بين سليمان بن عبد الملك وأبو حازم العالم الزاهد

أبو الهيثم محمد درويش

من مواقف العلماء المشرفة في تاريخ الإسلام موقف العالم الزاهد مع الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك رحمهما الله.

  • التصنيفات: التاريخ والقصص -

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

من مواقف العلماء المشرفة في تاريخ الإسلام موقف العالم الزاهد مع الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك رحمهما الله.

صورة نقية لصدق العالم وصدق النصيحة وصورة تقية لصفاء الخليفة وحسن سريرته وقبوله للنصح.

«وفيات الأعيان» (2/ 422):
«وحج  سليمان بن عبد الملك بالناس سنة (97هـ) فمر على المدينة وهو يريد مكة فقال: أهاهنا أحد يذكرنا فقيل له: أبو حازم، فأرسل إليه فدعاه، فلما دخل عليه قال له: يا أبا حازم، ما هذا الجفاء قال: يا أمير المؤمنين، أعيذك بالله أن تقول ما لم يكن، ما عرفتني قبل ولا أنا رأيتك، فالتفت سليمان إلى محمد ابن شهاب الزهري وقال: أصاب الشيخ وأخطأت أنا؛ فقال سليمان: يا أبا حازم، ما لنا نكره الموت قال: لأنكم أخربتم آخرتكم وعمرتم الدنيا فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب، قال: صدقت، فكيف القدوم على الله عز وجل غداً قال: أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه، فبكى سليمان وقال: ليت شعري، ما أنا عند الله قال: يا أمير المؤمنين، اعرض عملك على كتاب الله عز وجل، قال: وأين أجده قال: (إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم) ، قال: يا أبا حازم، فأي عباد الله أفضل قال: أولو المروءة والتقى، قال: فأي الأعمال أفضل قال: أداء الفرائض مع اجتناب المحارم، قال: فأي الدعاء أسمع قال: دعوة المحسن للمحسن، قال: فأي الصدقة أزكى قال: صدقة السائل البائس وجهد من مقل ليس فيها من ولا أذى؛ قال: فأي القول أعدل قال: قول الحق عند من يخافه أو يرجوه؛ قال فأي الناس أحمق قال: رجل انحط في هوى أخيه وهو ظالم فباع آخرته بدنيا غيره؛ قال: صدقت، فما الذي تقول فيما نحن فيه قال: يا أمير المؤمنين أو تعفيني من ذلك قال: لا، ولكن نصيحة تلقيها إلي؛ قال: إن آباءك قهروا الناس بالسيف وأخذوا الملك عنوة من غير مشورة من المسلمين ولا رضى حتى قتلوا عليه مقتلة عظيمة وارتحلوا عنها، فلو سمعت ما قالوا وما قيل لهم؛ فغشي على سليمان، فقال رجل من جلسائه: بئس ما قلت يا أبا حازم! قال أبو حازم: كذبت يا عدو الله، إن الله أخذ ميثاق العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه، فأفاق سليمان فقال: يا أبا حازم كيف لنا أن نصلح للناس قال: تدع الصلف وتستمسك بالمروة وتقسم بالسوية، قال سليمان: كيف المأخذ به قال: أن تأخذ المال من حله وتضعه في أهله، قال سليمان: هل لك أن تصحبنا فتصيب منا ونصيب منك قال: أعوذ بالله يا أمير المؤمنين! قال: ولم قال: أشخى أن أركن إليكم شيئاً قليلاً فيذيقني الله ضعف الحياة وضعف الممات، قال: يا أبا حازم ارفع إلي حوائجك، قال: تنجيني من النار وتدخلني الجنة، قال: ليس ذلك غلي، قال: فلا حاجة لي غيرها، قال: فادع لي الله يا أبا حازم، قال: اللهم إن كان سليمان وليك فيسره بخير الدنيا والآخرة، وإن كان عدوك فخذ بناصيته إلى ما تحب وترضى، قال سليمان: زدني، قال: يا أمير المؤمنين قد أوجزت وأكثرت إن كنت من أهله، وإن لم تكن من أهله فيما ينبغي لي أن أرمي عن قوس ليس لها وتر، قال: أوصني يا أبا حازم، قال: سأوصيك وأوجز: عظم ربك ونزهه أن يراك حيث نهاك أو يفقدك من حيث أمرك، ثم قام، فبعث إليه سليمان بمائة دينار وكتب إليه أن أنفقها ولك مثلها كثير، فردها عليه وكتب إليه: يا أمير المؤمنين أعوذ بالله أن يكون سؤالك إياي هزلاً وردي عليك باطلاً، فو الله ما أرضاها لك فكيف أرضاها لنفسي يا أمير المؤمنين إن كانت هذه المائة عوضاً لما حدثتك فالميتة ولحم الخنزير في حل الاضطرار أحل من هذه، وإن كانت هذه حقاً لي في بيت المال فلي فيها نظر، فإن سويت بيننا وإلا فلا حاجة لي فيها؛ قال له جلساؤه: يا أمير المؤمنين أيسرك أن يكون الناس كلهم مثله قال: لا والله، قال أبو حازم: يا أمير المؤمنين إن بني إسرائيل ما داموا على الهدى والرشد كان أمراؤهم يأتون علماءهم رغبة فيما عندهم، [فلما رئي قوم من أراذل الناس تعلموا العلم وأتوا به الأمراء] يريدون به الدنيا [استغنت الأمراء عن العلماء] فتعسوا ونكسوا وسقطوا من عين الله عز وجل، ولو أن علماءهم زهدوا فيما عند الأمراء لرغب الأمراء في علمهم، ولكنهم رغبوا فيما عند الأمراء فزهدوا فيهم وهانوا في أعينهم، فقال: الزهري: إياي تعني وتعرض بي فقال أبو حازم: لا والله ما تعمدتك ولكن هو ما تسمع؛ قال سليمان للزهري: هل تعرفه قال: يا أمير المؤمنين إنه لجاري منذ ثلاثين سنة ما كلمته، قال أبو حازم: أجل والله لو أحببت الله لعرفتني ولكن لم تحب الله فنسيتني، فقال الزهري: يا أبا حازم تشتمني! قال: لا، ولكنك شتمت نفسك، أما علمت أن للجار حقاً كالقرابة .

وقفة مع سيرة الخليفة سليمان بن عبد الملك:

‌‌ سليمان بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، وأمه ولادة أم أخيه الوليد؛  كانوا يسمونه مفتاح الخير، وذلك أنه أذهب عنهم سنة الحجاج وأطلق السرى وأخلى السجون وأحسن إلى الناس واستخلف عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهن فكان يقال: فتح بخير وختم بخير.

وكان  سليمان عاقلاً ديناً متوقفاً عن الدماء.

قيل عنه: خرج من الحمام يريد الصلاة ونظر في المرآة فأعجبه جماله، وكان حسن الوجه فقال: أنا الخليفة الشاب، فلقيته إحدى حظاياه، فقال: كيف ترينني فتمثلت:
ليس فيما بدا لنا فيك عيب … عابه الناس غير أنك فان
أنت نعم المتاع لو كنت تبقى … غير أن لا بقاء للإنسان 
 ورجع فحم،أي أصابته الحمى.

رحمه الله