الصدقة تطفئ غضب الرب
"أفضل الصدقة أن تصدَّق وأنت صحيحٌ شحيح، تأمُل الغنى وتخشى الفقر، ولا تَمهَّل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان"، وقال ﷺ: «الصَّدَقَةُ عَلَى المِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ»
- التصنيفات: فقه الصدقات -

في الحرص على الصدقة والأعمال التطوعية في رمضان:
الحمد لله المجيب لكل سائل، التائبِ على العباد، فليس بينه وبين العباد حائلٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تنزَّه عن الشريك وعن الشبيه والمماثل، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
فمن حكم الصيام أن الغني يَعرِف به قدرَ نعمة الله عليه بالغنى، ويذكر بذلك أخاه الفقير الذي ربما يَبيت طاويًا جائعًا، فيجود عليه بالصدقة يكسو بها عورتَه، ويسد بها جوعته، ولذلك «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ»[2].
و"أفضل الصدقة أن تصدَّق وأنت صحيحٌ شحيح، تأمُل الغنى وتخشى الفقر، ولا تَمهَّل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان"، وقال صلى الله عليه وسلم: «الصَّدَقَةُ عَلَى المِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» "[3].
{هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38]، ومن أجمل صور الصدقة في رمضان: إطعام الطعام وعون المحتاج، {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الإنسان: 8 - 12]، وفي الحديث: «أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَطْعَمَ مُؤْمِنًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ ثِمَارِ الجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِنًا عَلَى ظَمَأ سَقَاهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ الرَّحِيقِ المَخْتُومِ»[4].
وقال بعض السلف: "لأن أدعو عشرة من أصحابي، فأُطعمهم طعامًا يشتهونه، أحب إلي من أن أعتِق عشرة من ولد إسماعيل... وكان كثير من السلف يؤثر بفطوره وهو صائم، منهم عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما - وداود الطائي ومالك بن دينار، وأحمد بن حنبل، وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين[5]، ومن السلف من كان يُطعم إخوانه وهو صائمٌ، ويجلس يخدمهم ويروِّحهم، منهم الحسن وابن مبارك، وقال أبو السَّوَّارِ الْعَدَوِي: "كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد، ما أفطر أحدٌ منهم على طعام قط وحده، إن وجد من يأكل معه أكَل، وإلا أخرج طعامه إلى المسجد، فأكله مع الناس وأكل الناس معه.."[6]، ولنتأمَّل هذا الفضل العظيم في قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا»[7]؛ قال ابن رجب: "وذكر أبو بكر بن أبي مريم عن أشياخه أنهم كانوا يقولون: إذا حضر شهر رمضان، فانبسطوا فيه بالنفقة، فإن النفقة فيه مضاعفة كالنفقة في سبيل الله، وتسبيحة فيه أفضلُ من ألف تسبيحة في غيره.."[8].
ربنا تقبَّل منا إنك أنت السميع العليم وتُبْ علينا إنك أنت التواب الرحيم..
[1] أخرجه الترمذي (664)، وابن ماجه (4210)، وابن حبان (3309) واللفظ له، من حديث أنس، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (7983).
[2] أخرجه البخاري (6)، مسلم (2308).
[3] أخرجه الترمذي (658)، والنسائي (2582)، وابن ماجه (1844)، وصححه الألباني في المشكاة (1939).
[4] ضعيف، أخرجه الترمذي(2449)، وأبو داود (1682)، من حديث أبي سعيد الخدري، وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي (278).
[5] انظر تفسير ابن رجب الحنبلي (2/ 176).
[6] الكرم والجود للبرجلاني (ص53).
[7] أخرجه الترمذي (807)، والنسائي (3316)، وابن ماجه (1746)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6415).
[8] لطائف المعارف لابن رجب (ص151).
___________________________________________________
الكاتب: د. صغير بن محمد الصغير