا خفت, ولا شدة إلا زالت ولا كربة إلا انفرجت فذكر الله تعالى هو الفرج...بعد الغم والهم

الخامسة والخمسون: أن ذكر الله تعالى يُذهب عن القلب مخاوفه كلها, وله تأثير عجيب في حصول الأمن, فليس للخائف الذي اشتد خوفه أنفع من ذكر الله عز وجل, فإنه بحسب ذكره يجد الأمن ويزول خوفه...والغافل خائف مع أمنِه.

السادسة والخمسون: أن عُمال الآخرة في مضمار السباق, والذاكرون هم أسبقهم في ذلك المضمار, ولكن القتر والغبار يمنع من رؤية سبقِهم, فإذا انجلى الغبار وانكشف رآهم الناس وقد حازوا قَصَبَ السِّبق.

السابعة والخمسون: أن الذكر سبب لتصديق الرب عز وجل عبده, فإنه خبر عن الله تعالى بأوصاف كماله ونعوت جلاله, فإذا أخبر بها العبد صدَّقه ربه, ومن صدَّقه الله تعالى لم يُحشر مع الكاذبين, ورُجي له أن يُحشر مع الصادقين.

الثامنة والخمسون: أن دُور الجنة تُبنى بالذكر, فإذا أمسك الذاكرُ عن الذكر أمسكت الملائكة عن البناء.

التاسعة والخمسون: أن الذكر سد بين العبد وبين جهنم, فإذا كانت له إلى جهنم طريق من عمل من الأعمال كان الذكر سداً في تلك الطريق, فإذا كان ذكراً دائماً كاملاً كان سداً محكماً لا منفذ فيه, وإلا بحسبه.

الستون: أن الملائكة تستغفر للذاكر كما تستغفر للتائب.

الحادية والستون: أن الجبال والقفار تتباهي, وتستبشر بمن يذكر الله عز وجل عليها.

الثانية والستون: أن كثرة ذكر الله عز وجل أمان من النفاق, فإن المنافقين قليلو الذكر لله عز وجل, قال الله عز وجل في المنافقين: {﴿ وَلَا يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ } [النساء:142] قال كعب: من أكثر ذكر الله عز وجل برئ من النفاق.

الثالثة والستون: أن للذكر من بين الأعمال لذة لا يشبهها شيء, فلو لم يكن للعبد من ثوابه إلا اللذة الحاصلة للذاكر, والنعيم الذي يحصل لقلبه لكفى به, قال مالك بن دينار: ما تلذَّذ المُتلذِّذون بمثل ذكر الله عز وجل.

الرابعة والستون: أنه يكسو الوجه نُضرة في الدنيا, نوراً في الآخرة, فالذاكرون أنضر الناس وجوهاً في الدنيا, وأنورهم في الآخرة.

الخامسة والستون: أن في دوام الذكر في الطريق, والبيت, والحضر, والسفر, والبقاع, تكثير الشهود للعبد يوم القيامة, فإن البقعة, والدار, والجبل, والأرض تشهد للذاكر يوم القيامة.

السادسة والستون: أن في الاشتغال بالذكر اشتغالاً عن الكلام الباطل...فإن اللسان لا يسكت ألبتة, فإما لسان ذاكر, وإما لسان لاغٍ, ولا بد من أحدهما.

فهي النفس إن لم تشغلها بالحق وإلا شغلتك بالباطل, وهو القلب إن لم تسكنه محبة الله عز وجل, سكنته محبة المخلوقين ولا بُد, وهو اللسان إن لم تشغله بالذكر شغلك باللغو, وهو عليك ولا بُد, فاختر لنفسك إحدى الخُطتين, وأنزلها في إحدى المنزلتين.

السابعة والستون: وهي التي بدأنا بذكرها, وأشرنا إليها إشارة, فنذكرها ها هنا مبسوطة لعظيم الفائدة بها, وحاجة كل أحدٍ, بل ضرورته إليها, وهي أن الشياطين قد احتوشت العبد, وهم أعداؤه, فما ظنك برجل قد احتوشه أعداؤه المُحنقُون عليه غيظاً, وأحاطوا به, وكُل منهم يناله بما يقدر عليه من الشِّر والأذى ؟!

ولا سبيل إلى تفريق جمعهم عنه إلا بذكر الله عز وجل.

فالشيطان لا يُحرزُ العباد أنفسهم منه إلا بذكر الله عز وجل.

                      [ كتاب: الداء والدواء]

  • كثرة ذكر الله تهدم السيئات:

إن العبد ليأتي يوم القيامة...بسيئات أمثال الجبال, فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله وما اتصل به.

                        كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ