سورة الإخلاص

إن المشركين قالوا للنبي ﷺ: انسُب لنا ربَّك، فأنزل الله عز وجل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}

  • التصنيفات: القرآن وعلومه -

الحمد لله الذي جعَل القرآن هدايةً للمقبلين، وجعَل تلاوتَه بخضوع تُهل دمعَ الخاشعين، وأنزل فيه من الوعيد ما يَهُزُّ به أركانَ الظالمين، وأخبَر فيه أن الموت نهايةٌ لعالمين، وأننا بعد الموت للحساب مَبعوثين، وأننا سنُحاسب عما كنا فاعلين، وسنقف بذلٍّ وخضوعٍ بين يدي ربِّ العالمين: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} [الفجر: 23]، {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ} [إبراهيم: 49]، ليس هناك فرقٌ بين ملك معظَّم وإنسان مَهين، هذا جزاء مَن أخلَص العمل لله رب العالمين، وهذا عطاء ربِّ الأرباب مالك يوم الدين.

 

سبحانه من إلهٍ عظيم، أعزَّ الحق وأخرسَ المبطلين، سبحانه عددَ ما دعاه عباده المساكين، سبحانه عددَ ما انهمَرت دموعُ المنيبين، سبحانه جوَاد كريم قويٌّ متين.

 

ونشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله.

 

إخوة الإسلام، نعيش في هذا المقال الطيِّب مع سورة من أعظم سور القرآن التي تُعد ثُلث القرآن، والتي مَن قرأها بُني له قصرٌ في الجنة... نعيش مع سورة الإخلاص؛ هيَّا لنتعرف على فضائلها.

 

أسماؤها:

أشهر أسمائها: «الإخلاص»، وسُمِّيت بذلك؛ لأنَّ في قراءتها خلاصًا من عذاب الله، أو لأن فيها إخلاصًا لله من كل عيب ومن كل شريك، أو لأنَّها خالصة لله ليس فيها أمرٌ ولا نهي، وقيل: سُميت بالإخلاص؛ لأنَّها أخلصت التوحيد لله، أو لأنَّ قارئها وتاليها قد أخلص دينه لله.

 

ومن أسمائها: «قل هو الله أحد»، وقد بوَّب البخاري في «الصحيح» باب فضل «قل هو الله أحد»، ومن أسمائها: التوحيد، والأساس؛ لأن التوحيد أصلٌ لسائر أصول الدين، ومن أسمائها: التَّفريد والتَّجريد والنَّجاة والولاية والمعرفة - لأنَّ معرفة الله إنما تتمُّ بمعرفة ما فيها - والنِّسبة والصَّمد والمعوِّذة والمانعة والمذكِّرة والنُّور والإيمان والمُقَشْقِشة والمعولة والبراءة.

 

سبب نزول هذه السورة:

عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: «إن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: انسُب لنا ربَّك، فأنزل الله عز وجل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}  [الإخلاص: 1 - 4].

 

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: «أن أعرابيًّا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: انسُب لنا ربَّك، فأنزَل الله عز وجل: {قُلْ هُو اللَّهُ أَحَدٌ} إلى آخرها».

 

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: «جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، منهم كعب بن الأشرف وحُيي بن أخطب، فقالوا: يا محمد، صفْ لنا ربَّك الذي بعثك، فأنزل الله تعالى: {قُلْ هُو اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ} ، فيَخرُج منه شيءٌ، {وَلَمْ يُولَدْ} فيَخرُج شيءٌ».

 

ومُحصل هذه الروايات بمجموعها أن المشركين من أهل مكة، ومن أهل الكتاب - سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يَنسُب لهم ربَّه ويصِفه، فأنزل الله هذه السور.

 

من فضائلها أنه يُبنى لقارئها بيت في الجنة:

عن أنس رضي الله عنه عن رسول لله صلى الله عليه وسلم قال: مَن قرأَ (قل هو الله أحد) عشر مرات، بنى الله له بيتًا في الجنة، فقال عمر بن الخطاب: إذًا نَستكثر يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أكثرُ وأطيب» [1].

 

عن معاذ بن أنس الجهني صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن قرأ (قل هو الله أحد) حتى يَختمها عشر مرات، بَنى الله له قصرًا في الجنة» ، فقال عمر بن الخطاب: إذًا أستكثر يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أكثرُ وأطيب» [2].

 

«من قرأ قل هو الله أحد عشرين مرة، بنى الله له قصرًا في الجنة»، وفي هذا الحديث وما قبله إثباتُ فضل (قل هو الله أحد)، وقد قال بعضهم: إنها تُضاهي كلمة التوحيد لِما اشتمَلت عليه من الجمل المثبتة والنافية مع زيادة تعليل، ومعنى النفي أنه الخالق الرزاق المعبود؛ لأنه ليس فوقه مَن يَمنعه من ذلك كالوالد، ولا مَن يساويه كالكفؤ، ولا مَن يُعينه كالولد[3].

 

تَعدِل ثلث القرآن:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «احْشِدُوا فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ»، فَحَشَدَ مَنْ حَشَدَ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَرَأَ {قُلْ هُو اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]، ثُمَّ دَخَلَ فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: «إِنِّي أُرَى هَذَا خَبَرٌ جَاءَهُ مِنَ السَّمَاءِ، فَذَاكَ الَّذِي أَدْخَلَهُ»، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ: سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، أَلاَ إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ»[4]؛ ("صحيح مسلم").

 

يُبنى لقارئها بيت في الجنة:

عَنْ سَهْلِ بنِ مُعَاذِ بن أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ عَن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَرَأَ: {قُلْ هُو اللَّهُ أَحَدٌ} [[الإخلاص: 1]] عَشْرَ مَرَّاتٍ، بنى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ»، فَقَالَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ: إِذنْ نَسْتَكْثِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُ أَكْثَرُ وَأَطْيَبُ»[5].

 

حراسة صاحبها وحفظه من الشرور بإذن الله:

عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَقُودُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَاحِلَتَهُ فِي غَزْوَةٍ، إِذْ قَالَ: «يَا عُقْبَةُ، قُلْ»، فَاسْتَمَعْتُ، ثُمَّ قَالَ: «يَا عُقْبَةُ قُلْ»، فَاسْتَمَعْتُ، فَقَالَهَا الثَّالِثَةَ، فَقُلْتُ: "مَا أَقُولُ؟"، فَقَالَ: «قُلْ هُو اللَّهُ أَحَدٌ»، فَقَرَأَ السُّورَةَ حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَرَأَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] وَقَرَأْتُ مَعَهُ حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَرَأَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1]، فَقَرَأْتُ مَعَهُ حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: «مَا تَعَوَّذَ بِمِثْلِهِنَّ أَحَدٌ»[6].‏

 

حبُّها سبب لدخول الجنة:

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَلْزَمُ قِرَاءَةَ {قُلْ هُو اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فِي الصَّلاةِ فِي كُلِّ سُورَةٍ وَهُو يَؤُمُّ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا يُلْزِمُكَ هَذِهِ السُّورَةَ؟»، قَالَ: "إِنِّي أُحِبُّهَا"، قَالَ: «حُبُّهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ»[7].

 


[1] أخرجه الطبراني في الكبير ح 397، وقال الشيخ الألباني: (صحيح)؛ انظر حديث رقم: 6472 في صحيح الجامع.

[2] أحمد ح 15648، وحسنه الألباني في الصحيحة ح 589.

[3] فيض القدير [جزء 6 - صفحة 202].

[4] أخرجه مسلم (2/ 200)، والترمذي (2900) - وصححه-، وأحمد (2/ 429).

[5] رواه الإمام أحمد، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"، حديث رقم‏:‏ 6472.

[6] رواه النسائي، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" حديث رقم‏:‏ 7950.

[7] رواه الترمذي (2901)، وحسنه الألباني.

_______________________________________________
الكاتب: السيد مراد سلامة